بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. فاليوم بإذن الله سوف نتناول الجزء الثالث والعشرون من أجزاء القرآن الكريم ومعنا في هذه الحلقة فضيلة عويض بن حمود العطوي
وتعودنا دكتور عويض أن نعرض للإخوة المشاهدين أبرز الموضوعات التي اشتمل عليها الجزء بإيجاز فالجزء الثالث والعشرون يبدأ بالآية (28) من سورة ( يس ) مع سورة الصافات وسورة ( ص ) إلى الآية (31) من سورة الزمر وسورة يس كسورة مكية تناولت مواضع كثيرة أبرزها الإيمان بالله والنشور وقصة أهل القرية والأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين أما سورة الصافات فهي تعنى كذلك بأصول العقيدة والتوحيد والبعث والجزاء وهي مكية أيضاً سورة ( ص ) سورة مكية كذلك وهدفها مثل هدف السورة المكية التي تعالج أصول العقيدة أما سورة الزمر فهي تكلمت عن التوحيد وأصول الإيمان بإسهاب حتى تكاد تكون هي المحور الرئيس للسورة لأنها أصل الإيمان وأساس العقيدة السليمة هذا يا دكتور عويض أبرز ما يمكن أن نقوله للإخوة المشاهدين وعليك أنت التفاصيل وبعض اللطائف نرجو أن تتحفنا بها في هذه الحلقة وأنا أريد من الإخوة المشاهدين أن نجعل هذه الحلقة حلقة على البلاغة القرآنية باعتبار الدكتور عويض من المتخصصين المعنيين بهذا الجانب. فحياك الله دكتور عويض ونبدأ بالحديث عن هذه السور بالجانب الذي تراه والبلاغية التي فيها باختصار ثم نتلقى الأسئلة بعد ذلك.
الضيف .... بسم الله الرحمن الرحيم رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد : نسأل الله عز وجل التوفيق لهذه القناة الطيبة وخصوصاً الاهتمام بأول برامجها بموضوع التفسير وهو الموضوع المتصل بهذا الكتاب العظيم وهو كتاب ربنا جل وعلا والذي يجب أن تتوجه الأمة كلها له ومن ضمن الأشياء التي تلفت النظر في السور الأربعة : أولاً : أنها مكية وتكاد تكون بالإجماع الأشياء يسيرة والأمر الثاني الإشارات الكثيرة فيها للقرآن في بدايتها ونهايتها ويهمنا في رمضان قول الله تعالى : كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ هذه الآية أيضاً موجودة ضمن هذه السور التي معنا اليوم ولما ننظر أيضاً إلى بدايات السور نجد فيها إشارة أيضاً إلى القرآن الكريم بأوصافه أو تنزيله وياليت فقط نستفيد الآن من قضية كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ
أولاً: أنزلناه إليك وفي بعض الحقائق من القرآن نجد فعل أنزل يتعدى بعلى وهناك فرق بين تعدية الفعل أنزل بعلى وتعديته إلى إلى وذلك أن إلى تدل على وصول المنزل إلى المنزل إليه لأنها لانتهاء الغاية وهذا أيضاً في لفت النظر إلى المنزل إليه أما على فإنها تشعر باستعلاء هذا المنزل وعلو مكانته وهذا يدل على أن كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يا محمد فهو وصل سالماً وهو يؤيد حماية القرآن في حالة نزوله أو بقائه .... من الإشارات حقيقة أيضاً تهمنا في رمضان قضية التسليم والاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى ، نحن في رمضان نستجيب نصوم مع بعضنا نفطر مع بعضنا في لحظة محددة في لطيفة جميلة حقيقة ذكرت في قصة إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل أنه لما بلغ معه السعي قال يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ نحن نحتاج حقيقة إلى بعض الرؤى الصريحة في هذه القصة التي تغير من القصص في هذا المجال.... أولاً، لماذا الله سبحانه وتعالى طلب من إبراهيم عليه السلام خصوصاً ذبح الولد خصوصاً أنه رزق به متأخراً. أشار إلى هذا بعض المفسرين إشارة مهمة ومن ضمنها على اختصار تفسير السعدي وهي قضية أن إبراهيم عليه السلام هو خليل الله والخلة تعني المحبة وإبراهيم طلب الولد على كبر ومجيء الولد على كبر محبة كبيرة جداً للولد قال بعضهم فحتى لا تزاح محبة الولد محبة الله سبحانه وتعالى أراد الله عز وجل أن يختبره فأختبره إلى أن لم تيقي في قلب إبراهيم بعد أن سلم أمره لله وأراد أن يذبح ابنه بقيت محبة الله سبحانه وتعالى خالصة لله فلما حصل ذلك بين الله سبحانه أنه بلاء عظيم وفداه اختبار كبير ولكن لاحظ معي الكلمات الجميلة { يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ أول شيء قال له يا بني وهذا خلاف خطاب الآباء في القرآن إذا كانوا كفاراً فإبراهيم عليه السلام أبوه لا يقول له يا بني وهو يقول له يا أبت وهذا خطاب المؤمن بينما إبراهيم هنا ينادي ابنه يا بني والحالة صعبة فيقول إني أرى في المنام أني أذبحك ويذكر له القيد لماذا في المنام لماذا لم يقل إني أرى أني أذبحك ليشعر بأن الرؤيا في المنام حق ولابد من تنفيذها ولكن إذا كانت رؤيا كاذبة فممكن أن يتجاوزها لاحظ هنا كما يقولون لغة «أذبحك» مع أنها صعبة إلا أنها لغة الأب الرحيم وليست مثل لغة فرعون الظالم «يُذَبَّح» لفارق الآية أن أذبح فعل خال من التشديد والتضعيف بينما لغة فرعون القاتل السفاح الذي جعل القتل مهنة له ولجنوده قال «يذّبح» أي يكثر منه ويسرف فيه ثم قال فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ يذكر أيضاً هنا ملحظ أن إسماعيل عليه السلام قال أَذْبَحُكَ فلم يقل «أفعل رأيك» أو «أفعل ما ترى» لأنه يدرك بهذا أنه ليس رأيه لأنه لو كان رأيه لما قال له بل إنك مأمور بشيء يجب علي وعليك تنفيذه ونحن نتكلم عن رمضان والاستجابة لأمر الله. وتمر علينا الآن أمور أسهل من هذا والبعض لا يستجيبون فهذا درس مهم حقيقة أيضاً قال سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ وأظن من أهم دروس رمضان لنا هي الصبر وتعليمه سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ بينما موسى عليه الصلاة والسلام قال سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا يقول بعضهم فصبر إسماعيل ولم يصبر موسى عليهما السلام ولعل في هذا لطيفة وهي أن إبراهيم عليه السلام بل إسماعيل «عفواً» جعل نفسه من جملة الصابرين كأنني أبذل جهدي هذه جهة والأمر الثاني كان مع المجموعة التي هذه صفاتها يصير معهم وليس عندما يكون فرد وحده وكذلك أنها تشعر بأنها من الصفات الدائمة من ضمن هؤلاء الناس الذي هذا ديدنهم وهو الصبر ثم يقول الله عز وجل فَلَمَّا أَسْلَمَا أن الله سبحانه قال فَلَمَّا أَسْلَمَا مع أن السياق يبين أن الذي يسلم هنا هو إسماعيل فهو المختبر وهو المطلوب أن يذبح لكن الله سبحانه قال فَلَمَّا أَسْلَمَا ولم يقل «فلما أسلم» الأمر الثاني كان يمكن أن يقال فلما أسلم إسماعيل وأبوه دون الضمير لكن لما يأتي الضمير لاثنين مشتركين في شيء في ضمير واحد دون ذكر أحدهم أو عطفه على الآخر دليل على أنهما في درجة الفعل المذكور سواء في الصبر وهذا موجود في القرآن في قصة نزول أبينا آدم إلى الأرض قال تعالى اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ هذه فيها ملمح علي أن السكنى المسئول عنها بالصورة الأولى الزوج ثم وزوجك أما في الأكل قال تعالى فَكُلاَ وأيضاً وَلاَ تَقْرَبَا في قضية التشريع فهما سواء.
المقدم : فتح الله عليك يا دكتور في الحقيقة أنا متحف جداً بما تقول وأنا على ثقة بأن الذين يستمعون إليك مستمتعين أيضاً.
* معنا الأخ المتصل من السعودية ليسأل ولكن يبدو أن الاتصال انقطع فنواصل معك يا دكتور. الضيف : من الأشياء التي تأتي في قصة إبراهيم مع ولده وهذا كله في سورة الصافات وها في الحقيقة لا أريد أن أقف في مكان محدد لأن الجزء طويل والوقت قصير فأتوقع بأن يكون نوع من الحوار حول الجزء والتنبيه على بعض الأمور في هذا الجزء فمن الأشياء في رمضان التي نستطيع أن نجد لها تدل عليها أو تشير إليها ما جاء في سورة الزمر في قضية التوبة وسعة رحمة الله سبحانه وتعالى ويجب على الإنسان أن يتعرض لنفحات الله سبحانه في هذا ففي قوله تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ من أرجى الآيات فحين ننظر كيف نزلت فعندما جاءوا للنبي وقالوا نحن قوم قتلنا فأسرفنا في القتل وزنينا فأكثرنا الزنا وسرقنا فأكثرنا السرقة فيا رسول الله فهل لنا من توبة فنريد أن نتوب فهذه معاصي كيف نستطيع أن نتحملها فنزلت هذه الآية فالمتأمل لهذه الآية يجد أن الله سبحانه وتعلى يقول لنبيه محمد قل « قل يا عبادي وأسندهم إلى نفسه سبحانه وتعالى وخاطبهم بلفظ العبودية وهي من أجلّ الأوصاف للمسلم وهذا ملمح لنا أنه حتى الذين يذنبون من إخواننا وأصحابنا والناس حولنا يجب أن يعاملوا أيضاً معاملة رحيم وليست معاملة إبعاد لأن الله سبحانه وتعالى يناديهم وهم على هذه الحال وفي هذه الصورة بهذا الأمر حتى يستدرجهم نحو رحمته سبحانه وتعالى فيقول يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا ثم يصلهم بالاسم الموصول ( الذين ) ويجعل صفتهم المميزة لهم أنهم أسرفوا على أنفسهم ولذلك نجد في القرآن أحياناً الذين نفروا دون الكافرين لأن المقصود بذكر الاسم الموصول ويعرف به دون غيره إذا كانت الصفة مذكورة بعده أحد أهم الدلائل والتعريفات لهذا الشخص فنقول «جاء الذي يخلف الوعد» هذا تريد أن تذمه فلا تقول اسمه بل صفته دليل على أن هذه الصفة أصبحت دائمة فغير الموصول يمكن أن يكون اسم الإشارة مثلاً. المقدم : سبحان الله يا دكتور يقول الله تعالى فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ هل فيها هذا الأمر؟ الدكتور : نعم يمكن أن يكون فيها هذا الملمح موجود فيها الَّذِينَ صَدَقُوا صارت الصفة التي فيهم وأميز ما فيهم وليس هذا فقط أن يكون الصفة قد استمروا عليها استمراراً طويلاً حتى أصبحت صفتهم «الكاذبين» كأنها تشعر بأن هؤلاء صارت صفة منهم في هذا الموقف أو يراد تميزهم هل هم مستحرون عليها أم لا ولذلك هذه جاءت في قصة العسرة فالذين صدقوا واضحون وهم المؤمنون وهم الأكثر والحمد لله والذين تخلفوا أو الذين كان فيهم نفاق غير معروفين للصحابة ويراد أن يبرزوا فقضية الإسراف أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ معروف أن هذه دالة على الكلمات التي جاوزت الحد ثم عَلَى أَنفُسِهِمْ ولا حول ولا قوة إلا بالله وهذه حقيقة فيه مدلول على أن الذين أسرفوا يجب أن يعلموا أن سؤوهم على أنفسهم ويجب أن يكفروا بهذه الطريقة لكن إذا رأى أن الذين يحمل له السعادة أو يجلبها لها فغير صحيح فالله سبحانه وتعالى قال أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ ثم لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ لاحظ أن قوله سبحانه لَا تَقْنَطُوا لأنه متوقع ممن يسرف على نفسه بسبب إسراف الذنب يصل أحياناً إلى مشكلة القنوط وهي اليأس من رحمة الله وبعد ذلك قد يكون من صور اليأس ألا يطلب رحمة الله عز وجل أو يزيد من الذنوب ويقع في المهلكات عياذاً بالله. المقدم : معنا اتصال من السعودية يسأل السائل عن آية : وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ما المقصود؟ * في الحقيقة دكتور عويض الكلام الذي ذكرته كلام يشدني ويشد المشاهدين قطعاً ولذلك لنا أن نسأل يا دكتور هذه الجوانب البلاغية التي يمكن استخراجها من القرآن الكريم هل هناك طريقة توصي بها للحصول على مثل الملكات البلاغية في استنباطها من القرآن من الكتب التي ترى أنها مميزة في البلاغة في القرآن الكريم؟ الدكتور : نعم، أنا أريد أن أقول شيء قي قضية البلاغة في القرآن. أولاً البلاغة سواء أكانت في القرآن أو غيرها أنا أتمنى ألا تكون هدفاً يسعى إليه بحيث يتساءل القارئ ما هو الملمح البلاغي ثم ننسى الهدف ولهذا لاحظ من حديثي الآن أننا نحاول نربط البلاغة بقضية المقصد والسلوك وغيره ولا نركز كثيراً بالذات في توجيه البلاغة القرآنية نحو الجمهور العام من الناس لأن هذا يبعد ويضعف جانب الإقناع عند المشاهد أو المستمع لكن الذي يهم هو المقصد والمعنى فنحن نستثمر البلاغة. نجعل هذا في ثوب بلاغي ليكون أقرب إلى فهم الإنسان وأحياناً أكثر إقناعاً .... أنا أبشر الإخوة الذين يستمعون بأن القرآن ليس صعباً وحتى الوصول إلى بلاغته ليست صعبة صحيح قد لا أكون مثل المختص في معرفة أسرار الجمال ولكن يدرك الجمال وكثير من الناس يدركون جمال الآية أو نظمها لكنه قد لا يعلل هذا وأيضاً لا يعني أن يترك هذا المجال. المقدم : الملاحظ يا دكتور عويض من أسئلة المشاهدين أنها تدور حول هذا ويهتمون بمثل هذا ولكن معنا اتصال من السعودية تسأل فيه السائلة عن لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ما المقصود بهذه الآية؟ طيب بالنسبة للكتب يا دكتور عويض؟ الدكتور : أولاً الرسالة التي أريد أن أوصلها أن أقول لا نصعب على أنفسنا فهم القرآن وأتمنى من المشاهدين ذلك ماذا مرت بهم أية لم يفهموا ما فيها من كلمات يحاولون الوصول إليها لماذا جاءت هذه؟ لعل هذا أعم وهذا بعده في الأهمية؟ لعل السياق هنا يدل على كذا؟ ثم يعود ويقرأ الآيات مرة أخرى فيدخل بذلك في صورة التدبر. فأنا لا أريد حقيقة أول ما يقرأ الإنسان آية صعب عليه فهمها أن يتصل بفلان أو أن يفتح كتاب ليصل إلى معنى !! نحن نريد شيء من الجهد في سبيل فهم كلام ربنا ٍسبحانه. فلماذا الله سبحانه وتعلى قال وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ هذا سؤال أين الذين يذكرون أين الذين ينظرون والمهم جداً حقيقة أن ما نبعد القرآن عن ساحتنا وبالتالي فالكتب تنقسم إلى قسمين كتب تتحدث عن البلاغة النظرية وهذه تحتاج إلى طلاب علم الذين يدرسون ومن أحسن الكتب هو كتاب البلاغة فنونها في أفنانها ... بحكم أن هذا الكتاب متأخر لغته سهلة يتميز بأنه لم يعتني بالتقعيد فقط بل اعتنى. الشيخ : المهم جداً حقيقة ألا نبعد القرآن عن ساحتنا، أما الكتب فالحقيقة الكتب تنقسم إلى أقسام فهناك كتب تتحدث عن البلاغة النظرية هذه تحتاج إلى طلاب علم ومن أحسن الكتب حقيقة هو كتاب البلاغة فنونها وأفنانها بحكم أن هذا الكتاب متأخر لغته سهلة واعتنى بالتقعيد ومعه كثير من التطبيق من القرآن بل إنه في الغالب بعد أن ينتهي من دراسة اللون البلاغي يتبعه بنماذج من القرآن والسنة محللة والنماذج كل ما كثر تحليلها كل ما ثبت القواعد هذه ولكني يا إخواني أتصور أن البلاغة أكثر من كونها علم وبالتالي تحتاج حقيقة إما مدارسة مع أحد وهكذا وروح البلاغة هي البلاغة التطبيقية الموجودة في كتب التفاسير لأن ليس كل ما في التفسير بلاغة وبالتالي تأتيك البلاغة في وقتها يعني كلمة تشير إلى معاني وأنت تقرأ فتثبت عندك لكن لو كانت كلها بلاغة بلاغة بلاغة لكان في ذلك صعوبة ينسى بعضها بعضاً والذي أنصح به ما جمع لابن القيم رحمه الله من بينها بدائع التفسير في خمس مجلدات وله لمحات كثيرة جداً وهناك ميزة لدى ابن القيم وهي أن صورة تحليله تعليمي بمعنى أنه يأتي للآية ويسأل أسئلة ثم يبدأ بالإجابة عليها والأسئلة تثير في الشخص حب المعرفة والاستطلاع ومن الذين يفعلون ذلك أيضاً الزمخشري في الكشاف وهذا أسلوب جميل جداً رغم أنه من القدماء حتى أنه أسلوب رائع في أثناء تدريس التفسير وكذلك من الكتب التي تكون قريبة للناس فتح القدير للشوكاني فيه ملامح جميلة وهو في الحقيقة يغني عن مجموعة كتب الألوسي وأبو السعود وإنما يزيد عليها بالإعراب وتفسير أبو السعود تفاسير غير مطولة ولكنها تعتني بالجانب البلاغي بشكل جيد بدون إعراب أما الكتاب الموسع جداً في البلاغة فهو التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور وهو كتاب بلاغي وتطبيقي هائل جداً حتى يذكر المصطلح وتفصيله فهذا لا يتناسب مع أي شخص أما علم المناسبات الذي أرى كثير من الأسئلة تأتي له فهو في الحقيقة يقع في شقين فمناسبات تضاد وهو ما نسميه بالمتشابهات في القرآن وله كتب خاصة فيه ولعل من أوسعها ملاك التأويل للغرناطي وأيضاً عندي في قضية التناسب نظم الدرر للببقاعي لكن نصيحتي يا إخوان أن الإنسان أول ما يقرأ هذه الكتب يجد صعوبة لأنه لم يتمرس عليها فعليه أن يعيدها مرة واثنان وثلاث حتى يأنس ويفهم مثل هذه الكتب. المقدم : فتح الله عليك يا دكتور وأستأذنك وأستأذن السادة المشاهدين في فاصل نستعرض فيه كتاب هذه الحلقة. فابقوا معنا «تفسير التابعين عرض ودراسة» هذا الكتاب من تأليف الدكتور/ محمد بن عبد الله الخضيري «عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية» وقد تناول المؤلف في كتابه تاريخ تفسير القرآن عند طبقة من التابعين الذين جاءوا بعد الصحابة y أجمعين ومنهجهم الذين تميزا به في تفسير القرآن والكلام بتفصيل عن أبرز مفسري التابعين الذين تفرغوا لتفسير القرآن والعناية به وقد ذيل الكتاب بفهرس للفوائد التي أثمرها البحث وهي تقارب الأربعمائة فائدة ونتيجة كثير منها لم يسبق الباحث ومن تلك الفوائد قوله : يعتبر التابعون إجمالاً أكثر اجتهاداً في التفسير من الصحابة باستثناء ابن عباس t . 60% من مرويات ابن جرير في تفسير هي من تفاسير التابعين وقد صدر الكتاب عن دار الوطن عام 1420هـ في مجلدين وهو كتاب تأصيلي نافع لطالب العلم في التفسير للإحاطة بمناهج التابعين في تفسير القرآن ومكانتهم ومعرفة معاني القرآن الكريم. المقدم : أهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة المشاهدين مرة أخرى وأكرر الترحيب بأخي الدكتور/ عويض فأهلاً ومرحباً بك. لدينا أسئلة من الحلقة الماضية وأسئلة جوال من هذه الحلقة منها ما سألت عنه السائلة في قوله تعالى [يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ] {الأحزاب:30} تقول كيف تنطق كلمة مبينة وما معناها؟ الشيخ : طبعاً هذه فيها قراءتان مبينية ومبينَة والقراءتان تغطيان المعنى فمبينة هي اسم الفاعل فهي تبين ذاتها ومبينة معناها ظاهرة فيظهر من هؤلاء إذا جمعنا ... والقراءات حقيقة علم وفن والالتفات لها مهم جداً لأنها أحياناً تزيد المعاني وتشرحها وأحياناً توسعها وأحياناً تغطي جوانب لا تغطيها القراءة الأخرى فنعلم من هذا مدلول الآية بشكل أوسع مثل هذه الآية التي معنا الآن. المقدم : أيضاً هناك سؤال يا دكتور في قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا] {الأحزاب:41-42} سألت ما هو الحكمة من ذكر التسبيح بعد الذكر؟ الشيخ : قد يكون سؤالنا أن يكون التسبيح داخل في الذكر وقد يكون هذا ما يدل عليه فلماذا يذكر بعده وعلى كل حال القضية هي أنه إذا ذكر شيء خاص بعد شيء عام يدخل فيه ونحن نستخدمه في حياتنا وفي لغتنا الدارجة والهدف منه أننا نخشى رغم أهمية هذا الخاص أننا لا ننتبه عليه إما لأنه من الأهمية بمكان كبير أو لأنه قد يتناسى ولا يهتم به وهو محط الاهتمام مثل [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى] {البقرة:238} والصلاة الوسطى داخلة في الصلوات ولكن لأن الصلاة الوسطى قد تضييع في زحمة العمل وعمل الناس وغير ذلك وجاءت الأحاديث تؤيد هذا النص فالذكر أنواع ولكن التسبيح له صفة خاصة وهو التنزيه الخاص بالله سبحانه وتعالى فتجد إنسان قد يذكر الله سبحانه وتعالى ذكر معيناً ولكن لا يهتم مثلاً بأسمائه الحسنى سبحانه ووصفه بها والثناء عليه فينتبه الإنسان أن التسبيح من الأمور العظيمة والكون كله يسبح الله نحن لا نشعر بالجبل حولنا ولا بالشجر لكن الكل يسبح. المقدم : هناك سؤال آخر للأخت السائلة في قوله تعالى [تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَلِيمًا] {الأحزاب:51} فتسأل ما الحكمة من ختم الآية بقوله عليماً حليماً ولو تكلمنا يا دكتور عن ختم الآيات بالأسماء الحسنى لله تعالى ؟ الشيخ : حقيقة نشكر الأخت على هذه اللمحة فالاهتمام بمثل هذه القضايا أيضاً يوحي بفهم هذا القرآن ونحن كلنا يمكن أن نكون ذلك الرجل ويمكن أن نصل إلى مثل هذه اللمحات وهذا يسمى بالفاصل القرآني وهي الآية أو الجملة التي تختم بها الآية القرآنية وهي قد ألفت فيها مؤلفات وأنا أنصح الأخت الكريمة بقراءة مثل هذه المؤلفات والسياق له دور كبير في مثل هذا الأمر ولن يستطيع أحد أن يعلل شيئاً دون النظر في سياق الآية والسياق قد يكون مقالي وقد يكون حالي مثل الموضوع كله الذي تتحدث عنه السورة فمثلاً هنا ذكر العلم والحلم فالحلم معروف أنه خلق يحمل صاحبه على التأني والقضية التي جاءت فيها الآية أنه عمل وعلاقة معينة مع الزوجات فهذا عند الزوج أو عند من يريد أن يقضي فيه فلابد أن يتصف بهذه الإشارات من هذه الصفات وهي الحلم والعلم فالله سبحانه وتعالى لما يحكم ويعلمنا الأحكام سبحانه وتعالى في مثل هذه القضايا الزوجية أو العلاقات بين الناس هو عالم سبحانه بما يصلحنا رغم أننا نفعل أشياء تظن أنها تنفعنا وهي ليست كذلك وأيضاً الحلم وأنا أتصور أن من ضمن الأشياء المهمة جداً في العلاقات الزوجية والاجتماعية هو هذا الخلق والذي للأسف هو شبه غائب عن كثير من علاقاتنا فممكن للأخت حتى تستزيد من هذا الجانب في الفاصل القرآنية كتاب مختص لمحمد الحسناوي وفي للخضر حسين وهناك الآن كنت تتحدث عن الفواصل القرآنية من ناحية صوتية ومن ناحية معنوية وفي بعض الكتب تتحدث فقط عن الفواصل القرآنية فقط في أسماء الله الحسنى. المقدم : شكر الله لك في سؤال للأخ يقول تكرر [إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ] {الصَّفات:80} في سورة الصافات تكررت في جميع قصص الأنبياء الواردة في السورة إلا بعد لوط ويونس فما السبب؟ الشيخ : يبدو لي أن القصص ليست التي ذكرت في السورة فيها حادثة أو أمر مشابه لقضية النبي r مع قريش وهذا ملمح مهم جداً عندما تكرر ذكر قصص الأنبياء بعض الناس يسأل لماذا يتكرر فترى أن القصة يتكرر منها الجزء الذي يتناسب مع ما جئ به لأجلها فقط هذا الجزء تأتي القصة تتحدث مع النبي فلو جئنا لوجدنا أغلب القصص التي ذكرت تتناسب مع ما يحدث للنبي r وهو يحتاج إلى هذا التثبيت بذكر هذه القصص بأنواعها وبشكل طبيعي عندما يكون لدى الإنسان واجب يؤديه فإنه يجزى عليه فلذلك ختمت [إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ] نلحظ أن القصص الأربعة بالذات فيها حوادث وفيها قصص إلا ما ذكر عن لوط عليه السلام فإنه جاء عوضاً لم يكن فيه تفصيل لحادثة معينة يمكن أن يجازى عليها فما ذكر ذلك وكذلك أيضاً هنا في ملمح آخر إبراهيم عليه السلام بالذات هو الذي تكرر معه هذا الأمر مرتين [إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ] مرة بالتوكيد [إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ] ومرة [كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ] وهذا يدل على منزلة هذا النبي الكريم عند ربه سبحانه وتعالى وكأنه أحسن أكثر من مرة خصوصاً أن القضية التي اختبر فيها هي من نوع خاص والله أعلم وهي ذبح ابنه فهو استجاب وأسلم وابنه أيضاً أسلم ولم يثنى ابنه فقد يكون هذا الأمر أخذ له هو. المقدم : جزاك الله خيراً هذا توجيه طيب بارك الله فيك. المقدم : تسأل الأخت عن قوله تعالى [لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ] {الأنبياء:100} في سورة الأنبياء فما المقصود بها؟ الشيخ : والله أنا ليس عندي تعليل واضح وهو ملمح جميل لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون فلماذا نفى السماع عنهم وهنا السماع من صور التأذي من صور العذاب لكن والله أعلم أنهم من شدة العذاب الذي هم فيه تعطلت عندهم حاسة السمع والله أعلم أن صفة السمع من الحواس التي لا تتعطل عند الإنسان حتى في حالة النوم فيمكن أنها ما تعطلت إلا من شدة ما وصلوا إليه من العذاب ولذلك لهم زفير من شدة ما هم فيه من العذاب. المقدم : طيب سؤال الأخت عن أدعية الأنبياء هل ندعو بها أيضاً؟ الشيخ : أدعية الأنبياء مشاعة بل بالعكس هي من أفضل ما ندعوا به لأنهم هم أعرف الناس بربهم سبحانه وتعالى ولذلك في وقت قريب الناس الذين أصيبوا بالعقم يدعون بدعاء زكرياً عليه السلام [رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ] {الأنبياء:89} ويدعوا بدعاء إبراهيم عليه السلام [رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ] {الصَّفات:100} وغير ذلك لأن أدعية الأنبياء فيها ميزة الجمع فهي جامعة لهذا الأمر. المقدم : جزاك الله خيراً في الحقيقة الوقت أدركنا يا دكتور/ عويض ولعلنا نرجى الأسئلة في الحلقة القادمة أو نجمعها في حلقة في آخر الشهر بإذن الله تعالى شكر الله لكم أيها الإخوة المشاهدون لمتابعة هذه الحلقة وقبل أن أختم أحب أن أشير إلى كتاب أنصح بالإطلاع عليه وهو كتاب «بلاغة الحال في النظم القرآني» ومؤلفه هو ضيفنا في هذه الحلقة وهو الدكتور/ عويض بن حمود العطوي ويمكنكم كذلك التواصل مع الدكتور عبر موقعه الإلكتروني www.alatay.net كما أسعدني الدكتور حقيقة بأنه يمكنكم التواصل عبر رسائل الجوال على رقم 88360 ويرسل رقم 3 للاشتراك إلى هنا نشكرك شكراً جزيلاً دكتور عويض على حضورك ومشاركتنا في هذه الحلقة وأسأل الله أن يكتب أجرك. وحتى ألقاكم غداً أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،، أذيعت يوم الثلاثاء بتاريخ : 23/9/1429هـ