كتبه/ محمود عبد الحميد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
ذكرنا في الحلقة السابقة السبب الأول من أسباب الإصلاح، وهو العلم. ونذكر في هذه الحلقة -بإذن الله- السببين الثاني والثالث، وهما التصفية والتربية.
السبب الثاني: التصفية:
ونعني بالتصفية تخليص الأحاديث النبوية مما علق بها من أحاديث ضعيفة وموضوعة، مما نسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يثبت عنه أنه قاله، أو فعله، أو أقره -صلى الله عليه وسلم-. وكذلك تصفية التفاسير من الإسرائيليات، والتأويلات الفاسدة، والاستدلالات الباطلة. وكذلك تصفية العبادات مما لحق بها من بدع ومحدثات لم ينزل الله بها من سلطان سواء كانت بدع مكفرة، أو مفسقة إضافية كانت أو أصلية.
وكذلك تخليص العقائد مما علق بها من شركيات وخزعبلات، وذرائع مؤدية إلى الشرك.
وكذلك تخليص قضايا الإيمان مما علق بها من أقوال المتكلمين والفلاسفة وأهل الإلحاد. وكذلك تصفية المعاملات من المعاملات الفاسدة التي وقعت فيها من جراء اختلاطها بالأمم الأخرى، واستحسان طريقة أهل الكفر في المعاملات، أو التشبه بهم.
وكذلك تخليص الأخلاق مما علق بها من أخلاق فاسدة نشأت عن مجاورة غير المسلمين، ومشاركتهم في عاداتهم، والتشبه بهم وتقليدهم.
ولا يكون هذا إلا ببيان المَعين الصافي الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي ينبغي أن ننهل منه، ولا يجوز لنا أن نقدم شيئاً بين يديه -صلى الله عليه وسلم-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الحجرات:1).
السبب الثالث: التربية:
والتربية هي عملية بناء المسلم شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى حد التمام، وهو الحد الذي يصل فيه إلى أن يكون متمسكًا بكتاب الله وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ويحاسب نفسه بنفسه، ويراقبها، ويتابع تربية نفسه.
وهذه التربية ينبغي أن تكون وفق المعايير الشرعية. وهي التربية الإيمانية، والتربية العبادية، والتربية على الأخلاق الحسنة. كما جاء في نصيحة لقمان لابنه في قوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ . يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ . وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ . وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(لقمان:13-19).
هذه الآيات اشتملت على التربية الإيمانية، والتربية بالعبادة، والتربية على حسن الخلق.
ولحديثنا بقية -بإذن الله تعالى-.