كتبه/ إيهاب الشريف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فالإحصائية كتبت بعد أحداث السب والتعدي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، القديمة والأخيرة، وعلى مستوى العالم الإسلامي. تقول الإحصائية:
- تجديد معالم التوحيد والقضاء على الكثير من مظاهر الشرك، وهدم 3000 ضريح منتشرة في بقاع العالم الإسلامي، ألفان منها في مصر فقط!! واتجاه الحكومات لتطبيق الشريعة الإسلامية والعمل بها في كل نواحي الحياة -وخاصة إقامة الحدود-.
- توبة عامة، ورجوع شامل إلى الله -عز وجل-، يظهر ويتجلى في امتلاء المساجد بالمصلين -وفي صلاة الفجر خاصة- حتى أخذت الحكومات على عاتقها الاعتناء بالمساجد وتوسيعها؛ لتستوعب أعداد المصلين الغفيرة، نظراً للإقبال البالغ على الصلاة انتصاراً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
- والحجاب يظهر بصورة ملفتة في الجامعات "حجاب أمهات المؤمنين"، وفي الشوارع والدوائر الحكومية، والمطالبة بحد الاختلاط ومنعه في المدارس والجامعات والهيئات الحكومية، وعودة الكثير من الأمهات إلى محاضن الرجال؛ تفرغاً لإعداد أطفالهن للدفاع عن حياض الإسلام، والانتصار لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
- آلاف، بل ملايين يعفون اللحى مقتدين في ذلك برسول الله -صلى الله عليه وسلم-!! ولكن... ومع بالغ الأسف هذه الإحصائية غير صحيحة ولا رصيد لها في الواقع، إلا اليسير ممن عادوا فعلاً إلى الله، واستجابوا لدعوات النصرة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أحبتي في الله:
من يتفكر فعلاً في واقع الأمة الإسلامية، وكيف واجهت أحداث السب والشتم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتلك الإساءات المتكررة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى دين الله -عز وجل-، يجد أننا سلكنا طريقاً آخر في التعبير عن استيائنا، ونصرة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ومحاولة إيقاف أعداء الإسلام عن تلك الإساءات، وكلنا تقريباً يعلم الطريق المسلوكة من مظاهرات ومقاطعات... إلخ.
ومع اجتهاد بعض الدعاة في اعتبار تلك القنوات قنوات مشروعة للتعبير عن النصرة، لكنا نقول:
ما رأيك أخي القارئ في الإحصائية السابقة؟
ما رأيك لو كانت واقعاً ملموساً وأمراً موجوداً؟
ألا يدخل ذلك الرعب في قلوب أعداء الله؟ ألا تجعل هذه التغيرات أعداء الإسلام يقفون ألف مرة مفكرين -قبل أن يقدموا على الإساءة- في آثارها؟ فيكون مثلهم كمثل الشيطان: يوقع العبد في المعصية فتكون سبباً لإقباله على الله، فكأنه تمنى أن لم يكن أوقعه فيها!!
أليست المظاهر السابقة في الإحصائية الوهمية هي التعبير الحقيقي عن سب الإسلام ونصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
ألا نتساءل: لماذا تجرأ هؤلاء المجرمون على ديننا ورسولنا -صلى الله عليه وسلم-؟!
إن من أعظم أسباب هذه الجرأة: أن الأمة قد خف ميزانها، وضعف تمسكها بدينها، بل جعلت الدين وراءها ظهرياً، ورجح وثقل ميزان الدنيا عند الكثير من أبنائها، وصار الدرهم والدينار الشغل الشاغل لهم، والهم المقيم المقعد، به يفرحون وعليه يحزنون! بل وكثير قد غرق في بحر الشهوات، واغترف منها حتى الثمالة!!
وحين ذاك... وحين صار للأمة سوى الدين اهتمامات... بل وقـُدِّمت الاهتمامات في سلم الأولويات... حينها صدرت تلك الإساءات.
ولو راجعت الأمة دينها، واستمسكت بهدي نبيها -صلى الله عليه وسلم-، وتخلصت من المخالفات ابتداءً بالاعتقاد وتنقية التوحيد مما علق به، ومروراً بإقامة الشعائر وتحكيم الشرائع، وانتهاءً بالتحلي بأخلاق الإسلام وآدابه... لو كان الأمر كذلك لارتجت الأرض، ولمادت تحت أقدام أعداء الإسلام، ولكان للمسلمين صولات وجولات لأخذ حق نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم-.
إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشير إلى هذه المعاني ليس من طرف خفي، بل بطريق واضح جلي حين يقول -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
فهذا حديث يكشف عن السبب فيما تمر به الأمة ابتداءً من ترك الدين وإهماله، والانشغال بالدنيا، والوقوع في المخالفات والمنكرات، حتى وصلنا إلى حالنا الذي نعيشه، والله المستعان.
ومن قبل ذكَّرنا الله -عز وجل- بأنه: (لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(الأنفال:53).
هل بان لنا المرض؟ وهل عرفنا التشخيص؟
إنه إذن التغيير من الداخل هو المؤثر والمغير للموازين!
إنه التمسك بالشرائع أفراداً وجماعات؛ فليس المجتمع سوى مجموع أفراد.
إنه الأخذ للدين بقوة... والجدية في الالتزام... والعض بالنواجذ السنة.
إنها تحقيق العبودية بصورتها الشمولية... وبقدر ما نحقق منها يتحقق نصر الله لنا، إنه وعد بذلك: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ)(النور:55)، وهي أيضاً راسمة لطريق التمكين والعز والسيادة... فهل من مقتفٍ؟ هل من متبع؟ هل من مشمر؟
أخي القارئ:
هل أنت معنا؟ هل حبك لربك ولدينك ولأمتك يدفعك لتسلك طريق التغيير؟ لتضع يدك في يد إخوانك لنبدأ سوياً في التغيير الحقيقي المؤثر نصرة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-،ن بالعلم والعمل والدعوة إلى الله -عز وجل- أم ما زلت واقفاً تهتف وتستنكر وتشجب؟!
هل تكون وأكون ممن يحول الإحصائية الوهمية السابقة إلى حقيقة؟ أم تكون ممن يبرهن على وَهْمِيتِها وعدم مصداقيتها؟
أظن بك أخي الخيرَ -إن شاء الله-. فلتقف مع نفسك وقفة مراجعة، ولتحدد جدول الدروس العلمية التي ستحضرها لطلب العلم، ولتعد مرة أخرى إلى مقرأة القرآن -حفظاً وتعلماً وتطبيقاً-، ولتجعل لنفسك ورداً من الصيام والقيام، والذكر والاستغفار، ولو كان قليلاً، فأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل. وليكن لك دور في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة... ثم سبح معنا رباً هادياً ونصيراً.