وَتِلْكَ عَادٌ...

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : مصطفى عمـر | المصدر : www.salafvoice.com


وَتِلْكَ عَادٌ...

كتبه/ مصطفى عمـر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،

إذا تدبرنا حديث القرآن عن القوة ومنطق أصحابها، وإلى أي مصير ينتهون؟

يكشف لنا الواقع عن محاكاته لكلام ربنا -جل في علاه- وتحديثه عن الحاصل، وتأكيد على ما هو آتٍ ومتحقق من وعد الله ونصره للذين آمنوا بالله، ونصروه وجاهدوا في سبيله على كل صاحب قوة مهما بلغت قوته وعناده وكفره وبغيه وبطشه وسطوته.

هذا نموذج في القرآن العظيم ضمن نماذج أخرى، لكنه الأَفَجُّ والأعلى طغياناً، والأكثر ذكراً؛ عَـادٌ الذين قال الله -جل وعلا- عنهم وعن قوتهم وبغيهم (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) (فصلت:15)، وقال: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ) (الفجر:6-8)

كانوا أصحاب قوة جسدية ضخمة عملاقة، ذكرهم بها نبيهم هود -عليه السلام، وأنها نعمة من الله مَنّ بها عليهم (وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأعراف:69)، بل ودعاهم -عليه السلام- لطلب المزيد من القوة الممكّنة لهم في نطاق الطاعة والعبادة لله (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ) (هود:52)

طغى قوم هود واستكبروا، واستعلوا بغير الحق كعادة الجبابرة الذين يستعلون بقوتهم على البلاد والعباد ويستعملونها في البطش والظلم والقهر، فحذرهم هود -عليه السلام- وخوفهم، فقال لهم: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ)(الشعراء:128-132) يقول لهم: أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عظيماً شامخاً، وما بناؤها إلا عبث لأنه لا حاجة لكم فيها لا في الدنيا ولا الدين -وكانوا يسكنون الخيام- فما كان ذلك منهم إلا رجاء أن يعمروا أعماراً طويلة، ويخلدون بلا موت.

فما الذي صار إليه أمرهم؟ وأين هم؟ وأين قوتهم؟

قال الله -تعالى- في عقوبة عـاد لما كذبوا هوداً، وعارضوه وجادلوه بالباطل، فدعا عليهم: (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(المؤمنون:39-41)، وقال -سبحانه-: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ) (فصلت:16)، وقال: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (الأحقاف:21-25)، وقال: (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِر فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُر)(القمر:18-21)، وقال: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ)(الحاقة:6-8)

هكذا كانت عاقبتهم ومآلهم، أن سلط الله عليهم جند من جنده؛ الريح، الهواء هو المعذِّب والمستأصل لهؤلاء الأشداء الأقوياء أصحاب القوة العظيمة، ريح صوتها شديد، تتابعت عليهم هباتها سبع ليال وثمانية أيام كالأمواج، فاقتلعتهم اقتلاعاً، ودمرتهم تدميراً.

فأين القوة التي تعاظموا بها واستكبروا؟ أين هم؟ وأين ديارهم؟

ذهبوا وذهبت قوتهم، وبقيت القوة لله جميعاً، وتدبر هذه الخاتمة: (فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ)؟!

والحمد لله رب العالمين ذي القوة المتين.