كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد،
فإن من أنفع ما يعين العبد على حضور قلبه في الصلاة أن يتدبر ويتأمل أدعية الاستفتاح التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، وخصوصا إذا كان العبد في قيامه بالليل، فقرأ وتدبر ما ورد من أدعية استفتاح قيام الليل، فاحفظ وتدبر - أخي الحبيب- هذا الدعاء الجامع العظيم الذي ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين(1)، اللهم أنت الملك لا إله لي إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، استغفرك وأتوب إليك)(رواه مسلم).
فلقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم- مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا سراجا، ينير القلوب بعد ظلماتها ويوقظها بعد رقدتها وغفلتها فتبصر حقائق الوجود وتحيا من موت الكفر والنفاق وتشفى من أدواء الشبهات والشهوات. فاللهم لك الحمد على إرساله وإنزال الكتاب عليه، ولك الحمد على هدايتنا للإسلام وتوفيقنا له كما نقول وخيرا مما نقول، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وقد خصه الله عز وجل وفضله على من سبقه من النبيين بخصال عديدة، منها أنه أوتي - صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، فكانت كلماته ودعواته على اختصارها وإيجازها جامعة لمعاني الإيمان، مجددة لحقائقه في القلوب، مذكرة بالله واليوم الآخر، باقية لتكون معجزة مستمرة دالة على صدقه ونبوته - صلى الله عليه وسلم-، جمع الله له فيها من معاني الإيمان وحقائق التوحيد وأسباب حياة القلب ما يستغني به القلب عن غيره من أدعية يدعو بها سائر الناس.
ولا شك أن من تدبر الأدعية الثابتة عنه - صلى الله عليه وسلم- وجد نفسه أمام شمس مبهرة لا ينقطع نورها، ووجد حياة لقلبه تحركه على طريق النور الذي سار عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام - رضوان الله عليهم- وتبعهم على ذلك السلف الصالح - رحمة الله عليهم-، ولما كانت حاجتنا إلى تذكر معالم هذا الطريق ضرورية، خصوصا في أيام المحن التي تمر بها أمتنا، وكان تحقيق التغير من داخلنا من الأعماق وليس فقط في الظاهر مطلبا أساسيا لكل العاملين في الحقل الإسلامي حتى يغير الله ما بنا، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فلما كانت هذه الحاجة ضرورية، كانت هذه الوقفات مع ما في هذا الحديث الصحيح من معاني الإيمان والتوحيد وتزكية النفوس واستنارة القلوب وإحيائها بحقيقة ذكر الله عز وجل، فنسأل الله عز وجل أن يعيننا على شرح هذا الحديث وتدبر ما فيه، فإن تدبر هذا الحديث وغيره مما يشرح الله به الصدور، ويفتح للقلوب عيونا تبصر بها هذا الجمال والجلال، وتطعم وتسقى من معينه الميسر حتى تحيا من جديد حياة من نوع آخر، وتستنير بنوره - صلى الله عليه وسلم- الذي جعله الله له (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً)(الأحزاب:45-46)، فنحن نأخذ من النور الذي جعله الله للنبي - صلى الله عليه وسلم-، جعله الله سراجا منيرا فالقلوب لها طعام وشراب من هذا المعين الذي فضله الله - عز وجل- به، ورغم تباعد السنين يصل نور هذا السراج إلى من اجتباه الله من عباده قويا ظاهرا مبهرا.
فيقول المرء: فكيف بمن اقترب منه - صلى الله عليه وسلم- زمانا ومكانا وعلما وعملا وسلوكا؟ فكيف بمن رآه وصحبه كيف نصيبهم من هذا النور؟ لاشك أن الصحابة كانوا أعظم الناس نصيبا من نوره - صلى الله عليه وسلم- ولذلك اهتدت بهم الأمم، فالصحابة لم يؤلفوا كتبا ولم يسجلوا أشرطة ولم يكن أكثرهم خطباء فصحاء يجتمع المئات والآلاف عليهم، ومع ذلك فكانوا أساتذة العالم وغيروا الأمم تغييرا جذريا، فالواحد منهم كان يفتح الله به البلاد و تتغير به موازين القوى في المعارك، ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقولون: هل فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون نعم. فيفتح لهم) متفق عليه، فالله عز وجل فتح بهم البلاد وقلوب العباد وفتح بهم القلوب والأمصار، وذلك لأن نصيبهم من النور الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم- كان أعظم.
فنسأل الله عز وجل أن يجعل في قلوبنا نورا وفي ألسنتنا نورا، وأن يجعل لنا في أسماعنا نورا وفي أبصارنا نورا، وأن يجعل من خلفنا نورا ومن أمامنا نورا، ومن فوقنا نورا ومن تحتنا نورا، اللهم أعطنا نورا، ومن لم يجعل له نورا فما له من نور.
نكمل في الحلقة القامة إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وإن كان يجب على الواحد منا أن يقول وأنا من المسلمين، هذا هو الصحيح، ولكن الوارد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول (وأنا أول المسلمين).