زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأولياء وبناء المشاهد الامام المجدد احمد بن تيميه أعلى الله درجته في الجنه هذا رأي شيخ الاسلام في زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام وقبور الأولياء وبناء المشاهد هدانا الله وإياكم الى التمسك بالكتاب والسنة اللذان لن يضل من إعتصم بهما: ه كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج: 27 ص: 165 وأما زيارة القبور لأجل الدعاء عندها اوالتوسل بها أو الإستشفاع بها فهذا لم تأت به الشريعة اصلا وكل ما يروى فى هذا الباب مثل قوله ( من زارنى وزار قبر أبى فى عام واحد ضمنت له على الله الجنة ) ( و من حج ولم يزرنى فقد جفانى ) ( و من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى ) فهى أحاديث ضعيفة بل موضوعة لم يرو أهل الصحاح والسنن المشهورة والمسانيد منها شيئا وغاية ما يعزى مثل ذلك إلى كتاب الدارقطنى وهو قصد به غرائب السنن ولهذا يروى فيه من الضعيف والموضوع مالا يرويه غيره وقد إتفق أهل العلم بالحديث على أن مجرد العزو إليه لا يبيح الإعتماد عليه ومن كتب من أهل العلم بالحديث فيما يروى فى ذلك يبين أنه ليس فيها حديث صحيح بل قد كره مالك وغيره أن يقال زرت قبر النبى صلى الله عليه وسلم ومالك أعلم الناس بهذا الباب فإن أهل المدينة أعلم أهل الأمصار بذلك ومالك إمام أهل المدينة فلو كان فى هذا سنة عن رسول الله فيها لفظ زيارة قبره لم يخف ذلك على علماء اهل مدينته وجيران قبره بأبى هو وأمى ولهذا كانت السنة عند الصحابة وأئمة المسلمين إذا سلم العبد على النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أن يدعو الله مستقبل القبلة ولا يدعو مستقبل الحجرة والحكاية التى تروى فى خلاف ذلك عن مالك مع المنصور باطلة لا أصل لها ولم أعلم الأئمة تنازعوا فى أن السنة إستقبال القبلة وقت الدعاء لا إستقبال القبر النبوى وإنما تنازعوا وقت السلام عليه فقال الأكثرون يسلم عليه مستقبل لقبر وقال أبو حنيفة يسلم عليه مستقبل القبلة مستدبر القبر وكان عبدالله بن عمر يقول السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابا بكر السلام عليك يا ابت ثم ينصرف فإذا كان الدعاء فى مسجد رسول الله أمر الأئمة فيه بإستقبال القبلة كما روى عن الصحابة وكرهوا إستقبال القبر فما الظن بقبر غيره وهذا مما يبين لك ان قصد الدعاء عند القبور ليس من دين المسلمين ومن ذكر شيئا يخالف هذا من المصنفين فى المناسك او غيرها فلا حجة معه بذلك ولا معه نقل عن إمام متبوع وإنما هو شىء أخذه بعض الناس عن بعض لأحاديث ظنوها صحيحة وهى باطلة أو لعادات مبتدعة ظنوها سنة بلا أصل شرعى ولم يكن فى العصور المفضلة مشاهد على القبور وإنما ظهر ذلك وكثر فى دولة بنى بويه لما ظهرت القرامطة بأرض المشرق والمغرب وكان بها زنادقة كفار مقصودهم تبديل دين الإسلام وكان فى بنى بويه من الموافقة لهم على بعض ذلك ومن بدع الجهمية والمعتزلة والرافضة ما هو معروف لأهل العلم فبنوا المشاهد المكذوبة كمشهد علي رضى الله عنه وأمثاله وصنف أهل الفرية الأحاديث فى زيارة المشاهد والصلاة عندها والدعاء عندها وما يشبه ذلك فصار هؤلاء الزنادقة واهل البدع المتبعون لهم يعظمون المشاهد ويهينون المساجد وذلك ضد دين المسلمين ويستترون بالتشيع ففى الأحاديث المتقدمة المتواترة عنه من تعظيم الصديق ومن النهى عن إتخاذ القبور مساجد ما فيه رد لهاتين البدعتين اللتين هما اصل الشرك وتبديل الإسلام ومما يبين ذلك ان الله لم يذكر المشاهد ولا أمر بالصلاة فيها وإنما امر بالمساجد فقال تعالى ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها إسمه وسعى فى خرابها ) ولم يقل مشاهد الله بل قد ( أمر النبى عليا أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه ولا تمثالا إلا طمسه ) ونهى عن إتخاذ القبور مساجد ولعن من فعل ذلك فهذا أمر بتخريب المشاهد لا بعمارتها سواء أريد به العمارة الصورية أو المعنوية وقال تعالى ( ولا تباشروهن وانتم عاكفون فى المساجد ) ولم يقل فى المشاهد وقال تعالى ( قل أمر ربى بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ) ولم يقل عند كل مشهد وقال تعالى ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) ولم يقل مشاهد الله إذ عمار المشاهد هم مشركون أو متشبهون بالمشركين إلى قوله تعالى ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله )ولم يقل إنما يعمر مشاهد الله بل عمار المشاهد يخشون غير الله فيخشون الموتى ولا يخشون الله إذ عبدوه عبادة لم ينزل بها سلطانا ولا جاء بها كتاب ولا سنة كما قال الخليل عليه السلام فى مناظرته للمشركين لما حاجوه وخوفوه آلهتهم ( وكيف أخاف ما اشركتم ولا تخافون أنكم اشركتم بالله مالم ينزل به عليكم سلطانا فأى الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ) قال تعالى ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) وفى الصحيحين ( عن إبن مسعود قال لما نزلت هذه الآية( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) شق ذلك على أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وقالوا يارسول الله اينا لم يظلم نفسه فقال النبى صلى الله عليه وسلم إنما هو الشرك الم تسمعوا قول العبد الصالح ( إن الشرك لظلم عظيم ) قال تعالى ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ) قال زيد بن اسلم وغيره بالعلم وقال تعالى ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) ولم يقل وإن المشاهد لله بل أهل المشاهد يدعون مع الله غيره ولهذا لم يكن بناء المساجد المساجد على القبور التى تسمى المشاهد وتعظيمها من دين المسلمين بل من دين المشركين لم يحفظ ذلك فإن الله ضمن لنا أن يحفظ الذكر الذى أنزله كما قال (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) فما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة محفوظ وأما أمر المشاهد فغير محفوظ بل عامة القبور التى بنيت عليها المساجد إما مشكوك فيها وإما متيقن كذبها مثل القبر الذى بكرك الذى يقال إن به نوح والذى بظاهر دمشق الذى يقال إنه قبر أبى بن كعب والذى من الناحية الأخرى الذى يقال أنه قبر أويس القرنى والقبور التى هناك التى يظن أنها قبر عائشة او أم سلمة زوج النبى أو أم حبيبة أو قبر على الذى بباطنة النجف أو المشهد الذى يقال إنه على الحسين بالقاهرة والمشهد الذى بحلب وأمثال هذه المشاهد فهذه كلها كذب بإتفاق أهل العلم وأما القبر الذى يقال إنه قبر خالد بن الوليد بحمص والذى يقال إنه قبر أبى مسلم الخولانى بداريا وأمثال ذلك فهذه مشكوك فيها وقد نعلم من حيث الجملة ان الميت قد توفى بأرض ولكن لا يتعين أن تلك البقعة مكان قبره كقبر بلال ونحوه بظاهر دمشق وكقبر فاطمة بالمدينة وأمثال ذلك وعامة من يصدق بذلك يكون علم به إما مناما وإما نقلا لا يوثق به وإما غير ذلك ومن هذه القبور ما قد يتيقن لكن لا يترتب على ذلك شىء من هذه الأحكام المبتدعة ولهذا كان السلف يسدون هذا الباب فإن المسلمين لما فتحوا تستر وجدوا هناك سرير ميت باق ذكروا أنه دانياووجدوا عنده كتابا فيه ذكر الحوادث وكان أهل تلك الناحية يستسقون به فكتب فى ذلك أبو موسى الأشعرى إلى عمر فكتب إليه عمر أن يحفر بالنهار ثلاثة عشر قبرا ثم يدفن بالليل فى واحد منها ويعفى قبره لئلا يفتتن الناس به وهذا كما نقلوا عن عمر أنه بلغه أن أقواما يزورون الشجرة التى بويع تحتها بيعة الرضوان ويصلون هناك فأمر بقطع الشجرة وقد ثبت عنه انه كان فى سفر فرأى قوما ينتابون بقعة يصلون فيها فقال ما هذا فقالوا هذا مكان صلى فيه رسول الله فقال ومكان صلى به رسول الله أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد إنما هلك بنوا إسرائيل بهذا من أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض وأعلم أنه ليس مع أحد من هؤلاء ما يعارض به ذلك إلا حكاية عن بعضهم أنه قال إذا كانت لكم إلى الله حاجة فادعوه عند قبرى أو قال قبر فلان هو الترياق المجرب وأمثال ذلك من هذه الحكايات التى قد تكون صدقا وقد تكون كذبا وبتقدير أن تكون صدقا فإن قائلها غير معصوم وما يعارض النقل الثابت عن المعصوم بنقل غير ثابت من غير معصوم إلا من يكون من الضالين إخوان الشياطين وهذا من اسباب الشرك وتغيير الدين وأما قول القائل إن الحوائج تقضى لهم بعض الأوقات فهل يسوغ ذلك لهم قصدها فيقال ليس ذلك مسوغ قصدها لوجوه أحدها أن المشركين وأهل الكتاب يقضى كثير من حوائجهم بالدعاء عند الأصنام وعند تماثيل القديسين والأماكن التى يعظمونها وتعظيمها حرام فى زمن الإسلام فهل يقول مسلم إن مثل ذلك سوغ لهم هذا الفعل المحرم بإجماع المسلمين وما تجد عند أهل الأهواء والبدع من الأسباب التى بها إبتدعوا ما إبتدعوه إلا تجد عند المشركين واهل الكتاب من جنس تلك الأسباب ما اوقعهم فى كفرهم وأشد ومن تدبر هذا وجده فى عامة الأمور فإن البدع مشتقة من الكفر وكمال الإيمان هو فعل ما امر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله فإذا ترك بعض الأمور وعوض عنه ببعض المحظور كان فى ذلك من نقص الإيمان بقدر ذلك والبدعة لا تكون حقا محضا إذ لو كانت كذلك لكانت مشروعة ولا تكون مصلحتها راجحة على مفسدتها إذ لو كانت كذلك لكانت مشروعة ولا تكون باطلا محضا لا حق فيه إذ لو كانت كذلك لما إشتبهت على أحد وإنما يكون فيها بعض الحق وبعض الباطل وكذلك دين المشركين وأهل الكتاب فإنه لا يكون كل ما يخبرون به كذبا وكل ما يأمرون به فسادا بل لابد أن يكون فى خبرهم صدق وفي أمرهم نوع من المصلحة ومع هذا فهم كفار بما تركوه من الحق وأتوه من الباطل