1- إذا وصل المحرم مكة شرفها الله استحب له أن يغتسل إن تيسر له ذلك قبل دخولها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك . فإن لم يتيسر له الغسل توضأ ليطوف على طهارة لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه أول شيء بدأبه حين قدم، أنه توضأ ثم طاف بالبيت
2- يجوز للمحرم أن يدخل مكة والمسجد من جميع الجهات، لكن الأفضل أن يأتي من وجه الكعبة من باب بني شيبة باتفاق أهل العلم، فإن باب بني شيبة من جهة المسعى قريبا من الصفا جهة باب الكعبة- والبيوت تؤتى من أبوابها- ومن ثم كانت جهة باب الكعبة أشرف جهاتها الأربع، وفيها الحجر الأسود، لما في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم : أناخ راحلته عند باب بني شيبة . قال معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.
3- إذا وصل الحاج أو المعتمر المسجد الحرام يقدم رجله اليمنى عند دخوله ويقول عند دخوله ما صح به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم رواه أبو داود وغيره ويقول بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله رواه مسلم وابن السني اللهم افتح لي أبواب رحمتك رواه مسلم وإذا خرج من المسجد قدم رجله اليسرى وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم إني أسألك من فضلك رواه مسلم وغيره . اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم رواه ابن ماجة وهذه الأذكار تقال عند سائر المساجد إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر خاص بدخول المسجد الحرام دون غيره.
4- وإذا رأى الكعبة البيت الحرام يستحب أن يقول كما قال سعيد بن منصور في سننه، والشافعي في سننه عن ابن جريج مرسلا وعن عمر موقوفا وسمعه سعيد بن المسيب عن عمر ورواه البيهقي عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وكبر وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وبرا، وزد من عظمه وشرفه ممن حجه واعتمره تكريما وتشريفا وتعظيما ومهابة وبرا . وإن زاد: الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. والحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلا والحمد لله على كل حال. اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام وقد جئت لذلك. اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني لا إله إلا أنت فحسن ذكر ذلك إبراهيم الحربي والأثرم وغيرهما.
5- أول ما يبتدئ به داخل مكة الطواف بالبيت فإن كان معتمرا أو متمتعا بالعمرة إلى الحج فهو طواف العمرة، وإن كان قارنا أو مفردا فهو طواف القدوم.
6- إذا وصل المحرم بالعمرة الكعبة قطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف، أما القارن والمفرد فيقطع التلبية عند الشروع في رمي جمرة العقبة يوم العيد.
يتقدم من يريد الطواف إلى الحجر الأسود، ليبتدئ الطواف باستلامه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فيستقبله ثم يستلمه بيمينه ويقبله، ويقول عند استلامه: "بسم الله والله أكبر" فإن لم يتيسر له استلامه وتقبيله لمشقة الزحام، استلمه بيده، بأن يضع طرف يده أو أصابعه عليه ولو عن بعد، أو استلمه بعصى وقبل ما استلمه به وقال: "الله أكبر " فإن لم يستطع استلامه لا بيده ولا بشيء أشار إليه وكبر ولا يقبل ما يشير به، ولا يزاحم من أجل الاستلام والتقبيل فيؤذي الناس، فإن ذلك مما يوجب الإثم. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه: إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل وكبر
وكذلك المرأة يحرم عليها ان تزاحم الرجال من أجل الاستلام، فإن مفسدة مزاحمتها للرجال وما يترتب على ذلك من الفتنة، أعظم من مصلحة استلامها ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
ثم بعد ذلك يتجه في طوافه ذات اليمين- جاعلا الكعبة وحجر إسماعيل عن يساره- ويقول في ابتداء طوافه: اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فإن ذلك قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم . كما في سنن البيهقي ومصنف عبد الرزاق وغيرهما .
فإذا بلغ الركن اليماني استلمه، بأن يضع يده عليه من غير تقبيل، فإن لم يتيسر له فلا يزاحم عليه ولا يشير إليه.
ويدعو بين الركن اليماني والحجر الأسود قائلا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وإن زاد: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة فلا بأس. فإذا وصل الحجر الأسود أو حاذاه فقد تم شوطه.
فكل دورة كاملة على الكعبة وحجر إسماعيل من عند الحجر الأسود أو محاذاته إلى أن يرجع إلى ما ابتدأ منه فهي شوط، فإذا فعل ذلك سبع مرات فقد أتم طوافه. والمشروع أن يستلم الحجر الأسود ويقبله في ابتداء كل شوط ويقول: الله أكبر فإن لم يتيسر له ذلك فإذا حاذه استقبله وأشار إليه. وفي البخاري عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا طاف الطواف الأول- يعني القدوم- خب ثلاثا ومشى أربعا وفيه عنه: طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين .
الأول: في الصحيح عن عائشة- رضي الله عنها: حج النبي صلى الله عليه وسلم فكان أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت والذي عليه الجمهور أن الوضوء شرط في الطواف لفعله صلى الله عليه وسلم ، وقوله: خذوا عني مناسككم . وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة- رضي الله عنها- وقد حاضت: افعلي كما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري .
الثاني: ليس للطواف ذكر معين- غير ما سبق عند استلام الحجر، وابتداء الطواف، وبين الركنين- بل على الطائف أن يدعو في طوافه بسائر الأدعية الشرعية المأثورة، من الذكر والدعاء وقراءة القرآن، وأن يخفض صوته بذلك فإنه أبعد عن الرياء، وأسلم من التشويش على الآخرين وإيذائهم.
الثالث: من سنن طواف العمرة، أو القدوم بالنسبة للقارن والمفرد الاضطباع في جميع أشواط هذا الطواف السبعة وهو أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على كتفه الأيسر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه فعله هو وأصحابه في عمرة الجعرانة. قال بعض أهل العلم: وحكمته على هيئة أرباب الشجاعة، وإظهارا للجلد في ميدان تلك العبادة وللاستعانة، بذلك على الرمل وليرى المشركون قوتهم ، ثم صار سنة في كل طواف قدوم.
الرابع: ومن سنن طواف القدوم أيضا الرمل، وهو مسارعة المشي مع تقارب الخطا، في الثلاثة الأشواط الأولى فقط منه. لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد وهنتهم- أي أضعفتهم- حمى يثرب. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا ثلاثة أشواط، وأن يمشوا بين الركنين- يعني بين الركن اليماني والحجر الأسود-. ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء- أي الرفق والشفقة- عليهم ولما رملوا في حجة الوداع أسرعوا في جميع كل طوفة فكانت سنة مستقلة.
فكان هذا أصل سنة الرمل في طواف القدوم، وسببه إغاظة المشركين، وكان في عمرة القضاء ثم صار سنة ثابتة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم له في حجة الوداع، مع زوال سببه فكان كالسعي والرمي، ويختص الرمل بالرجال دون النساء، ولا رمل في غير طواف القدوم.
الخامس: لا يستلم من أركان الكعبة إلا الحجر الأسود والركن اليماني. لحديث ابن عمر- رضي الله عنهما-: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في طواف رواه أبو داود .
وعند مسلم عنه قال: ما تركت استلام هذين الركنين منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما . وروي عنه مرفوعا: إن مسح الركن اليماني والحجر الأسود يحط الخطايا حطا . وقال سمعته يقول: إن مسحهما كفارة للخطايا .
قلت: فالحجر الأسود يستلم لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقبل أيضا لثبوته كذلك. ففي الصحيح عن عمر- رضي الله عنه-: أنه قبل الحجر وقال: أما والله لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك رواه البخاري . وعن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله رواه البخاري . ولأنه على قواعد إبراهيم.
وأما الركن اليماني فيستلم لثبوت استلام النبي صلى الله عليه وسلم له، ولكونه على قواعد إبراهيم، ولا يقبل لعدم ثبوت تقبيله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما الركنان الآخران وهما الشامي والعراقي فلم يستلمهما النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم فإنهما داخل البيت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما سائر جوانب البيت، ومقام إبراهيم، وسائر ما في الأرض من المساجد، وحيطانها، ومقابر الأنبياء، والصالحين، وصخرة بيت المقدس، فلا تستلم، ولا تقبل، باتفاق الأئمة، فإن التقبيل والاستلام تعظيم، والتعظيم خاص بالله تعالى فلا يجوز إلا فيما أذن فيه .
السادس: من أعظم المنكرات والكبائر الموبقات تبرج النساء فى الطواف والسعي وسائر الحرم بالتعطر وإظهار الحلي وما فيه الشهرة من اللباس، وكشفهن لوجوههن وخاصة عند استلام الحجر وتقبيله. فإن الفتنة من أعظم الإلحاد والإفساد في الحرم، قال تعالى: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم . والإلحاد هو الميل عن الحق قصدا، فالسيئة معظمة في الحرم بمكة، فرب امرأة طافت تبتغي الغفران فخرجت بسبب تبرجها وفتنتها محملة بالأوزار، حيث استحوذ عليها الشيطان: استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله .
السابع: إذا فرغ من الطواف ارتدى بردائه- أي جعله على كتفيه وطرفيه على صدره- ثم ذهب إلى خلف المقام- إن تيسر له- فيصلي ركعتين، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة ب: قل يا أيها الكافرون وفي الثانية بعد الفاتحة ب: قل هو الله أحد . لحديث ابن عمر في البخاري: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ثم صلى خلف المقام ركعتين .
فإن لم يتيسر له صلاتهما خلف المقام لشدة الزحام وإيذاء الناس، صلى في أي موضع في المسجد، ولو صلى خارج المسجد خشية فوات رفقته أو لنحو ذلك، جاز له ذلك. ففي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة- رضي الله عنها: إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون- ففعلت ذلك- فلم تصل حتى خرجت وفيه أيضا: طاف عمر بعد الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى .