الشفا بطهارة بدن المصطفى صلى الله عليه وسلم

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : الشيخ عبد المنعم الشحات | المصدر : www.alsalafway.com

الشفا بطهارة بدن المصطفى صلى الله عليه وسلم

كتبه الشيخ عبد المنعم الشحات

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،

ادعى البعض تبرك الصحابة ببول النبى -صلى الله عليه وسلم-، ونسب القول بذلك إلى القاضي عياض -رحمه الله-، وادعى أن القاضي عياض نسب ذلك إلى جمهور العلماء، مع أن القاضي عياض إنما أشار إلى قول بعض أهل العلم بطهارة بوله -صلى الله عليه وسلم-، ولم ينسب ذلك إلى الجمهور، ولم يقل بالتبرك به أصلا، ولما كان الكلام هنا من القاضي عياض -رحمه الله- ضمن فصل بديع عن طهارة النبى -صلى الله عليه وسلم-؛ كان  هذا التعليق على هذا الفصل، الذى سوف نلحظ أنه صدره بالأمور الثابتة من خصائصه الخلقية -صلى الله عليه وسلم- فى هذا الباب، ثم ثنى بذكر الأقاويل الأخرى -كما جرت العادة في كتب الفضائل-، ذاكرا إياها بصيغ التمريض فضلا عن كونه لم يذكر شيئا مما ادعاه ذلك المدعى من التبرك ببوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

يقول القاضي عياض في كتاب (الشفا ببيان حقوق المصطفى) - مع ملاحظة أن كلام القاضي رحمه الله متصل عبر الفقرات باللون الأزرق والتعليق بالأسود وتحته خط -:

(فصل) وأما نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه ونزاهته عن الأقذار وعورات الجسد، فكان قد خصه الله-تعالى-  في ذلك بخصائص لم توجد في غيره، ثم تممها بنظافة الشرع وخصال الفطرة العشر وقال:(بنى الدين على النظافة). حدثنا سفيان بن العاصى وغير واحد، قالوا حدثنا أحمد بن عمر، قال حدثنا أبوالعباس الرازي، قال حدثنا أبوأحمد الجلودى، قال حدثنا ابن سفيان، قال حدثنا مسلم، قال حدثنا قتيبة، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: "ما شممت عنبرا قط ولا مسكا ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "وعن جابر بن سمرة أنه -صلى الله عليه وسلم- مسح خده، قال: "فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار"  قال غيره: "مسها بطيب أم لم يمسها يصافح المصافح فيظل يومه يجد ريحها، ويضع يده على رأس الصبى فيعرف من بين الصبيان بريحها".  ونام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دار أنس فعرق فجاءت أمه بقارورة تجمع فيها عرقة، فسألها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقالت: "نجعله في طيبنا وهومن أطيب الطيب".(1) ...

(1) وجاء في بعض الروايات "نجعله بركة لصبياننا"، وفيه جواز التبرك بعرقه -صلى الله عليه-، وأن الله -عز وجل- لما شرع التبرك بعرقه -صلى الله عليه وسلم- جعل هذا العرق في خلقته كأفضل ما يكون، فإذا كان العرق من غيره -صلى الله عليه وسلم-  طاهراَ ولكنه مستقذرا، فعرقه -صلى الله عليه وسلم- كان أطيب من ريح المسك وما أشبهه بعسل النحل الذى وإن كان فضلات حشرة، إلا أن الناس تستطيبه لطيب لونه وطعمه وريحه. 

ثم يقول –رحمه الله-:

وذكر البخاري في تاريخه الكبير عن جابر:"لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه"، وذكر إسحاق  بن راهويه إن تلك كانت رائحته بلا طيب -صلى الله عليه وسلم-، وروى المزني والحربي عن جابر:"أردفني النبي -صلى الله عليه وسلم- خلفه فالتقمت خاتم النبوة بفمى فكان ينم على مسكا". وقد حكى بعض المعتنين بأخباره وشمائله -صلى الله عليه وسلم(2) ...

(2) انظر إلى تقدير الكلام بلفظ الحكاية وعن المجاهيل، فكيف أنه لم يعرج على ذلك إلا بعد ذكر الصحيح الثابت من طيب بدنه وعرقه -صلى الله عليه وسلم-.

ثم يقول –رحمه الله-:

أنه كان إذا أراد أن يتغوط انشقت الأرض فابتلعت غائطه وبوله وفاحت لذلك رائحة طيبة -صلى الله عليه وسلم-، وأسند محمد بن سعد كاتب الواقدي في هذا خبرا عن عائشة -رضى الله عنها- أنها قالت للنبى -صلى الله عليه وسلم-:"إنك تأتى الخلاء فلا نرى منك شيئا من الأذى"، فقال:(يا عائشة أو ما علمت أن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء فلا يرى منه شئ؟)، وهذا الخبر وإن لم يكن مشهورا(3)...

(3) لاحظ أيضا التعارض بين هذا الخبر وبين ما ذكره بعد،ـ فهذا الخبر يقتضى أن فضلاته -صلى الله عليه وسلم- البول والغائط- كان لها رائحة، إلا أن الأرض كانت تبتلعها، والأخبار الأخرى فيها طهارة هذه الفضلات منه -صلى الله عليه وسلم-، وكلا منها ضعيف فيبقي الأصل ثابتا، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستبرأ ويستنزه ويستتر من البول والغائط.

 

ثم يقول –رحمه الله-:

فقد قال قوم من أهل العلم بطهارة هذين الحدثين منه -صلى الله عليه وسلم- وهو قول بعض أصحاب الشافعي، حكاه الإمام أبو نصر بن الصباغ في شامله(4)...

(4) لاحظ أنه نسب القول بذلك إلى بعض الشافعية وليس للإمام الشافعى أو جمهور الشافعية.

ثم يقول –رحمه الله-:

وقد حكى القولين عن العلماء في ذلك أبو بكر بن سابق المالكى في كتابه البديع في فروع المالكية، وتخريج ما لم يقع لهم منها على مذهبهم من تفاريع الشافعية(5)...

(5) وفي هذا أن بعض المالكية قد وافق من قال بذلك من الشافعية.

وشاهد هذا أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن منه شئ يكره ولا غير طيب.

 ومنه حديث على -رضى الله عنه-:"غسلت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أجد شيئا فقلت طبت حيا وميتا" قال:"وسطعت منه ريح طيبة لم نجد مثلها قط" (6)...

(6) ومع هذا غسل علي -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقصى ما يمكن ان يؤخذ من هذا الأثر ومن حديث البول على ضعفه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان متعبدا بمعاملة هذه الآثار معاملة النجاسات, مع أن الله خصه بخلوها من الصفات الحسية الخبيثة.

ثم يقول –رحمه الله-:

ومثله قال أبو بكر- رضى الله عنه- حين قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته، ومنه شرب مالك بن سنان دمه يوم أحد ومصه إياه وتسويغه -صلى الله عليه وسلم- ذلك له وقوله له لن تصيبه النار(7)...

(7) أما تسويغ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك له فلم يحصل لأن الأمر برمته حصل بغير قصد، وإنما قصد لإزالة الأذى عنه -صلى الله علسه وسلم- بفمه، فأراد أن يمجه فسبق إلى فمه، وأما ما وعد على ذلك من الفضل فلأنه أقبل على هذا الأمر الذي تكرهه النفوس وهو مص الدم بفمه حبا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا يدل على أن دمه -صلى الله عليه وسلم- كان من الناحية الحسية كدم غيره، وإلا لو كان له صفات مختلفة كعرقه لتسابق الناس على التبرك به، أو على الأقل التطيب به، ولما كان لمالك بن سنان -رضي الله عنه- كبير فضل في مصه لدم النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ثم يقول –رحمه الله-:

ومثله شرب عبد الله بن الزبير دم حجامته فقال -عليه السلام-: (ويل لك من الناس وويل لهم منك)، ولم ينكر عليه(8)...

(8) أما هذا فلا يصح.

ثم يقول –رحمه الله-:

وقد روى نحو من هذا عنه في امرأة شربت بوله فقال لها لن تشتكى وجع بطنك أبدا، ولم يأمر واحدا منهم بغسل فم ولا نهاه عن عوده(9)...

(9) عدم نهي النبي –صلى الله عليه وسلم- لأي منهم عن العود لا حجة فيه لأن كل هذه الحوادث كانت بغير قصد، وأما عدم أمره أي منهم بغسل فمه فهو صالح للاحتجاج على طهارة هذه الأشياء منه -صلى الله عليه وسلم-، هذا فيما صح من هذه الأخبار، وأما ما لم يصح كحديث شرب الجارية لبول النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا حجة فيه على شئ أصلا لضعفه.

وإذا كانت إحدى طرق حديث شرب الجارية لبول النبي -صلى الله عليه وسلم- صالحة للتحسين، فإنه يكون فيها دليلان على طهارة بول النبي - صلى الله عليه وسلم-:

الأول: شرعي، وهو ما ذكره القاضي -رحمه الله- بعدم أمره -صلى الله عليه وسلم- لها بغسل فمها.

والثاني: واقعي، وهو أن الجارية قد اختلط عليها بول النبي -صلى الله عليه وسلم- بالماء، مما يدل -على فرض صحة الواقعة- على أنه لم يكن فيه من الصفات الخبيثة في لون ورائحة وطعم بول الآدميين.

ومتى صحح المصحح الحديث وقال بطهارة بول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكره القاضي عياض -رحمه الله- عن بعض الشافعية، فلابد وأن يقول :"يتعبد النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعاملة بوله وغائطه معاملة النجاسات على سبيل التشريع للأمة، إعمالا للأدلة الأكثر والأشهر والأصح، وهي معلومة مشهورة في أبواب قضاء الحاجة من كتب الفقه والحديث.

وهذا يفسر أن حتى القائلين بطهارة بوله -صلى الله عليه وسلم- احتجوا بالاحاديث التي تحكى أفعاله -صلى الله عليه وسلم- في باب قضاء الحاجة.

واعلم أن القول بطهارة بول النبي –صلى الله عليه وسلم- بهذا القيد السابق لا يترتب عليه كبير مشكله، حتى وإن كان مستنده ذلك الحديث المطعون في صحته، ولكن الشذوذ جاء في فتوى ذلك الذي زعم أن هذا الشرب كان على سبيل التبرك، بل وزعمه أن الصحابه -هكذا بصيغة الجمع- كانوا يتبركون -هكذا بصيغة المضارع التي تدل على الاستمرار- ببول النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع أن حديث الجارية ذاته يرد ذلك من وجوه:

أولها: أمره -صلى الله عليه وسلم- لها بإهراق البول.

الثاني: في الحديث ما يشعر أن التبول في الإناء من الليل وإهراقه بالنهار كان هو المتكرر منه -صلى الله عليه وسلم-، وأن واقعة الشرب وقعت خطأ في هذا اليوم فقط ولم تحدث قبله ولا بعده.

الثالث: أن الجارية نصت على أنها شربته خطأ لا قصدا، فضلا أن يكون هذا القصد هو التبرك.

وأما قوله -صلى الله عليه وسلم- لها أنها لا يصيبها سوء، فهذا من بركة دعائه لها -صلى الله عليه وسلم-، أو بخبر من الوحي أو لكون بوله -صلى الله عليه وسلم- غير مضر كبول غيره, وإن كان هو و الأمة تعامله معاملة النجاسة تعبدا, وهذا هو أقرب الوجوه فيما نرى لو صح الحديث، وأما مع ضعفه فلا حاجة لشئ من ذلك أصلا.

ثم يقول –رحمه الله-:

وحديث هذه المرأة التى شربت بوله صحيح ألزم الدارقطني مسلما والبخاري إخراجه في الصحيح، واسم هذه المرأة بركة واختلف في نسبها، وقيل هي أم أيمن وكانت تخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، قالت:" وكان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه من الليل فبال فيه ليلة ثم افتقده فلم يجد فيه شيئا فسأل بركة عنه فقالت قمت وأنا عطشانة فشربته وأنا لا أعلم"، روى حديثها ابن جريج وغيره وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ولد مختونا مقطوع السرة.

وروى عن أمه آمنة أنها قالت ولدته نظيفا ما به قذر، وعن عائشة -رضى الله عنها-:"ما رأيت فرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قط"، وعن على -رضى الله عنه-"أوصاني النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يغسله غيرى فإنه لا يرى أحد عورتى إلا طمست عيناه"،  وفى حديث عكرمة عن ابن عباس -رضى الله عنهما- أنه -صلى الله عليه وسلم- نام حتى سمع له غطيط فقام فصلى ولم يتوضأ، قال عكرمة:"لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان محفوظا"(10)

(10) هذه الأمور مما أشار المصنف إلى ضعفها بتصديرها بصيغة التمريض"روى".

 

موقع صوت السلف