نصح وتذكير لمن لم يخرج الزكاة على الوجه المشروع
الناقل :
heba
| الكاتب الأصلى :
ابن باز
| المصدر :
www.binbaz.org.sa
نصح وتذكير لمن لم يخرج الزكاة على الوجه المشروع
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ، أما بعد :
فإن الباعث لكتابة هذه الكلمة هو النصح والتذكير بفريضة الزكاة ، التي تساهل بها الكثير من المسلمين فلم يخرجوها على الوجه المشروع مع عظم شأنها ، وكونها أحد أركان الإسلام الخمسة ، التي لا يستقيم بناؤه إلا عليها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ))
[1]
. وفرض الزكاة على المسلمين من أظهر محاسن الإسلام ورعايته لشئون معتنقيه ؛ لكثرة فوائدها ، ومسيس حاجة فقراء المسلمين إليها ، فمن فوائدها تثبيت أواصر المودة بين الغني والفقير ؛ لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها . ومنها تطهير النفس وتزكيتها ، والبعد بها عن خلق الشح والبخل ، كما أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا
[2]
. ومنها تعويد المسلم صفة الجود والكرم والعطف على ذي الحاجة . ومنها استجلاب البركة والزيادة والخلف من الله ، كما قال تعالى :
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
[3]
. وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : يقول الله عز وجل :
(( يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك ))
[4]
. إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة . وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها ، قال الله تعالى :
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
.
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
[5]
. فكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز ، يعذب به صاحبه يوم القيامة ، كما دل على ذلك الحديث الصحيح ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم ، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ))
[6]
. ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها ، واخبر أنه يعذب بها يوم القيامة . وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّل له ماله شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ، ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك " ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى :
وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
[7]
[8]
. والزكاة تجب في أربعة أصناف : الخارج من الأرض من الحبوب والثمار ، والسائمة من بهيمة النعام ، والذهب والفضة ، وعروض التجارة . ولكل من هذه الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه ، فنصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق ، والوسق : ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون مقدار النصاب بصاع النبي صلى الله عليه وسلم من التمر والزبيب والحنطة والأرز والشعير ونحوها ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أربع حفنات بيدي الرجل المعتدل الخلقة إذا كانت يداه مملوءتين . والواجب في ذلك العشر إذا كانت النخيل والزروع تسقى بلا كلفة كالأمطار والأنهار والعيون الجارية ونحو ذلك ، أما إذا كانت تسقى بمؤونة وكلفة ، كالسواني والمكائن الرافعة للماء ونحو ذلك ، فإن الواجب فيها نصف العشر ، كما صح الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما نصاب السائمة من الإبل والبقر والغنم ، ففيه تفصيل مبين في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي استطاعة الراغب في معرفته سؤال أهل العلم عن ذلك ، ولولا قصد الإيجاز لذكرناه لتمام الفائدة . وأما نصاب الفضة فمائة وأربعون مثقالاً ، ومقداره بالدراهم العربية السعودية ستة وخمسون ريالاً ، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً ، ومقداره من الجنيهات السعودية أحد عشر جنيهاُ وثلاثة أسباع الجنيه ، وبالغرام اثنان وتسعون غراماً . والواجب فيهما ربع العشر على من ملك نصاباً منهما أو من أحدهما وحال عليه الحول ، والربح تابع للأصل فلا يحتاج إلى حول جديد ، كما أن نتاج السائمة تابع لأصله فلا يحتاج إلى حول جديد إذا كان اصله نصاباً . وفي حكم الذهب والفضة الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم ، سواء سميت درهماً أو ديناراً أو دولاراً أو غير ذلك من الأسماء ، إذا بلغت قيمتها نصاب الفضة أو الذهب ، وحال عليها الحول ، وجبت فيها الزكاة . ويلتحق بالنقود حلي النساء من الذهب أو الفضة خاصة ، إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول ، فإن فيها الزكاة وإن كانت معدة للاستعمال أو العارية في أصح قولي العلماء ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة ، صفحت له صفائح من نار ... ))
[9]
إلى آخر الحديث المتقدم . ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى بيد امرأة سوارين من ذهب فقال :
(( أتعطين زكاة هذا ؟ ))
قالت : لا . قال :
(( أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ ))
فألقتهما ، وقالت : هما لله ولرسوله
[10]
. أخرجه أبو داود والنسائي بسند حسن . وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب ، فقالت : يا رسول الله أكنز هو ؟ فقال صلى الله عليه وسلم :
(( ما بلغ أن يزكى فزكي فليس بكنز ))
[11]
. مع أحاديث أخرى في هذا المعنى . أما العروض وهي السلع المعدة للبيع ، فإنها تقوَّم في آخر العام ويخرج ربع عشر قيمتها ، سواء كانت قيمتها مثل ثمنها أو أكثر أو أقل ؛ لحديث سمرة قال :
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع ))
[12]
رواه أبو داود . ويدخل في ذلك الأراضي المعدة للبيع والعمارات والسيارات والمكائن الرافعة للماء وغير ذلك من أصناف السلع المعدة للبيع ، أما العمارات المعدة للإيجار لا للبيع ، فالزكاة في أجورها ، إذا حال عليها الحول ، أما ذاتها فليس فيها زكاة ؛ لكونها لم تعد للبيع ، وهكذا السيارات الخصوصية والأجرة ليس فيها زكاة إذا كانت لم تعد للبيع ، وإنما اشتراها صاحبها للاستعمال . وإذا اجتمع لصاحب سيارة الأجرة أو غيره نقود تبلغ النصاب ، فعليه زكاتها إذا حال عليها الحول ، سواء كان أعدها للنفقة أو للتزوج أو لشراء عقار أو لقضاء دين أو غير ذلك من المقاصد ؛ لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب الزكاة في مثل هذا . والصحيح من أقوال العلماء أن الدين لا يمنع الزكاة ؛ لما تقدم . وهكذا أموال اليتامى والمجانين تجب فيها الزكاة عند جمهور العلماء إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول ، ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم عند تمام الحول ؛ لعموم الأدلة ، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ لما بعثه على أهل اليمن :
(( إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم ))
[13]
. والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها ، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً أو يدفع ضراً ، ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة ، بل يجب على المسلم صرف زكاته لمستحقيها ؛ لكونهم من أهلها لا لغرض آخر ، مع طيب النفس بها والإخلاص لله في ذلك ، حتى تبرأ ذمته ويستحق جزيل المثوبة والخلف . وقد أوضح الله سبحانه في كتابه الكريم أهل الزكاة ، قال تعالى :
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
[14]
. وفي ختم هذه الآية الكريمة بهذين الاسمين العظيمين تنبيه من الله سبحانه لعباده ، على انه سبحانه هو العليم بأحوال عباده ومن يستحق منهم الصدقة ومن لا يستحق ، وهو الحكيم في شرعه وقدره فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها وإن خفي على بعض الناس بعض أسرار حكمته ؛ ليطمئن العباد لشرعه ويسلموا لحكمه .
والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين للفقه في دينه والصدق في معاملته ، والمسابقة على ما يرضيه ، والعافية من موجبات غضبه إنه سميع قريب ، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
[1]
رواه البخاري في ( الإيمان ) باب بني الإسلام على خمس برقم 8 ، ومسلم في 0 الإيمان 9 باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم 16 ، والترمذي في ( الإيمان ) باب ما جاء بني الإسلام على خمس برقم 2609 ، واللفظ له .
[2]
سورة التوبة ، الآية 103
[3]
سورة سبأ ، الآية 39
[4]
رواه البخاري في ( النفقات ) باب فضل النفقة على الأهل برقم 5352 ، ومسلم في ( الزكاة ) باب الحث على النفقة برقم 993
[5]
سورة التوبة ، الآيتان 34 ، 35
[6]
رواه مسلم في ( الزكاة ) باب إثم مانع الزكاة برقم (987 )
[7]
سورة آل عمران ن الآية 180
[8]
رواه البخاري في 0 الزكاة ) باب إثم مانع الزكاة برقم (1403 )
[9]
سبق تخريجه
[10]
رواه أبو داود في ( الزكاة ) باب الكنز ما هو وزكاة الحلي برقم( 1563 )
[11]
رواه أبو داود في ( الزكاة 9 باب الكنز ما هو وزكاة الحلي برقم (1564 )
[12]
رواه أبو داود في ( الزكاة ) باب العروض إذا كانت للتجارة برقم (1562 )
[13]
رواه البخاري في ( الزكاة 9 باب وجوب الزكاة برقم 1395 ، ومسلم في ( الإيمان ) باب الدعاء إلى الشهادتين برقم( 19 )
[14]
سورة التوبة ، الآية( 60 )