خير الكلام - وأصلح لي في ذريتي 1

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : الدكتور أحمد الكبيسي | المصدر : www.islamiyyat.com

 
 
الجزء الاول
 

 
   ومن خير الكلام قوله تعالى في سورة ألاحقاف آية 15 .. [ ووصينا الانسان بوالديه احسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى اذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علىّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين ] .
 
فكلامنا ي هذه الحلقة عن الذرية مكانها ومكانتها تربيتها ، وابتداء نتكلم عن ألآية وعن مقاطعها المهمة وكلها مهمة . [ ووصينا الانسان بوالديه حسنا ] .
 
 الحسن هي غاية ما يمكن أن يوصي به ألله تعالى عباده ، من حيثتجاوز معاملة ألاولاد لآبائهم من الاحسان [ وبالوالدين احسانا ] الى الحسن  . في الآية يخاطب ألله تعالى أقواما قد بلغوا في بر الوالدين مبلغا عظيما ، والتأريخ يحفظ أسماء أناس بلغوا الحسن في معاملة الوالدين .
 
 [ حملته أمه ]
 
 بعد أن أوصى ألله ألاولاد بالابوين ، نراه يسلط الضوء على ألام وحدها .... [ حملته أمه ] فاذا استطعت أن توفي أباك حقه ،فانك لن تستطيع أن توفي امك حقها مهما فعلت .
 
 [ حتى اذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ]
 
 يبى الانسان في حاجة الى رعاية الابوينلحين بلوغه اربعين سنة ، و ( من بلغ الاربعين ولم يغلب خيره على شره فليتجهز الى النار  .
 
 ( يقول الله للملكين ترفقا بعبدي من حداثة سنه ، حتى اذا بلغ الاربعين قال اثبتا ورفقا ) والاربعين هو سن النبوة الا عيسى عليه السلام فهو ولد نبيا .
 
 [ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي ...] يشير هذا المقطع الى أهمية أعمال القلوب وهي أفضل وأعظم من أعمال الجوارح ، كالحلم والكرم والذكر والرفق والتفكر ، فالانشطة الدماغية والقلبية أعظم وأجمل وأهم من أعمال الجوارح ، وبدأها بالشكر .
 
 [ وأن أعمل صالحا ترضاه ] يعني أنه ليس كل عمل صالح يرضي ألله تعالى ، اذا كان فيه شائبة أو رياء أو حظ للنفس ( رب مصل ليس له من صلاته الا القيام والقعود ) .
 
 ( الصوم جنة ما لم يخترق ، قيل بمن يخترق يا رسول ألله صلى ألله عليه وسلم ؟ قال " الغيبة " .
 
 فهناك مرحلتان : مرحلة فيها تعمل العمل الصالح ، والمرحلة الثانية أن يكون ألله تعالى راضيا عن عملك .
 
 [ وأصلح لي في ذريتي ]
 
  في ذريتي ،وليس كل ذريتي ، فليس من الادب أن تقول أصلح لي كل ذريتي ، لان هذا يخلف قانون الجنس البشري ، ( وكل بني آدم خطاء ) والنظرية الاسلامية تفيد أنه من زادت حسناته على سيئاته فقد نجى
 
 والذنب قانون من قوانين الجنس البشري ، كما تجوع وتأكل فتشبع ، وكما تعطش وتشرب الماء فترتوي ، وكما تتعب فتنام ، وهذه من قوانين هذا الانسان ، كذلك من قوانينه أنه يخطيء ويتوب ، فالذنب قانون من قوانين الانسان ، وعليك أن تتوب ، وهذا هو الدعاء المنطقي أن تبدأ بالعمل القلبي ثم تتوب ثم تسأل وتدعو دعاء منطقيا ، أن تدعو دعاء لاتخرق به قوانينك .
 
 
 قال موسى لربه عزوجل : يا ر لاتذر أحدا يذكرني بسؤ ! فقال ألله تعالى ان هذه دعوة لا استجيب لها ، لان هذا أمر لم أفعله لنفسي فكيف أفعله لك ؟
 
  وأعظم ما يلكه الانسان هي الذرية وهي بشارته [ وبشرناه بغلام حليم ] وعن امرأته [ فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب ] وقالت الملائكة لزكريا [ ان ألله يبشرك بيحيى ] وعن مريم [ ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ] .
 
 وهي أعظم بشارات الانسان أن يهب ألله تعالى ذرية .
 
 والذرية هي أقصر طريق الى الجنة وكذلك الى النار  ( ان من الذنوب ذنوبا لا يكفّرها الا الهمّ للعيال )  ( كفى بالمرء اثما أن يضيع من يعول ) .
 
  والذرية مطمع كل الناس  [ واذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي  ... ]   [ واصلح لي ذريتي ] .ومن دعاء عباد الرحمن [ ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ]    [ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم ... ] .
 
  علاقة الابناء بالاباء :
 
  قال الامام علي : لايكون الاب ابا حتى يكون طفلا في أهله ، فاذا التمسوه وجدوه رجلا .
 
 ومصدر التعب والخصام والفشل في الاسرة أن الوالد يريد أن يكون ابنه نسخة منه . قيل للامام علي : كيف تربي الحسن والحسين ؟ قال : لا اربيهما على ما أنا عليه ، فانهم أبناء زمان غير زماني  .
 
 فاياك أن تجبر ابك على التخلي عن أفكار ومباديء وتقاليد زمانه ، وتلزمه باداب وتقاليد زمانك وعصرك ، لان لكل زمان وعصر منطقه وتقاليده .
 
  والاساس في اصلاح الذرية هو توفيق ألله تعالى ، وعليك أن تبتهل اليه لكي يصلح لك ذريتك [ وأصلح لي في ذريتي ] فاذا استجاب ألله تعالى لك فان عينيك تقر بذريتك .
 
  من حقوق الذرية على الاب :
 
  أولا : أن يحسن الرجل اختيار المرأة ابتداء ، وكما قال الشاعر لاولاده :
 
                                  وأول احساني اليكم تخيري       لماجدة طيبة الاعراق بار عفافها  
 
 وهذا الامر أمانة في عنق الرجل ، وعليه أن يختار امرأة تليق بمفاهيم وتقاليد بيئته مكافئا له في مستوى الطبق الاجتماعي . قال الامام الغزالي : عمل الرجل مع الذرية كعمل الفلاح مع الارض ، كما أن الفلاح يتحرى جيدا في اختيار الارض الصالحة وتنظفها من السبخ والرمل ، كذلك الرجل عليه أن يتحرى المراة الصالحة لتكون موضعا لحرثه  [ نساؤكم حرث لكم ] .
 
 وعلى الرجل أن تنتقي المرأة الصالحة لذريته ثم يسقيها سقيا كريما نظيفا ، فكما أن الماء الملوث والمالح يفسد الحرث ، كذلك على الرجل أن يكون عفيفا ( عفوا تعف نساؤكم  ) وأغلى ماء في الكون هو الماء الذي وهبهأللهللرجل . 
 
 
 [ نساؤكم حرث لكم ] فعلى الرجل أن يرعى حرثه [ وأتوا حرثكم أنى شئتم ] أي اسقيها سقيا كريما ، والعملية الجنسية عبادة  لها آدابها واصولها واعرافها ورومانسيتها العالية ومقدمات من الملاعبة والمداعبة [ وقدموا لانفسكم ]  ويسبقها دعاء ( أللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ) لان هذه العملية هي أعظم علاقة بين اثنين ، وثبت علميا أن الطعام يختلف تأثيراته المادية اذا ذكر اسمألله عليه ، كذلك فان هذا الدعاء له تأثيرات عظيمة في صلاح الذرية ، فعلى الجميع أن يحسنوا الآداب الاسلامية والعلمية والنفسية في ممارسة الجماع .
 
  جاء رجل الى عمر بن خطاب يشكو اليه ابنه فاستهمل عمر واستدعى ابنه وسأله لماذا تعق أباك ؟ فقال الولد : ان أبي اختار لي أما وهي أمة وليست حرة ، ثم انه سماني جعل وهو اسم حشرة تافهة ، وأخيرا انه لم يعلمني شيئا . فقال عمر للوالد : قم يا رجل ، فانك عققته قبل أن يعقك .
 
 ويوم القيامة يسأل الولد والده عن ثلاث : عن أمه و اسمهش وعلمه .
 
 وعلى الاب أن ينزل الى مستوى أولاده ، ولا يعاملهم من برج عاج ، وهناك من الآباء من يعامل أسرته وكأنه امبراطور ، فاذا دخل البيت فان الزوجة ترتعش وألاولاد ينكمشون ويوددن أن لا يعود والدهم الى البيت وكأنه ملك الموت ....  يجب أن يكون الاب مربيا ، واياه أن يخيف أولاده ، والمربي يجعل أولاده يحبونه والا فان ألاولاد يصلحون في حضرته ويفعلون ألافاعيل في غيابه . كن مربيا لا سجانا ولا حاكما عسكريا ، وقس مرضاة ألله تعالى عنك بمرضاة أولادك عنك .
 العوائل المسلمة هي الاولى في صحة نسبها وكفالة بعضها لبعض والاحترام فيما بينها ،وألامة المسلمة هي الرائدة في قضايا الاسرة وباعتراف الامم المتحدة كما جاءت في تقريرها لعلم 1975  ، وبعد عام من ذلك التأريخ أوردت تقارير المنظمة أنه لم يعد للاسرة معنى حضاري في العالم الا عند المسلمين