توقع تقرير اقتصادي حديث أن تشهد الصيرفة الإسلامية رواجاً كبيراً خلال الفترة الراهنة والمقبلة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتتجاوز أصولها تريليون ونصف تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2010م القادم قياساً بنحو 800 مليار دولار أمريكي في عام 2008م الماضي، وذلك تماشياً مع ما تشهده المنطقة من استراتيچيات تستهدف تنويع مصادر الدخل. وأضاف التقرير، الصادر عن جلوبل هاوس الذي يتخذ من مملكة البحرين مقراً له، أنه المؤمل أن تدفع تداعيات الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالأسواق من وتيرة نمو هذه الصناعة، كونها أثبتت قدرتها على مواجهة أي طارئ، فهي تعتمد على الوقائع والأرقام الحقيقية في أعمالها، فضلاً عن أنها تحتمي بتعليمات الشريعة الإسلامية. وفى الوقت الذي يحصد فيه المصرفيون بالبنوك التقليدية ثمن التوسع العشوائي في الإقراض، فإن البنوك الإسلامية تحقق ازدهاراً. الجدير ذكره أن القطاع المالي الإسلامي نما في السنوات الخمس الماضية (2003 -2008م) بنسبة تراوحت بين 15% و20%، قياساً بالقطاع المالي التقليدي الذي لم يتجاوز النمو فيه نسبة 10%. وفي دراسة مفصلة عن البدائل الشرعية للخدمات المصرفية الربوية، فسر الدكتور حفيظ الرحمن الأعظمي، أسباب الإقبال على البدائل المصرفية الشرعية فقال؛ إن الإسلام جعل مصدر الكسب الأساسي هو العمل، ولم يسمح أن يكون مرور الزمن وحده مبرراً للكسب؛ لأن الكسب بهذه الوسيلة يزيد من حجم النقود دون الزيادة في حجم الإنتاج, فيؤدي بالتالي إلى التضخم، ومن هنا حرم الإسلام الربا بأي شكل من الأشكال، فكان عليه تقديم وسيلة التحدي الموضوعية التي تقوم البدائل الشرعية عن الربا الذي يشكل محور نشاط البنوك التقليدية.
ابتدأت هذه المرحلة بتبني صيغ الاستثمار التي يقدمها الفقه الإسلامي من مضاربة ومشاركة ومرابحة، مع محاولة تطويرها ومستجدات العصر. وقد تم هذا بفضل جهود فقهية ومصرفية متعددة، وبفضل المجامع الفقهية والندوات التي حاولت تجاوز العموميات والدخول في تفصيلات وجزئيات أنشطة المصارف الإسلامية. كما تميزت هذه الفترة بتعامل أكبر مع العديد من الفعاليات الاقتصادية، حيث بدأ حوار جاد مع البنوك المركزية ومؤسسات النقد للوصول إلى صيغة تخدم التعامل المشترك. ومن أهم معالم هذه المرحلة الاهتمام المتزايد الذي بدأت تلقاه البنوك الإسلامية؛ الأمر الذي انعكس لاحقاً في تبني بعض كبريات المصارف الغربية لأساليب ومنهج العمل المصرفي الإسلامي. فإذا كانت البنوك الربوية لا تملك أساساً إلا وسيلة واحدة للعمل, ألا وهي القرض بفائدة وإن تعددت أشكاله، فقد يكون بخصم كمبيالات أو حساب جار أو كل قرض محدد المدة، فبالمقابل نجد البنوك الإسلامية توفر للمتعاملين معها صيغاً متعددة للاستثمار، كلها مستمدة من عقود الفقه الإسلامي المتسم بسعته، حيث يوفر للذين يأتون إلى رحابه عدة صيغ تمويل.
من صيغ المعاملات الشرعية في البنوك الإسلامية صيغة المضاربة، وتعتبر صيغة أصلية من صيغ المعاملات الشرعية في الفقه المالي الإسلامي؛ فهي أصلًا كانت البديل الشرعي لعمليات البنوك التقليدية قبل صيغتي المرابحة والمشاركة. وهي نوع من أنواع الشركة، يكون فيه رأس المال من شخص، والعمل من شخص آخر، ويقال للأول صاحب رأس المال ويقال للثاني مضارب.
المضاربة المطلقة: هي التي لم تقيد بزمان ولا مكان ولا نوع تجارة, ولم يعين المبيع فيها ولا المشتري: كأن يقول؛ «أعطيتك هذا المال مضاربة على أن يكون الربح مشتركاً بيننا على وجه كذا». وهذا النوع من المضاربة بالرغم من حله أو جوازه، فإن المصارف في الوقت الراهن لا تتعامل به حرصاً منها على أموالها ولصعوبة استثمار هذه الأموال وفق هذه الصورة. المضاربة المقيدة: هي التي قُيدت بزمان أو مكان أو بنوع من المتاع أو السلع، أو ألا يبيع أو يشتري إلا من شخص معين، أو بأي شروط يراها رب المال لتقييد المضارب طالما كان ذلك في إطار الشرع. والمضاربة المقيدة هي السائدة في المصارف الإسلامية؛ لأنها أكثر انضباطاً من المضاربة المطلقة، وتتيح للمصارف متابعة استثمار أموالها بالوجه السليم. ولا يكفي في المضاربة أن يتم الاتفاق بين طرفيها «رب المال والمضارب» وإنما يجب فوق ذلك توافر شروط معينة لتكون صحيحة منتجة لآثارها.
يشترط في رأس المال أن يكون من النقود التي يتعامل بها فعلاً من ذهب أو فضة أو أموال رائجة، فرأس المال في المضاربة كرؤوس الأموال في كل الشركات. وعلى هذا فلا يصح أن يكون العقار أو العروض والديون التي في الذمة رأس مال في المضاربة. أن يكون رأس المال معلوماً، وذلك منعاً للمنازعة ومعلوميته تكون إما ببيان قدره ووصفه ونوعه، وإما بالإشارة إليه. لا بد أن يسلم رب المال مال المضاربة إلى العامل حتى يتمكن من التصرف، ولو عمل صاحب رأس المال مع المضارب، فسدت المضاربة؛ لأن ذلك مخل بالتسليم . يشترط أن تكون حصة كل من المتعاقدين جزءاً شاسعاً من الربح كالنصف أو الثلث أو الربع لأحدهما والباقي للآخر، فإن كان ما اشترط لأحدهما مقداراً معيناً فسدت المضاربة لاحتمال أن الربح لا يأتي زائداً على ذلك المقدار المعين، فتنقطع بذلك الشركة فيه فيفوت الغرض من المضاربة، والقاعدة هي أن كل شرط يوجب قطع الشركة في الربح أو يوجب جهالة فيه، فإنه يفسد المضاربة، ولا نصيب للمضارب إلا من الربح فقط، فلو شرط له شيء من رأس المال أو منه ومن الربح فسدت المضاربة، والمضارب أمين على رأس المال، فهو في يده كالوديعة، ومن وجهة تصرفه فيه وكيل عن رب المال، وإن ربحت المضاربة كان شريكاً لرب المال في الربح.
يتميز التمويل بالمضاربة بخلوه من سعر الفائدة المحرمة «الربا» وكل شبهاته، بالإضافة إلى مزايا أخرى عديدة، لها آثارها الإيجابية الفاعلة في تقدم المجتمع تقدماً سوياً، ومن هذه المزايا ما يلي: المضاربة صيغة شرعية لها تأصيلها في الفقه الإسلامي الحالي متحررة من كل الشبهات. لها الفضل في أن تكون أول بديل شرعي كصيغة استثمارية لعمليات البنوك الربوية، أي: أنها صيغة رائدة، ولها الفضل في وجود التعامل المصرفي الإسلامي في شكل مؤسسات اعتبارية «شركات ومصارف» تعتبر بمثابة المضارب بودائع المستثمرين والمساهمين من ناحية، ورب المال بالوكالة عنهم من ناحية أخرى. المضاربة صيغة استثمارية تجمع بين من يملكون المال وليست لديهم الخبرة الكافية لاستثماره، ومن ليس لهم المال ولهم الخبرة والدراية في استثمار الأموال. يمكن أن تحل بأفضل صورة محل التعامل المصرفي الربوي بالذات صيغة اعتماد السحب على المكشوف الذي يقوم عليه جل التعامل المصرفي الربوي. تساعد المضاربة في الحد من التضخم النقدي الذي اتسم به التعامل المصرفي الربوي؛ لأن صيغة المضاربة السائدة في المصارف لها ضوابط محددة بالزمان والمكان ونوع التجارة. وهو ما يساعد المصارف من متابعة التمويل والتأكد من أنه قد وظف في غرضه.
تعد صيغة التمويل بالمشاركة من الصيغ الأساسية التي تقوم عليها البنوك الإسلامية، فهي تبرز فكرة كون البنك الإسلامي ليس مجرد ممول ولكن مشارك للمتعاملين معه، وأن العلاقة التي تربطه معهم هي علاقة شريك بشريك وليست علاقة دائن بمدين، كما هو الحال في البنوك التقليدية. ومن منطلق هذه العلاقة تبرز أيضاً بوضوح فكرة مشاركة البنوك الإسلامية للمتعاملين معها لتحمل المخاطر التي قد تتعرض لها العمليات التي يقومون بها طالما كان ذلك بدون تقصير من جانبهم. وتختلف المشاركة عن المضاربة في كون صاحب الجهد يملك إلى جانب جهده، جزءاً من المال، ولكنه غير كاف للقيام بنشاطه، فيضطر إلى اللجوء إلى طرف آخر ليقدم له ما يحتاجه من مال. ويتقاسم الطرفان الربح والخسارة، بنسب يتم الاتفاق عليها مسبقاً، فالمشاركة تقتضي وجود جهة تملك المال وجهة تملك المال والجهد معاً. وبموجب هذا الوضع، فإن البنك الإسلامي لن يصير مجرد دائن لأصحاب النشاط الإنتاجي، بل شريك معهم في هذا النشاط، يبحث معهم عن أفضل مجالات الاستثمار ويرشدهم إلى أفضل الطرق، وبذلك يصبح المال والعمل أساس النشاط الاقتصادي، ومن تعاونهما يتحقق منهج الله القويم في عمارة الأرض اتباعاً لتعاليمه حيث يقول الله سبحانه وتعالى؛ }وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَاب| (المائدة:2) وعادة يتولى العميل مباشرة العمل التنفيذي للنشاط الاقتصادي الممول، والإشراف عليه وإدارته باعتباره صاحب المعرفة بكافة تفاصيله، ولديه الخبرة الكاملة على التعامل، وعنده الدراية بفنونه وتعاملاته، وبما يمكن من النجاح في هذا النشاط. ويتفق الطرفان بموجب عقد المشاركة على نسب توزيع ناتج النشاط سواء أكان ربحاً أم خسارة.
الشروط الخاصة برأس المال: أن يكون رأس مال المشاركة من النقود, وإن كان بعض الفقهاء قد أجازوا أن يكون رأس مال المضاربة من العروض، أي: رأس مال عيني على أن يتم تقييمها بنقود عند بدء المشاركة. أن يكون رأس المال معلوماً من حيث المقدار والنوع والجنس. ألا يكون جزء من رأس المال ديناً لأحد الشركاء في ذمة شريك آخر. عدم جواز خلط المال الخاص لأحد الشركاء بمجال المشاركة. لا يشترط تساوي الشركاء في رأس المال. الشروط الخاصة بتوزيع الأرباح: يحدد عقد المشاركة قواعد توزيع نتائج المشاركة بين الأطراف المعنية بوضوح تام ربحاً كانت هذه النتائج أو خسارة. يُحدد جزء من الربح عندما يتحقق لمقابلة العمل والإدارة والتنفيذ، ويكون من حق من يقوم بالعمل من الشركاء، والباقي يوزع كعائد لرأس المال على الشركاء. ويجوز أن تكون نسب توزيع عائد رأس المال على الشركاء بنسب ما قدموا من رأس المال، أو بنسب أخرى يتفقون عليها. تحدد الأنصبة فيما يحقق من ربح بين الأطراف المعنية بالجزئية النصف والثلث أو الربع، أو بالنسبية (30%-40%-أو 50% مثلاً). في حالة وقوع خسارة ليس بسبب تقصير أو مخالفة للشروط من جانب الشريك القائم بالإدارة والعمل، فإن هذه الخسارة يتحملها الشركاء كل بنسبة حصته في رأس المال, ولا يجوز الاتفاق على توزيعها بنسب أخرى، كما هو الحال في توزيع الأرباح. لا يرجع الشركاء على الشريك القائم بالإدارة في حالة الخسارة إلا إذا ثبت تقصير من جانبه، حينئذ، تكون المطالبة بتعويض مقدار الضرر الذي وقع بسبب التقصير. وبغض الطرف عن عامل الأجل في المشاركة؛ إذ إنها تكون مقررة لأجل قصير (ما دون 5 سنوات) أو لأجل طويل (ما فوق 5 سنوات)، فإن هناك صيغة جديرة بالاهتمام، وهي المشاركة المتناقصة أو المنتهية بالتمليك، وتتعدد أشكال المشاركات وصيغها، إلا أننا سنؤكد على المشاركة المتناقصة نظراً لكونها مستخدمة من قبل معظم البنوك الإسلامية، ولكونها أحد أهم أشكال التمويل بالمشاركة التي تقوم بتقديمه البنوك.
تعتبر المشاركة المتناقصة من الأساليب الجديدة التي استحدثتها البنوك الإسلامية، وهي تختلف عن المشاركة الدائمة في عنصر واحد وهو الاستمرارية؛ إذ لا تتصف المشاركة المتناقصة بالاستمرار, ويتمتع كل من البنك الإسلامي وعميله في الشركة المتناقصة بكامل حقوق الشريك العادي وعليهما التزاماته. غير أن البنك لا يقصد من التعاقد البقاء والاستمرار في المشاركة إلى حين انتهاء الشركة، بل إنه يعطي الحق للشريك ليحل محله في ملكية المشروع، ويوافق على التنازل عن حصته في المشاركة دفعة واحدة أو على دفعات حسبما تقتضي الشروط المتفق عليها، وبمعنى آخر كلما قام العميل بشراء جزء من تمويل البنك كلما تناقصت نسبة البنك في المشاركة، وهكذا تدريجياً حتى يصبح تمويل البنك ومساهمته صفراً، وامتلاك العميل لكل الموجودات الخاصة بالمشروع بنسبة 100% في نهاية فترة المشاركة المنصوص عليها بالعقد. أما عن مجالها، فالمشاركة المتناقصة تصلح للقيام بتمويل المنشآت الصناعية والمزارع والمستشفيات، وكل ما من شأنه أن يكون مشروعاً منتجاً للدخل المنتظم. ومن هنا تصبح المشاركة المتناقصة وسيلة هامة من وسائل تمويل المشروعات، حيث يميل إليها الأفراد طالبو التمويل، ممن لا يرغبون باستمرار مشاركة البنك لهم. وتعتبر المشاركة في البنك الإسلامي أقرب الصيغ إلى ممارسات البنوك التقليدية، خاصة منها ما يسمى ببنوك الأعمال. وتدعى هذه الصيغة برأسمال المخاطرة Capital Risque وتسمى المشاركة المتناقصة أحياناً Portage .
المرابحة هي إحدى صور بيع الأمانة المعروفة في الشريعة الإسلامية, التي تختلف عن بيوع المساومة في أنه في النوع الأول، أي بيوع الأمانة، يتم الاتفاق بين البائع والمشتري على ثمن السلعة آخذاً في الاعتبار ثمنها الأصلي الذي اشتراها به البائع. أما في بيوع المساومة، فيتم الاتفاق بين البائع والمشتري على الثمن بغض النظر عن الثمن الأصلي للسلعة، وتتم عملية المرابحة في حالة زيادة ربح السلعة عن الثمن الأصلي للسلعة التي تم شراؤها به، ومن هنا جاءت تسمية هذا النوع من بيوع الأمانة «بالمرابحة» التي يمكن تعريفها :بأنها تلك البيوع التي يزيد فيها سعر البيع لسلعة من السلع عن سعر شراء السلعة الأصلي لتحقيق الربح.
أن يعلم المشتري بالثمن الأول للسلعة، ويشمل ذلك ما تم تحصيله من مصاريف لازمة الحصول على السلعة، وهذا شرط أساسي لصحة بيع المرابحة. أن يكون البيع عرضاً مقابل نقود مثلاً, ولا يصح بيع النقود مرابحة، كما أنه لا يجوز بيع السلعة بمثلها، أي بيع القمح بقمح مثله يدفع في المستقبل، أو بيع الذهب بالذهب. أن يكون البيع معلوماً للبائع والمشتري، وقد يكون الربح محدداً، كمبلغ معين أو قد يكون محدداً كنسبة من الثمن الأول. أن يكون العقد الأول صحيحاً، فإذا كان هذا العقد فاسداً، كانت المرابحة غير جائزة، حيث إن الأصل أنها بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح، أي أن بيع المرابحة مرتبط بالعقد الأول ومن تم يتعين أن يكون صحيحاً. ومن أهم ما يتعين اعتباره أن بيع المرابحة هو بيع حاضر، فعند عقد بيع المرابحة يجب أن يكون المبيع موجوداً لدى البائع أي حائزاً ومالكاً له، ويقدر على التصرف فيه، وتسليمه للمشتري. وتستخدم البنوك الإسلامية عمليات المرابحة كأسلوب هام من أساليب توظيف الأموال المتجمعة لديها، وتشمل تلك العمليات التوظيفية الجانب الكبير من عمليات استثمار الأموال في تلك البنوك، إلا أن النسبة الغالبة من عمليات بيع المرابحة التي تقوم بها البنوك تتم في صورة : بيوع المرابحة للآمر بالشراء .
رغبة المصارف الإسلامية في توفير ما يحتاجه بعض المتعاملين من الحصول على أجهزة أو معدات أو أي سلعة أخرى، قبل توفر الثمن المطلوب لذلك لديهم، إذ يتقدم هؤلاء المتعاملون للبنك طالبين تلك الأشياء وذاكرين وصفها وتسمياتها, فيقوم البنك باستيرادها من الخارج أو شرائها من الداخل على أساس الوعد من قبل المتعاملين بشرائها، إذا وردت مطابقة للمواصفات وفي المكان والزمان المحددين، بسعر تكلفتها مع ربح يتفق عليه مع البنك، ثم يتفق على كيفية السداد، منها جزء مقدم يدفع عند الطلب دليل على الجدية في الشراء، والباقي يقسط على أقساط شهرية أو على دفع سيتحدد تاريخها في عقد البيع بالمرابحة بين البنك وهؤلاء المتعاملين. وبعد استيفاء مجموعة الشروط الخاصة بالبضاعة والعمليات، يقوم البنك بشراء البضاعة وإعادة بيعها للعميل. ويتيح هذا النوع من التمويل تيسيرات كبيرة للعملاء من التجار والصناع، حيث يوفر احتياجاتهم من مستلزمات الإنتاج ومن خدمات التشغيل، ومن المعدات والأدوات، فضلاً عن احتياجات التجار من البضائع. ويشترط لصحة بيع المرابحة، أن يكون موضوعها سلعة مادية ملموسة ولا يصح بيع المرابحة بالنسبة للخدمات والتحويلات النقدية. وهذا البيع استحدثته البنوك الإسلامية، وهي بصدد البحث عن بدائل مشروعة عن التمويل المصرفي الربوي، وهو بيع يجب أن تتوافر له ضوابطه التي تمنع من الوقوع فيما هو محظور شرعاً، بمعنى أنه يجب الحذر الشديد والتدقيق التام في مراحله التنفيذية، حتى لا يصبح مجرد حيلة وسبيل غير مستقيم لتجاوز أحكام الحلال والحرام، كما لا ينبغي، من ناحية أخرى، أن تدفع إليه بعض البنوك الإسلامية بدعوى التيسير ودفع الحرج، إلى أن يصير في حقيقته تمويلاً ربوياً، وفي ظاهره بيع مرابحة للآمر بالشراء. وهذا ما قصده علماء المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي بقولهم ضمن توصيات المؤتمر؛ «تحتاج صيغ العقود في هذا التعامل إلى دقة شرعية فنية، وهذا ما أكد عليه علماء الرقابة الشرعية في عدد من البنوك الإسلامية». ويمكن القول بأن صيغ البيع بالمرابحة مقارنة مع عمليات الاستثمار الأخرى، تمثل الصيغة الأكثر استعمالاً في البنوك الإسلامية، نظراً لما تتيحه هذه العملية من مرونة في السيولة وقلة نسبة المخاطرة، بحكم أن المبلغ الممول يصبح ديناً في ذمة العميل بمجرد التعاقد على البيع.
ويطلق عليه البيع إلى أجل معلوم، ويعني أن يقوم البنك بتسليم البضاعة المتفق عليها إلى عميله في الحال مقابل تأجيل سداد الثمن إلى وقت محدد. وعادة ما يتم سداد الجزء المؤجل من ثمن بيعه البضاعة على دفعات أو أقساط، فيجوز البيع بثمن حال كما يجوز بثمن مؤجل، وكما يجوز أن يكون البعض معجلاً, والبعض الآخر متى كان ثمة تراض بين المتبايعين. وإذا كان الثمن مؤجلاً وزاد البائع فيه من أجل التأجيل جاز ذلك؛ لأن الأجل حصة من الثمن, وإلى ذلك ذهب الأحناف، والشافعية، وجمهور الفقهاء، لعموم الأدلة القاضية بجوازه ورجحه الشوكاني، وهذا يعني أن البيع بالتقسيط مؤداه أن يكون السعر أعلى من السعر العادي، أي البيع في الحال. فكيف تطبق البنوك الإسلامية البيع بالتقسيط؟ تعمد تلك البنوك إلى شراء التجهيزات والمواد وتبيعها للعميل لأجل، حسب المقتضيات التي تم الاتفاق عليها، وأجل الأداء لا يتعدى بصفة عامة أربع سنين، إلا بالنسبة للبيع بالتقسيط الذي يمارسه البنك الإسلامي للتنمية، حيث نجد أن التسهيلات في الأداء تصل إلى عشر سنين ويمكن تمديدها إلى اثنتي عشرة سنة في حالات الشراء لمشروعات البنية التحتية. هذا ويوصي المراقبون الشرعيون البنوك الإسلامية في بيع التقسيط بما يلي: ألا تزيد هذه البنوك في ثمن المواد بالنسبة للعملاء الذين تمثل بالنسبة لهم المواد موضوع التقسيط ضروريات، وكذا في الحالات التي يكون فيها عدد الأقساط صغيراً وآجال السداد قصيرة. أن تضيف هذه البنوك زيادة بالنسبة للتجار الذين سيبيعون المواد المشتراة، وكذا في الحالة التي يكون فيها عدد الأقساط كبيراً وآجال السداد طويلة، وهذه الحالة تهم بالخصوص بيع منازل السكنى التي لا تتم عموماً إلا بواسطة التقسيط، وبهذا يتمكن المسلمون من تجنب التعامل بالربا.
السَّلَم، بفتح اللام، بيع شيء غير موجود بالذات، بثمن المقبوض في الحال على أن يوجد الشيء ويسلم للمشتري في أجل معلوم. ويسمى المشتري المسلم أو رب السلم، والبائع المسلم إليه، والمبيع المسلم فيه، والثمن رأس المال. فبينما بيع الأجل هو تقديم تسليم المبيع وتأخير الثمن، فإن بيع السلم هو على عكس ذلك تقديم الثمن من قبل المشتري وتأخير تسليم المبيع. وبينما يكون تأخير الثمن في البيع بأجل مقابل زيادة في الثمن، يكون تقديمه في حالة السلم مقابل تخفيف في الثمن. ومن المشترط في المبيع أن يكون بكيل معلوم أو وزن معلوم، وأن يكون البيع إلى أجل معلوم. وتستمد حكمة مشروعية السلم من المصلحة التي تحققها أحكامه للعباد، وهذا ما يظهر في تشريع السلم الذي جاء ليحقق مصلحة ويسد حاجة لكل من الطرفين بشكل مباشر، ويحقق مصلحة المجتمع بشكل غير مباشر، وهذا ما يستفاد من أقوال بعض الفقهاء، نذكر منها: يقول صاحب المغني؛ «ولأن بالناس حاجة إليه، لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم وعليها لتكتمل، وقد تعوزهم النفقة، فيجوز لهم السلم (ليرتفعوا أو يرتفق المسلم بالاسترخاص أي بالحصول على السلعة بثمن رخيص). ويقول آخر فإن صاحب رأس المال يحتاج إلى أن يشتري الثمرة، وصاحب الثمرة محتاج إلى ثمنها قبل ظهورها لينفقه عليها. فظهر أن بيع السلم من المصالح الحاجية، وقد سماه الفقهاء «بيع المحاويج». ويزيد الأمر توضيحاً صاحب «فتح القدير» في قوله؛ «ولحاجة كل من البائع والمشتري، فإن المشتري محتاج إلى الاسترباح لنفقة عياله، وهو بالسلم أسهل، إذ لا بد من كون المبيع نازلاً عن القيمة فيربحه المشتري، والبائع قد يكون له حاجة إلى السلم وقدرة في المال على المبيع بسهولة، فتندفع به حاجته الحالية إلى قدرته المالية». وبذلك يتضح أن السلم من الناحية المالية يسد حاجة تمويلية للبائع، وحاجة استثمارية للمشتري، ومن الناحية السلعية يسد حاجة إنتاجية للبائع وحاجة إنتاجية أو استهلاكية للمشتري.
الاستصناع لغة هو طلب الصنعة، أي أن يطلب شخص من آخر صناعة شيء له، ومعنى ذلك أن اللغة قيدت مجالها في الصناعة، فلو طلب شخص تجارة أو زراعة، فلا يسمى ذلك لغة استصناعاً. وشرعاً نجد أن علماء المذاهب تناولوه من عدة زوايا، بعضهم يركز على صوره وأمثلته، وبعضهم يركز على ماهيته وحقيقته، وبعضهم يكفيهم من حيث كونه عقداً أم لا، وكونه بيعاً أم لا؟
أن يكون كل العقد معلوم الجنس والفرع والصفة والقدر. أن يكون مما يجري فيه التعامل بين الناس، أي أن يكون الاستصناع في سلع يتم فيها التعامل بين الناس من خلال عقد الاستصناع. عدم ضرب الأجل فيه، وقد اختلف علماء المذهب في هذا الشرط كثيراً. أما عن كيفية تعامل البنك الإسلامي مع عقد الاستصناع، فمعروف أن البنك مهمته الأصلية تجميع وتعبئة الإيداعات، ثم توظيفها بما يحقق عائداً ملائماً للمودعين في المجالات المشروعة، وذلك من خلال تمويل المؤسسات والشركات، بمعنى أنه يسهم بدور أساسي في عملية التمويل والاستثمار في المجتمع. وكثير من أعماله ما يقع في نطاق القطاع الصناعي، خاصة أن مفهوم الصناعة اليوم يتزايد ويتسع بصفة مستمرة، بحيث باتت معظم الأنشطة الاقتصادية هي أنشطة صناعية. يمكن أن يكون البنك مستصنعاً، أي طالباً لمنتجات صناعية ذات مواصفات خاصة. وقد يمارس البنك هذه المهمة ممولاً لها من ماله الخاص، أو من أموال المودعين الاستثمارية، أو يكون في ذلك وكيلاً لجهة أخرى من خلال عمولة معينة. قد تصبح هذه المصنعات ملكاً للبنك، يتصرف فيها بالصيغ المتاحة له من بيع أو تأجير أو مشاركة: إلخ. ومن الملاحظ أن البنك في هذه الحالة يمارس عملية تمويل المؤسسات والشركات والحكومات التي تدخل معه كصانعة أو طالبة لتلك المصنوعات. كما يمكن للبنك أن يمثل الصانع أو العامل في عقد الاستصناع بأن تطلب منه بعض المؤسسات والشركات أو الحكومات منتجات صناعية معينة، فيقوم هو ومن خلال ما يمتلكه من شركات ومصانع، بإنتاج تلك المصنوعات، وسواء أكان هذا أو ذاك، فإنه يمارس عملية التمويل وتوظيف ما لديه من أموال.
الإجارة شرعاً بيع منفعة معلومة بأجر معلوم عند الشافعية، وقيل: هي تمليك المنافع بعوض, وعرفها المالكية بأنها تمليك منافع شيء، مباحة مدة معلومة بعوض.
رضا العاقدين، فلو أكره أحدهما على الإجارة فإنها لا تصح. معرفة المنفعة المعقود عليها معرفة تامة تمنع المنازعة. أن يكون المعقود عليه مقدور الاستيفاء حقيقة وشرعاً. القدرة على تسليم العين المستأجرة مع اشتمالها على المنفعة. أن تكون المنفعة مباحة لا محرمة. والإجارة تنقسم إلى عقد الإجارة العادية، وعقد الإجارة والاقتناء. وهذا العقد الأخير يكون مقروناً بالبيع في نهاية العقد. وتسمى هذه الصيغة الأخيرة الإجارة والاقتناء وتماثل عقد التمويل التأجيري المعمول به في البنوك التقليدية من حيث شروط دفع الأقساط، ومن حيث خيار الشراء في نهاية العقد بالقيمة المتبقية. غير أن العقد الشرعي للإجارة والاقتناء يختلف عن التمويل التأجيري التقليدي، بأن الأقساط المدفوعة لا تقبل الزيادة نظير الأجل بل هي ثابتة لا تتغير إذا حصل تأخير في السداد، كما أنها لا تحسب على أساس حصة لواجب الكراء وحصة للفائدة، بل هي أقساط إجارة مجردة. والإجارة صيغة للتمويل مرنة، وتستجيب لحاجيات القطاعات الاقتصادية الحيوية، خاصة الصناعة والنقل. وكتطبيق للإجارة، نجد أن البنك الإسلامي للتنمية، بمحافظة جدة، قد اعتمد عدة مشروعات في عملية الإجارة كشراء خطوط الإنتاج، والآلات والمعدات للمشروعات الصناعية والصناعية الزراعية، والبنية الأساسية، والمشروعات المماثلة، وهو ما يحقق المنفعة لكلا القطاعين العام والخاص. هذا إضافة إلى وسائل النقل كشراء السفن بأنواعها، وناقلات المواد البترولية، وسفن صيد السمك ونحوها. ومما يلاحظ أن لجوء البنك الإسلامي للتنمية لصيغة الإجارة لم يفتأ يتصاعد في السنوات الأخيرة، وسيتطور أكثر في السنين القادمة بواسطة إنشاء شركات إسلامية مختصة في الإجارة. وفي هذا الإطار نجد أن للبنك الإسلامي للتنمية مشروعاً لإنشاء هذه الشركات سيتم بتعاون مع مؤسسات إسلامية أخرى .
معنى المزارعة دفع الأرض إلى من يزرعها أو يعمل عليها والزرع بينهما. وهي جائزة في قول كثير من أهل العلم. قال النبي ؛ «مَنْ كانت لهُ أرضٌ فلْيَزْرَعْها، أو ليَمْنَحْها، فإن لم يَفعَلْ فلْيُمْسِكْ أرضَه» المزارعة نوع من التعاون بين العامل وصاحب الأرض. فربما يكون العامل ماهراً في الزراعة وهو لا يملك أرضاً، وربما كان مالكاً للأرض عاجزاً عن الزراعة.
يمكن أن يتم عقد المزارعة خلال إحدى الصور الخمس الآتية: الأرض من شخص، والعمل زائد مدخلات الإنتاج من شخص آخر. الأرض زائد مدخلات الإنتاج من شخص والعمل من شخص آخر. الأرض زائد العمل من شخص، ومدخلات الإنتاج من شخص آخر. الأرض من شخص والعمل من شخص ثان، ومدخلات الإنتاج من شخص ثالث. العمل من شخص ومدخلات الإنتاج من شخص آخر والأرض مستأجرة: (بأجرة محددة غير منسوبة إلى المحصول)، سواء كانت مستأجرة من أحد العاقدين أو من غيرهما.
يشترط في عقد المزارعة بالإضافة إلى أهلية المتعاقدين، ما يلي: كون الأرض معلومة صالحة للزراعة منعاً للغرر، لكي يعرف العامل تناسب ربحه مع حجمها، ولكي لا يضيع جهده إذا لم تكن صالحة للزراعة. بيان المدة. المتعارف عليه في ذلك. تحديد نصيب الطرفين من المحصول الناتج بالزراعة، ويكفي بيان نصيب أحدهما، ويجب أن يكون نصيباً شائعاً. تمكين العامل من العمل، بأن يخلي صاحب الأرض بينه وبينها. بيان ما يزرع في الأرض إلى أن يترك صاحب الأرض الحرية للعامل. ويعتبر بنك التضامن الإسلامي السوداني من البنوك التي قامت باستنباط صيغ وعقود شرعية، كعقد المزارعة لم يتم التعامل بها من قبل البنوك الإسلامية الأخرى. وباستعراضنا لصيغ الاستثمار الإسلامية، يتجلى لنا أن الفقه الإسلامي فقه غني. وقد وفرت لنا عقوده صيغاً متنوعة للاستثمار وأشكالاً تناسب جميع الفئات والظروف والمجالات. وبذلك يمكن أن تمثل صيغ الاستثمار الإسلامية السند والعون لصاحب كل ذي خبرة قادر على العمل والعطاء، بخلاف صيغة الاستثمار الربوي والمبنية أساساً على سعر الفائدة فهي صيغة واحدة وإن تعددت أشكالها تعمل على محاباة الفئة المالكة للثروات وحمايتها ضد المخاطر بينما تعرض الحاصل على التمويل وحده للمخاطر مهما كانت نتيجة مشروعه.