يتفق الكثير من المحـللين الاقتصاديين والمصرفيين وجمهور المتعاملين بالخدمات المصرفية الإسلامية، حـول حـقيقة أكيدة وواقع عملى ملموس، ألا وهو ما حـققته المصارف الإسلامية من تقدم ملحـوظ ونمو مطرد فى تقديمها لخدماتها المصرفية الإسلامية لجمهور المتعاملين معها. ولعل ما يؤكد علي صحـة تلك الحـقيقة والواقع الملموس، ما لاقته التعاملات المصرفية الإسلامية من رواج وقبول واستحـسان منقطع النظير من قبل فئة كبيرة من المتعاملين معها، الأمر الذى أهَّلها وجعلها قادرة علي أن تفرض نفسها ووجودها علي الساحـة المصرفية العالمية، رغم العديد من الشكوك والمخاوف التى تنتاب بعض المتعاملين معها حـول مدي مصداقيتها وتوافقها مع فقه التعاملات الشرعية والأصول الإسلامية، حـيث تجاوز عدد المؤسسات والمصارف التى تقدم لعملائها خدمات مصرفية إسلامية أكثر من 300 مؤسسة ومصرف يعملون فى أكثر من 55 دولة علي مستوي العالم. كما أن هناك نمواً متزايداً ومطرداً تشهده أسواق رؤوس الأموال الإسلامية علي مستوي العالم، إذ يقدر حـجم الأموال المودعة بالمصارف الإسلامية فى الوقت الراهن، بأكثر من 100 مليار دولار أمريكى، ويتوقع لها أن تحـافظ علي ذلك النمو بنسب تتراوح بين 10%-15% خلال السنوات القليلة القادمة. كما يتوقع للمصارف الإسلامية أن تكون مسؤولة عن إدارة أكثر من 70% من حـجم الأموال الإسلامية المتواجدة فى العالم، وذلك خلال السنوات القليلة القادمة. ويفسر البعض، أن السر وراء هذا النمو الكبير والإقبال المتزايد من قبل المتعاملين مع الخدمات المصرفية الإسلامية، هو أن ذلك النوع من التعاملات استطاع أن يوجد بديلاً جيداً وجديداً ومنافساً قوياً فى الوقت نفسه للتعاملات المصرفية التقليدية، لاسيما وأنها تتوافق مع فقه المعاملات المالية الإسلامية، وبالتالى فهى توفر الطمأنينة المشروعة للمتعاملين معها وتقضى علي هاجس القلق والتشتت الفكرى والتخوف الدينى الذى يحـوم حـول التعاملات المصرفية التقليدية، خاصة تلك التى تبنى أسس تعاملاتها وترتكز وتستند علي ربح الفوائد المصرفية الصريحـة المتعارف عليها مصرفياً علي مستوي العالم. وعلي الرغم من التطور الكبير الذى حـققته التعاملات المصرفية الإسلامية خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الثلاثين عاماً، إلا أن المصارف الإسلامية لا تزال تواجه بسلسلة من التحـديات التى لعل من بينها وأهمها تغير نظرة البعض وتخوفهم منها بأنها نوع من أنواع التحـايل علي التعاملات المصرفية التقليدية وواجهة لها، خاصة تلك التعاملات المرتبطة والمتعلقة بمجالات التمويل والاستثمار المتخصص. كما أن البعض ينظر إلي طبيعة أعمالها وتركيزها فى تعاملاتها بأنها لا تخرج عن كونها ممارسات لأنشطة قد لا تختلف كثيراً عما يمارسه تاجر السلع لنشاطات وأعمال تتلخص فى شراء وبيع السلع المختلفة. وقد استطاع العديد من المصارف والمؤسسات الإسلامية، التى تقدم لعملائها خدمات مصرفية إسلامية، أن تتغلب علي التخوف والتحـدى الأول خلال التعامل والاعتماد علي هيئات شرعية متخصصة فى الأمور والمسائل الفقهية المرتبطة بفقه المعاملات المالية وعلي علم ودراية كافية بالأمور والتعاملات المصرفية الحـديثة، الأمر الذى سهل من عرض وتسيير جميع التعاملات المصرفية من خلالها بغرض التأكد من شرعيتها وعدم تعارضها مع أصول التعاملات المالية والمصرفية التى أقرها الدين الإسلامى. أما عن سبب تولد الاعتقاد السائد بين جمهور المتعاملين مع الخدمات المصرفية الإسلامية علي أنها لا تعدو كونها تمارس أنشطة مريبة جداً إلي حـد ما للنشاط الذى يمارسه تاجر السلع الذى يشترى السلع ثم يعيد بيعها بعد أن يتملكها للغير مقابل مبلغ معين ومحـدد من المال يشتمل علي تكاليف السلعة وأرباحـها؛ فذلك نتيجة لأن معظم التعاملات المصرفية خاصة المتخصصة منها ذات الطبيعة التمويلية تتمركز النسبة العظمي منها حـول صيغ التمويل والبيع بالمرابحـة، والتى هى من بين إحـدي صيغ البيوع الإسلامية التى تتشابه إلي حـد ما مع الأسلوب والطريقة التى يمارسها تاجر السلع، حـيث تقدر تلك النسبة بنحـو 98% من إجمالى التعاملات المصرفية المرتبطة بالتمويل الإسلامى. إن حـقيقة تولد هذا الانطباع عن طبيعة الخدمات والتعاملات المصرفية الإسلامية، سببه ليس ناتجاً عن محـدودية الخدمات المصرفية ذات الطبيعة التمويلية التخصصية فحـسب، ولكن بسبب أن معظم المصارف والمؤسسات الإسلامية تتجه نحـو التمويل بصيغ المرابحـة الإسلامية وباعتبارها، من وجهة نظرهم، هى الأسهل من حـيث التطبيق والأقل من حـيث المخاطرة، خاصة عندما يرتبط الأمر بالتمويل بصيغتى المشاركة والمضاربة التى ينظر إليها من قبل المصارف الإسلامية وتتعامل معها علي أنها من ضمن عقود تمويل الملكية وليس من ضمن عقود التمويل العادى التقليدى، الأمر الذى حـدا بالمصارف الإسلامية إلي تقليل التركيز فى تعاملاتها علي هاتين الصيغتين أو فرض هوامش أرباح كبيرة علي المتعاملين معها بإحـداهما، تتناسب مع درجة المخاطر التى تتحـملها تلك المصارف مقابل تمويلها لعملائها. كما أن المصارف تتطلب فى العادة توفر شروط ومعايير تمويلية معينة فى العميل قبل خوضها فى عملية التمويل الإسلامى المعقدة التى قد يصعب توفرها فى معظم العملاء. وكوجهة نظر شخصية وفنية مصرفية، قد أتفق بعض الشيء مع وجهة نظر المصارف الإسلامية وتحـفظها فى استخدام الصيغ التمويلية الإسلامية الأخري المتاحـة مثل صيغة المشاركة والمضاربة وبيع السلم وغيرها، ولكن قد أختلف معهم فى التحـفظ الشديد فى ذلك الأمر، باعتبار أن أهم عنصر يجب مراعاته عند تمويل العميل، هو مدي معرفة المصرف الممول لعملية طالب التمويل وقدرته علي حـساب مخاطرة التعامل معه بالأسلوب الذى يكفل حـقوق البنك ويحـقق فى الوقت نفسه تلبية احـتياجات العميل من التمويل المطلوب. بمعني آخر أكثر دقة، فإن الأمر يستوجب علي المصارف الإسلامية ألا تتهرب وتتحـرج من أخذ المخاطر والتعامل معها، لا سيما وأن تحـمل المخاطر والتعامل معها جزء لا يتجزأ من تعاملاتها المصرفية المختلفة خاصة التمويلية منها. وهنا يتطلب الأمر التعامل مع تلك المخاطر والتقليل منها بقدر الإمكان وليس التهرب منها. كما أننى أعتقد أن درجة معرفة العميل ومدي الارتياح لأدبياته فى التعامل بشكل عام وتعاملاته التجارية بشكل خاص، هو الأهم فى الموضوع، باعتبار أن أموال المصرف متي ما تركت بابه وخرجت منه فهى من المفترض أن تكون فى مخاطرة محـسوبة إلي أن تعود إليه مرة أخري بغض النظر عن نوع التمويل الذى منح للعميل. وهناك أيضاً مشكلة أخري تواجه بعض المصارف الإسلامية فيما يتعلق بعمليات التمويل الإسلامى، وهى عدم تفهم القائمين علي عمليات التمويل الإسلامى التام لطبيعة عمليات ذلك النوع من التمويل، وبالتالى يصعب عليهم التعامل مع صيغه المختلفة بالسهولة والمرونة المطلوبة كما هى الحـال فى التمويل التقليدى. وهناك أيضاً العديد من التحـديات التى ستواجه المصارف الإسلامية فى المرحـلة القادمة والتى، من وجهة نظرى، ستشكل تحـدياً كبيراً أمام القائمين علي إدارات المصارف الإسلامية، لا سيما وأنها تخوض مرحـلة وحـقبة زمنية جديدة تحـمل فى طياتها سلسلة من التحـديات والمتغيرات، وذلك نتيجة لانفتاح أسواق واقتصادات دول العالم بعضها علي بعض تحـت مظلة اتفاقيات دولية اقتصادية وتجارية هامة، لعل من أبرزها وأهمها اتفاقية منظمة التجارة العالمية WTO. ولعل من بين أهم تلك التحـديات وجود التشريعات وتوفر القوانين التى تعمل علي تنظيم تعاملات المصارف الإسلامية وبالتالى إخضاع جميع تعاملات المصارف الإسلامية لعمليات الرقابة الشرعية المتخصصة. كما أن نشر الوعى الإسلامى برسالة المصارفة الإسلامية بين جمهور الناس والمتمثلة فى تصفية وتنقية التعاملات المصرفية من كل ما هو مخالف ومغاير ومناقض لأحـكام الشريعة الإسلامية، سيشكل تحـدياً قوياً وكبيراً أمام القائمين علي إدارة تلك المصارف، كما ستشكل عمليات البحـث عن الكوادر المصرفية المحـترفة فى مجال العمل الإسلامى وما يتبع ذلك من عمليات تدريب وتأهيل؛ تحـدياً آخر ليس بالبسيط أمام المصارف الإسلامية خاصة فى ظل وسائل وسبل وطرق التدريب المتواضعة جداً فى الوقت الحـاضر. كما أن استحـداث نظام محـاسبى إسلامى موحـد علي مستوي العالم للمصارف الإسلامية وتوفير المساندة والمؤازرة اللازمة من قبل البنوك المركزية للمصارف الإسلامية، سيكونا من بين التحـديات الهامة والصعبة التى ستواجه المصارف الإسلامية فى المرحـلة المقبلة. وفى اعتقادى، أن الفيصل الوحـيد فى نجاح تجربة المصارف الإسلامية وازدهارها هو التوجه الصادق والأمين نحـو التعاملات الإسلامية، الأمر الذى يتطلب حـشد الهمم وتكثيف وبذل الجهود الرامية إلي تحـقيق الأهداف المنشودة من إنشاء المصارف الإسلامية. خلاصة القول؛ إنه علي الرغم من مضى أقل من ثلاثين عاماً علي تجربة المصارف الإسلامية فى تقديمها لخدمات مصرفية إسلامية للعملاء، فقد استطاعت هذه التجربة أن تحـقق نجاحاً باهراً وأن تثبت وجودها علي الساحـة المصرفية العالمية فى ظل ما تشهده تلك الساحـة لسلسلة من التحـديات الكبيرة تشتمل علي العديد من المتغيرات الاقتصادية والمالية، والتى ستفرض علي جميع المصارف العالمية، خاصة المصارف الإسلامية، أن تخضع عملياتها للتطوير والتحـديث المستمر وبما يلبى احـتياجات عملائها بالشكل الذى لا يتنافي ويتعارض مع فقه وأصول التعاملات المالية والمصرفية فى الشريعة الإسلامية، الأمر الذى يتطلب من القائمين علي إدارة المصارف الإسلامية تركيز الجهود وحـشد الهمم فى تحـقيق ذلك المطلب الهام فى أسرع وأقصر وقت ممكن، لا سيما وأن العالم يعمل بوتيرة متسارعة جداً قد يصعب الإلحـاق بمستجداته ومتغيراته إذا ما تباطأت المصارف الإسلامية فى تحـقيق ذلك المطلب الاقتصادى والمالى الهام. ولعل من بين أهم التحـديات التى ستواجه المصارف الإسلامية فى المرحـلة القادمة إثبات الوجود والهدف الذى أنشئت من أجله والتركيز علي عمليات التدريب والتأهيل للعاملين بها وإيجاد نظام محـاسبى إسلامى وقوانين وتشريعات مصرفية إسلامية متعارف عليها، تعمل بمثابة المرشد الإسلامى فيما يختص بتعاملات المصارف الإسلامية علي مستوي العالم. $ مصرفى سعودى - عضو جمعية الاقتصاد السعودية.