تقع فى نفس الكثير منا بعض الكلمات التى يهابها بمجرد أن تلتقطها أذنيه، فيرتجف قلبه، ويسيل عرقه، ويحمر وجهه. ومن أمثال هذه الكلمات تلك التى تقال عندما يوجه الاتهام لشخص باعتبار أنه مجرم. فبعد أن تظهر تلك العوامل المناخية علي وجهه وبدنه، يقف ذلك المتهم معارضاًَ ورافضاً أن ينسب إليه هذا اللقب من بعيد أو من قريب. ولا شك من أن الأصل فى الإنسان البراءة حتي تثبت إدانته، ولا شك بأن لا يوجد منا من يقبل أو يرضي أن يتصف بالإجرام والجرم. ولكن الجريمة لا ترتبط بصاحبها باشتراط قبوله أو رفضه ولكنها ترتبط به لمجرد قيامه بها وارتكابه لها. وجريمة الرشوة من الجرائم التى شدد النظام عقوبتها لخطورة هذا الجرم علي المجتمع والفساد الذى يحصل بسبب انتشاره. فكم من الدول قد خسرت الكثير من منجزاتها بسبب تفشى هذه الجريمة بين شعوبها، فخسرت اقتصادها وثروتها الوطنية ومكانتها التجارية بسبب تفشى الرشوة وسطوتها علي حقوق ومصالح الآخرين. وللرشوة صور عديدة يجهلها الكثير منا، ومن صورها جريمة استغلال النفوذ، والتى حدد النظام عقوبتها كأحد جرائم الرشوة. وجريمة استغلال النفوذ بمفهومها العام تنشأ بقيام صاحب النفوذ بمطالبة صاحب نفوذ آخر بخدمات مقابل توفير خدمات له بإداراته؛ وهذا ما نوصفه الآن بالواسطة. فيتقدم صاحب النفوذ بالواسطة لجهة أخري وتتعلق مطالبته حتي يلبى للطرف الآخر مقابل هذه الواسطة. ومع كل هذا وذاك فالبعض منا يعتقد أن ما يقوم فيه هو مقابل خدمة وتنفيذاً للغة العصر (اخدم تخدم) ولا يعلم أن ما قام به هى جريمة عاقب عليها القانون سواءً علم بجرمه أم لم يعلم، فلا يعفيه ذلك من العقاب. فخدمة الواسطة التى حرمت المستحق الأصلى لها وقدمت حامل "فيتامين واو" عليه ليست بالخدمة بمكان، بل هى سم قتل صاحب الحق الأصلى؛ فقد تكون هذه الواسطة خدمت صاحبها ولكنها قد تكون فى المقابل أضرت بالكثير ممن حوله. وهنا يكمن الجرم.