الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
مضى شهر رجب بأكمله، والخطباء والدعاة مشغولون بمتابعة الشأن اللبناني، لما لهذه الأزمة من تشابك وتعقيدات، فكنا في حاجة إلى استثمار الحديث في تأكيد مبدأ الموالاة للمؤمنين في كل مكان، والتضامن وإن كان قلبيا معهم، وكنا في حاجة إلى تأكيد مبدأ عداوة اليهود والنصارى للأمة الإسلامية عبر التاريخ، وكنا في حاجة لاجترار الكلام عن الشيعة وفرقهم وعقائد كل فرقة، وحكمهم، لاسيما الشيعة الإثنى عشرية، ومن ثم بناء موقفنا وفق هذه التصورات، وكنا في حاجة إلى محاولة الوقوف أمام تحول الإعجاب الشعبي بالبطولة العسكرية الشيعية إلى قبول منهجي بأفكارهم المنحرفة وآرائهم الباطلة.
الحاصل أن الأمر استغرقنا استغراقًا كاملاً، وهذه حالة تحصل أحيانًا بحكم الطبيعة البشرية، وقد حدث هذا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أثناء حفر الخندق، فقال -صلى الله عليه وسلم- (شغلونا عن الصلاة الوسطى) ولكن الجدير بالذكر هنا أن هذه الحالة لم تكن هي الأصل في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا في أصحابه -رضي الله عنهم-، وإنما حصل هذا في يوم من أيام غزوة الخندق، وأما بقية أيام الغزوة وعلى الرغم من شدة الجوع والألم والخوف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبيت ليلته يصلي.
وهذا حنظلة بن عامر -رضي الله عنه- تزف إليه زوجه جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول في الليلة التي في صبيحتها غزوة أحد، فيخرج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلقت به زوجه لرؤيا رأتها أنه سيقتل في المعركة، فرجت أن يكون لها منه ولد يكون ابن شهيد وقد كان، فسمع منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على هذه الحال فخرج مسرعًا دون أن يغتسل فغسلته الملائكة.
وها هم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرجون إلى غزوة حمراء الأسد ثاني يوم من غزوة أحد، رغم الآلام والجراح، فأثنى عليهم ربهم -عز وجل- (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ).
ويتكرر هذا الموقف في غزوة بني قريظة التي أعقبت غزوة الأحزاب، بكل ما فيها من ألم وجوع وخوف.
بل هذه أم سليم -رضي الله عنها- تغالب ألم الأم لفقد ابنها، وما أدراك ما ألم الأم لفقد ابنها لكي تقوم بحق زوجها في تخفيف المصاب عنه.
هكذا كانت قلوب صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسعت العمل بدين الله كله، وجمعت في الوقت الواحد بين أحوال لا يطيقها إلا أصحاب الهمم العالية.
والناظر في أحوالنا يجد البون شاسعاً بيننا وبينهم في هذا الأمر كما هو واسع في سائر الأمور أو أكثر، أحداث فلسطين تنسينا أحداث العراق، وأحداث لبنان تنسينا أحداث فلسطين، وحادث القطار ينسينا غيره، وفي زخم كل هذه الأحداث يضيع رجب ولم يبق لنا من تهيئة قبل رمضان إلا شهر شعبان الشهر الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله -عز وجل- والذي جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- صيامه بمثابة النافلة القبلية لرمضان فكان -صلى الله عليه وسلم- يصومه كله إلا قليلاً، شهر شعبان شهر القراء، حيث يحرص فيه القراء على مراجعة القرآن استعداداً لقيام شهر رمضان.
فنسأل الله تعالى أن يبارك لنا في شعبان، وأن يبلغنا رمضان.