لمّا كان الحاكم مؤمنا بأن التفكير أمر خطير وأن الأخطر هم الكتّاب الذين يفكرون، حسب فهمه بطريقة فذّة لا تتأتى إلا لواحد.. واحد فقط يحكم ملايينا، فقد ألهمته العناية العلوية التى يمثلها على الكوكب الواقع على اليمين أو اليسار.. لا يهم الشمس ذلك، أو المضيء نهارا والمظلم ليلا.. لا يهم الشمس ذلك أيضا.
وهو لا يفكر بهذه الطريقة، وإلاّ لأحس بالضآلة والفقر ولزاده الحماس والطموح….. ألهمته العناية بعد طول عناء وأرق وسهاد، أزعج حتى شجيرات القطن وروح النعام الذى يتلوّع بعيدا فى مكان ما على بقاياه… تلك الفكرة التى لا يمكن أبدا أن يتخيّلها إنسان..
كان الكاتب الذى لا يضع مشطا على رأسه أو فرشاة فى فمه أو موسيا على ذقنه أو كرة دوّارة معطرة تحت إبطه أو كوندوم مطاط على رأس عضوه النعسان دوما، لكنه مع ذلك تمكن من أن يشيع تلك الرائحة الزاعقة المزعجة التى تزكم أنوف الملايين ويكرهونها لأسباب فسيولوجية يعرفها الجميع ووحدهم العلماء يجهلونها!.. انتشرت الرائحة فى أنحاء البلاد بكاملها حتى أنها بدأت تسبب تغيّرات مناخية، أزعجت علماء المناخ واحتاروا فى تحديد السبب الحقيقى ومعرفة نوعية تلك الرياح إن كانت.. البعض اعتبرها نادرة الحدوث، كمعجزة.
كانت الفكرة أن الحاكم سوف يمنح جائزة رفيعة من طراز خاص، وحسب تقاليد منقرضة. بأمره هو، تم بعثها من تحت رماد التاريخ الهامد، وبجانب الجائزة سوف يمنح لقبا خاصا، اختارته بموافقته، لجنة من علماء اللغات القديمة والأنثروبولوجيا والتاريخ العتيق والفلك والأبراج السماوية.
والاختيار المطلق بلا نزاع أو تردد كان واقعا على هذا الكاتب، وإمعانا فى تقديس الحرية والديمقراطية وتشجيع التفكير وإبداء رأى الآخر الأخير، فإن الكاتب سيتسلّم الجائزة من يد الحاكم مباشرة.. سيكون الحاكم ساعتها قد خلع قفازيه
فى يوم الاحتفال الذى سيتم تكسيحه ليتوقف الزمن قليلا، ويتمكن التاريخ من استيعاب أدق تفاصيله.. يقف الكاتب أمام الحاكم، الذى سيكون لحظتها ممسكا سيفا خشبيا له شكل الحرية، لكنه سيظهر فى تليفزيون المواطن سيفا معدنيا لامعا.. يمنحه الحاكم لقب "البهروز"، حسب التقاليد المنبعثة، بأن يربت بالسيف على كتفه الأيمن.. الكاتب أعسر، فلا مانع من وضع الخطة أمام المرآة، وتنفيذ الخطة المعكوسة.. يربت الحاكم بالسيف على كتف الكاتب الأيسر ثم يعطى السيف للكاتب.. بعد ذلك، يتناول الكاتب..ألبسوه ثيابا تليق بالحركة القادمة.. السيف الخشبى، ويشهره عاليا بفخر قبل أن يغمده فى جرابه، هكذا ستكون الأحداث.
ولمّا كان الحاكم لا يملك وقتا فارغا، فان الكاتب قد أجرى البروفة مع أصدقاء طفولته، ولأنه كان ظريفا، قرر أن يفعل تلك الحركة الظريفة..
فى البروفة، بعد أن يتناول السيف الخشبى ويشهره عاليا، وجّهه للحاكم فى خفة دم وظرافة، وكأنه ينغزه فى جانبه، مداعبا إياه.
فى التليفزيون، كان المواطن هو الذى يضحك وهو يرى السيف المعدنى اللامع، والحاكم ينحنى أمام الكاتب لاجتناب ضربته، أمّا فى قاعة الاحتفال الضخمة، شوهد الحرّاس الذين كانوا منتشرين كالشياطين فى يوم فاجر.. وكالشياطين أيضا، كانوا مختبئين ولم يظهروا إلاّ عندما سمعوا القائد يحادثهم فى آذانهم فقط.
وفى لمح البصر، استقرت تحت الكاتب البهروز، طلقات رصاص بعدد الملليمترات فى مائة وثلاثة وسبعين سنتيمتر… هى طوله!