السحر جاء الإسلام بشريعته الخالدة حربًا على الأوهام والمعتقدات الخاطئة التي سادت في الجاهلية؛ ومنها الكهانة والعرافة والسحر، وتعليق التمائم والتطير (التشاؤم) وغير ذلك. وقد قدم الإسلام من المبادئ السامية ما يقود إلى النور والهدى، ويرفع من شأن العقل، ولكن الغواية والهوى وما ينفثه شياطين الإنس والجن في النفوس الضعيفة التي لم تَعْمُرْ بالإيمان، كل هذا جعل الدجل حيًّا يعيش حتى عصرنا الحالي، وهذه الأمور في حقيقتها بدع ومنكرات قد تصل إلى حد الشرك، الذي يضر بعقيدة المرء ودينه. وهنا يقع على المرأة المسلمة -خاصة- عبء كبير في التصدي لهذه الأمور؛ لأن مثل هذه الظواهر تكون أكثر انتشارًا بين النساء وإن لم تعدم في الرجال، وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى انتشار مثل هذه المعتقدات الخاطئة ومن ذلك: - ضعف الإيمان بالله وفساد العقيدة. - الإهمال والتواكل وعدم علاج المرض، والقول بأن الله هو الشافي، دون الأخذ بالأسباب المؤدية لذلك. - الجهل والأمية، وقلة الوعي الصحي في كثير من المناطق. - إخفاق بعض الأطباء في علاج بعض المرضى، مما يقود للاعتقاد بعجز الطب، وضرورة البحث عن بدائل أخرى. - قلة الإمكانات المادية التي تلزم لعلاج بعض الأمراض البدنية أو النفسية اللازمة لحل بعض المشكلات. وأهم هذه البدع والمنكرات: الكهانة والعرافة: وهي ادعاء بعضهم معرفة الغيب عن طريق الاتصال بالجن، أو غير ذلك من الصور؛ مثل قراءة الكف، وقراءة الفنجان، وفتح الكوتشينة، والخط في الرمل، والضرب بالحصى والودع. وهؤلاء أكد الله -سبحانه وتعالى- كذبهم وبهتانهم في قوله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} [النمل: 65]. وقوله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا. إلا من ارتضى من رسول} [الجن: 26-27]. ويشترك مع هؤلاء في الإثم من جاءهم، وسألهم، فصدَّقهم في أوهامهم، قال (: (من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) [مسلم]، وقال :(من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد) [أحمد والحاكم]. وذلك القول قاله رسول الله ( لعلمه أن الغيب لله وحده، لا يعلمه نبي ولا ولي ولا غيرهما إلا بإذن الله وبوحي منه، قال تعالى: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي} [الأنعام: 50]. - السحر: وهو أن يلجأ بعضهم إلى السحرة لكشف مغيب أو لحل مشاكل مستعصية، ظنًّا منهم في قدرة الساحر على جلب النفع أو دفع الضرر. وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن السحر كفر، وقالوا بوجوب قتل الساحر المستحل للسحر؛ تطهيرًا للمجتمع من رجسه، وحفاظًا على عقيدة الأمة أن يُداخلها الزيغ والفساد، كما حكم عليهم بعض الفقهاء بالفسق. وعلى الساحر أن يتوب إلى الله، قال تعالى فيمن يتعلمون السحر: {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} [البقرة: 102]. وقال (: (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا: يا رسول الله، وما هي؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) [متفق عليه]، وقال (: (من نفث في عقدة فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك) [الطبراني]، وقال (: (لا يدخل الجنة مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم) [ابن حبان]. -تعليق التمائم: حيث يذهب بعضهم إلى فئة من المضللين الذين يكتبون أحجبة وتمائم، يخطون فيها خطوطًا وطلاسم، زاعمين أنها تشفي من المرض أو تقي من الحسد، أو تدفع الشر والمصيبة، وتحرس صاحبها أو حاملها من اعتداء الجن أو مس الشياطين والعفاريت. بل إن بعضهم يقوم بتعليق حذاء فرس أو ما شابه ذلك، سيرًا وراء هذا التيار من الفساد والضلال. وإن تصديق هؤلاء والسير على دربهم شركٌ بالله، فقد قال (: (من علَّق تميمةً فقد أشرك) [أحمد، والحاكم]، وقال: (من تعلق تميمة فلا تمم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له) [أحمد والحاكم]. وقال: (من علق شيئًا وكِّل إليه) [الترمذي]. ويدخل في دائرة التحريم ما يعرف باسم (التِّوَلة): وهو شيء تصنعه بعض النساء، يتحببن به إلى أزواجهن، وهو لون من ألوان السحر. قال (: (إن الرُّقى، والتَّمائم، والتِّوَلَة شرك) [ابن ماجه]. الرقى: جمع رقية، ويقصد بها ما كان بأسماء الشياطين ونحوهم، لا ما كان بالقرآن ونحوه. التمائم: جمع تميمة، وهي الخرزات التي يعلقها النساء في أعناق الأولاد على ظن أنها تؤثر وتدفع العين. التولة: نوع من السحر يحبب المرأة إلى زوجها. ومعنى شرك: أي من أفعال المشركين. [ابن ماجه]. ويخرج من دائرة التحريم الرُقَى والتعاويذ، إذا كانت بآيات من القرآن الكريم أو بحديث من السنة، أو بكلام مفهوم المعنى لا يضر بعقيدة المرء، بحيث يكون الاعتقاد راسخًا بأن كل ما يتم ويحدث هو بإذن من الله -تعالى- وقدرته. ويؤكد ذلك ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- حيث قال: كان رسول الله ( يُعَوِّذُ الحسن والحسين ويقول: (أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامَّة (الحشرات المؤذية)، ومن كل عين لامَّة) [البخاري]. التطير (التشاؤم): وهو نوع من الانسياق وراء الوهم وتصديقه، كأن يصدق إنسان عاقل أن النحس في شخص معين، أو يوم معين، أو مكان معين، أو رقم معين، أو رؤية حيوان معين، أو ينزعج من صوت طائر، أو حركة عين، أو سماع كلمة معينة!! والمسلم لابد أن يحكم ما وهبه الله من نعمة الدين والعقل فلا يستسلم لهذا الضعف، أو يتمادى في هذه الأوهام، وقد حذر الرسول ( من سوء الجزاء المترتب على السير في هذا الطريق، فقال (: (ليس منا من تطير ولا من تطير له، أو تكهن أو تُكهن له، أو تسحر أو سحر له) [الطبراني]، وقال: (العيافة والطِّيَرة والطَّرْق من الجبت) [أبو داود]. العيافة: (الخط في الرمل)، والطرق: (ضرب الحصى والودع)، والجبت: (ما عُبد من دون الله). وقال (: (إذا تطيرتم فامضوا وعلى الله توكلوا) [ابن عدي]، وقال (: (من عرض له من هذه الطيرة شيء، فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك) [البيهقي]. هذا هو علاج تلك الأوهام والخرافات والتحذير مما تقود إليه من أخطار. وقد حرص الإسلام على حماية الإنسان من شرورها وأخطارها، فعلى المسلم أن يؤمن إيمانًا راسخًا أن الأمر كله بيد الله، وأن يتوكل على الله ويستعين به وحده -جل شأنه- وأن يثق في قدرته الواسعة التي لا تدانيها قدرة، ومشيئته التي لا تماثلها مشيئة، وفي أنه سبحانه إذا أراد أمرًا قال له: كن، فيكون. وصدق الله العظيم إذ يقول: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} [البقرة: 186].