السؤال : أنا متزوج لي سنة ، وحياتي - أنا وزوجتي - سعيدة أحياناً ، فأنا أعطيها أي شيء تريده من حاجيات ، ولكن المشكلة هي أهلها ، وأمها بالذات ، لا تريدني ، وتخرب عليَّ حياتي إلى أن أثَّرت على زوجتي ، وخربت علينا حياتنا ، وأنا أحب زوجتي ، ولا أريد أن أطلقها . وفي يوم من الأيام بعد الإفطار عند بيت أهل زوجتي : رفض أبوها أن ترجع زوجتي معي إلى البيت ؛ لأسباب واهية ، وأُشهد الله أني لم ألمسها بشرٍّ قط ، ولم أقصر في أي من حقوقها ، وأني لا أجعلها تطبخ ؛ لكي لا تتعب ، وكل شيء تريده آتي لها به ، ولكن تأثير أمها كان كبيراً عليها ؛ لأنها البنت الوحيدة لهم ، طلب مني أبوها الخلع ، وأنا أريد زوجتي ، وقد منعني أن أكلمها ، أو أن أراها . والآن مضى شهر بدون أن استطيع محادثتها ، فماذا أفعل ؟ . إن طلبت الخلع من غير سبب شرعي : فقد دفعتُ مهراً 50000 الف ريال ، وعملت فرحاً بقيمة 60000 الف ريال غير ما أعطيتها هي من هدايا ، وشراء أثاث ، واستأجرت شقة بقيمة 30000 ألف ريال أو اكثر ، وأنا طالب ، وهم يدركون ذلك ، فهل لي أن أطلب ما دفعته بحكم القاضي ؟ . وهل أستطيع محاكمتها بأنها هجرتني بدون سبب ، أو محاكمة أبيها بأنه قد منعني من حقي الشرعي بدون مسبب ؟ . فأنا - والله لا أستطيع إلا التفكير بزوجتي ، ومقدار الحب الذي زال بسبب أمها ، وأريد أن أتزوج بأخرى لكي تستقر حالي ، ونفسيتي التي أصبحت مريضة بسبب حبي لها .
الجواب: الحمد لله أولاً: إفساد الزوجة على زوجها من كبائر الذنوب ، ويقبح بأهل الزوجة أن يكونوا هم من يقوم بهذا الفعل الشيطاني ، وهو من فعل السحرة ، وهو من أعظم أعمال جنود إبليس عنده . قال تعالى : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) البقرة/ من الآية 102 . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ) . رواه أبو داود ( 2175 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " . " خبَّبَ " : بتشديد الباء الأولى بعد الخاء المعجمة أي : خدع وأفسد . وعَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ ) قَالَ الْأَعْمَشُ : أُرَاهُ قَالَ : ( فَيَلْتَزِمُهُ ) . رواه مسلم ( 2813 ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : فسعي الرجل فى التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة ، وهو من فعل السحرة ، وهو من أعظم فعل الشياطين . " مجموع الفتاوى " ( 23 / 363 ) . وقال الشيخ صالح الفوزان- وفقه الله - : وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها ، ويخببها عليه ؛ فقد جاء في الحديث : " ملعون من خبَّب امرأة على زوجها " ومعناه : أفسد أخلاقها عليه ، وتسبب في نشوزها عنه . والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها ؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم . " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 3 / 248 ، 249 ) . فالواجب على أهل الزوجة أن يتقوا الله تعالى ربَّهم ، وأن يعلموا أنهم قد وقعوا في كبيرة من كبائر الذنوب ، فعليهم واجب إصلاح ما أفسدوا ، وإرجاع الزوجة – ابنتهم – إلى زوجها ، وهو في مصلحتهم ، ومصلحتها . كما يجب على الزوجة أن تتقي الله تعالى ربَّها ، وأن لا تلتفت إلى من يريد إيقاع الفساد في بيتها ، وهدم أركان بيت الزوجية ، وها هو زوجها يعلن حبَّه لها ، وعدم صدور شيء منه يسبِّب هجرها له ، فليس أمامها إلا التوبة من فعلها ، وطلب الصفح من زوجها ، والعودة إلى عش الزوجية ، وهي نعمة حرمها ملايين النساء في العالَم ، فلا تشتري شقاءها بثمن تدفعه ، وقد بُذلت لها الأموال لإسعادها . ولتعلم الزوجة أنه قد ورد وعيد شديد فيمن تطلب الطلاق من غير بأسٍ ، وهي الشدة الملجئة لهذا الطلاق . عن ثوبان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ ) . رواه الترمذي ( 1187 ) وأبو داود ( 2226 ) وابن ماجه ( 2055 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " . قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : الأخبار الواردة في ترهيب المرأةِ من طلب طلاقِ زوجها محمولةٌ على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك . " فتح الباري " ( 9 / 402 ) . فإن كان في زوجها من العيوب ما يدعوها لطلب الطلاق ، وعدم القدرة للصبر على زواجها : فلا حرج حينئذٍ من طلبها للطلاق ، فإن لم يرضَ زوجها تطليقها : فلها طلب " الخلع " ، فتفتدي نفسها منه بما يطلبه منها . وينظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم : ( 101423 ) . ثانياً: ونقول للزوج في نهاية المطاف : إذا كانت زوجتك قد طلبت الطلاق لما تراه منك من ارتكاب معاصٍ ، أو سلوك لا يطاق ، كضربها ، وإهانتها ، وشتمها : فإن طلبها للطلاق لا تأثم عليه ، ولها حق مهرها كاملاً ، المقدَّم منه والمؤخر . وإذا كان طلبها للطلاق لغير سبب يستحق ذلك ، كما ذكرته أنت في قصتك معها : فهي آثمة ، ولك أن تصر على عدم تطليقها ، وتحاول إدخال العقلاء من الناس للإصلاح بينك وبينها ، وبينك وبين أهلها ، فإن لم يُجدِ هذا الأمر نفعاً : فلك أن ترفع قضية " هجر " عليها ، وقضية " تخبيب " على أهلها ، إن رأيت ذلك ، ولا ننصحك بمثل ذلك ، بل ننصحك - إذا لم ينفع الإصلاح من الشفعاء - : أن تقبل " الخلع " ، وأن تطلب منها ومن أهلها مهرها الذي دفعته لها ، وما بذلتَه من مصاريف على الزواج ، كما لك أن تطلب تنازلها عن حضانة أولادها – إن كان بينكما أولاد . وانظر تفصيل الخلع في جوابي السؤالين : ( 26247 ) و ( 99881 ) ، وانظر في عدة الخلع ، ورجوع المختلعة لزوجها : جوابي السؤالين : ( 5163 ) و ( 14569 ). ونسأل الله تعالى أن يصلح بينكما ، وأن يهدي زوجتك لما يحب تعالى ويرضى ، وأن يجمع بينكما على خير . والله أعلم