الشهوات
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله الحق ، وأن ما يدعون من دونه الباطل ، وهو العلي الكبير ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، هو الواحد الذي لا ضد له ، هو الصمد الذي لا منازع له ، هو الغني الذي لا حاجة له ، هو جبار السموات والأرض ، فلا راد لحكمه ولا معقب لقضائه وأمره .
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا ومعلمنا وقدوتنا وقرة أعيننا محمد رسول الله ، اللهم صل وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله ، صلاة وسلاما يليقان بمقامك يا أمير الأنبياء ويا سيد المرسلين .
وأشهد لك يا سيدي يا رسول الله ويشهد معي الموحدون أنك قد أديت الأمانة وبلغت الرسالة ونصحت الأمة وكشف الله بك الغمة وعبدت ربك حتى لبيت داعيه ، وجاهدت في سبيل ربك ، حتى أجبت مناديه .
وعشت طوال أيامك ولياليك تمشي على شوك الأسى ، وتخطو على جمر الكيد والعنت ، تلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الحائرين ، حتى علمت الجاهل يا سيدي ، وقومت المعوج يا سيدي ، وأمنت الخائف يا سيدي ، وطمأنت القلق يا سيدي ، ونشرت أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار .
فصلي الله وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله وجزاك الله عنا خير ما جزى به الله نبيا عن أمته ورسولا عن رسالته ..
أما بعد ..
فيا أيها الأحباب الكرام : تعالوا بنا لنواصل مسيرتنا المباركة في شرحنا لآيات من كتاب ربنا عز وجل .
ومع اللقاء السابع والعشرين على التوالي ما زلنا بفضل الله وطوله وحوله ومدده نطوف مع حضراتكم في بستان سورة مريم المبارك وكنا قد توقفنا في اللقاء الماضي عند قول الحق جل وعلا : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ) (مريم/59) وانتهينا من شرح هذه الآية في شطرها الأول ألا وهو : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ ) ونحن اليوم على موعد مع شطر الآية الثاني ألا وهو قول الله عز وجل : (وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ )
( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)
والشهوات أيها الأحبة الكرام جمع شهوة ولقد عرفها ابن منظور في " لسان العرب " فقال : إن الشهوة ليست خاصة بشيء معين أو محدد ولكنها في كل شيء من معاصي الله عز وجل.
والشهوات أيها الأحباب من أعظم الفتن على الإنسان ، لأن الفتنة نوعان والكلام لأستاذنا الإمام ابن القيم يقول : إن الفتنة نوعان : فتنة الشبهات ، وفتنة الشهوات ، أما فتنة الشبهات فتأتي من قلة العلم ومن اتباع الهوى ، ولقد حذر الله جل وعلا من اتباع الهوى ، لأن اتباع الهوى يضل عن سبيل الله فقال سبحانه :
( يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (صّ/26)
فأما فتنة الشهوات فسببها كثرة المعاصي وفسق الأعمال وسيطرة الدنيا على القلوب ولذا فلقد قال سلفنا الصالح : احذروا من الناس صنفين : صاحب هوى قد فتنه هواه ، وصاحب دنيا قد أعمته دنياه .
وأقول – ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم – لقد ابتلانا الله جل وعلا في بلادنا وفي أيامنا هذه وفي زماننا هذا بهذين الصنفين ، ابتلانا الله جل وعلا ابتلاءاً شديدا ، بكثير من الناس الذين قد أعمتهم شهوات الدنيا وشبهات الباطل فراحوا يقولون في هذا الدين بغير علم ، وراحوا يفترون على الله جل وعلا ، وراحوا يعلنون العداء لهذا الدين ، وراحوا يظهرون حقدهم الدفين على هذا الدين ويشنون عليه الحرب الهوجاء باسم الدين ، ولكنت يأبى الله جل وعلا إلا أن يظهر حقدهم الدفين ، وإلا أن يظهر نفاقهم المبين على هذا الإسلام ، وعلى هذا الدين العظيم في زلات ألسنتهم ، وعلى صفحات وجوههم ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، وليعلم الموحدون العدو من الصديق .
أيها الأحبة الكرام : لقد ابتلانا الله جل وعلا في هذه الأيام ابتلاءا شديدا بكثير من الناس الذين يقولون في ديننا بغير علم ، الذين يقولون في ديننا بالهوى والذي أعمت أعينهم نار الشبهات ، وظلمات الشهوات فراحوا يفترون على الله الكذب وراحوا يعلنون العداء للإسلام ولرسول الإسلام .
نعم ، ولكن الله جل وعلا وعدنا بأنه هو الذي سيتولى حفظ دينه وهو الذي قال : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (الحجر/9) اعلموا أيها الأحباب أنه ليس من العيب أن يزل العالم ، لأنه ليس بمعصوم لأن العصمة للنبي وحده ولكن مكمن الخطر، ولكن مصيبة المصائب أن يقول العالم في الدين بغير علم ، أو أن يقول العالم ، ويصر على خطئه وعلى عناده وعلى كبره بعدما يتبين له الحق بالدليل الشرعي استحياء من الناس أو خجلاً من الناس أو خوفاً من الناس والله لا يستحي من الحق .
أقولها بمنتهى الوضوح والصراحة : إننا نحب علمائنا إننا نحب شيوخنا ولكن الحق أحب إلينا من شيوخنا وعلمائنا .
أيها الأحباب الكرام : إن مكمن الخطورة في فتاوي عصرنا المنحرفة والمضللة إنها سرعان ما تنتشر وسرعان ما يعرفها ملايين من البشر بواسطة وسائل الإعلام الحديثة المسموعة والمرئية والمقروءة .
وإن مكمن الخطر كذلك ، وإن مصيبة المصائب أن الذين يتحكمون في أنظمة الفكر في بلادنا ، وأن الذين يسيطرون على عقول الناس بما يملون عليهم من آراء وأفكار هذا الصنف من الناس عادة ما يحاط بهالة من الدعاية تستر كذبه وتستر جهله وتغطي حقده الدفين على هذا الإسلام وعلى هذا الدين .
وعادة ما يحاط هؤلاء بهالة عجيبة من الدعاية والإعلان ليلوي هؤلاء الناس أعناق الناس إليهم ، وليلفت هؤلاء الناس أسماع الناس إليهم ، فيرضخوا لفتاويهم ويرضخوا لكلماتهم ، ويأبى الله جل وعلا إلا أن يقيض لهذا الدين من يحذر الناس من فتاوى هؤلاء ومن دعاوى هؤلاء .
اعلموا أيها الناس بأن هذه الهالة وبأن هذه الدعوات وبأن هذا الإعلان لا يقرب هؤلاء – أي أصحاب الفكر – من قلوب الناس ، ولا يجعل من جهلهم علما ولا يجعل من بعدهم عن قلوب الناس قربا ، مثلهم كمثل الطبل الأجوف يسمع صوته من بعيد وباطنه من الخيرات خال .
نعم ، إنني أقدم بهذه المقدمة الطويلة لماذا ؟
لأنه مما يمزق الضمائر الحية أن ينبري أعداء ديننا في هذه الأيام وعبيد الفكر الغربي لحرب هذا الإسلام ، حرباً صريحاً وحرباً هوجاء ، وأرى أن أعداء هذا الفكر – أي الفكر الإسلامي – وأنصار هذا الفكر – أي الفكر الغربي – راحوا ينفثون سمومهم على صفحات الجرائد وعبر شاشات التليفزيون ، وعبر الإذاعات المسموعة في كل زمان وفي كل مكان يريدون إسلاما على أمزجتهم ، يريدون إسلاماً خاصاً بأهوائهم ، يريدون إسلاماً خاصاً بما يمليه عليهم قادة الغرب من المستشرقين ومن المبشرين ومن الشيوعيين ومن العلمانيين
فتارة يقولون : إننا لا نأخذ بآراء الفقهاء ، ولا بآراء المفسرين ، ولا بآراء العلماء لا نأخذ إلا بالوحي من القرآن والسنة ، فإن وافقتهم جدلا على ذلك إن وافقتهم أن يتركوا آراء الفقهاء وآراء العلماء وآراء المفسرين ويأخذوا بالقرآن والسنة بعد فترة يقولون لك : إننا لا نأخذ بالسنة بكاملها ، لأن في السنة ما هو ضعيف ، لأن في السنة ما هو مردود لأن في السنة ما هو موضوع ، ولا نأخذ إلا بالقرآن الكريم فإذا ما ضيعوا السنة ولم يبق أمامهم إلا القرآن . قالوا لك بعد ذلك : إن القرآن قد نزل ليعالج أوضاع البيئة العربية في أرض الجزيرة ولذا فإنه ينبغي أن نأخذ من القرآن ما يتفق مع روح عصرنا وما يتمشى مع روح التطور والتحرر .
أضاعوا آراء الفقهاء وأضاعوا السنة ، وفي النهاية قالوا : لابد أن نأخذ من القرآن ما يتفق مع روح عصرنا ومع روح مدنيتنا ، وتطورنا آمنوا ببعض الكتاب وكفروا بالبعض الآخر .
فإن قلت لهم : إن القرآن الكريم يقول : إن الخنزير رجس لقد وصف القرآن الكريم لحم الخنزير بأنه رجس لقالوا لك : لقد وصف القرآن الكريم هذه الخنازير ، ولحوم الخنازير بأنها رجس ، لأن وصفه كان لخنازير في العصور المتخلفة ، كانت خنازير سيئة التغذية ، أما خنازير اليوم – وما أكثرها – فإنها خنازير متطورة فإنها خنازير متحضرة ، فإنها خنازير ليست بخنازير متخلفة ، كخنازير العصور الماضية .
وإن قلت لهم : إن القرآن الذي تؤمنون به يقول : ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (النساء/11) في الميراث يقولون لك : لقد قال القرآن ذلك في عصور ماضية قبل أن تخرج المرأة بميدان العمل ، أما يوم أن خرجت المرأة لميدان العمل ، فأصبحت مساوية للرجل في كل شيء وهكذا ، إنها نار الشهوات وفتن الشبهات .
وأنا كما قلت : أقدم بهذه المقدمة الطويلة لهذه الشهوات والشبهات ، التي يحارب بها إسلامنا وديننا في هذه الأيام ، لأنه كاد قلبي ينخلع وكاد عقلي يطير لما قرأته على صفحات جريدة إسلامية ، ولا أقول على صفحات جريدة شيوعية ، أو علمانية أو ماركسية ، وإنما أقول : على صفحات جريدة إسلامية ، بعنوان " تذكير الأصحاب بتحريم النقاب " أسمعتم ؟ أرأيتم ؟ على صفحات جريدة إسلامية عنوان ضخم يقول : " تذكير الأصحاب بتحريم النقاب "
إلى هذا الحد يحارب الإسلام ! إلى هذا الحد يحارب الإلتزام ! إلى هذا الحد يحارب الاحتشام ! ، أنا لا أدري ، لا أدري لماذا يثير النقاب هذه البغضاء في قلوب هؤلاء ؟ والله لا أدري ، فمنهم من يصف النقاب بأنه خيمة ، ومنهم من يصف المنتقبات بأنهن متأخرات ومتخلفات ورجعيات ومتحجرات .
لا أدري لماذا كل هذه الحرب الشعواء ، لماذا كل هذه الحرب الهوجاء على النقاب؟ لماذا لم تكن هذه الحرب على السفور ؟ لماذا لم تكن هذه الحرب على العري والتبرج ؟ لماذا لم تكن هذه الحرب على الاختلاط السافر ؟
لماذا لماذا ؟ لماذا لم تكن هذه الحرب على المتبرجات الكاسيات العاريات المائلات المميلات اللائي تفتح لهن الأبواب ، وتيسر لهن الأسباب ، وتذلل لهن الصعاب وينلن كل الرضا وكل الاحترام ، وكل التقدير من هؤلاء ، من أصحاب الشهوات من أصحاب القلوب المريضة ؟!
أما المنتقبات ، أما العفيفات ، أما الطاهرات ، أما المتوضئات ، فإن الحرب تصب على رؤوسهن صباً ، لا تفتح لهن الأبواب ، لا تفتح لهن أبواب الجامعات لا تفتح لهن أبواب المدارس ، لا تفتح لهن أبواب الوزارات ، أو أبواب الأعمال لا تفتح لهن الأبواب ، ولا تذلل لهن الصعاب ، ولا تيسر لهن الأسباب ، ويصب هؤلاء الحاقدين على رؤوسهن الحرب صباً . لماذا كل ذلك ؟ لماذا هذه الحرب الشعواء على النقاب وعلى الإسلام وعلى الإخوة الذين توضؤوا لله جل وعلا ، والذين سجدوا لله عز وجل ، والذين رفعوا شعار لا إله إلا الله لماذا ؟
إنني أتعجب ، والله إنني لأتألم من هذه الحرب ، ولكنني أتعجب ويزداد عجبي أن تكون هذه الحرب على النقاب ، ليس من أعداء الإسلام ، وإنما ممن ينتسبون ظلما وزورا إلى الإسلام إلى هذا الحد تحارب المنتقبة من المسلمين ؟ تحارب المنتقبة ممن يتسمون بسمة أهل العلم والدين إلى هذا الحد ؟ إنا لله وإنا له راجعون ، إنا لله وإنا إليه راجعون .
ولكنني أقول : أيتها الأخت المنتقبة ، اصبري يا أختاه اصبري يا أختاه واعلمي علم اليقين أن النبي قال في الحديث الصحيح الذي خرجه الإمام مسلم ، والذي خرجه غيره من أهل السنن وأهل المسانيد أن النبي قال من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : " بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء " .
وفي رواية للإمام أحمد قيل : من الغرباء يا رسول الله ؟ قال : " الذين يصلحون إذا فسد الناس" (1)
الغرباء الذين يصلحون إذا ما فسد الناس . الذين يتمسكون بالقرآن ويتمسكون بهدي النبي في وقت قل فيه التمسك بالقرآن في وقت قل فيه التمسك بسنة النبي
وفي الحديث الصحيح أيضا الذي أخرجه الإمام الترمذي بسند صحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي قال : " سيأتي على الناس زمان الصابر فيه علي دينه كالقابض على الجمر" (2)
وهذا هو زماننا ، وهذه هي أيامنا فمن صبر في هذه الأيام ، ومن صبر في هذا الزمان على دينه كمن قبض على جمر بين يديه .
فاصبري يا أختاه واصبروا أيها الأخوة اصبروا أيها الشباب ، اصبروا أيها المسلمون فإن الله جل وعلا قال : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً(5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح/5-6)
ويقول لكم : ابشروا فإن أشد ساعات الليل سوادا هي الساعة التي يأتي بعدها ضوء الفجر ، وفجر الإسلام قادم ، ونور الإسلام قادم ، ونور محمد قادم وعز الإسلام قادم ، ولكننا نحتاج إلى الصبر ، اصبري يا أختاه اصبري يا من التزمت بشرع الله ، اصبر يا من التزمت بشرع رسول الله .
فإني أتعجب !! النقاب حرام !! هذا آخر ما كنت أتخيله ، أن النقاب حرام ليخرج علينا بعد ذلك هذا الفذ العبقري بهذا الاختراع المدوي وبهذا الاكتشاف الكبير وبهذه القنبلة المدوية ليقول لنا : إن النقاب حرام والله ما قال بذلك أحد من أسلافك الأولين .
اعلموا أيها الناس ، اعلموا أن أعداء الإسلام علموا أن المرأة سبب فلاح الأمة الإسلامية ، ومصدر من مصادر نجاحها ، اعلموا أن أعداء الإسلام يعلمون أن عز الأمة عند امرأة مسلمة ، ويعلمون كذلك أن المرأة المسلمة مصدر من مصادر الفتن والهتك والهدم والتدمير ، فإن المرأة سلاح ذو حدين .
ولقد علم أعداء الإسلام ذلك ولقد قالها أحد أقطاب المستعمرين يوم أن قال : كأس وغانية يفعلان في الأمة المحمدية ما لا يمكن أن يفعله ألف مدفع ، فأغرقوا الأمة في الشهوات والملذات هكذا أفلح أعداء ديننا وهكذا خطط أعداء إسلامنا ، علموا علم اليقين أن المرأة سلاح ذو حدين فهي مصدر عزة للأمة ومصدر هتك وهدم وتدمير فهي سلاح ذو حدين .
ومن هذا المنطلق كان للمرأة النصيب الأكبر والحظ الأوفر من المؤامرات ، ومن المخططات ، ومن التدميرات التي دبرت لإسلامنا والتي دبرت لأمتنا والتي دبرت لديننا فانتبهوا جيداً .
علموا علم اليقين أن المرأة إن التزمت بما قال لها ربها وبما قال لها نبيها # فهي مصدر الرعب ، فقد ظلت المرأة المسلمة طيلة القرون الماضية متربعة مصونة في عرشها تهز المهد بيمينها ، وتزلزل عروش الكفر بشمالها فعز على أعداء ديننا أن تجود المرأة المسلمة في أيامنا ، وفي بلادنا ، وفي زماننا أن تنجب عمر كعمر بن الخطاب ، أو أن تنجب خالداً كخالد بن الوليد ، أو أن تنجب صلاحا كصلاح الدين فراحوا يدبرون ، وراحوا يخططون .
ووالله الذي لا إله غيره ما ترك الاستعمار بلادنا وما سحب الاستعمار جيوشه من بلادنا ومن أرضنا إلا بعد أن اطمأنوا اطمئناناً كاملا – أي والله – من قادة الفكر ، وقادة الأدب ، وقادة الفن .
هؤلاء الذين سماهم الاستعمار وأطلق عليهم زوراً وبهتاناً لإضلال المسلمين أطلق عليهم صفات المحررين وصفات المطورين ، وصفات المجددين هذه الدعاوى الباطلة ، وهذه الدعاوى الكاذبة .
ومن هؤلاء ؟ من هؤلاء الذي انخدع فيهم كثير من الشباب وكثير من المسلمين من قادة هذه الأمة : رفاعة رافع الطهطاوى هذا الذي أعدت له المسلسلات وأعدت له الكتب وقررت سيرته على الشباب وعلى الطلبة وعلى الطالبات هذا هو رفاعة رافع الطهطاوى يقول بالحرف الواحد في كتابه الشهير : " تخليص الإبريز في تلخيص باريس " يقول بالحرف الواحد : إن السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعياً من دواعي الفساد.
هل حلت جميع مشاكلنا أيها العبقري ، ولم يتبق إلا مشكلة النقاب سقطت ذبابة على نخلة البلح فلما أرادت الذبابة أن تنصرف قالت الذبابة للنخلة : تماسكي أيتها النخلة فإني راحلة عنك أمر عجيب ! الذبابة تقول للنخلة العملاقة : تماسكي أيتها النخلة فإني راحلة عنك فردت عليها النخلة العملاقة وقالت لها : انصرفي أيتها الذبابة الحقيرة فهل أحسست بك حينما سقطت علي لأستعد لك وأنت راحلة عني .
قل ما شئت وليقل الحاقدون ما شاءوا ، والله لو اجتمع أهل الأرض على أن يطفئوا نور الله ما استطاعوا والله ما استطاعوا ، وسيعلوا صوت الله جل وعلا في كل زمان وفي كل مكان ، وسيعلوا صوت الحبيب في كل زمان وفي كل مكان ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، ولو كره المشركون ، ولو كره الحاقدون ، ولو كره المنافقون الذين يأبى الله جل وعلا – إلا أن يظهر نفاقهم ، وإلا أن يظهر حقدهم على صفحات وجوههم ، وعلى صفحات جرائدهم ، وفي زلات ألسنتهم ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، ولنعرف نحن الموحدين العدو من الصديق إن النقاب حرام ، إن النقاب حرام ؟!!
ليتك قلت : إن التبرج حرام ، ليتك قلت : إن العري حرام ، ليتك قلت : إن السفور حرام ، ليتك قلت : إن الربا حرام ، ليتك قلت : إن الخمر حرام ، ليتك قلت : إن الزنا حرام ، ليتك قلت : إن كباريهات شارع الهرم حرام ، ليتك قلت : إن البنوك وفوائدها من الربا حرام ، ليتك قلت : إن سلب الحريات حرام ، ليتك قلت : إن تيتم الأطفال حرام ، ليتك قلت : إن الزنا حرام ، ليتك قلت : إن قتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء على أرض فلسطين الذبيحة حرام ، ليتك قلت : إن اجتماع الغرب بأسره على الإسلام حرام ، ليتك قلت : إن حملات التبشير والتنصير والعداء للإسلام حرام ، ليتك قلت ذلك .
هل انتهيت من كل ذلك أيها العبقري أيها الدكتور لتترك كل ذلك وتقول : إن النقاب حرام ؟! هل حلت جميع مشاكل مصر ؟! هل حلت مشاكل الشباب ؟! هل حلت مشاكل النساء والفتيات ولم يبق لنا إلا مشكلة النقاب لنتبارى فيها بنار الشهوات والشبهات لنضل الناس بغير علم ؟! .
والله لقد كنت أعددت لكم الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب النقاب عند كثير من أهل العلم ، ولكنني أرى الوقت لا يتسع فإنه موضوع كامل يحتاج منا إلى كتاب كامل ، لنعلم إن هؤلاء ما تحركوا بهذه الفتاوى إلا من منطلق الهوى وإلا من منطلق فتن الشبهات والشهوات .
ولكن أيها المسلمون : اعلموا علم اليقين والله الذي لا إله غيره لا عز لنا إلا بالإسلام ، ولا كيان لنا إلا بالإسلام ، ولا وجود لنا إلا باتباع محمد عليه الصلاة والسلام.
ولقد ورد في مستدرك الحاكم وقال الحاكم : حديث صحيح على شرط الشيخين البخارى ومسلم ووافقه في ذلك الإمام الذهبي قال : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يوماً إلى الشام ومعه أبو عبيدة الجراح وكان عمر بن الخطاب يركب على ناقته ، وفي الطريق مر عمر بن الخطاب على مخاضة أي على بركة من الطين والماء ، ونظر عمر بن الخطاب إلى هذه المخاضة ، إلى بركة الطين والماء ، فماذا صنع أمير المؤمنين .
أشفق عمر بن الخطاب على ناقته فنزل من على ظهرها وجرها ، سحبها بيديه وخلع نعليه ووضعهما على عاتقه وأخذ بزمام الناقة خشي من الله جل وعلا أن يركب على ظهرها لتخوض به هذه المخاضة .
أرأيتم ؟ أرأيتم ؟ فهو الذي كان يمد يده الشريفة في دبر البعير المريض ليداويه ويعالجه وإذا ما نظر إلى البعير المريض وهو يشتكي وهو يئن بكى عمر بن الخطاب وقال له : والله إني لخائف أن يحاسبني ربي عما بك من مرض يوم القيامة ..
عمر ينزل من على ظهر الناقة ويضع نعليه على عاتقه ويسحب ناقته من زمامها وينظر أبو عبيدة بن الجراح ويتعجب لحال عمر ويقول له : يا أمير المؤمنين أأنت تصنع ذلك ؟ والله ما أحب أن القوم قد استشرفوك – أي إنني أكره أن يراك أحد وأنت على هذه الحالة – لا أحب أن يراك أحد وأنت على هذه الحالة يا أمير المؤمنين .
أتدرون ماذا قال عمر ؟ قال عمر : آه يا أبا عبيدة ، لو قالها أحد غيرك ، لجعلته نكالاً لأمة محمد ، ثم قال : يا أبا عبيدة والله لقد كنا أذل قوم ، فأعزنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله .
لا عز لنا إلا بإسلامنا ، ولا كيان لنا إلا بديننا ، ولا بقاء لنا إلا بالتزامنا ، أما أن ينعق كل ناعق ، وأن يفتري كل مفتر ، ويقول في العلم وفي الدين بغير علم بالهوى ، إن النبي قال في الحديث الصحيح الذي خرجه الإمام البخاري والإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو إنه قال : " إن الله لا ينزع العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، فإذا لم يتبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا " (1)
أين أنتم يا هؤلاء ؟ يا من تتبجحون على الدين بغير علم يا من تجترئون على الدين بغير علم أين أنتم من رسول الله الذي كان إذا ما سئل يقول : " انتظروا حتى يأتينى جبريل بالوحي من عند الله " .. أين أنتم من صحابة رسول الله ؟ أين أنتم من التابعين ؟ .
وهذا هو القاسم بن محمد إمام من أئمة الفقه السبعة في المدينة المنورة يأتيه سائل ليسأله عن شيء فيقول القاسم : إني لا أحسنه ، إني لا أعرف ، لا أدري فتعجب السائل وقال له : يا قاسم أنا اتيتك لا أعرف غيرك وأنت تقول : لا أعرف ، لا أدري ؟ فنظر إليه القاسم وقال : يا أخي لا تنظر إلى طول لحيتي ولا إلى كثرة الناس من حولي ، والله لا أحسنه ، والله لا أعرف ، والله لا أدري ، فكان هناك شيخ إلى جوار القاسم من شيوخ قريش فقال له : أيها العالم يا بن عم يا ابن عم الزمها ، الزمها فوالله ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم فقال القاسم : والله ، والله لأن يقطع لساني خير لي وأحب من أن أقول في الدين بما لا علم لي به ..
أما هؤلاء الذين يجترئون على الدين ويقولون في الدين بغير علم من منطلق الهوى، والهوى يضل صاحبه عن سبيل الله (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (صّ/26)
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..
الخطبة الثانية :
الحمد لله وحده ، والصلاة على من لا نبي بعده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ..
فيا أيها الأحبة الكرام : كنت قد أعددت لكم كثيرا لأن الموضوع لم ينته بعد خشية أن يطول الوقت بنا لجعلت لموضوع الشهوات جمعة أخرى ، لأن كثيرا من الشهوات قد سيطرت على الناس في هذه الأيام فهناك شهوة الغناء وحب الغناء .
بل من العلماء من قال بأن الغناء لا شيء فيه ، بل من العلماء من طالعنا في كتبه الأخيرة، وأنا لا أنتقد أحداً ، وإنما أذكر والله ، والله الذي لا إله غيره ليس من طبعي أن أجُرح أحداً من العلماء ، أو أن أنتقد أحداً من العلماء ، لأني على يقين كامل أنه لا ينبغي أن يخطئ العالم إلا عالم ولست من العلماء ، ولكنني أقول من باب التذكير والتحذير .
يقول عالم من علمائنا – وكما قلت : إننا نحب علماءنا ، ولكننا نحب الحق أكثر من حبنا لعلمائنا – يقول : لقد دخل على شاب كنت مشرفاً على رسالته فدخل على وأنا أستمع إلى الغناء ، كان يستمع إلى الغناء من صوت محبب لديه ، ودخل هذا الشاب الصغير فلما رأى أستاذه يستمع إلى الغناء وأنتم تدرون وكلكم على علم بكلمات أغانينا في أيامنا هذه ، إن الشريط الملعون ( لولاكي) قد وزع منه (8 مليون) شريط ) (8مليون) شريط من هذا الإسفاف العقلي ومن هذه الخزعبلات والهراءات (8مليون) أمر عجيب .
دخل الشاب على أستاذه وتعجب فقال أستاذه : إن الغناء لا شئ فيه فلما لم يستطع التلميذ مناقشة أستاذه ، استحلفه بالله أن يغلق المذياع فاستجاب الأستاذ لتلميذه وأغلق الراديو يقول أستاذنا : فلم أستطع أن أصمت فجعلت أردد كلمات الأغنية بصوتي أنا ، وغيرها من الشهوات وغيرها .
أقول : إن الموضوع طويل ، ولكن هناك نقطة أخيرة في غاية الأهمية أود أن أنبه إليها حضراتكم ، وهي : أن في الجمعة الماضية في مسجد مبارك من مساجد السويس كان أحد الدعاة الأفاضل والكرام يفسر على المنبر سورة الفجر ولكنه أخطأ خطأ كبيرا أود أن أذكر العقول به .
وأنا أقول بداية : والله الذي لا إله غيره ليس من باب تصيد الأخطاء وليس من باب الانتقاد للدعاة أو ينبري البعض للبعض الآخر ، وليس من باب التقليل من شأن الداعية الكريم ، فإني أشهد الله والله شهيد على ما في قلبي أني أحبه في الله عز وجل ، وأشهد له أنه من الدعاة الذين يحترمون المنبر ويحترمون العقول ويعدون للجمعة إعداداً جيداً وكاملاً ، وأسأل الله أن يغفر لي وله ولكن من باب التذكير ومن باب النصح لا أكثر من ذلك .
والله الذي لا إله غيره لقد قال هذا الداعية الكريم في تفسير سورة الفجر في قول الله جل وعلا : ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) (الفجر/14) قال : ولقد استمعت إلى الشريط بأذني رأسي حتى أكون على يقين قال في قوله : ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) ظل يعدد أن الله سبحانه وتعالى يراك في كل مكان ، ثم قال عبارة اقشعر منها بدني حيث قال : فلو ذهبت إلى الخمارة لوجدت الله هناك ثم قال في قول الله عز وجل : ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ) (الفجر/22) قال بالحرف الواحد : لا مجيء لله أبدا ونفى المجيء عن الله عز وجل.
قلت : بأن هذا الموضوع جد خطير وكان يحتاج مني إلى وقفة وإلى تذكير والله لا من باب الانتقاص ولا الانتقاد ، لأنه أمر في صلب العقيدة ، يقول علماؤنا وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في مسألة الأسماء والصفات لرب الأرض والسماوات يقول علماؤنا : إن لله جل وعلا أسماء وصفات ، ويذهب أهل السنة والجماعة في هذه الأسماء والصفات أننا نؤمن بها صريحة ونمررها كما هي انتبهوا من غير تحريف ، ولا تكييف ، ولا تأويل ، ولا تعطيل ، ولا تشبيه أو تمثيل كيف ؟ .
الله سبحانه وتعالى له أسماء وله صفات أثبتها الله جل وعلا لذاته في القرآن الكريم وأثبتها له نبينا فينبغي أن نؤمن بهذه الأسماء وتلك الصفات كما أثبتها الله لذاته وكما أثبتها النبي لربه جل وعلا .
أولا : نؤمن بصفات الله جل وعلا بغير تحريف ما معني ذلك ؟ أي نأخذ الصفة دون أن نحرفها عما جاءت في القرآن والحديث .
على سبيل المثال : أثبت الله جل وعلا لذاته صفة الكلام ، لقد أثبت الله لذاته في القرآن وفي الحديث الصحيح عن النبي أن الله يتكلم فقال سبحانه ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )(النساء/164) فرد هؤلاء الذين قالوا بتعطيل الصفات كالجهمية والمعطلة والأشاعرة والمعتزلة وغيرهم ، قالوا بأن هذه الآية أهل السنة والجماعة ما فهموها حق فهمها قيل لهم : لماذا ؟ قالوا : لأن الآية معناها أو قراءتها الصحيحة : ( وكلم الله موسى تكليما ) جعلوا الله لفظ الجلالة في محل مفعول به مقدم وأخروا موسى ليأتي فاعل ليكون الكلام من موسى أي أن الذي تكلم هو موسى لينفوا صفة الكلام عن الله .
فرد عليهم علماؤنا وقالوا لهم : إذا كنتم تقولون في هذه الآية بأن المتكلم هو موسى لتقديمكم وتأخيركم بالباطل فماذا تقولون في قول الله جل وعلا : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ )(لأعراف/143) ماذا تقولون في هذه ؟ ؟ الله أثبت لنفسه الكلام وأثبت النبي لربه الكلام .
إذن نؤمن بأن الله يتكلم ولكن كيف ؟ الله أعلم .
ثانيا : نؤمن بصفات الله جل وعلا بدون تأويل ، بدون تأويل بمعنى أن نأخذ الصفة ولا نؤولها على هوانا .
مثلا نقول : في قول الله جل وعلا كما قال هؤلاء المعطلة للصفات من الجهمية والمعطلة والأشاعرة والمعتزلة قالوا في قول الله جل وعلا : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ )(المائدة/64) أولوا صفة اليد هنا لله جل وعلا أولوها وقالوا : بل يداه مبسوطتان أي بل نعمتاه مبسوطتان جعلوا لله نعمتين اثنتين والله جل وعلا يقول : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )(ابراهيم/34) فنأخذ الصفة بدون تأويل .
وفسروا وأولوا أيضا قول الله جل وعلا : ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )(الفتح/10) فقالوا : إن معناها القدرة ، وهذا تأويل باطل ، كما قال أهل السنة والجماعة لماذا ؟ لأن الله جل وعلا أثبت لذاته يدان اثنتان وكلتاهما يمين حتى لا تفكر بعقلك وأثبت الله جل وعلا لذاته ساقا فقال سبحانه : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاق )(القلم/42) .
وأثبت الله لذاته رجلين فقال النبي في الحديث الصحيح الذي خرجه البخاري ومسلم : " إن الله جل وعلا يلقي في جهنم من المشركين والكفار وتظل تنادى وتقول : هل من مزيد ؟ هل من مزيد ؟ حتى يضع الحق عز وجل عليها قدمه فتقول : قط قط قط قد امتلأت" (1) بغير تأويل وأن نؤمن بالصفات بلا تعطيل كما قال أستاذنا في قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ) (الفجر/22) عطل صفة المجيء عن الله عز وجل وقال : لا مجيء لله أبدا ولكننا نقول بأن مذهب أهل السنة والجماعة يقولون بأنه ينبغي أن نؤمن بالصفة دون تعطيل أثبت الله لذاته المجيء ، وأثبت لذاته الدنو ، وأثبت الله لذاته القربى ، ولكننا نؤمن بهذه الصفات بدون تعطيل لماذا ؟
أمر خطير ، لأن تعطيل الصفة عن الموصوف يقول بأن الموصوف لا وجود له أنفي صفة عن شيء ، إذن لا وجود لهذا الشيء ، لأنه لا تمنع الصفة تحجب الصفة إلا عن العدم المحض كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم : لا تنفي الصفة إلا عن عدم محض فنحن نؤمن بالصفات بدون تعطيل ، ولا نعطل الصفة .
فنقول : ( وَجَاءَ رَبُّكَ ) أي أثبت الله لذاته المجيء ولكن نقول : جاء ربك مجيئا يليق بكماله وجلاله فكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا تدركه العقول ولا تكيفه الأفهام ، نؤمن بالصفات بدون تعطيل أي لا نعطل الصفة .
أيضا رابعا : نؤمن بصفات الله جلا وعلا بدون تكييف ، أي بدون تحييز كما قال أستاذنا في قول الله جل وعلا : ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ) (الفجر/14) أي أن الله معك في كل مكان على إطلاق العبارة هكذا فلو ذهبت إلى خمارة لوجدت الله هنالك وهذا كلام خطير ، وإنما مذهب أهل السنة والجماعة في هذه العبارة أي في التحييز والتكييف أن الله جل وعلا ذاته لا تشبه بذوات المخلوقين ، وإن أردنا أن نقول بأن الله موجود في كل مكان على إطلاقها لجعلنا ذات الله في أماكن القاذورات والنجاسات ولقلنا كما قال هؤلاء بالحلول والاتحاد .
ولكن ينبغي أن نقول : الله جل وعلا علمه في كل مكان ، أو إحاطته في كل مكان ، أو الله مع الناس ، أو مخلوقاته في كل مكان بعلمه ، وبقدرته وإرادته ، وقهره وإحاطته وسلطانه ، ولا نجعل ذات الله في أماكن النجاسات ، أبدا ولا في أماكن القاذورات أبدا ، لأن ذات الله لا تكيف ولا تحيز كما قال علماؤنا في قول الله جل وعلا : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (طـه/5) يقول جهم بن صفوان عليه لعنة الله هذا الذي كان قائدا للمعطلة يقول : لو وجدت سبيلا لإزالة هذه الآية من المصحف لأزلتها وحذفتها ولجعلتها بدلا من الرحمن على العرش استوى ، الرحمن على العرش استولى ، وقال جهم كما قال أسلافه من اليهود حينما قال الله عز وجل لهم : ( وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً)(لأعراف/161) أي حط عنا ذنوبنا – ( وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ) فخالف اليهود أمر الله بدلاً من أن يدخلوا الباب سجدا دخل اليهود يزحفون على أستاهم أي على مقاعدهم دخلوا يزحفون على أستاهم بدلا من أن يسجدوا لله كما أمرهم وبدلا من أن يقولوا : حطة أي حط عنا خطايانا استهزءوا بكلمة الله فقالوا حنطة .
فيقول جهم بن صفوان عليه لعنة الله : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) لو كان الأمر بيدى لأزلتها وقلت : الرحمن على العرش استولى .
ولكن مذهب أهل السنة والجماعة في هذه الآية (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) : أي استوى كما أخبر وعلى الوجه الذي أراد وبالمعنى الذي قال ، استواءا منزهاً عن الحلول والانتقال ، فلا العرش يحمله ، ولا الكرسى يسنده ، بل العرش وحملته والكرسى وعظمته الكل محمول بلطف قدرته ، مقهور بجلال قبضته .
لقد كنت أقول معقبا لهذه العبارات في كل مرة ، لأنه تعالى كان ولا مكان ولقد قرأت والحمد لله أن هذه العبارة خطأ شنيع أيضا .
وأسأل الله أن يغفر لي فيما مضى ، قرأت أن ابن تيمية قال بأن لفظة كان الله ولا مكان عبارة خاطئة ، وإنما الصحيح أن يقال : كان الله ولم يكن شيء قبله فأسأل الله أن يغفر لي فيما مضى وأن يغفر لأستاذنا .
(1) أخرجه مسلم في الإيمان ، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريباً (1/145) وابن ماجة في الفتن، باب بدأ الإسلام غريباً (2/3987) وأحمد في مسنده (4/73)
(2) أخرجه الترمذي في كتاب الفتن (4/2260) وأحمد في مسنده (2/390) وقال أبو عيسى ، حديث غريب من هذا الوجه .
(1) أخرجه البخارى في العلم ، باب كيف يقبض العلم (1/100) ومسلم في كتاب العلم ، باب رفع العلم وقبضه (4/2673) والترمذى في كتاب العلم ، باب ما جاء في ذهاب العلم (5/2652) وأحمد في مسنده (2/162) والدارمى في المقدمة باب في ذهاب العلم (1/239)
(1) أخرجه البخاري في الإيمان والنذور ، باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته (11/6661) ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (4/38 جنة ) والترمذي في كتاب صفة الجنة ، باب في خلود أهل الجنة وأهل النار (4/2557) وأحمد في مسنده (3/12) .