الأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : محمد حسان | المصدر : www.mohamedhassan.org

الأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريط له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ([1])
       
 يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا  ([2])
 
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا  ([3])
 
أما بعد:
        فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار. ([4])
أما بعد:
أحبتى فى الله:
 
نظراً لطول الموضوع وأهميته فسوف أركز حديثى مع حضراتكم فى العناصر التالية.
 
أولاً: شهادة الله لهذه الأمة.
ثانياً: انحراف الأمة عن المنهج.
ثالثاً: معالم مضيئة على طريق البعث من التبعية إلى الريادة وأهمها:
 
1- إقامة الفرقان الإسلامى لاستبانة سبيل المجرمين.
2- تصفية العقيدة، وتنقية الشريعة، وتهيئة الفرد المسلم الذى يحول العقيدة والشريعة إلى منهج حياة.
3- بعث آداب السلوك والأخلاق الإسلامية.
4- فليكن ولاؤنا للإسلام فقط دون سواه.
 
أحبتى فى الله:
إن الحياة الإنسانية .. مجال صراع رهيب بين الأمم .. وكل أمة تدعى لنفسها الفضل والكمال .. ومن ثم فهى التى تستحق أن تسود وتقود.
فلقد ادعى اليهود والنصارى والوثنيون أنهم الأكمل والأفضل وأن غيرهم من الأمم ليس على شئ.
كما قال سبحانه:  وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ  ([5])  
 
والذين لا يعلمون فى هذه الآية هم مشركو العرب، بل لقد غالى اليهود والنصارى فى دعواهم فزعموا أنهم أبناء الله وأحباؤة، كما فى قوله جل وعلا:
 وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ([6])  
 
ثم ازداد غلوهم فجعلوا الجنة حكراً ووقفاً عليهم لايدخلها غيرهم  وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  ([7])
 
* ولا تزال أمم الأرض تدعى هذا إلى اليوم ..
* فجاءت ألمانيا فرفعت شعارها الخبيث: ألمانيا فوق الجميع.
* وجاءت أمريكا لتسوق العالم كله بعصا غليظة وكأنها من طينة تختلف تماماً عن طينة البشر.
* ثم جاء القرآن ليبين بجلاء، مكانة أمة المصطفى   بين جميع الأمم.
فقال سبحانه:
 
 كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ  ([8])
 
وقال جل وعلا:
 
 وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ([9])
 
وفى الحديث الذى رواه البخارى وغيره عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى   قال:" يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يارب فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم . فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقول: من يشهد لك يا نوح؟ فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ، ويكون الرسول عليكم شهيداً فذلك قوله تعالى:  وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا  ثم قال: والوسط العدل. ([10])
 
وهذه الخيرية لهذه الأمة الميمونة ليست ذاتية ولا عرقية ولا عصبية ولكنها خيرية مستمدة من الرسالة التى شرفت الأمة بحملها للناس أجمعين.
ولم يكن هذا التكريم والتفضيل لهذه الأمة إعتباطاً.. وإنما كان لأمة استقامت على دين الله وحولت الإسلام إلى منهج حياة.. فى جانب الاعتقاد وفى جانب التعبد، وفى جانب التشريع، وفى جانب المعاملات، والأخلاق والسلوك، وأقامت للإسلام دولة من فتات متناثر.
أذلت الأكاسرة ..، وأهانت القياصرة ..، وغيرت مجرى التاريخ فى فترة لا تساوى فى حساب الزمن شيئاً ..، وفتحت نصف كرة الأرض فى نصف قرن من الزمان.
ثم راحت الأمة تبتعد شيئاً فشيئاً عن أصل عزها ونبع شرفها.
حتى وقعت فى المنكر الأعظم الذى لم يكن يخطر البتة لأحد على بال .. يوم أن نحت شريعة الله عز وجل وحكمت فوانين الشرق والغرب!! فخابت وخسرت. ونزلت من عليائها إلى هذا الدرك من الذل والهوان الذى وصلت إليه اليوم.
بل واصبحت قصعة مستباحة للذليل قبل العزيز وللضعيف قبل القوى وللقاصى قبل الدانى.
كما فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد وأبو داود من حديث ثوبان أنه   قال: يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكله إلى قصعتها، فقال قائل: " من قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت"([11])
 
نعم .. لقد أصبحت الأمة غثاء من النفايات البشرية تعيش على ضفاف مجرى الحياة الإنسانية كدويلات متناثرة ومتصارعة. تفصل بينها حدود جغرافية ونعرات قومية مصطنعة .. وترفرف فى سمائها راية القومية وتحكمها قوانين الغرب العلمانية وتدور بها الدوامات السياسية فلا تملك نفسها عن الدوران، ولا تختار لنفسها المكان الذى تدور فيه!
 
ذلت بعد عزة .. وضعفت بعد قوة .. وجهلت بعد علم وأصبحت فى ذيل القافلة الإنسانية بعد أن كانت بالأمس القريب تقود القافلة بجدارة واقتدار.
 
وأصبحت تتسول على موائد الفكر الإنسانى بعد أن كانت بالأمس القريب منارة تهدى الحيارى والتائهين الذين أحرقهم لفح الهاجرة القاتل وأرهقهم طول المشى فى التيه والظلام.
وأصبحت تتأرجح فى سيرها بل ولا تعرف طريقها الذى يجب عليها أن تسلكه بعد أن كانت بالأمس القريب الدليل الحاذق الأرب فى الدروب المتشابكة والصحراء المهلكة التى لا يهتدى للسير فيها إلا الأدلاء المجربون.
 
ويجب أن نعلم يقيناً أن كل ما حدث للأمة، إنما وقع وفق سنن ربانية لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابى أحداً من الخلق مهما زعم وادعى لنفسه من مقومات المحاباة ولن تعود الأمة إلى سيادتها إلا وفق هذه السنن التى لا يجدى معها تعجل الأذكياء أو وهم الأصفياء!.
 
فنحن مسئولون ابتداء وإنتهاء عن هزائمنا وتخلفنا، ونرفض بشدة كل محاولة تبريرية تحاول أن تجعل من الأمم الأخرى التى تكيد لنا مشجباً لنعلق عليه كل تلك الهزائم وهذا التخلف.
 
وقد حذرنا الله عز وجل من هذه السلبية فقال سبحانة:
 أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ([12])
 
نعم نحن لا ننكر الدور الخطير الذى قام به أعداء الأمة لكن لا ينبغى أن نتغافل عن مرضنا نحن..
ومن هنا فإنه لابد من معالم فى طريق الإحياء الإسلامي حتى لا نبتعد عن الإسلام وسيلة ونحن نتجه إليه هدفاً.
وحتى لا نبقى نتطلع إلى قيادة البشرية كما يتطلع الحالمون إلى أحلامهم من بعيد دون أن يملكوا السبيل إلى تحويلها إلى منهج عملى على أرض الواقع.
 
وها أنذا أحاول جاهداً أن أحدد بعض المعالم على طريق بعث الأمة وإخراجها من جديد من التبعية الذليلة، إلى الريادة التى ما خلقت الأمة إلا لأجلها، لاسيما ونحن نعيش الآن صحوة إسلامية راشدة، لا ينكرها إلا جاحد، بدأت بالفعل تحول الأمة، وتعالت الأصوات المخلصة الصادقة تسأل عن الخلاص وتبحث عن الطريق.
 
أولاً: إقامة الفرقان الاسلامى لاستبانة سبيل المجرمين.
 
فلقد تمكن أعداء هذه الأمة من تشويه الصورة المشرقة للإسلام ليلتبس على الأمة أمر دينها وليصبح الإسلام الواحد، بعقيدته، وشريعته، ومنهجه اسماً متعدداً بتعدد ألوان مؤامرة الإلتباس والتزييف لصد الأمة عن دين الله عز وجل.
وهذا أشق ما تعانيه الحركة الإسلامية على وجه الأرض ويعرف أعداء الإسلام خطورة هذه التغرة. فيعكفون عليها توسيعاً، وتميعاً وتخليطاً لسبيل المؤمنين، وسبيل المجرمين لحد أصبح فيه الجهر باستبانه سبيل المجرمين تهمة يؤخذ عليها بالنواصى والأقدام.
ومن هنا فإن الرحلة الطويلة .. الطويلة .. لإعادة الأمة إلى الريادة .. ولإعادة الإسلام إلى أرجاء الأرض .. تبدأ من هنا.
من إسقاط اللافتات الكاذبة الخادعة .. وفضح الشعارات المضللة التى يتخفى خلفها أعداء هذه الأمة ليلبِسوا على العامة أمر دينهم وعقيدتهم وعندها.
بل وعندها فقط .. يتمايز الناس إلى فسطاطين. فسطاط إيمان لانفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه.
وحيئنذ تخرج الأمة من حالة الغبش، والتذبذب، إلى دينها الحق لنصرته بكل سبيل.
ويقفز إلى ذهنى الآن ذلكم المشهد الوضئ من مشاهد الفرقان الإسلامى الذى ربى عليه النبى   أصحابه منذ اللحظات الأولى.
فلقد روى ابن جرير الطبرى:
أن النبى   قال" ادعو لى عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول. فلما جاء قال له رسول الله :" الا ترى ما يقول أبوك يا عبد الله؟ فقال عبد الله: وماذا يقول أبى، بأبى أنت وأمى يا رسول الله؟ فقال رسول الله: يقول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عبد الله: لقد صدق والله يا رسول الله فأنت والله الأعز وهو الأذل.
أما والله لقد قدمت المدينة يا رسول الله وإن أهل يثرب لا يعلمون أحداً أبر بأبيه منى أما وقد قال فلتسمعن ما تقر به عينك.
فلما قدموا المدينة قام عبد الله على باباها بالسيف لأبيه ثم قال: أنت القائل لئن رجعتا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؟!
أما والله لتعرفن هل العزة لك أو لرسول الله، والله لا يأويك ظلها، ولا تبيتن الليلة فيها إلا بإذن من الله ورسوله.
فصرخ عبد الله بن أبى: يا للخزرج ابنى يمنعنى بيت.
فاجتمع إليه رجال فكلموه.
فقال: والله لا يدخل بيته إلا بإذن من الله ورسوله.
فأتوا النبى فأخبروه فقال:
"أذهبوا إليه فقولوا له يقول لك رسول الله خله ومسكنه."
فأتوه فقالوا ذلك فقال: أما وقد جاء الأمر من رسول الله فنعم ليعلم من الأعز والأذل!!!.
هذه هى الخطوة الأولى ليعلم أبناء الأمة فى ظل هذا التلبيس والغبش سبيل المؤمنين الصادقين وسبيل المجرمين المضللين.
ثانياً: تصفية العقيدة وتنقية الشريعة وتهيئة الفرد المسلم الذى يحول العقيدة والشريعة إلى منهج حياة.
فالإسلام عقيدة تنبثق منها شريعة تنظم كل شئون الحياة.
فالعقيدة هى الأصل الأول الذى ترتكز عليه دعائم الشريعة ولن يقبل الله من الناس الشريعة إلا إذا صلحت عقيدتهم وأمنوا بالله عز وجل.
فإذا رسخت العقيدة فى النفس يمكن أن نبنى المجتمع الذى يلتزم فى  حياته كلها بشرع الله ..، فى علاقته بربه ..، وعلاقته بالإنسان ..، وعلاقته بالكون والحياة.
ولهذا كانت العقيدة هى أول ما دعا إليه الرسل جميعاً عليهم الصلاة والسلام. قال تعالى:
  وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ([13])
 
والعقيدة الإسلامية ليست مجرد عقيدة وجدانية منعزلة عن الحياة البشرية ، كلا ..، ولا يوجد رسول بعثه الله بعقيدة مجردة عن الشريعة أبدأ. فالحياة فى ضوء الإسلام، نظام خلقى، يقوم على إشاعة الفضيلة، واستئصال الرذيلة.
ونظام سياسى أساسه إقامة العدل بين الناس بتحكيم دين الله.
ونظام إجتماعى نواته الأسرة الصالحة واصله التكافل بين الناس.
ونظام اقتصادى لحمته العمل والإنتاج وفق التصور الإسلامى.
والمصدر الأول للعقيدة والشريعة هو القرآن:
ولا زال بحمد الله موجوداً على النحو الذى أنزله الله عز وجل على قلب نبينا   لم يتبدل فيه حرف.
قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}([14])
 
والمصدر الثانى هو السنة:
ولقد قيض الله لها رجالاً يذبون عنها كذب الكذابين، ووضع الوضاعين، وانتحال المبطلين، فحفظت السنة مع القرآن بإذن من الرحيم الرحمن.
ويبقى أن نعد الكوادر الإسلامية المتخصصة التى تكون قادرة على تسيير شئون الحياة كلها من منظور العقيدة الصافية والشريعة الخالصة كما فعل أصحاب رسول الله   وهذه مسئولية كل مسلم أن يحول الإسلام فى حياته كلها، فى عمله وبيته إلى منهج حياة.
وهذه لا عذر لك فيها بين يدى الله جل وعلا نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لذلك وأقول هذا واستغفر الله لى ولكم.
 
الخطبة الثانية:
        إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
 
أما بعد:
أحبتى فى الله:
 
ثالثاً: بعث آداب السلوك والأخلاق والإسلامية.
 
ولو قلنا بأن من أعظم أسباب تخلف الأمة أنها انحرفت عن أخلاق الإسلام وآدابه، لو قلنا ذلك فما حدنا أبداً عن الصواب.
ورحم الله من قال:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت           فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
والله لقد ذهبت أمتنا يوم أن ذهبت أخلاقها ..، ولن تعود أمتنا إلا إذا عادت إلى أخلاقها وعادت إليها أخلاقها التى أوجدت يوماً خير أمة أخرجت للناس.
ولا ينبغى أن يستهين مسلم بالأخلاق كوسيلة من أعظم وسائل بعث الأمة من جديد.
* فحاكم ذو خلق هو رحمة الله فى الأرض.
وحاكم بلا خلق هو ذئب جائع شرير مسلط على رقاب الناس وأعراضهم وأموالهم.
وعالم ذو خلق هو مصدر هداية، ورحمة لملايين البشر ممن يتلمسون الطريق ويبحثون عن الحق.
وعالم بلا خلق هو مصدر هدم، ومعول تدمير لآلاف البشر ممن يحملون قلوباً مريضة فى كل زمان ومكان.
* وجندى ذو خلق أفضل فى الميدان من ألف جندى بلا خلق.
* وتاجر ذو خلق أنفع لأمته من ألف تاجر بلا خلق.
ولا ينكر منصف على الإطلاق أن الأمة بجميع فئاتها وأفرادها فى حاجة إلى عودة صادقة إلى أخلاق هذا الدين.
وقد يرد علينا قائل:
بل أن الأمة فى حاجة إلى العلم والمال والتكنولوجيا فى عالم الصناعة والسلاح.
ونحن لا ننكر هذا أبداً ..، بل إننا لعلى يقين أن هذا كله بدون الأخلاق لا قيمة له ..، بل ربما يتحول إلى مصدر إهلاك وخراب ودمار.
وخذ لذلك مثلاً:
بل إن الأمة فى حاجة إلى العلم والمال والتكنولوجيا فى عالم الصناعة والسلاح.
ونحن لا ننكر هذا أبداً .. بل إننا لعلى يقين أن هذا كله بدون الأخلاق لاقيمة له ..، بل ربما يتحول إلى مصدر إهلاك وخراب ودمار.
وخذ لذلك مثلاً:
فهذا مهندس حاذق بارع مؤتمن على مشاريع الأمة وبين يديه من مقومات البناء والتعمير ما يحول به الخراب إلى عمران، ولكنه متجرد عن الأخلاق لا يعرف الصدق ولا يحب الأمانة ويحبذ الغش والتزوير، ولا يحب إلا المال.
فماذا ستكون النتيجة؟
أنهيار مئات المنازل وتدمير وتخريب لمئات المشروعات وإزهاق للأرواح وإهدار لطاقات هذه الأمة.
وهكذا ايها الأحبة . قد يكون من السهل جداً أن نقدم المنهج الأخلاقى النظرى ولكن هذا المنهج سيظل حبراً على ورق مالم يتحول إلى منهج عملى وواقع يتحرك فى دنيا الناس.
 
ولقد علم الله جل وعلا أنه لابد للناس من قدوة طيبة لتحول هذا المنهج الأخلاقى بين الناس إلى واقع، فبعث الله محمداً *** ليكون قدوة طيبة للناس أجمعين ومثلاً خالداً لجميع العالمين قال سبحانة:  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا  ([15])
وأتوقف مع مشهد واحد، يتألق روعة وسمواً وجلالاً ممن بعث ليتمم مكارم الأخلاق .
فلقد روى ابن إسحاق ان عمير بن وهب أسر ولده وهب بن عمير فى غزوة بدر، فجلس عمير مع صفوان بين أمية فى الحجر وذكرا أهل بدر.
فقال عمير بن وهب: والله لولا دين على، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى، لركبت إلى محمد لأقتله فإن لى قبلهم علة، ابنى أسير فى أيديهم فاغتنمها صفوان بن أمية وقال: على دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالى، لا أمنع شيئاً عنهم.
فقال له عمير: فاكتم شأنى وشأنك، قال: أفعل.
فانطلق عمير إلى المدينة وقد شحذ سيفه وسمه، فلما أناخ على باب المسجد رآه عمر بن الخطاب متوشحاً سيفه.
فقال عمر: هذا عدو الله عمير بن وهب والله ما جاء إلا لشر.
ثم أخذ عمر بحمالة سيفه فى عنقه فلببه بها ثم أدخله على رسول الله ***.
فقال النبى: أرسله يا عمر.
ثم قال: ادن يا عمير .. فدنا من رسول الله.
فقال له المصطفى : ما الذى جاءبك يا عمر؟
فقال: جئت لابنى، أسير فى أيديكم لتحسنوا فيه.
قال النبى : فما بال السيف فى عنقك.
فقال عمير: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً يوم بدر؟!
فقال النبى : اصدقنى يا عمير، ما جاءبك؟
فقال: ما جئت إلا لذلك.
فقال المصطفى :بل قعدت أنت وصفوان بن أمية فى الحجر، فذكرتما أهل بدر من قريش، ثم قلت لصفوان: لولا دين على وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى، لركبت إلى محمد لأقتله، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك، على أن تقتلنى، والله حائل بينك وبين ذلك .. اله أكبر.
فنطق عمير قائلاً: أشهد أنك رسول الله.
والله هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إنى لأعلم أنه ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذى هدانى للإسلام، وساقنى هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق.
فقال رسول الله: فقهوا أخاكم فى دينه واقرؤوه القرآن وأطلقوان له أسيره.
و لا أظن أنه فى لغة البشر وقواميس الدنيا ما نستطيع أن نعبر به عن هذه الأخلاق السامية والآداب العالية التى أدخلت :ثيراً من الناس فى دين الله أفواجاً.
وما أحوج الأمة اليوم إلى هذه الأخلاق.
رابعاً: فليكن ولاؤنا للإسلام فقط دون سواه.
فمن أخطر الأمراض التى تعمل على تفتيت وحدة المسلمين وذهاب ريحهم التشتت والعصبية البغيضة المنتنة، التى تثور بين الجماعات العاملة بصفة خاصة وبين الدول الإسلامية بصفة عامة، من حين لأخر.
ولاشك على الإطلاق أن الإسلام جعل الرابطة التى تجمع المسلمين وتوحدهم هى الإسلام، وما قامت دولة الإسلام إلا على أساس هذه الرابطة وانصهرت فى هذه البوتقة الطاهرة كل العصبيات للجنس، واللون، والوطن، والنسب، وأصبح كل تجمع على غير الإسلام جاهلياً .. مقيتاً .. بغيضاً عند الله عند رسوله .
وفى الحديث الذى رواه مسلم من حديث جندب بن عبد الله البجلى أن النبى   قال: " من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية وينصر عصبية فقتلته جاهلية".([16])
وعندما أختلف رجلان من المهاجرين والأنصار، فتناديا يال المهاجرين، يال الأنصار قال النبى :" دعوها فأنها منتنة"([17]) والحديث فى صحيح مسلم.
 
ولقد ثارث نار هذه العصبيات البغيضة فى هذا القرن الأخير بصورة بشعة حطمت معها الرابطة الحية التى جمعت المختلفين أجناساً، وألواناً، وأوطانا.
وإذا كانت الفرقة والشتات سبباً للذل والهوان فإن الوحدة على أساس الإسلام هى سبيل العزة، والبعث من التبعية إلى الريادة من جديد.
اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً وأسعد قلوبنا بنصرة التوحيد وعز المؤمنين واشف صدور قوم صادقين برحمتك يا أرحم الراحمين أنت ولى ذلك ومولاه .. الدعاء.
*       *       *
 


(*) ألقيت هذه الخطبة بمسجد العزيز بالله بالزيتون - القاهرة.
(1) سورة آل عمران: 102.
(2) سورة النساء: 1
(3) سورة الأحزاب: 70 ، 71.
(4) هذه خطبة الحاجة التى كان النبى    يستفتح بها خطبة ودروسه ومواعظه، وللعلامة الألبانى رسالة نافعة فيها فراجعها.
(1) سورة البقرة : 113.
(1) سورة المائدة: 18.
(2) سورة البقرة: 111.
(3) سورة آل عمران: 110
(4) سورة البقرة: 143.
(1) سورةصحيح: {ص.ج.: 34-80} رواه البخارى (4487) فى التفسير، وراه أحمد والترمذى والنسائى وابن ماجه. 
(1) صحيح: {ص.ج.: 8183}، {الصحيحة : 958}، أخرجه أبو داود (4297) فى الملاحم، رواه أحمد (5/278). 
(1) سورة آل عمران: 165. 
(1) سورة الأنبياء: 25.
(2) سورة الحجر: 25.
(1) سورة الأحزاب: 21. 
(1) صحيح: {الصحيحة: 434 ، 2/715} رواه مسلم رقم (1850) فى الإمامة، والنسائى (7/123) فى تحريم الدم. 
 
 
 
(2) صحيح: أخرجه البخارى (6/398) فى الأنبياء، باب فى دعوى الجاهلية ، (8/99) فى تفسير سورة المنافقين، وأخرجه مسلم رقم (2584) فى البرد والصلة ، والترمذى رقم (2312) دعوها: أى الجاهلية، ومنتنة: من النتن، أى أنها كلمة قبيحة خبيئة.