الإسلام وسعادة البشرية الحمد لله الذي نور بكتابه القلوب .. وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب .. فأعيت بلاغتهُ البُلغاء .. وأعجزت حكمتهُ الحكماء .. وأبكمت فصاحته الخطباء. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه، وخليله، البشير النذير.. والسراجُ المزهر المنير .. خيرُ الأنبياء مقاما.. وأحسنُ الأنبياء كلاماً. رافع الإِصْرِ والأغلال. والداعى إلى خير الأقوال وأحسن الأعمال. أرسله الله عز وجل والناسُ صنفان. مغضوب عيهم جفاة .. وضالون غُلاة. فجاء بالدين الوسط وحذر منم الزيغ والشطط وتركنا على المحجة البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فاللهم أجزه عنا خير ما جزُيت به نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصَلِّ اللهم، وسلم، وزد وبارد عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد ... فحيا الله هذه الوجوة الطيبة المشرقة وزكى الله هذه الأنفس وشرح الله هذه الصدور وأسأل الله أن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال وأن يجمعنا وإياكم فى الدنيا على طاعته وفي الآخرة في جنته ودار كرامته. أحبتى في الله: وسوف ينتظم حديثى مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية : أولاً: الناس جميعاً يبحثون عن السعادة ثانياً: سعادة العالم بين الوهم والحقيقة. ثالثاً: الإسلام وسعادة والبشرية. رابعاً: السعادة الحقيقة ووسائلها. أو لا : الناس جميعا يبحثون عن السعادة أحبتى فى الله .. ما من إنسان على ظهر هذه الأرض إلا وهو يبحث عن السعادة .. غاية يتفق فيها الخلق على اختلاف عقائدهم، وعقولهم، ومشاربهم ومبادئهم وغاياتهم. فلو سألت أى إنسان على وجه البسيطة عن أىَّ عمل قام به لأجابك على الفور بقوله: أبحث عن السعادة ..، سواءٌ قالها بحروفها أم بمعناها. فكلُ الناس يريدون السعادة ولكن كثيراً منهم يخطئُ هذا الطريق. * فكثيرٌ من الناس يظنُ أن السعادة الحقيقة في جمع المال !! وبداية فأنا لا أقلل أبداً من شأن المال.. بل إننى لعلى يقين جازم أن المال عصبُ الحياة .. وأن المال هو الذي يدير الآن دفة السياسة العالمية بلا نزاع. وما أكرمَه من مال حينما تُحركه أيدى الصالحين والشرفاء. وفي الحديث الصحيح الذي وراه أحمد والتزمذى واللفظ له من حديث أبي كبشة الأنماري وفيه انه قال: « إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ »( [1]). فإننا لا نقلل أبداً من شأن المال ونقرر أن المال سبب من أسباب السعادة.. لكن ليس كلُ صاحبِ مالٍ سعيداً. بل ربما يكون المالُ سبباً من أسباب التعاسة والشقاء في الدنيا والآخرة إذا لم يدرك صاحب المالِ غايته. وكلكم يتذكر الآن معى قصة قارون الذي خرج على قومه في زينته في غاية السعادة حتى قال الناس إنه لذو حظ عظيم وكانت النتيجة كما تعلمون. فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ([2]) * ويقفز إلى ذهنى الآن قصة معاصرة عجيبة تؤكد أن المال وحده لا يمكن أن يكون سبباً للسعادة، إنها قصة « كرستينا أوناسيس » ابنةُ الملياردير الشهير «أوناسيس» الذي يملك المليارات والجزر والأساطيل وشركات الطيران، ومات أبوها فورثت هذه الفتاة مع ظوجة أبيها كل َّ هذه المليارات. ومع ذلك فهل كانت سعيدة ؟! والجواب . لقد تزوجت هذه الفتاة برجل أمريكى عاش معها شهوراً ثم طلقها أو طلقته. ثم تزوجت بعده برجلٍ يونانى ثم عاش معها شهوراً فطلقها أو طلقته. ثم تزوجت للمرة الثالثة برجل شيوعى روسى فتعجب كثير من الناس أن تلتقى قمة الرأسمالية مع قمة الشيوعية. وعندما سألها الصحفيون قالت بالحرف الواحد: ( ابحث عن السعادة).. وعاشت معه سنة ثم طلقها أو طلقته. ثم تزوجت برجل فرنسى وبعدها حضرت حفلاً كبيراً في فرنسا وسألها الصحفيون هل أنت أغنى امراة ؟!! فقالت: نعم أنا أغنى إمرأة ولكنى أشقى إمرأة!! ثم عاش معها الفرنسى فترة وطلقها أو طلقته ثم وجدوها بعد ذلك جثة هامدة فارقت الحياة في إحدى الشاليهات فى الأرجنتين. * وقد يظن البعض أن السعادة الحقيقة في الشهرة. وهذا يكون من أسباب السعادة وقد يكون كذلك من أسباب التعاسة والشقاء. ولعلكم سمعتم وقرأتم ما ذكره بعضُ أهلِ الفنِ ممن تاب الله عليهم. · وقد يظن البعض أن السعادة الحقيقية في المنصب والجاه!! وقد يكون المنصب سبباً من أسباب السعادة إذا اتقى صاحبُ المنصب ربَّه جلا وعلا وعلم يقيناً أن المنصب إلى زوال ولو دام لغيره ما وصل إليه فنظر إليه على أنه أمانة كما قال النبي لأبى ذر : « يَا أَبَا ذَرٍّ َإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا »([3]) . ولله درُّ ابن الخطاب الذى رآه عثمان بن عفان رضى الله عنه يوماًَ يجرى تحت حرارة الشمس المحرقة التى تكاد تذيب الحديد والصخور فينادى عليه عثمان: ما الذى أخرجك في هذا الوقت الشديد الحرَّ يا أمير المؤمنين؟ فيقول عمر : بعيٌر من إبل الصدقة قد ندَّ وأخشى عليه الضياع فأسأل عنه بين يدى الله جلا وعلا!! فقال عثمان: لقد أتعبت كُلَّ من جاء بعدك يا عمر!! وهؤلاء ومن سار على دربهم هم الذين يسعدون بالمنصب في الدنيا والآخرة. وقد يكون المنصب سبباً من أسباب التعاسة والشقاء في الدنيا بل والأخرة إذا نظر إليه صاحبه على أنه غاية مِنْ ثَمَّ فهو يبذل من أجل هذه الغاية وقته وعقله وماله بل ودينه!!! ولا يحرص إلا على إرضاء من ولاَّه وإن خالف ذلك أوامر مولاه سبحانه وتعالى. وفي الصحيحين من حديث معقل بن يسار أن النبى قال:« مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» ([4]). فيا صاحب المنصب : الله اللهَ في هذه الأمانة. واعلم بأن دنياك مهما طالت فهى قصيرة ومهما عظمت فهى حقيرة وأن الليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر وأن العمر مهما طال فلا بد من دخول القبر .. ويومها قد تندم كثيراً وساعتها لا ينفع الندم!!. * وقد يظن البعض أن السعادة الحقيقية في بلاد الغرب. وأن أبناء الغرب هم الذين يعيشون هذه السعادة، ومِنْ ثَمَّ فالسعداء هم الذين يعيشون في الغرب ويطبقون أحكامه ويدورون في فلكه وهذه من الفتن التي تعصف الآن بقلوب الكثيرين من المسلمين والمسلمات. ونحن أيها الأخوة والأخوات لا ننكر ما وصل إليه الغرب في الجانب المادي ولكن الحياة ليست كلها مادة . ولا يمكن لطائرٍ جبار أن يحلق في أجواء الفضاء بجناح واحد وإن نجح في ذلك لفترة وإن طالت فإنه حتماً سيسقط لينكسر جناحه الآخر. فإن الغرب قد أعطى البدنَ كل ما يشتهيه وبقيت الروح تصرخ تبحث عن غذائها ودوائها وهنا وقف الغربيون في حيرة .. لأن الروح لا توزن بالجرام ولا تُقاس بالترمومتر ولا تخضع لبوتقة التجارب الإضافية في معامل الكيمياء والفيزياء .. وهنا كذلك وقف علماء الطب والنفس في دهشة وحيرة أمام الحالات المتزايدة للمصابين بالأمراض النفسية والعصبية بل وأمام حالات الانتحار الجماعية. وصدف الله إذ يقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا ومن سافر إلى بلاد الغرب واطلع على الدراسات العديدة التي تجرى هناك من آن لآخر أدرك يقيناً أن أبناء الغرب يفتقدون السعادة ولا ينبغي أن ننبهر بالمظاهر الخداعة التي تكاد تخطف أبصار من لا بصيرة لهم !! قالو الغرب قلت صناعةٌ وسياحةٌ ومظاهرٌ تُغرينا لكنَّه خاوٍ من الإيمان لا يرعى ضعيفاً أو يَسُّر حزيناً الغرب مقبرة المبادئ لم يزل يرمى بسهم المغريات الدينا الغرب مقبرة العدالة كلما رفعت يدٌ أبدى لها السكينا الغرب يكفر بالسلام وإنما بسلامه الموهوم يستهوينا الغرب يحمل خنجراً ورصاصة فَعَلام يحمل قومنا الزيتونا كفرٌ وإسلام فأنَّى يلتقى هذا بذلك أيها اللاهونا ثانياً : سعادة العالم بين الهم والحقيقة إن العالم اليوم محروم من الأمن والأمان رغم عظم الوسائل الأمنية المذهلة التي وصل إليها العلم الحديث ورغم الاختراعات الكثيرة التي يولد منها الجديد والجديد كل يوم، ورغم التخطيط الهائل المبني على أسس علمية ونفسية لمحاربة الجريمة بشتى صورها وبالرغم من كله فإن العالم لا زال يبحث عن الأمن والأمان وسط الركام.. بل لد تحولت هذه الوسائل الأمنية نفسها إلى مصدر رعب وفزعٍ وإبادة للجنس البشري.. فما منن يوم يمر – بدون مبالغة- إلا وتسفك فيه دماء وتتمزق هنا وهناك أشلاء وتدمر مصانع وتحرق بيوت وتباد مزارع وتتحطم مدارس. والعالم يجتمعُ وينفضُّ والدنيا تقوم وتقعد والخبراء يدرسون ويبحثون ويقررون ومع هذا كله فإن الآلاف من البشر يعيشون في حالة من الذعر والرعب والخوف وهم ينتظرون الموت في كل لحظة من لحظات حياتهم لكثرة ما يرونه من إبادة وقتل وإفناء .. وقد أصبحت الدنيا في نظرهم مظلمة بالرغم من كثرة الأضواء.. وأصبحت عليهم ضيقة بعد ما شُرَّدوا وطردوا من ديارهم وأموالهم. وهكذا حُرِمَ العالمُ من الأمن والأمان على كثرة منظماته وهيئاته ومواثيقه وقوانينه وأصبح الإنسان يفعل بالإنسان ما تخجل الوحوش أن تأتيه في الغابات. والعالمُ اليوم أيضاً محرومٌ من الرخاء الاقتصادي رغم كثرة الأموال والمصانع واتساع الأسواق واختراع أحسن الوسائل في كل مجالات الاقتصاد. نعم بالرغم من هذا كله فإن الملايين من البشر لا زالوا يبحثون عن لقمة الخبز ويبذلون ماء وجوههم للحصول على الثوب ويضحون بأرواحهم لتوفير المسكن ومنهم من يموت جوعاً وبرداً ومنهم من يسكن الجبال ويعيش بين القبور. والمفكرون يبحثون عن الأسباب والخبراء يضعون الحلول ثم لا أسباب ولا حلول . والعالم اليوم محروم من الطمأنينة النفسية وراحة البال وخلو القلب من الهموم ، والنفس إذا لم تتوافر لها الطمأنينةُ لا تستلذُ العيش ولو كان رخاء اً ولا تستمتعُ بملبس ولو كان فاخراً. ولا تهنأ بمركبٍ ولو كان فارهاً. ولا يمكن أبداً للقصور الشامخة والمراكب الفارهة والفرش الوثيرة والأموال الكثيرة والشهرة الجاه والمناصب والمتاع لا يمكن لهذا كله أن يهب للنفس الطمأنينة الروحية أو السعادة القلبية. وهذا الحرمان الأمنى والاقتصادي والنفسي عبرّ الله جل وعلا عنه في القرآن بقولهفَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (1). ولَسوف يظل العالم ُبصفةٍ عامةٍ والعالمُ الإسلاميُّ بصفةٍ خاصةٍ يعيش في هذا الضنك والشقاء.وسيظل لفح الهاجرة المحرق يصفع وجهه وسيظل تائهاً شارداً متعباً قلقاً حتى يعود من جديد إلى منهج الله عز وجل الذي جعله الله جل وعلا سبباً للسعادة في الدنيا والآخرة. ثالثا :الإسلامُ وسعادةُ البشريةِ والسؤال الآن.. هل حقق الإسلام السعادة من قبل؟ والجواب نعم. فلقد حقق منهج الله في الأرض الأمن والأمان والسعة والرخاء والسعادة والاطمئنان لا للمسلمين الذى حولوا منهج الله إلى واقع عملى فحسب.. بل لليهود والنصارى الذين عاشوا تحت ظلال الحكم الإسلامي الوارفه. فهذا يهوديٌ ُيسرق درعَ علّىِ – – وكان خليفةً للمسلمين وأميراً للمؤمنين فقاضاه إلى قاضيه شريح ولم يأمر علىُ باعتقاله أو بسجنه أو بقتله أو بأخذ درعه بالقوة. ومَثُلَ علىّ مع اليهودي أمام القاضى المسلم ونادى القاضى على علىّ بكنيته قائلاً: يا أبا الحسن ، ونادى على اليهودي باسمه دون أن يكنيه، فغضب علىّ وقال للقاضى :إما أن تكنى الخصمين معاً أو تدع تكنيتهما معاً. ثم سأل شريحٌ أمير المؤمنين عن قضيته فقال على: الدرع درعى ولم أبع ولم أهب، فسأل شريحٌ اليهودي فيما قاله علىٌ فرد اليهودى بخبث ودهاء معهودين قائلاً: الدرع درعى وما أمير المؤمنين عندى بكاذب. فيقول شريح لعلى: هل من بينة ؟ فقال علىّ صدقت يا شريخ: ما لي بينةٌ. وكان موقفُ شريحٍ رائعاً كموقف أمير المؤمنين فلقد حكم بالدرع لليهودي لعدم وجود البينة عند المدعى ، وهو أمير المؤمنين وأخذ اليهودي الدرع ومضى وهو يحدث نفسه قائلا: أمير المؤمنين يقاضيني إلى قاضيه فيقضى عليه إنَّ هذه والله لأخلاق أنبياء ثم عاد فقال : يا أمير المؤمنين الدرع درعك سقطت من على بعيرك فأخذتها. وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فيرد عليه عَلِىّ قائلاً : أما وقد أسلمت فهي هدية منى لك.. الله أكبر. ذاك يهودى وهذا قبطى يسبق ابن عمرو بن العاص في مصر ويغضبُ ابنُ والى مصر أن سبقه القبطى فضربه ابنُ عمرو ضربة على رأسه وهو يقول خذها وأنا ابنُ الأكرمين فرحل والد هذا القبطى إلى واحة العدل والأمن والأمان إلى المدينة المنورة حيث عمر بن الخطاب الذى استدعى عمرو وولدَه فوراً ويأمر عمرُ بالقصاص وأعطى القبطى عصاه وهو يقول له اضرب ابنَ الأكرمين ثم التفت إلى عمرو وقال قولتَه الخالدة يا عمرومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ً؟ ففي ظل الإسلام عاش اليهود والنصارى في أمن وأمان وها هو التاريخُ مفتوحةٌ صفحاتهُ لمن أراد أن يتعرف على الحق ولقد حقق منهجُ الله الرخاء الاقتصادي بوضع نظام اقتصادى عادل يربط الغنى بالفقير ويقضى على الجشع والشح والطمع ، حتى جاء يوم أرسل فيه خليفة المسلمين عمرُ بنُ عبد لعزيز منادياً يبحث عن الفقراء ليغنيهم وعن المحتاجين ليواسيهم وعن الشباب العاجز عن الباءة ليزوجَه.والإسلام الذي حقق هذا كفيل بتحقيقه اليوم لمن يأوون إلى رحابه ويعيشون في ظلاله. ولقد حقق منهجُ الله الطمأنينة النفسية والسعادة القلبية والعصبية لآن طمأنينة النفس وسعادة القلب وانشراح الصدر نعمةٌ لا يحظى بها إلا المؤمنون . وفى صحيح مسلم من حديث صهيب الرومي أن النبي قال :« عَجِبًْا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَ ِ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ خَيْرًا وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ فَصَبَرَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ خَيْرًا » ([5]). ولقد آن الأوان أن نعرف إسلامَنا وأن نحوله على أرض الواقع إلى منهج حياة لنقدمه للبشرية كلها لتسعد في الدنيا والآخرة فإننا لن نقدم الإسلام للبشرية بالخطب الرنانة والمواعظ المؤثرة ولكن بتحويل هذا الإسلام على أرض الواقع مرة أخرى إلى منهج حياة وأقول قولى هذا واستغفر الله لي ولكم. الخطبة الثانية : إن الحمد لله نحمده ونستعين ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله . أحبتى في الله : وأخيراً .. السعادة الحقيقة ووسائلها أما في الدنيا فلا تتحقق إلا في الإيمان بالله والعمل الصالح قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وأما السعادة في الآخرة ففي الجنة وأعلاها التمتع بالنظر إلى وجه الله جل وعلا قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ([6]) . وقال تعالى يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ [7]). وفي صحيح مسلم من حديث أنس عن النبى قال:« يقول الله تعالى» «يا أهل الجنة فيقولن : لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك، فيقول: هل رضيتُم؟ فيقولون: وما لنا لانرضى وقد أعطَّيتَنا مَّما لم تُعْطِ أَحَداً منْ خَلْقِكَ فيقُولُ : ألا أعطيكم أفضلَ من ذلك؟ فيقولن : ياربُ وأىَُّ شىءٍ أفضَلُ من ذلك ؟ فيقول: أُحلُّ علّيكُم رضواَنِى فَلاَ أسخَطُ عليكم بعدَهُ أبداً » ([8]). وسائل السعادة أولاً: الاستقامة على منهج الله عز وجل .. قال إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ثانياً: الإيمان بالقضاء والقدر.. فَلَذَّةُ الإيمانِ بالقضاءِ والفدرِ سعادةٌ لا يحظى بها إلا الموحدون. ثالثاً:الإحسان إلى الناس.. ففى صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، عن رسول الله قال : « من نفَّس عن مؤمن كُربةً من كرب الدنيا، نفَّس اللهُ عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يُسَّرَ على مُعسِر، يَسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، من سَتَرَ مسلماً، ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمه وحَفْتهُم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»([9]). رابعاً: النظر إلى من هو فوقك في أمور الدين وإلى من هو دونك في أمور الدنيا.. وفي صحيح مسلم أنه قال:« انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر إلا تزدروا نعمة الله » اللهم أسعدنا بطاعتك في الدنيا وبرضوانك فى الآخرة يارب العالمين......... الدعاء ([1]) صحيح: [ ص.ج: 3024] رواه الترمزى (2326) في الزهد، وأحمد في ( المسند) (4/230،231)، وابن ماجه(4228). وهو جزء من حديث « ثلاث أقسم عليهمن ... » ( [2]) سورة القصص:81 ( [3]) صحيح: [ ص.ج: 7833] رواه مسلم رقم (1826) في الإمارة. ( [4]) متفق عليه [ ص.ج:5740] رواه البخارى رقم (7150) في الأحكام، ومسلم رقم (227) في الإيمان، وأحمد (1/73). (1) سورة طه: 123- 127. ( [5]) صحيح: [ ص.ج: 3980] أخرجه مسلم رقم (2999) في الزهد ، وأحمد في المسند(6/116) ( [6]) سورة القيامة: 22 ( [7]) سورة هود : 105-108 ( [8]) متفق عليه: رواه البخاري رقم (6549) في الرقاق، رقم(7518) في التوحيد، رواه مسلم (2829/9) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، والترمذي رقم (2555) ،وأحمد في مسند(3/88). ( [9]) صحيح: [ ص.ج: 6577] رواه مسلم رقم (2699) في الذكر والدعاء، وأبو داود رقم (4946) في الأدب، والترمذي رقم (1425) في الحدود،رقم (1931) في البر والصلة ، رقم (2946) في القراءات.