هناك أسباب عديدة يمكن أن تدفع بالطفل للذهاب إلى الطبيب النفسي، فقد يرى الوالدان أو مدرس الفصل أن ذهاب الطفل للطبيب النفسي أفضل له، إذ يشعره بنوع من التحسن، لانه ربما يكون قد واجه مشكلات في التعامل مع الزملاء أو الأخوة، أو مع الوالدين، أو في دراسته، أو في درجة تركيزه في الدرسة. أو أن تكون درجاته أقل من المستوى الذي يرى والداه أنه يستطيع الوصول إليه، وأن يكون الطفل شديد الخجل أو لديه مشكلات في تكوين صداقات أو أن يشعر بدرجة كبيرة من الحزن أو الخوف أو القلق.. ولهذا يمكن أن يكون ذهاب الطفل للطبيب النفسي هو الطريقة المثلى للحديث عن مشاعره.
الصحة النفسية للطفل ويقول الدكتور محمد المهدي استشاري الطب النفسي: من خلال الجلسات الفردية وجلسات العلاج النفسي الجمعي ينكشف الستار عن اضطراب العلاقة بين الأبناء والآباء، ويكون هذا الاضطراب من أهم العوامل المهيئة والمرسبة للاضطرابات النفسية لدى الطرفين، وفي اغلب الحالات تضطرب هذه العلاقة دون قصد، فالوالدان بدافع فطري يريدان السعادة والنجاح لأبنائهما ولكنهما أحياناً يفقدان الطريق الصحيح من غير قصد فيتورطا في الإفراط أو التفريط وتكون النتيجة في الحالتين الذي أحباه ودفعا حياتهما ثمناً ليكون سعيداً.
كيف أعرف أن ابني صحيح نفسياً؟ الإجابة ببساطة هي أن الطفل كائن ينمو بسرعة ويتطور، أثناء حركة نموه وتطوره يحتاج لأن يكون في حالة توافق وانسجام مع البيئة التي يعيش فيها، إذا فأي شيء يعوق توافقه وانسجامه مع البيئة المحيطة به يعتبر عائقاً لصحته النفسية، ويمكن بعبارة بسيطة أن نقول بأن الصحة النفسية للطفل هي توازن بين التطور والتكيف، وهذا التوازن هو مفتاح التربية الصحية.
صحة الطفل – صحة الأم – صحة الأسرة عند فحص حالة أي طفل فإن عين الفاحص تنتقل عبر الدوائر التالية: 1 دائرة الطفل، وهي الدائرة المركزية التي يبدو حولها الاهتمام. 2 دائرة الأم وهي الدائرة المحيطة بالطفل مباشرة، ولذلك فهي أكثر الدوائر تأثيرا بدائرة الطفل. 3 دائرة الأسرة وهي الدائرة التي تحتضن دائرتي الطفل والأم معاً، فهي المحضن الذي تتفاعل فيه الأم مع طفلها.
لذا لا يمكن النظر الى صحة الطفل النفسية بمعزل عن بقية الدوائر المحيطة به تصاعدياً وأي محاولة للارتقاء بصحة الطفل النفسية يمكن أن تفشل إذا لم تصنع كل الدوائر المحيطة في اعتبارها ففي أحيان كثيرة يأتي الطفل إلى العيادة النفسية للعلاج فنجد أن المرض الأساسي في الأم أو في الأسرة، وأحياناً في المجتمع، وهنا نتوجه بالعلاج نحو المصدر الأصلي للاضطراب، فعلى سبيل المثال كثير من الأسر تشكو من عناد الأبناء وعند دراسة أحوال الأسرة نجد أن عناد الطفل ماهو إلا رد فعل مباشر لأم عنيدة قاهرة ومسيطرة أو أب عنيد مستبد، ومع هذا فتأتي الأسرة بالطفل "كبش الفداء" متوهمة أنه هو المضطرب وهو الذي يحتاج للعلاج ولاتقبل فكرة أنهما كلها مضطربة وتحتاج للعلاج، فالطفل ما هو الا ممثل للاضطراب العام الحادث بالأسرة، ولأنه هو الكيان الصغير الأكثر براءة وصراحة وصدقا فهو يعبر عن الخلل الأسري بوضوح.
الإعاقة الذهنية والجلسات النفسية: وتلتقط الحديث الدكتورة فاطمة موسى أستاذ طب نفس الأطفال بجامعة القاهرة قائلة: إذا شكا المحيطون بالطفل – سواء بالمدرسة أو بالمنزل – من انه يسرق أو يكذب أو يهرب من المدرسة، أو يمص أصابعه ويقضم أظافره، أو يفزع أثناء النوم أو يمشي أثناء النوم، أو أنه أصبح كثير العدائية ويضرب الأطفال حوله أو غير ذلك فهذا معناه أنه في حاجة إلى علاج نفسي، وقد ترجع هذه الأعراض إلى وفاة أحد الوالدين، أو طلاقهما، أو بقاء الطفل لفترة طويلة بمفرده أو مع الجدة أو المربية لانشغال والديه.
وتتابع د. فاطة: إذا تأخر الطفل عم هم في مثل سنه في بدء الكلام أو المشي أو التحكم في التبول والتبرز فهذا معناه أنه في حاجة إلى طبيب نفسي، فالمفروض أن يتحكم الطفل في التبول في سن ثلاث سنوات، وفي التبرز في سن عامين وأن يبدأ في نطق الكلمات في سن عام.
وقد تكون هذه الأعراض بسبب نقص الأكسجين أثناء الولادة مما أثر على بعض خلايا المخ، لهذا فمن المفيد البدء بالانتباه لهذا منذ البداية حتى لايتطور الأمر عند دخوله للمدرسة، فبالتدريب والجلسات النفسية يحاول الآباء أن يصلوا بالطفل لأفضل مستوى من التحصيل والاستجابة للمؤثرات، وكذلك الحال بالنسبة للإعاقات الذهنية (الغامضة) التي قد لاينتبه إليها الوالدان مثل مرض التوحد والذي تظهر اعراضه على الطفل بعد إتمامه لعامه الثالث حيث يبدو الطفل وكأنه أصم لا يسمع، فهو لايستجيب لذكر اسمه أو لأي من الأصوات حوله، ولاشيئاً يحاول أن يحرك جسمه وإذا ما حمل شيئاً يحاول الإفلات، وعندما يكبر قليلاً يكرر الكلام الآخرين ولا يلعب مع الأطفال ويضحك في أوقات غير مناسبة أو يبكي بنوبات غضب شديدة لأسباب غير معلومة، ويهز رأسه وجسمه بشكل غير طبيعي.
ومن هذه الأعراض أيضاً مرض كثرة الحركة ونقص الانتباه الذي يصيب 3% من الأطفال في سن المدرسة ويكون الطفل في المعدل الطبيعي لمستوى الذكاء لمرحلته العمرية، لكنه يجد صعوبة في التركيز في العمل أو اللعب، وعادة لا يبدو أنه يسمع عندما يتحدث إليه، ولا يتبع التعليمات بدقة، ولا ينهي المهمات التي توكل إليه، وهو كثير النسيان ودائما ما يفقد أشياءه المهمة، وحركته ونشاطه مستمران دون فترات راحة، وكثير الكلام ويجاوب قبل أن تنتهي من إكمال سؤالك له، ويقاطع ويدخل مع الآخرين في الحديث أو اللعب... ولن يستطيع الحكم على هذه الحالة بأنها في حاجة إلى علاج بالفعل إلا الطبيب النفسي.
التبول اللا إرادي.. عقاب الأبناء للآباء وبحثا عن الأعراض والأسباب والعلاجات أجابت الدكتورة هبه الشهاوي أستاذ مساعد طب نفس الأطفال بعيادة الأطفال بمركز الطب النفسي جامعة عين شمس عن سؤال: ما هي أهم المشكلات النفسية أو بمعنى أدق الأمراض التي تصيب الأطفال في مراحل عمرهم الأولى وتحتاج لعلاج نفسي متخصص؟ قائلة: أكثر المشكلات التي تواجه الأطفال هي مشكلة التبول اللاإرادي وتتشر عند الكثير من الأطفال، فالمعروف أن الطفل يستطيع التحكم في التبول بعد إتمام عامه الثالث، أما إذا حدث واستمر عدم تحكمه في البول أثناء النوم، أو حدث أن تحكم فيه، وبعد مرور عامين أو فترة طويلة أخذ يعاني من مشكلة التبول اللاإرادي أثناء النوم، ففي الحالتين هو يحتاج لطبيب نفسي خصوصاً إذا لم يكن بسبب مرض عضوي أو حادثة، ويكون العلاج الدوائي في هذه الحالة لتقوية عضلات المثانة القابضة حتى يستطيع الطفل التحكم في البول، بالإضافة إلى علاج نفسي يحفز الطفل على عدم التبول وتخطي هذه المشكلة، والبحث وراء الأسباب الاجتماعية التي تحزن الطفل، فبعض الأبحاث قد أكدت أن احد اسباب التبول اللاإرادي غير العضوي هو أحساس الطفل بالغربة والقلق نتيجة للاضطرابات الاجتماعية وكثر الشجار بين الوالدين أو تغيير المدرسة أو الانتقال لمنزل آخر وبالتالي يلجأ الطفل إلى حيلة التبول اللاإرادي ليعاقب والديه لأنهما سيتحملان نتيجة ذلك بتنشيف الفراش وتغيير ملابسه وغير ذلك، أو قد يكون بسبب غيرته من طفل جديد جاء للأسرة فيحاول أن يلفت إليه الانتباه بهذه الطريقة، ويعتمد العلاج أيضاً في هذه الحالة على اتباع الطفل لجدول به تعليمات على آخر وقت يمكنه أن يشرب فيه قبل النوم والالتزام بالذهاب إلى الحمام قبل النوم ونوع الطعام الذي يتناوله في العشاء وغير ذلك، وإذا قلت عدد مرات تبوله اللاإرادي في الأسبوع الأول للعلاج يحفزه ذلك على الاستمرار حتى تنتهي المشكلة تماما جنبا إلى جنب مع العلاج الدوائي.
صغيرنا أيضاً يكتئب: وتتابع د. هبه إذا لاحظت الأم أن طفها لم يعد يلعب مع الأطفال الآخرين كعاته، ولم يعد تجذبه برامج التلفزيون كما كان من قبل، أو أنه لم يعد يهتم بهواياته التي كان يمارسها، أو بنظافة ملابسه، أو أنه اصبح يجلس حزينا، ويرفض الطعام، او يتناول الطعام بشراهة ويطلبه كثيراً وينام كثيراً، ولايستطيع الجلوس في مكان واحد لفترة طويلة، أو يشكو من سرعة نبضات قلبة ورعشه في يده، ويلاحظ الأهل أن وجهه شاحب وليس كالسابق.. هذه الأعراض تدل على أن هذا الطفل مصاب بالاكتئاب تماما كما يصاب الكبير والفرق الوحيد أن الطفل لا يستطيع التعبير عن مشاعره، ومن الضروري في هذه الحالة عرض الطفل على طبيب نفسي، لأن هذه الحالات لو تركت دون علاج ستتكرر عند الأطفال ثم ستتكرر معهم عندما يكبرون بشكل أكثرا تطورا.
متى يحتاج الطفل للطبيب النفسي؟. وتكمل د.هبه ومما يجب أن ينتبه إليه الآباء أيضاً الأطفال الذي يعالجون من أمراض مزمنة تمنعهم من تناول بضع الأطعمة أو عدم اللعب بشكل كبير مثل أمراض السكر والحساسية والربو أو سرطان الدم، فهؤلاء في حاجة إلى زيارة للعيادة النفسية لأنهم يصابون بالاكتئاب لشعورهم بأنهم ليسوا كزملائهم، ومن هم في مثل أعمارهم.