اللامبالاة و الانطوائية عند الشباب
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
weld welt
| المصدر :
www.startimes2.com
يكاد لا يختلف اثنان على أن الشباب يمثل رأس مال المجتمع ومصدر قوته وعزته من خلال ما يمتلكه الشباب من إمكانات وطاقات وقدرات على التفاعل والاندماج والمشاركة في قضايا المجتمع، وبما لهم من دور في عملية البناء والتغيير والتجديد، فهم أول الشرائح الاجتماعية التي ترفع لواء التحديث والتطوير في السلوك والعمل.. لذلك نرى التربويين والإعلاميين يولون أهمية خاصة للشباب، لأن كسب ود الشباب وامتلاكهم هذا يؤدي إلى امتلاك أهم عناصر المستقبل.
إلا أن ثمة ما يعترض الشباب من مشكلات(1) وأزمات تكمن في مدى التوافق مع قيم المجتمع وعاداته وسلوكه، مما يستوجب دراسة هذه المشاكل والتعرف على قيم الشباب واتجاهاتهم وميولهم ورغباتهم(2)، وبالتالي فإن الفهم الموضوعي والمفيد لجيل الشباب ومشكلاته يفرض على الباحث مطالب عدة:
أولاً: أن يضع الموضوع كله في إطار اجتماعي اقتصادي وحضاري.
ثانياً: ألا يقتصر تحليل الباحث على رؤية جيل الكبار، فمن الضروري أن تكمل الرؤية بتصور جيل الشباب لواقعهم ومشكلاتهم وتفسيرهم لتصرفاتهم.
ثالثاً: ألايقف الباحث عند حدود وصف المشكلة(3)، بل عليه تفسيرها تفسيراً يربطها بظروفها الموضوعية.
رابعاً: على الباحث مراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الشباب العربي. لا سيما لما لها من تأثير على أخلاق واتجاهات وميول وسلوك ونشاط الشباب.
ظاهرة
اللامبالاة والانطوائية
يجب دراسة ظاهرة اللامبالاة والانطوائية عند جيل الشباب ضمن إطار التحليل الاجتماعي لمشكلات الشباب، وضمن إطار البناء الفوقي للنظام الاجتماعي الاقتصادي الذي يشمل العادات والتقاليد والقيم والآراء والمعتقدات والأفكار السائدة في هذا المجتمع، ولا سيما أساليب التنشئة الاجتماعية فيه وعلاقة ذلك كله بالبناء التحتي (أدوات الإنتاج وعلاقاته).
ظاهرة اللامبالاة
هذه الظاهرة، عبارة عن حالة سلبية وعدم التفاؤل والمشاركة من قبل الشباب في قضايا المجتمع والأمة.. الأمر الذي يؤدي إلى الإساءة لعمليات التحديث والتطوير في المجتمع. ولا سيما إذا كان المجتمع يشهد حالة بناء اقتصادي وصراع سياسي عسكري، كما هو الحال في مجتمعنا العربي الذي يتطلب منا حشد كافة الطاقات والإمكانات ودفعها باتجاه قضايا البناء وتحرير الأرض.
أما الانطوائية
فتعني الانكفاء على الذات والتمركز حولها، وهي حالة سلبية شأنها شأن اللامبالاة تعبر عن حالة غير سوية وغير طبيعية بالنسبة لهذه الفترة من العمر(4) مرحلة الشباب التي تتميز بحالتها الطبيعية والصحية بالاندفاع والاتجاه نحو الآخرين والتفاعل معهم ومشاركتهم في الحياة بكافة أبعادها العاطفية والعقلية والاقتصادية والسياسية(5).
الأسباب والعوامل
لا بد من إلقاء الضوء على الظروف والعوامل التي ساعدت على حدوث ظاهرة اللامبالاة والانطوائية، وساهمت في بروزها، ذلكم لأنها ليست وليدة فترة زمنية محدودة. وإنما ترجع إلى أساليب التنشئة المعتمدة في المجتمع بدءاً من الأسرة ونظام التعليم ومؤسسات الإعلام والثقافة، وانتهاء بنظرة الشباب إلى المستقبل وظروف العمل والزواج وقيم المجتمع بشكل عام.
( أ ) الأسرة:
تفيد الدراسات ونتائج البحوث، أن الأسرة العربية لا تزال تنشئ أطفالها على أسس من التسلط وعدم الاستقلالية، وعلى روح مشبعة بالعجز والتهرب من مواجهة الواقع الذي يؤدي إلى اللامبالاة والانطوائية والتردد وكل مظاهر السلبية عند الشخص عندما يكبر فيصبح في سن الشباب، ويبدأ تعامله مع الواقع وسط حالة الترقب والتوقع الذي يضعه فيها جيل الكبار، ومن أمثلة الواقع التي تؤدي إلى بعد الأسرة العربية عن الروح الديمقراطية، وخلق جو أتوقراطي، مما يعطل تنمية القدرات المختلفة للفرد، وجعل السلطة في الأسرة تقوم على أساس فردي بعيداً عن المشاركة والتعاون، ومن هذه الأمثلة (التمييز بين الذكور والإناث، المكانة الخاصة للولد الأول، تربية البنت على طاعة أخيها الذكر والامتثال لأوامره).
ولا تزال هناك قيم وعادات وأساليب قديمة، تلعب دوراً لا بأس به في الأسرة العربية، والتي لا تحض على العمل والاستقلال، وإنما على العجز والتهرب والاتكال ومثل هذا الجو يشكل المناخ لظاهرة اللامبالاة عند الشباب.
(ب) المدرسة ونظام التعليم:
من خلال العملية التي تتم على أساس تعميق سلطة المعلم والبعد عن ممارسة الديمقراطية، ومعاني الحرية والمسؤولية بطريقة فعلية، وزرع قيم الانصياع والمسايرة دون أن تؤكد على روح الاستقلالية والمبادئ وكذلك البرامج التعليمية لا تزال بعيدة عن الواقع ومعطياته. الأمر الذي لا يساهم في تعديل السلوك. وإنما يؤدي إلى الازدواج بين القول والعمل، بين ما نقوله لفظاً ونمارسه فعلاً، وربما في ذلك مضاعفة للشعور بالتناقض وخلقاً للصراع. ناهيك عن خلو البرامج الدراسية من أي تحليل أو مناقشة لقضايا ومشكلات الشباب كالخلو من مناقشة حقائق الجنس، مما يدفع الكثير من أبناء جيل الشباب إلى الجري وراء كتب وأفلام الإثارة الجنسية وما تروجه وسائل الإعلام التافهة والرخيصة حول موضوع الجنس والمرأة وهذا ما أكده الدكتور: محمد عماد الدين إسماعيل(7). مما يجد الشباب نفسه في كثير من الأحيان وقد تناقضت أساليب تعليمه وإعداده مع القيم الصاعدة في المجتمع مثل: تكافؤ الفرص أو احترام العمل اليدوي، ولا سيما مما يترتب عليه كثير من المشكلات المتعلقة بالطموح وبالدافع إلى التقدير وما إلى ذلك وتكون النتيجة نمو مشاعر سلبية كاليأس أو الإحباط أو الاستخفاف أو اللامبالاة.
(ج ) مؤسسات الإعلام والثقافة:
تعتبر مؤسسات الإعلام والثقافة من أهم وسائط التطبيع الاجتماعي، ومن أهم العوامل في تكوين الرأي العام وترويج القيم والمعايير، وكما تساهم في ترويج قيم الانصياع والمسايرة ومع ذلك لا يزال يوجد العديد من برامج الإذاعة والتلفزيون التي تعطي انطباعاً بأن الشباب يلهثون من أجل قضايا شكلية وليست صحيحة، علماً بأن هذه البرامج هي من صنع أجيال الكبار، وكما تهدف إلى تكريس قيم التمييز بين الذكور والإناث في الأسرة والمدرسة وتكريس قيم الحظ والقدر.. التي تتناقض مع قيم الجدية والعمل والمثابرة، مما يترك الشباب فريسة اليأس والقنوط وتبعده عن النظرة العلمية والمنهج العلمي في مواجهة الواقع مما يساعد على انتشار اللامبالاة وروح الاتكالية.
لذا يتوجب مناقشة مثل هذه القضايا عبر ندوات تلفزيونية وبحضور أصحاب الاختصاص وبمشاركة الكبار والشباب بغية الوقوف على الحقيقة.
(د) العمل وظروفه ونظرة الشباب إلى المستقبل:
الواقع العربي الحالي يثبت أن جيل الشباب العربي يعاني من أزمة عدم توفر فرص العمل المناسبة، بالرغم من الآلاف من ذوي المؤهلات الجامعية (خاصة الفروع النظرية) عاطلين عن العمل، مما يصل الشباب إلى مرحلة الشعور بالإحباط والاعتماد على الأهل اقتصادياً وما يرافق ذلك من الاتكال والانصياع وعدم الاستغلال والقضاء على روح الإبداع وفقدان الكثير من المعلومات والمهارات.. وإن توفر فرص العمل للبعض، سيكون بالتوزيع على أعمال قد لا تتناسب مع تخصصاتهم العملية ولا ترضي طموحاتهم وتطلعاتهم وبالتالي يفقد الشباب تقديره لنفسه وثقته بها واحترامه لكفاءته، وتظهر إلى جانب مشاعر اليأس عنده، ظاهرة اللامبالاة واللامسئولية وعدم الجدية.
إضافة لما سبق، قد يعتمد نظام الحوافز والجزاء على العوامل الشخصية علاقات خاصة وهذا ما أكده (عزت حجازي): ".. يفجع بعض الشباب حين يجدون أن علاقات العمل هي علاقات تستعمل فيها كثير من الأسلحة القذرة مثل الوقيعة وما إليها".. وقد يفضلون العمل الذهني على اليدوي وكذلك المكتبي على الميداني، والعمل في العاصمة على العمل في الريف، والاحظ في ذلك، النظرة الدونية إلى عمل المرأة واعتبارها غير صالحة إلا للأعمال الإدارية، التدريس، التمريض، أعمال السكرتارية. وكذلك ثمة صعوبات ومشاكل أخرى في نطاق الزواج من مشكلة المهور وارتفاعها ومن تدخلات الأهل وشروطهم في الخطبة والزواج، ولا سيما السكن الزوجي مما يجعل الشباب محاصراً من جميع الجوانب، مما يجعله يعزف عن الزواج ويفضل حياة العزوبية وما يرافقها من حالات الفوضى وعدم التخطيط.
المسئولية .. أين تكمن؟.
قد تصل السلبية عند الشباب قمتها عندما يفقدون الأمل في إصلاح الخطأ وبسط معدل التغير السريع وعدم الإيمان بالجماعة.. وكون اللامبالاة والانطوائية وليدة جملة عوامل وظروف التنشئة الاجتماعية، وما فيها من تناقض للقيم وصراع بين القيم الجديدة والقيم القديمة، ولا سيما سرعة معدلات التغير الاجتماعي والخوف من المستقبل والشعور بعدم الاستقرار، حث يؤكد "محمود عبدالمجيد": "تتولد اللامبالاة والعبث وعدم الإيمان بالجماعة الخوف منها والتمادي في الانطواء والانعزال والانتظار بسبب الخوف من المستقبل وعدم وضوح الرؤية" ومع ذلك يعتبر دور جيل الكبار، المسؤول الأول عن حل مثل هذه المشاكل من خلال مشاركة الشباب همومهم وتفهمه لمشاكلهم، وسعيهم ليكونوا القدوة الجيدة للشباب في السلوك والعمل والمشاركة وإلا سيؤدي الامتناع عن إفساح المجال أمام الشباب إلى الصراع بين الجيلين، وسينجم عنه المزيد من إحساس الشباب باللامبالاة والانسحاب عن المشاركة والفعل في المجتمع.
مقترحات وحلول
إن خطورة الآثار والمنعكسات السلبية لظاهرة اللامبالاة والانطوائية على الفرد والمجتمع يستوجب تضافر الجهود ولا سيما مشاركة المفكرين والباحثين في الميدان الاجتماعي والمثقفين والأدباء بغية القضاء على هذه الظاهرة. وفيما يلي بعض المقترحات والحلول:
1 إجراء دراسات ميدانية لظاهرة اللامبالاة والانطوائية على أن يشارك فيها المختصون في مجالات التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع. بغية أن يصار إلى تحديد حجم هذه الظاهرة وغيرها من مشاكل الشباب ومعرفة أبعادها وخطرها على مسيرة المجتمع وتقدمه.
2 العمل على وضع توصيات الندوات الفكرية، ولا سيما الاجتماعات والمؤتمرات وترجمة هذه التوصيات إلى قرارات عملية وعلى سبيل المثال لا الحصر كالتوصل إلى انتزاع قرار حكومي وتطبيقه في مجال المهور والقضاء على ارتفاع المهر وزيادته اللامعقولة.
3 الإسراع في معالجة ما يتعلق بالسلبيات الموجودة في نظام التعليم حالياً. والتي أشرنا إلى بعض منها في سياق هذه الدراسة.
4 مناقشة بعض البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وخاصة ما يتعلق منها بالجيل، والعمل على التخلص من سلبياتها وتوجيهها الوجهة المطلوبة.
5 التركيز على الأعمال الجماعية التي يشترك فيها شباب، بغية إنجاز الأعمال التي تثير اهتمام الشباب بمشكلات مجتمعهم وتشجيعهم على القيام بدورهم نحوها، وبذلك يتم مقاومة مظاهر اللامبالاة ويعمق الشعور بالمسؤولية نحو المجتمع والشعور بالانتماء الفعلي إليه.