أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ القول في تأويل قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم } اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله جل ثناؤه بقوله : { أولئك على هدى من ربهم } فقال بعضهم : عنى بذلك أهل الصفتين المتقدمتين , أعني المؤمنين بالغيب من العرب والمؤمنين بما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإلى من قبله من الرسل , وإياهم جميعا وصف بأنهم على هدى منهم وأنهم هم المفلحون . ذكر من قال ذلك من أهل التأويل 242 - حدثني موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة الهمداني , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أما الذين يؤمنون بالغيب , فهم المؤمنون من العرب , والذين يؤمنون بما أنزل إليك : المؤمنون من أهل الكتاب . ثم جمع الفريقين فقال : { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } وقال بعضهم : بل عنى بذلك المتقين الذين يؤمنون بالغيب ; وهم الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد , وبما أنزل إلى من قبله من الرسل . وقال آخرون : بل عنى بذلك الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم , وبما أنزل إلى من قبله , وهم مؤمنو أهل الكتاب الذين صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به , وكانوا مؤمنين من قبل بسائر الأنبياء والكتب . وعلى هذا التأويل الآخر , يحتمل أن يكون : { الذين يؤمنون بما أنزل إليك } في محل خفض , ومحل رفع ; فأما الرفع فيه فإنه يأتيها من وجهين : أحدهما من قبل العطف على ما في { يؤمنون بالغيب } من ذكر " الذين " . والثاني : أن يكون خبر مبتدأ , ويكون : { أولئك على هدى من ربهم } رافعها . وأما الخفض فعلى العطف على { المتقين } وإذا كانت معطوفة على " الذين " اتجه لها وجهان من المعنى , أحدهما : أن تكون هي " والذين " الأولى من صفة المتقين , وذلك على تأويل من رأى أن الآيات الأربع بعد { الم } نزلت في صنف واحد من أصناف المؤمنين . والوجه الثاني : أن تكون " الذين " الثانية معطوفة في الإعراب على " المتقين " بمعنى الخفض , وهم في المعنى صنف غير الصنف الأول . وذلك على مذهب من رأى أن الذين نزلت فيهم الآيتان الأولتان من المؤمنين بعد قوله { الم } غير الذين نزلت فيهم الآيتان الآخرتان اللتان تليان الأولتين . وقد يحتمل أن تكون " الذين " الثانية مرفوعة في هذا الوجه بمعنى الاستئناف , إذ كانت مبتدأ بها بعد تمام آية وانقضاء قصة . وقد يجوز الرفع فيها أيضا بنية الاستئناف إذ كانت في مبتدأ آية وإن كانت من صفة المتقين . فالرفع إذا يصح فيها من أربعة أوجه , والخفض من وجهين . وأولى التأويلات عندي بقوله : { أولئك على هدى من ربهم } ما ذكرت من قول ابن مسعود وابن عباس , وأن تكون " أولئك " إشارة إلى الفريقين , أعني المتقين والذين يؤمنون بما أنزل إليك , وتكون " أولئك " مرفوعة بالعائد من ذكرهم في قوله : { على هدى من ربهم } وأن تكون " الذين " الثانية معطوفة على ما قبل من الكلام على ما قد بيناه وإنما رأينا أن ذلك أولى التأويلات بالآية , لأن الله جل ثناؤه نعت الفريقين بنعتهم المحمود ثم أثنى عليهم ; فلم يكن عز وجل ليخص أحد الفريقين بالثناء مع تساويهما فيما استحقا به الثناء من الصفات , كما غير جائز في عدله أن يتساويا فيما يستحقان به الجزاء من الأعمال فيخص أحدهما بالجزاء دون الآخر ويحرم الآخر جزاء عمله , فكذلك سبيل الثناء بالأعمال ; لأن الثناء أحد أقسام الجزاء . وأما معنى قوله : { أولئك على هدى من ربهم } فإن معنى ذلك أنهم على نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد بتسديد الله إياهم وتوفيقه لهم , كما : 243 - حدثني ابن حميد , قال : حدثنا سلمة بن الفضل , عن محمد بن إسحاق , عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت , عن عكرمة , أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { أولئك على هدى من ربهم } أي على نور من ربهم , واستقامة على ما جاءهم . وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ القول في تويل قوله تعالى : { وأولئك هم المفلحون } وتأويل قوله : { وأولئك هم المفلحون } أي أولئك هم المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله تعالى ذكره بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله , من الفوز بالثواب , والخلود في الجنان , والنجاة مما أعد الله تبارك وتعالى لأعدائه من العقاب . كما : 244 - حدثنا ابن حميد , قال : حدثنا سلمة , قال : حدثنا ابن إسحاق , عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت , عن عكرمة , أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { وأولئك هم المفلحون } أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا . ومن الدلالة على أن أحد معاني الفلاح إدراك الطلبة والظفر بالحاجة قول لبيد بن ربيعة : اعقلي إن كنت لما تعقلي ولقد أفلح من كان عقل يعني ظفر بحاجته وأصاب خيرا . ومنه قول الراجز : عدمت أما ولدت رباحا جاءت به مفركحا فركاحا تحسب أن قد ولدت نجاحا أشهد لا يزيدها فلاحا يعني خيرا وقربا من حاجتها . والفلاح : مصدر من قولك : أفلح فلان يفلح إفلاحا , وفلاحا , وفلحا . والفلاح أيضا البقاء , ومنه قول لبيد : نحل بلادا كلها حل قبلنا ونرجو الفلاح بعد عاد وحمير يريد البقاء . ومنه أيضا قول عبيد : أفلح بما شئت فقد يبلع بالضعف وقد يخدع الأريب ش يريد : عش وابق بما شئت . وكذلك قول نابغة بني ذبيان : وكل فتى ستشعبه شعوب /و وإن أثرى وإن لاقى فلاحا أي نجاحا بحاجته وبقاء .
القول في تأويل قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم } اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله جل ثناؤه بقوله : { أولئك على هدى من ربهم } فقال بعضهم : عنى بذلك أهل الصفتين المتقدمتين , أعني المؤمنين بالغيب من العرب والمؤمنين بما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإلى من قبله من الرسل , وإياهم جميعا وصف بأنهم على هدى منهم وأنهم هم المفلحون . ذكر من قال ذلك من أهل التأويل 242 - حدثني موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة الهمداني , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أما الذين يؤمنون بالغيب , فهم المؤمنون من العرب , والذين يؤمنون بما أنزل إليك : المؤمنون من أهل الكتاب . ثم جمع الفريقين فقال : { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } وقال بعضهم : بل عنى بذلك المتقين الذين يؤمنون بالغيب ; وهم الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد , وبما أنزل إلى من قبله من الرسل . وقال آخرون : بل عنى بذلك الذين يؤمنون بما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم , وبما أنزل إلى من قبله , وهم مؤمنو أهل الكتاب الذين صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به , وكانوا مؤمنين من قبل بسائر الأنبياء والكتب . وعلى هذا التأويل الآخر , يحتمل أن يكون : { الذين يؤمنون بما أنزل إليك } في محل خفض , ومحل رفع ; فأما الرفع فيه فإنه يأتيها من وجهين : أحدهما من قبل العطف على ما في { يؤمنون بالغيب } من ذكر " الذين " . والثاني : أن يكون خبر مبتدأ , ويكون : { أولئك على هدى من ربهم } رافعها . وأما الخفض فعلى العطف على { المتقين } وإذا كانت معطوفة على " الذين " اتجه لها وجهان من المعنى , أحدهما : أن تكون هي " والذين " الأولى من صفة المتقين , وذلك على تأويل من رأى أن الآيات الأربع بعد { الم } نزلت في صنف واحد من أصناف المؤمنين . والوجه الثاني : أن تكون " الذين " الثانية معطوفة في الإعراب على " المتقين " بمعنى الخفض , وهم في المعنى صنف غير الصنف الأول . وذلك على مذهب من رأى أن الذين نزلت فيهم الآيتان الأولتان من المؤمنين بعد قوله { الم } غير الذين نزلت فيهم الآيتان الآخرتان اللتان تليان الأولتين . وقد يحتمل أن تكون " الذين " الثانية مرفوعة في هذا الوجه بمعنى الاستئناف , إذ كانت مبتدأ بها بعد تمام آية وانقضاء قصة . وقد يجوز الرفع فيها أيضا بنية الاستئناف إذ كانت في مبتدأ آية وإن كانت من صفة المتقين . فالرفع إذا يصح فيها من أربعة أوجه , والخفض من وجهين . وأولى التأويلات عندي بقوله : { أولئك على هدى من ربهم } ما ذكرت من قول ابن مسعود وابن عباس , وأن تكون " أولئك " إشارة إلى الفريقين , أعني المتقين والذين يؤمنون بما أنزل إليك , وتكون " أولئك " مرفوعة بالعائد من ذكرهم في قوله : { على هدى من ربهم } وأن تكون " الذين " الثانية معطوفة على ما قبل من الكلام على ما قد بيناه وإنما رأينا أن ذلك أولى التأويلات بالآية , لأن الله جل ثناؤه نعت الفريقين بنعتهم المحمود ثم أثنى عليهم ; فلم يكن عز وجل ليخص أحد الفريقين بالثناء مع تساويهما فيما استحقا به الثناء من الصفات , كما غير جائز في عدله أن يتساويا فيما يستحقان به الجزاء من الأعمال فيخص أحدهما بالجزاء دون الآخر ويحرم الآخر جزاء عمله , فكذلك سبيل الثناء بالأعمال ; لأن الثناء أحد أقسام الجزاء . وأما معنى قوله : { أولئك على هدى من ربهم } فإن معنى ذلك أنهم على نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد بتسديد الله إياهم وتوفيقه لهم , كما : 243 - حدثني ابن حميد , قال : حدثنا سلمة بن الفضل , عن محمد بن إسحاق , عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت , عن عكرمة , أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { أولئك على هدى من ربهم } أي على نور من ربهم , واستقامة على ما جاءهم .
القول في تويل قوله تعالى : { وأولئك هم المفلحون } وتأويل قوله : { وأولئك هم المفلحون } أي أولئك هم المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله تعالى ذكره بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله , من الفوز بالثواب , والخلود في الجنان , والنجاة مما أعد الله تبارك وتعالى لأعدائه من العقاب . كما : 244 - حدثنا ابن حميد , قال : حدثنا سلمة , قال : حدثنا ابن إسحاق , عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت , عن عكرمة , أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { وأولئك هم المفلحون } أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا . ومن الدلالة على أن أحد معاني الفلاح إدراك الطلبة والظفر بالحاجة قول لبيد بن ربيعة : اعقلي إن كنت لما تعقلي ولقد أفلح من كان عقل يعني ظفر بحاجته وأصاب خيرا . ومنه قول الراجز : عدمت أما ولدت رباحا جاءت به مفركحا فركاحا تحسب أن قد ولدت نجاحا أشهد لا يزيدها فلاحا يعني خيرا وقربا من حاجتها . والفلاح : مصدر من قولك : أفلح فلان يفلح إفلاحا , وفلاحا , وفلحا . والفلاح أيضا البقاء , ومنه قول لبيد : نحل بلادا كلها حل قبلنا ونرجو الفلاح بعد عاد وحمير يريد البقاء . ومنه أيضا قول عبيد : أفلح بما شئت فقد يبلع بالضعف وقد يخدع الأريب ش يريد : عش وابق بما شئت . وكذلك قول نابغة بني ذبيان : وكل فتى ستشعبه شعوب /و وإن أثرى وإن لاقى فلاحا أي نجاحا بحاجته وبقاء .