فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا القول في تأويل قوله تعالى : { فقلنا اضربوه ببعضها } يعني جل ذكره بقوله : { فقلنا } لقوم موسى الذين ادارءوا في القتيل الذي قد تقدم وصفنا أمره : اضربوا القتيل . والهاء التي في قوله : { اضربوه } من ذكر القتيل { ببعضها } أي ببعض البقرة التي أمرهم الله بذبحها فذبحوها . ثم اختلف العلماء في البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة وأي عضو كان ذلك منها , فقال بعضهم : ضرب بفخذ البقرة القتيل . ذكر من قال ذلك : 1081 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : ضرب بفخذ البقرة , فقام حيا , فقال : قتلني فلان ; ثم عاد في ميتته . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال , ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : ضرب بفخذ البقرة , ثم ذكر مثله . 1082 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا جرير بن نوح , عن النضر بن عربي , عن عكرمة : { فقلنا اضربوه ببعضها } قال : بفخذها فلما ضرب بها عاش وقال : قتلني فلان ; ثم عاد إلى حاله . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن خالد بن يزيد , عن مجاهد , قال : ضرب بفخذها الرجل فقام حيا , فقال : قتلني فلان , ثم عاد في ميتته . 1083 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , قال : قال أيوب عن ابن سيرين , عن عبيدة : ضربوا المقتول ببعض لحمها . وقال معمر عن قتادة : ضربوه بلحم الفخذ فعاش , فقال : قتلني فلان . 1084 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها فأحياه الله , فأنبأ بقاتله الذي قتله وتكلم , ثم مات . وقال آخرون : الذي ضرب به منها هو البضعة التي بين الكتفين . ذكر من قال ذلك : 1085 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فقلنا اضربوه ببعضها } فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش , فسألوه : من قتلك ؟ فقال لهم : ابن أخي . وقال آخرون : الذي أمروا أن يضربوه به منها عظم من عظامها . ذكر من قال ذلك : 1086 - حدثني المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية , قال : أمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل ففعلوا , فرجع إليه روحه , فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان . فأخذ قاتله - وهو الذي أتى موسى - فشكا إليه فقتله الله على أسوإ عمله . وقال آخرون بما : 1087 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : ضربوا الميت ببعض آرابها , فإذا هو قاعد , قالوا : من قتلك ؟ قال : ابن أخي . قال : وكان قتله وطرحه على ذلك السبط , أراد أن يأخذ ديته . والصواب من القول في تأويل قوله عندنا : { فقلنا اضربوه ببعضها } أن يقال : أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب . ولا دلالة في الآية ولا خبر تقوم به حجة على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به . وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضربوه به هو الفخذ , وجائز أن يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف وغير ذلك من أبعاضها . ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل , ولا ينفع العلم به مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها , فأحياه الله . فإن قال قائل : وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها ؟ قيل : ليحيا فينبئ نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم والذين ادارءوا فيه من قاتله . فإن قال قائل : وأين الخبر عن أن الله جل ثناؤه أمرهم بذلك لذلك ؟ قيل : ترك ذلك اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام الدال عليه نحو الذي ذكرنا من نظائر ذلك فيما مضى . ومعنى الكلام : فقلنا : اضربوه ببعضها ليحيا , فضربوه فحيي ; كما قال جل ثناؤه : { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } 26 63 والمعنى : فضرب فانفلق . يدل على ذلك قوله : { كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون } . كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى القول في تأويل قوله تعالى : { كذلك يحيي الله الموتى } . وقوله : { كذلك يحيى الله الموتى } مخاطبة من الله عباده المؤمنين , واحتجاج منه على المشركين المكذبين بالبعث , وأمرهم بالاعتبار بما كان منه جل ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدنيا , فقال لهم تعالى ذكره : أيها المكذبون بالبعث بعد الممات , اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته , فإني كما أحييته في الدنيا فكذلك أحيا الموتى بعد مماتهم , فأبعثهم يوم البعث . فإنما احتج جل ذكره بذلك على مشركي العرب وهم قوم أميون لا كتاب لهم , لأن الذين كانوا يعلمون علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم وفيهم نزلت هذه الآيات , فأخبرهم جل ذكره بذلك ليتعرفوا علم من قبلهم . وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ القول في تأويل قوله تعالى : { ويريكم آياته لعلكم تعقلون } . يعني جل ذكره : ويريكم الله أيها الكافرون المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله من آياته - وآياته : أعلامه وحججه الدالة على نبوته - لتعقلوا وتفهموا أنه محق صادق فتؤمنوا به وتتبعوه .
القول في تأويل قوله تعالى : { فقلنا اضربوه ببعضها } يعني جل ذكره بقوله : { فقلنا } لقوم موسى الذين ادارءوا في القتيل الذي قد تقدم وصفنا أمره : اضربوا القتيل . والهاء التي في قوله : { اضربوه } من ذكر القتيل { ببعضها } أي ببعض البقرة التي أمرهم الله بذبحها فذبحوها . ثم اختلف العلماء في البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة وأي عضو كان ذلك منها , فقال بعضهم : ضرب بفخذ البقرة القتيل . ذكر من قال ذلك : 1081 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : ضرب بفخذ البقرة , فقام حيا , فقال : قتلني فلان ; ثم عاد في ميتته . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال , ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : ضرب بفخذ البقرة , ثم ذكر مثله . 1082 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا جرير بن نوح , عن النضر بن عربي , عن عكرمة : { فقلنا اضربوه ببعضها } قال : بفخذها فلما ضرب بها عاش وقال : قتلني فلان ; ثم عاد إلى حاله . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن خالد بن يزيد , عن مجاهد , قال : ضرب بفخذها الرجل فقام حيا , فقال : قتلني فلان , ثم عاد في ميتته . 1083 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , قال : قال أيوب عن ابن سيرين , عن عبيدة : ضربوا المقتول ببعض لحمها . وقال معمر عن قتادة : ضربوه بلحم الفخذ فعاش , فقال : قتلني فلان . 1084 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها فأحياه الله , فأنبأ بقاتله الذي قتله وتكلم , ثم مات . وقال آخرون : الذي ضرب به منها هو البضعة التي بين الكتفين . ذكر من قال ذلك : 1085 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فقلنا اضربوه ببعضها } فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش , فسألوه : من قتلك ؟ فقال لهم : ابن أخي . وقال آخرون : الذي أمروا أن يضربوه به منها عظم من عظامها . ذكر من قال ذلك : 1086 - حدثني المثنى , قال : ثنا آدم , قال : ثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية , قال : أمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل ففعلوا , فرجع إليه روحه , فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان . فأخذ قاتله - وهو الذي أتى موسى - فشكا إليه فقتله الله على أسوإ عمله . وقال آخرون بما : 1087 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : ضربوا الميت ببعض آرابها , فإذا هو قاعد , قالوا : من قتلك ؟ قال : ابن أخي . قال : وكان قتله وطرحه على ذلك السبط , أراد أن يأخذ ديته . والصواب من القول في تأويل قوله عندنا : { فقلنا اضربوه ببعضها } أن يقال : أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب . ولا دلالة في الآية ولا خبر تقوم به حجة على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به . وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضربوه به هو الفخذ , وجائز أن يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف وغير ذلك من أبعاضها . ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل , ولا ينفع العلم به مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها , فأحياه الله . فإن قال قائل : وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها ؟ قيل : ليحيا فينبئ نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم والذين ادارءوا فيه من قاتله . فإن قال قائل : وأين الخبر عن أن الله جل ثناؤه أمرهم بذلك لذلك ؟ قيل : ترك ذلك اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام الدال عليه نحو الذي ذكرنا من نظائر ذلك فيما مضى . ومعنى الكلام : فقلنا : اضربوه ببعضها ليحيا , فضربوه فحيي ; كما قال جل ثناؤه : { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } 26 63 والمعنى : فضرب فانفلق . يدل على ذلك قوله : { كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون } .
القول في تأويل قوله تعالى : { كذلك يحيي الله الموتى } . وقوله : { كذلك يحيى الله الموتى } مخاطبة من الله عباده المؤمنين , واحتجاج منه على المشركين المكذبين بالبعث , وأمرهم بالاعتبار بما كان منه جل ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدنيا , فقال لهم تعالى ذكره : أيها المكذبون بالبعث بعد الممات , اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته , فإني كما أحييته في الدنيا فكذلك أحيا الموتى بعد مماتهم , فأبعثهم يوم البعث . فإنما احتج جل ذكره بذلك على مشركي العرب وهم قوم أميون لا كتاب لهم , لأن الذين كانوا يعلمون علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم وفيهم نزلت هذه الآيات , فأخبرهم جل ذكره بذلك ليتعرفوا علم من قبلهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { ويريكم آياته لعلكم تعقلون } . يعني جل ذكره : ويريكم الله أيها الكافرون المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله من آياته - وآياته : أعلامه وحججه الدالة على نبوته - لتعقلوا وتفهموا أنه محق صادق فتؤمنوا به وتتبعوه .