وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } / أما قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة } فإنه عطف ب " إذ " على قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } . وقوله : { وإذ ابتلى إبراهيم } معطوف على قوله : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي } 2 122 واذكروا إذا ابتلى إبراهيم ربه , وإذ جعلنا البيت مثابة . والبيت الذي جعله الله مثابة للناس هو البيت الحرام . وأما المثابة فإن أهل العربية مختلفون في معناها , والسبب الذي من أجله أنثت ; فقال بعض نحويي البصرة : ألحقت الهاء في المثابة لما كثر من يثوب إليه , كما يقال سيارة لمن يكثر ذلك ونسابة . وقال بعض نحويي الكوفة : بل المثاب والمثابة بمعنى واحد , نظيره المقام والمقامة ذكر على قوله لأنه يريد به الموضع الذي يقام فيه , وأنثت المقامة لأنه أريد بها البقعة . وأنكر هؤلاء أن تكون المثابة كالسيارة والنسابة , وقالوا : إنما أدخلت الهاء في السيارة والنسابة تشبيها لها بالداعية ; والمثابة مفعلة من ثاب القوم إلى الموضع : إذا رجعوا إليهم فهم يثوبون إليه مثابا ومثابة وثوابا . فمعنى قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } وإذ جعلنا البيت مرجعا للناس ومعاذا يأتونه كل عام ويرجعون إليه , فلا يقضون منه وطرا . ومن المثاب قول ورقة بن نوفل في صفة الحرم : مثاب لأفناء القبائل كلها تخب إليه اليعملات الصلائح ومنه قيل : ثاب إليه عقله , إذا رجع إليه بعد عزوبه عنه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 1613 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : لا يقضون منه وطرا . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : يثوبون إليه , لا يقضون منه وطرا . 1614 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : أما المثابة فهو الذي يثوبون إليه كل سنة لا يدعه الإنسان إذا أتاه مرة أن يعود إليه . 1615 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : لا يقضون منه وطرا , يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه . 1616 - وحدثني عبد الكريم بن أبي عمير , قال : حدثني الوليد بن مسلم , قال : قال أبو عمرو , حدثني عبدة بن أبي لبابة في قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا . 1617 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عبد الملك عن عطاء في قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : يثوبون إليه من كل مكان , ولا يقضون منه وطرا . * حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عبد الملك , عن عطاء , مثله . 1618 - حدثني محمد بن عمار الأسدي , قال : ثنا سهل بن عامر , قال : ثنا مالك بن مغول , عن عطية في قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : لا يقضون منه وطرا . 1619 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أبي الهذيل , قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : يحجون ويثوبون . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا الثوري , عن أبي الهذيل , عن سعيد بن جبير في قوله : { مثابة للناس } قال : يحجون , ثم يحجون , ولا يقضون منه وطرا . * حدثني المثنى , قال : ثنا ابن بكير , قال : ثنا مسعر , عن غالب , عن سعيد بن جبير : { مثابة للناس } قال : يثوبون إليه . 1620 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } قال : مجمعا . 1621 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { مثابة للناس } قال : يثوبون إليه . 1622 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { مثابة للناس } قال : يثوبون إليه . 1623 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه . وَأَمْنًا القول في تأويل قوله تعالى : { وأمنا } . والأمن : مصدر من قول القائل أمن يأمن أمنا . وإنما سماه الله أمنا لأنه كان في الجاهلية معاذا لمن استعاذ به , وكان الرجل منهم لو لقي به قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه ولم يعرض له حتى يخرج منه , وكان كما قال الله جل ثناؤه : { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } . 29 67 1624 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وأمنا } قال : من أم إليه فهو آمن ; كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يعرض له . 1625 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : أما { أمنا } فمن دخله كان آمنا . 1626 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { وأمنا } قال : تحريمه لا يخاف فيه من دخله . ذكر من قال ذلك : 1627 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : { وأمنا } يقول : أمنا من العدو أن يحمل فيه السلاح , وقد كان في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لا يسبون . 1628 - حدثت عن المنجاب , قال : أخبرنا بشر , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله : { وأمنا } قال : أمنا للناس . * حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد في قوله : { وأمنا } قال : تحريمه لا يخاف فيه من دخله . وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى القول في تأويل قوله تعالى : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . اختلف القراء في قراءة ذلك , فقرأه بعضهم : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } بكسر الخاء على وجه الأمر باتخاذه مصلى ; وهي قراءة عامة المصرين الكوفة والبصرة , وقراءة عامة قراء أهل مكة وبعض قراء أهل المدينة . وذهب إليه الذين قرءوه كذلك من الخبر الذي : 1629 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم , قالا : حدثنا هشيم , قال : أخبرنا حميد , عن أنس بن مالك , قال : قال عمر بن الخطاب : قلت : يا رسول الله , لو اتخذت المقام مصلى ؟ فأنزل الله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . * حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , وحدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية جميعا , عن حميد , عن أنس , عن عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . * حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا حميد , عن أنس , قال : قال عمر بن الخطاب : قلت : يا رسول الله , فذكر مثله . قالوا : فإنما أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية أمرا منه نبيه صلى الله عليه وسلم باتخاذ مقام إبراهيم مصلى ; فغير جائز قراءتها وهي أمر على وجه الخبر . وقد زعم بعض نحويي البصرة أن قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } معطوف على قوله : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي } 2 122 { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فكان الأمر بهذه الآية وباتخاذ المصلى من مقام إبراهيم على قول هذا القائل لليهود من بني إسرائيل الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . كما : 1630 - حدثنا الربيع بن أنس بما حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , قال : من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فأمرهم أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى , فهم يصلون خلف المقام . فتأويل قائل هذا القول : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما } وقال : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . والخبر الذي ذكرناه عن عمر بن الخطاب , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل , يدل على خلاف الذي قاله هؤلاء , وأنه أمر من الله تعالى ذكره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به وجميع الخلق المكلفين . وقرأه بعض قراء أهل المدينة والشام : { واتخذوا } بفتح الخاء على وجه الخبر . ثم اختلف في الذي عطف عليه بقوله : { واتخذوا } إذا قرئ كذلك على وجه الخبر , فقال بعض نحويي البصرة : تأويله إذا قرئ كذلك : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا وإذ اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى . وقال بعض نحويي الكوفة : بل ذلك معطوف على قوله : { جعلنا } فكان معنى الكلام على قوله : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس واتخذوه مصلى . والصواب من القول والقراءة في ذلك عندنا : { واتخذوا } بكسر الخاء , على تأويل الأمر باتخاذ مقام إبراهيم مصلى ; للخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه آنفا , وأن عمرو بن علي : 1631 - حدثنا قال : ثنا يحيى بن سعيد , قال : ثنا جعفر بن محمد , قال : حدثني أبي , عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وفي مقام إبراهيم . فقال بعضهم : مقام إبراهيم : هو الحج كله . ذكر من قال ذلك : 1632 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن جريج , عن عطاء , عن ابن عباس في قوله : { مقام إبراهيم } قال : الحج كله مقام إبراهيم . 1633 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا سفيان بن عيينة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : الحج كله . 1634 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن سفيان . عن ابن جريج , عن عطاء , قال : الحج كله مقام إبراهيم . وقال آخرون : مقام إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار . ذكر من قال ذلك : 1635 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء بن أبي رباح : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : لأني قد جعلته إماما فمقامه عرفة والمزدلفة والجمار . 1636 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : مقامه جمع وعرفة ومنى ; لا أعلمه إلا وقد ذكر مكة . 1637 - حدثنا عمرو بن علي , قال ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء , عن ابن عباس في قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : مقامه عرفة . 1638 - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا داود , عن الشعبي قال : نزلت عليه وهو واقف بعرفة مقام إبراهيم : { اليوم أكملت لكم دينكم } 5 3 الآية . * حدثنا عمرو قال : ثنا بشر بن المفضل , قال : ثنا داود , عن الشعبي , مثله . وقال آخرون : مقام إبراهيم : الحرم . ذكر من قال ذلك : 1639 - حدثت عن حماد بن زيد , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : الحرم كله مقام إبراهيم . وقال آخرون : مقام إبراهيم : الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع بناؤه , وضعف عن رفع الحجارة . ذكر من قال ذلك : 1640 - حدثنا سنان القزاز , قال : ثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي , قال : ثنا إبراهيم بن نافع , قال : سمعت كثير بن كثير يحدث عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : جعل إبراهيم يبنيه , وإسماعيل يناوله الحجارة , ويقولان : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } 2 127 فلما ارتفع البنيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة قام على حجر , فهو مقام إبراهيم . وقال آخرون : بل مقام إبراهيم , هو مقامه الذي هو في المسجد الحرام . ذكر من قال ذلك : 1641 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه , ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا مما تكلفته الأمم قبلها , ولقد ذكر لنا بعض من رأى عقبه وأصابعه , فما زالت هذه الأمم يمسحونه حتى اخلولق وانمحى . 1642 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فهم يصلون خلف المقام . 1643 - حدثني يونس , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وهو الصلاة عند مقامه في الحج . والمقام : هو الحجر الذي كانت زوجة إسماعيل وضعته تحت قدم إبراهيم حين غسلت رأسه , فوضع إبراهيم رجله عليه وهو راكب , فغسلت شقه ثم دفعته من تحته وقد غابت رجله في الحجر , فوضعته تحت الشق الآخر فغسلته , فغابت رجله أيضا فيه , فجعلها الله من شعائره , فقال : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا ما قاله القائلون إن مقام إبراهيم : هو المقام المعروف بهذا الاسم , الذي هو في المسجد الحرام ; لما روينا آنفا عن عمر بن الخطاب , ولما : 1644 - حدثنا يوسف بن سليمان , قال : ثنا حاتم بن إسماعيل , قال : ثنا جعفر بن محمد , عن أبيه , عن جابر قال : استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن , فرمل ثلاثا ومشى أربعا , ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فجعل المقام بينه وبين البيت فصلى ركعتين . فهذان الخبران ينبئان أن الله تعالى ذكره إنما عنى بمقام إبراهيم الذي أمرنا الله باتخاذه مصلى هو الذي وصفنا . ولو لم يكن على صحة ما اخترنا في تأويل ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , لكان الواجب فيه من القول ما قلنا ; وذلك أن الكلام محمول معناه على ظاهره المعروف دون باطنه المجهول , حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك مما يجب التسليم له . ولا شك أن المعروف في الناس بمقام إبراهيم هو المصلى الذي قال الله تعالى ذكره : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فإن أهل التأويل مختلفون في معناه , فقال بعضهم : هو المدعى . ذكر من قال ذلك : 1645 - حدثني المثنى قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا سفيان بن عيينة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : مصلى إبراهيم مدعى . وقال آخرون : معنى ذلك : اتخذوا مصلى تصلون عنده . ذكر من قال ذلك : 1646 - حدثني بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : أمروا أن يصلوا عنده . 1647 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : هو الصلاة عنده . فكأن الذين قالوا تأويل المصلى ههنا المدعى , وجهوا المصلى إلى أنه مفعل من قول القائل : صليت بمعنى دعوت . وقائلو هذه المقالة هم الذين قالوا : إن مقام إبراهيم هو الحج كله . فكان معناه في تأويل هذه الآية : واتخذوا عرفة والمزدلفة والمشعر والجمار وسائر أماكن الحج التي كان إبراهيم يقوم بها مداعي تدعونني عندها , وتأتمون بإبراهيم خليلي عليه السلام فيها , فإني قد جعلته لمن بعده من أوليائي وأهل طاعتي إماما يقتدون به وبآثاره , فاقتدوا به . وأما تأويل القائلين القول الآخر , فإنه : اتخذوا أيها الناس من مقام إبراهيم مصلى تصلون عنده , عبادة منكم , وتكرمة مني لإبراهيم . وهذا القول هو أولى بالصواب لما ذكرنا من الخبر عن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ القول في تأويل قوله تعالى : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي } . يعني تعالى ذكره بقوله : { وعهدنا } وأمرنا . كما : 1648 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : ما عهده ؟ قال : أمره . 1649 - حدثني يونس , قال : أخبرني ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وعهدنا إلى إبراهيم } قال : أمرناه . فمعنى الآية : وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين . والتطهير الذي أمرهما الله به في البيت , هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك بالله . فإن قال قائل : وما معنى قوله : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين } وهل كان أيام إبراهيم قبل بنائه البيت بيت يطهر من الشرك وعبادة الأوثان في الحرم , فيجوز أن يكونا أمرا بتطهيره ؟ قيل : لذلك وجهان من التأويل , قد كان لكل واحد من الوجهين جماعة من أهل التأويل , أحدهما : أن يكون معناه : وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن ابنيا بيتي مطهرا من الشرك والريب , كما قال تعالى ذكره : { أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار } , 9 109 فكذلك قوله : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي } أي ابنيا بيتي على طهر من الشرك بي والريب . كما : 1650 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط عن السدي : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي } يقول : ابنيا بيتي . فهذا أحد وجهيه , والوجه الآخر منهما أن يكونا أمرا بأن يطهرا مكان البيت قبل بنيانه والبيت بعد بنيانه مما كان أهل الشرك بالله يجعلونه فيه على عهد نوح ومن قبله من الأوثان , ليكون ذلك سنة لمن بعدهما , إذ كان الله تعالى ذكره قد جعل إبراهيم إماما يقتدي به من بعده . كما : 1651 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { أن طهرا } قال : من الأصنام التي يعبدون التي كان المشركون يعظمونها . 1652 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء , عن عبيد بن عمير : { أن طهرا بيتي للطائفين } قال : من الأوثان والريب . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو نعيم , قال : حدثنا سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء , عن عبيد بن عمير , مثله . 1653 - حدثني أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن ليث , عن مجاهد , قال : من الشرك . 1654 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا أبو إسرائيل , عن أبي حصين , عن مجاهد : { طهرا بيتي للطائفين } قال : من الأوثان . 1655 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { طهرا بيتي للطائفين } قال : من الشرك وعبادة الأوثان . 1656 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة بمثله , وزاد فيه : وقول الزور . لِلطَّائِفِينَ القول في تأويل قوله تعالى : { للطائفين } . اختلف أهل التأويل في معنى الطائفين في هذا الموضع , فقال بعضهم : هم الغرباء الذين يأتون البيت الحرام من غربة . ذكر من قال ذلك : 1657 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر بن عياش , قال : ثنا أبو حصين , عن سعيد بن جبير في قوله : { للطائفين } قال : من أتاه من غربة . وقال آخرون : بل الطائفون هم الذين يطوفون به غرباء كانوا أو من أهله . ذكر من قال ذلك : 1658 - حدثنا محمد بن العلاء , قال : ثنا وكيع , عن أبي بكر الهذلي , عن عطاء : { للطائفين } قال : إذا كان طائفا بالبيت , فهو من الطائفين . وأولى التأويلين بالآية ما قاله عطاء ; لأن الطائف هو الذي يطوف بالشيء دون غيره , والطارئ من غربة لا يستحق اسم طائف بالبيت إن لم يطف به . وَالْعَاكِفِينَ القول في تأويل قوله تعالى : { والعاكفين } . يعني تعالى ذكره بقوله : { والعاكفين } والمقيمين به , والعاكف على الشيء : هو المقيم عليه , كما قال نابغة بني ذبيان : عكوفا لدى أبياتهم يثمدونهم رمى الله في تلك الأكف الكوانع وإنما قيل للمعتكف معتكف من أجل مقامه في الموضع الذي حبس فيه نفسه لله تعالى . ثم اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : { والعاكفين } فقال بعضهم : عنى به الجالس في البيت الحرام بغير طواف ولا صلاة . ذكر من قال ذلك : 1659 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن أبي بكر الهذلي , عن عطاء , قال : إذا كان طائفا بالبيت فهو من الطائفين , وإذا كان جالسا فهو من العاكفين . وقال بعضهم : العاكفون هم المعتكفون المجاورون . ذكر من قال ذلك : 1660 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا شريك , عن جابر , عن مجاهد وعكرمة : { طهرا بيتي للطائفين والعاكفين } قال : المجاورون . وقال بعضهم : العاكفون هم أهل البلد الحرام . ذكر من قال ذلك : 1661 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر بن عياش , قال : ثنا أبو حصين , عن سعيد بن جبير في قوله : { والعاكفين } قال : أهل البلد . 1662 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والعاكفين } قال : العاكفون : أهله . وقال آخرون : العاكفون : هم المصلون . ذكر من قال ذلك : 1663 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال ابن عباس في قوله : { طهرا بيتي للطائفين والعاكفين } قال : العاكفون : المصلون . وأولى هذه التأويلات بالصواب ما قاله عطاء , وهو أن العاكف في هذا الموضع : المقيم في البيت مجاورا فيه بغير طواف ولا صلاة , لأن صفة العكوف ما وصفنا من الإقامة بالمكان . والمقيم بالمكان قد يكون مقيما به وهو جالس ومصل وطائف وقائم , وعلى غير ذلك من الأحوال ; فلما كان تعالى ذكره قد ذكر في قوله : { أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } المصلين والطائفين , علم بذلك أن الحال التي عنى الله تعالى ذكره من العاكف غير حال المصلي والطائف , وأن التي عنى من أحواله هو العكوف بالبيت على سبيل الجوار فيه , وإن لم يكن مصليا فيه ولا راكعا ولا ساجدا . وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ القول في تأويل قوله تعالى : { والركع السجود } يعني تعالى ذكره بقوله : { والركع } جماعة القوم الراكعين فيه له , واحدهم راكع . وكذلك السجود هم جماعة القوم الساجدين فيه له واحدهم ساجد , كما يقال رجل قاعد ورجال قعود ورجل جالس ورجال جلوس ; فكذلك رجل ساجد ورجال سجود . وقيل : بل عنى بالركع السجود : المصلين . ذكر من قال ذلك : 1664 - حدثنا أبو كريب , قال : حدثنا وكيع , عن أبي بكر الهذلي , عن عطاء : { والركع السجود } قال : إذا كان يصلي فهو من الركع السجود . 1665 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والركع السجود } أهل الصلاة . وقد بينا فيما مضى بيان معنى الركوع والسجود , فأغنى ذلك عن إعادته ههنا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } / أما قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة } فإنه عطف ب " إذ " على قوله : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } . وقوله : { وإذ ابتلى إبراهيم } معطوف على قوله : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي } 2 122 واذكروا إذا ابتلى إبراهيم ربه , وإذ جعلنا البيت مثابة . والبيت الذي جعله الله مثابة للناس هو البيت الحرام . وأما المثابة فإن أهل العربية مختلفون في معناها , والسبب الذي من أجله أنثت ; فقال بعض نحويي البصرة : ألحقت الهاء في المثابة لما كثر من يثوب إليه , كما يقال سيارة لمن يكثر ذلك ونسابة . وقال بعض نحويي الكوفة : بل المثاب والمثابة بمعنى واحد , نظيره المقام والمقامة ذكر على قوله لأنه يريد به الموضع الذي يقام فيه , وأنثت المقامة لأنه أريد بها البقعة . وأنكر هؤلاء أن تكون المثابة كالسيارة والنسابة , وقالوا : إنما أدخلت الهاء في السيارة والنسابة تشبيها لها بالداعية ; والمثابة مفعلة من ثاب القوم إلى الموضع : إذا رجعوا إليهم فهم يثوبون إليه مثابا ومثابة وثوابا . فمعنى قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } وإذ جعلنا البيت مرجعا للناس ومعاذا يأتونه كل عام ويرجعون إليه , فلا يقضون منه وطرا . ومن المثاب قول ورقة بن نوفل في صفة الحرم : مثاب لأفناء القبائل كلها تخب إليه اليعملات الصلائح ومنه قيل : ثاب إليه عقله , إذا رجع إليه بعد عزوبه عنه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 1613 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : لا يقضون منه وطرا . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : يثوبون إليه , لا يقضون منه وطرا . 1614 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : أما المثابة فهو الذي يثوبون إليه كل سنة لا يدعه الإنسان إذا أتاه مرة أن يعود إليه . 1615 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : لا يقضون منه وطرا , يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه . 1616 - وحدثني عبد الكريم بن أبي عمير , قال : حدثني الوليد بن مسلم , قال : قال أبو عمرو , حدثني عبدة بن أبي لبابة في قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا . 1617 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عبد الملك عن عطاء في قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : يثوبون إليه من كل مكان , ولا يقضون منه وطرا . * حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عبد الملك , عن عطاء , مثله . 1618 - حدثني محمد بن عمار الأسدي , قال : ثنا سهل بن عامر , قال : ثنا مالك بن مغول , عن عطية في قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : لا يقضون منه وطرا . 1619 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أبي الهذيل , قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : يحجون ويثوبون . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا الثوري , عن أبي الهذيل , عن سعيد بن جبير في قوله : { مثابة للناس } قال : يحجون , ثم يحجون , ولا يقضون منه وطرا . * حدثني المثنى , قال : ثنا ابن بكير , قال : ثنا مسعر , عن غالب , عن سعيد بن جبير : { مثابة للناس } قال : يثوبون إليه . 1620 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } قال : مجمعا . 1621 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { مثابة للناس } قال : يثوبون إليه . 1622 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { مثابة للناس } قال : يثوبون إليه . 1623 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وأمنا } . والأمن : مصدر من قول القائل أمن يأمن أمنا . وإنما سماه الله أمنا لأنه كان في الجاهلية معاذا لمن استعاذ به , وكان الرجل منهم لو لقي به قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه ولم يعرض له حتى يخرج منه , وكان كما قال الله جل ثناؤه : { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } . 29 67 1624 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وأمنا } قال : من أم إليه فهو آمن ; كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يعرض له . 1625 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : أما { أمنا } فمن دخله كان آمنا . 1626 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { وأمنا } قال : تحريمه لا يخاف فيه من دخله . ذكر من قال ذلك : 1627 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : { وأمنا } يقول : أمنا من العدو أن يحمل فيه السلاح , وقد كان في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون لا يسبون . 1628 - حدثت عن المنجاب , قال : أخبرنا بشر , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله : { وأمنا } قال : أمنا للناس . * حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد في قوله : { وأمنا } قال : تحريمه لا يخاف فيه من دخله .
القول في تأويل قوله تعالى : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . اختلف القراء في قراءة ذلك , فقرأه بعضهم : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } بكسر الخاء على وجه الأمر باتخاذه مصلى ; وهي قراءة عامة المصرين الكوفة والبصرة , وقراءة عامة قراء أهل مكة وبعض قراء أهل المدينة . وذهب إليه الذين قرءوه كذلك من الخبر الذي : 1629 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم , قالا : حدثنا هشيم , قال : أخبرنا حميد , عن أنس بن مالك , قال : قال عمر بن الخطاب : قلت : يا رسول الله , لو اتخذت المقام مصلى ؟ فأنزل الله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . * حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا ابن أبي عدي , وحدثني يعقوب , قال : ثنا ابن علية جميعا , عن حميد , عن أنس , عن عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . * حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا حميد , عن أنس , قال : قال عمر بن الخطاب : قلت : يا رسول الله , فذكر مثله . قالوا : فإنما أنزل الله تعالى ذكره هذه الآية أمرا منه نبيه صلى الله عليه وسلم باتخاذ مقام إبراهيم مصلى ; فغير جائز قراءتها وهي أمر على وجه الخبر . وقد زعم بعض نحويي البصرة أن قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } معطوف على قوله : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي } 2 122 { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فكان الأمر بهذه الآية وباتخاذ المصلى من مقام إبراهيم على قول هذا القائل لليهود من بني إسرائيل الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . كما : 1630 - حدثنا الربيع بن أنس بما حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , قال : من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فأمرهم أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى , فهم يصلون خلف المقام . فتأويل قائل هذا القول : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما } وقال : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . والخبر الذي ذكرناه عن عمر بن الخطاب , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل , يدل على خلاف الذي قاله هؤلاء , وأنه أمر من الله تعالى ذكره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به وجميع الخلق المكلفين . وقرأه بعض قراء أهل المدينة والشام : { واتخذوا } بفتح الخاء على وجه الخبر . ثم اختلف في الذي عطف عليه بقوله : { واتخذوا } إذا قرئ كذلك على وجه الخبر , فقال بعض نحويي البصرة : تأويله إذا قرئ كذلك : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا وإذ اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى . وقال بعض نحويي الكوفة : بل ذلك معطوف على قوله : { جعلنا } فكان معنى الكلام على قوله : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس واتخذوه مصلى . والصواب من القول والقراءة في ذلك عندنا : { واتخذوا } بكسر الخاء , على تأويل الأمر باتخاذ مقام إبراهيم مصلى ; للخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه آنفا , وأن عمرو بن علي : 1631 - حدثنا قال : ثنا يحيى بن سعيد , قال : ثنا جعفر بن محمد , قال : حدثني أبي , عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وفي مقام إبراهيم . فقال بعضهم : مقام إبراهيم : هو الحج كله . ذكر من قال ذلك : 1632 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا ابن جريج , عن عطاء , عن ابن عباس في قوله : { مقام إبراهيم } قال : الحج كله مقام إبراهيم . 1633 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا سفيان بن عيينة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : الحج كله . 1634 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن سفيان . عن ابن جريج , عن عطاء , قال : الحج كله مقام إبراهيم . وقال آخرون : مقام إبراهيم عرفة والمزدلفة والجمار . ذكر من قال ذلك : 1635 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء بن أبي رباح : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : لأني قد جعلته إماما فمقامه عرفة والمزدلفة والجمار . 1636 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : مقامه جمع وعرفة ومنى ; لا أعلمه إلا وقد ذكر مكة . 1637 - حدثنا عمرو بن علي , قال ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء , عن ابن عباس في قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : مقامه عرفة . 1638 - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا داود , عن الشعبي قال : نزلت عليه وهو واقف بعرفة مقام إبراهيم : { اليوم أكملت لكم دينكم } 5 3 الآية . * حدثنا عمرو قال : ثنا بشر بن المفضل , قال : ثنا داود , عن الشعبي , مثله . وقال آخرون : مقام إبراهيم : الحرم . ذكر من قال ذلك : 1639 - حدثت عن حماد بن زيد , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : الحرم كله مقام إبراهيم . وقال آخرون : مقام إبراهيم : الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع بناؤه , وضعف عن رفع الحجارة . ذكر من قال ذلك : 1640 - حدثنا سنان القزاز , قال : ثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي , قال : ثنا إبراهيم بن نافع , قال : سمعت كثير بن كثير يحدث عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : جعل إبراهيم يبنيه , وإسماعيل يناوله الحجارة , ويقولان : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } 2 127 فلما ارتفع البنيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة قام على حجر , فهو مقام إبراهيم . وقال آخرون : بل مقام إبراهيم , هو مقامه الذي هو في المسجد الحرام . ذكر من قال ذلك : 1641 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه , ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا مما تكلفته الأمم قبلها , ولقد ذكر لنا بعض من رأى عقبه وأصابعه , فما زالت هذه الأمم يمسحونه حتى اخلولق وانمحى . 1642 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فهم يصلون خلف المقام . 1643 - حدثني يونس , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وهو الصلاة عند مقامه في الحج . والمقام : هو الحجر الذي كانت زوجة إسماعيل وضعته تحت قدم إبراهيم حين غسلت رأسه , فوضع إبراهيم رجله عليه وهو راكب , فغسلت شقه ثم دفعته من تحته وقد غابت رجله في الحجر , فوضعته تحت الشق الآخر فغسلته , فغابت رجله أيضا فيه , فجعلها الله من شعائره , فقال : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } . وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا ما قاله القائلون إن مقام إبراهيم : هو المقام المعروف بهذا الاسم , الذي هو في المسجد الحرام ; لما روينا آنفا عن عمر بن الخطاب , ولما : 1644 - حدثنا يوسف بن سليمان , قال : ثنا حاتم بن إسماعيل , قال : ثنا جعفر بن محمد , عن أبيه , عن جابر قال : استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن , فرمل ثلاثا ومشى أربعا , ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فجعل المقام بينه وبين البيت فصلى ركعتين . فهذان الخبران ينبئان أن الله تعالى ذكره إنما عنى بمقام إبراهيم الذي أمرنا الله باتخاذه مصلى هو الذي وصفنا . ولو لم يكن على صحة ما اخترنا في تأويل ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , لكان الواجب فيه من القول ما قلنا ; وذلك أن الكلام محمول معناه على ظاهره المعروف دون باطنه المجهول , حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك مما يجب التسليم له . ولا شك أن المعروف في الناس بمقام إبراهيم هو المصلى الذي قال الله تعالى ذكره : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فإن أهل التأويل مختلفون في معناه , فقال بعضهم : هو المدعى . ذكر من قال ذلك : 1645 - حدثني المثنى قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا سفيان بن عيينة , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : مصلى إبراهيم مدعى . وقال آخرون : معنى ذلك : اتخذوا مصلى تصلون عنده . ذكر من قال ذلك : 1646 - حدثني بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : أمروا أن يصلوا عنده . 1647 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : هو الصلاة عنده . فكأن الذين قالوا تأويل المصلى ههنا المدعى , وجهوا المصلى إلى أنه مفعل من قول القائل : صليت بمعنى دعوت . وقائلو هذه المقالة هم الذين قالوا : إن مقام إبراهيم هو الحج كله . فكان معناه في تأويل هذه الآية : واتخذوا عرفة والمزدلفة والمشعر والجمار وسائر أماكن الحج التي كان إبراهيم يقوم بها مداعي تدعونني عندها , وتأتمون بإبراهيم خليلي عليه السلام فيها , فإني قد جعلته لمن بعده من أوليائي وأهل طاعتي إماما يقتدون به وبآثاره , فاقتدوا به . وأما تأويل القائلين القول الآخر , فإنه : اتخذوا أيها الناس من مقام إبراهيم مصلى تصلون عنده , عبادة منكم , وتكرمة مني لإبراهيم . وهذا القول هو أولى بالصواب لما ذكرنا من الخبر عن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله , عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي } . يعني تعالى ذكره بقوله : { وعهدنا } وأمرنا . كما : 1648 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : ما عهده ؟ قال : أمره . 1649 - حدثني يونس , قال : أخبرني ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وعهدنا إلى إبراهيم } قال : أمرناه . فمعنى الآية : وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين . والتطهير الذي أمرهما الله به في البيت , هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك بالله . فإن قال قائل : وما معنى قوله : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين } وهل كان أيام إبراهيم قبل بنائه البيت بيت يطهر من الشرك وعبادة الأوثان في الحرم , فيجوز أن يكونا أمرا بتطهيره ؟ قيل : لذلك وجهان من التأويل , قد كان لكل واحد من الوجهين جماعة من أهل التأويل , أحدهما : أن يكون معناه : وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن ابنيا بيتي مطهرا من الشرك والريب , كما قال تعالى ذكره : { أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار } , 9 109 فكذلك قوله : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي } أي ابنيا بيتي على طهر من الشرك بي والريب . كما : 1650 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط عن السدي : { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي } يقول : ابنيا بيتي . فهذا أحد وجهيه , والوجه الآخر منهما أن يكونا أمرا بأن يطهرا مكان البيت قبل بنيانه والبيت بعد بنيانه مما كان أهل الشرك بالله يجعلونه فيه على عهد نوح ومن قبله من الأوثان , ليكون ذلك سنة لمن بعدهما , إذ كان الله تعالى ذكره قد جعل إبراهيم إماما يقتدي به من بعده . كما : 1651 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { أن طهرا } قال : من الأصنام التي يعبدون التي كان المشركون يعظمونها . 1652 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا سفيان , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء , عن عبيد بن عمير : { أن طهرا بيتي للطائفين } قال : من الأوثان والريب . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو نعيم , قال : حدثنا سفيان , عن ابن جريج , عن عطاء , عن عبيد بن عمير , مثله . 1653 - حدثني أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن ليث , عن مجاهد , قال : من الشرك . 1654 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا أبو إسرائيل , عن أبي حصين , عن مجاهد : { طهرا بيتي للطائفين } قال : من الأوثان . 1655 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { طهرا بيتي للطائفين } قال : من الشرك وعبادة الأوثان . 1656 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة بمثله , وزاد فيه : وقول الزور .
القول في تأويل قوله تعالى : { للطائفين } . اختلف أهل التأويل في معنى الطائفين في هذا الموضع , فقال بعضهم : هم الغرباء الذين يأتون البيت الحرام من غربة . ذكر من قال ذلك : 1657 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر بن عياش , قال : ثنا أبو حصين , عن سعيد بن جبير في قوله : { للطائفين } قال : من أتاه من غربة . وقال آخرون : بل الطائفون هم الذين يطوفون به غرباء كانوا أو من أهله . ذكر من قال ذلك : 1658 - حدثنا محمد بن العلاء , قال : ثنا وكيع , عن أبي بكر الهذلي , عن عطاء : { للطائفين } قال : إذا كان طائفا بالبيت , فهو من الطائفين . وأولى التأويلين بالآية ما قاله عطاء ; لأن الطائف هو الذي يطوف بالشيء دون غيره , والطارئ من غربة لا يستحق اسم طائف بالبيت إن لم يطف به .
القول في تأويل قوله تعالى : { والعاكفين } . يعني تعالى ذكره بقوله : { والعاكفين } والمقيمين به , والعاكف على الشيء : هو المقيم عليه , كما قال نابغة بني ذبيان : عكوفا لدى أبياتهم يثمدونهم رمى الله في تلك الأكف الكوانع وإنما قيل للمعتكف معتكف من أجل مقامه في الموضع الذي حبس فيه نفسه لله تعالى . ثم اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : { والعاكفين } فقال بعضهم : عنى به الجالس في البيت الحرام بغير طواف ولا صلاة . ذكر من قال ذلك : 1659 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن أبي بكر الهذلي , عن عطاء , قال : إذا كان طائفا بالبيت فهو من الطائفين , وإذا كان جالسا فهو من العاكفين . وقال بعضهم : العاكفون هم المعتكفون المجاورون . ذكر من قال ذلك : 1660 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا شريك , عن جابر , عن مجاهد وعكرمة : { طهرا بيتي للطائفين والعاكفين } قال : المجاورون . وقال بعضهم : العاكفون هم أهل البلد الحرام . ذكر من قال ذلك : 1661 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر بن عياش , قال : ثنا أبو حصين , عن سعيد بن جبير في قوله : { والعاكفين } قال : أهل البلد . 1662 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والعاكفين } قال : العاكفون : أهله . وقال آخرون : العاكفون : هم المصلون . ذكر من قال ذلك : 1663 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال ابن عباس في قوله : { طهرا بيتي للطائفين والعاكفين } قال : العاكفون : المصلون . وأولى هذه التأويلات بالصواب ما قاله عطاء , وهو أن العاكف في هذا الموضع : المقيم في البيت مجاورا فيه بغير طواف ولا صلاة , لأن صفة العكوف ما وصفنا من الإقامة بالمكان . والمقيم بالمكان قد يكون مقيما به وهو جالس ومصل وطائف وقائم , وعلى غير ذلك من الأحوال ; فلما كان تعالى ذكره قد ذكر في قوله : { أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } المصلين والطائفين , علم بذلك أن الحال التي عنى الله تعالى ذكره من العاكف غير حال المصلي والطائف , وأن التي عنى من أحواله هو العكوف بالبيت على سبيل الجوار فيه , وإن لم يكن مصليا فيه ولا راكعا ولا ساجدا .
القول في تأويل قوله تعالى : { والركع السجود } يعني تعالى ذكره بقوله : { والركع } جماعة القوم الراكعين فيه له , واحدهم راكع . وكذلك السجود هم جماعة القوم الساجدين فيه له واحدهم ساجد , كما يقال رجل قاعد ورجال قعود ورجل جالس ورجال جلوس ; فكذلك رجل ساجد ورجال سجود . وقيل : بل عنى بالركع السجود : المصلين . ذكر من قال ذلك : 1664 - حدثنا أبو كريب , قال : حدثنا وكيع , عن أبي بكر الهذلي , عن عطاء : { والركع السجود } قال : إذا كان يصلي فهو من الركع السجود . 1665 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { والركع السجود } أهل الصلاة . وقد بينا فيما مضى بيان معنى الركوع والسجود , فأغنى ذلك عن إعادته ههنا .