سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ يعني بقوله جل ثناؤه : { سيقول السفهاء } سيقول الجهال من الناس , وهم اليهود وأهل النفاق . وإنما سماهم الله عز وجل سفهاء لأنهم سفهوا الحق , فتجاهلت أحبار اليهود , وتعاظمت جهالهم وأهل الغباء منهم عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم , إذ كان من العرب ولم يكن من بني إسرائيل , وتحير المنافقون فتبلدوا . وبما قلنا في السفهاء أنهم هم اليهود وأهل النفاق , قال أهل التأويل . ذكر من قال هم اليهود : 1768 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله عز وجل : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم } قال : اليهود تقوله حين ترك بيت المقدس . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 1769 - حدثت عن أحمد بن يونس , عن زهير , عن أبي إسحاق عن البراء : { سيقول السفهاء من الناس } قال : اليهود . * - حدثنا أبو كريب قال : ثنا وكيع , عن إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن البراء : { سيقول السفهاء من الناس } قال : اليهود . 1770 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحماني , قال : ثنا شريك , عن أبي إسحاق , عن البراء في قوله : { سيقول السفهاء من الناس } قال : أهل الكتاب 1771 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قال : اليهود . وقال آخرون : السفهاء : المنافقون . ذكر من قال ذلك . 1772 - حدثنا موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي قال : نزلت { سيقول السفهاء من الناس } في المنافقين . مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا القول في تأويل قوله تعالى : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } يعني بقوله جل ثناؤه : { ما ولاهم } أي شيء صرفهم عن قبلهم ؟ وهو من قول القائل : ولاني فلان دبره : إذا حول وجهه عنه واستدبره فكذلك قوله : { ما ولاهم } أي شيء حول وجوههم . وأما قوله : { عن قبلتهم } فإن قبلة كل شيء : ما قابل وجهه , وإنما هي " فعلة " بمنزلة الجلسة والقعدة ; من قول القائل : قابلت فلانا : إذا صرت قبالته أقابله , فهو لي قبلة , وأنا له قبلة , إذا قابل كل واحد منهما بوجهه وجه صاحبه . قال : فتأويل الكلام إذن - إذ كان [ ذلك ] معناه - سيقول السفهاء من الناس لكم أيها المؤمنون بالله ورسوله , إذا حولتم وجوهكم عن قبلة اليهود التي كانت لكم قبلة قبل أمري إياكم بتحويل وجوهكم عنها شطر المسجد الحرام : أي شيء حول وجوه هؤلاء , فصرفها عن الموضع الذي كانوا يستقبلونه بوجوههم في صلاتهم ؟ فأعلم الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ما اليهود والمنافقون قائلون من القول عند تحويل قبلته وقبلة أصحابه عن الشام إلى المسجد الحرام , وعلمه ما ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب , فقال له : إذا قالوا ذلك لك يا محمد , فقل لهم { لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } . وكان سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس مدة سنذكر مبلغها فيما بعد إن شاء الله تعالى ثم أراد الله تعالى صرف قبلة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام , فأخبره عما اليهود قائلوه من القول عند صرفه وجهه ووجه أصحابه شطره , وما الذي ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب . ذكر المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو بيت المقدس وما كان سبب صلاته نحوه ; وما الذي دعا اليهود والمنافقين إلى قيل ما قالوا عند تحويل الله قبلة المؤمنين عن بيت المقدس إلى الكعبة / اختلف أهل العلم في المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد الهجرة . فقال بعدهم بما : 1773 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يونس بن بكير , وحدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قالا جميعا : ثنا محمد بن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , قال : أخبرني سعيد بن جبير أو عكرمة - شك محمد عن ابن عباس قال : لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة , وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس , وقردم بن عمرو , وكعب بن الأشرف , ونافع بن أبي نافع - هكذا قال ابن حميد , وقال أبو كريب : ورافع بن أبي رافع والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق , فقالوا : يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ! وإنما يريدون فتنته عن دينه . فأنزل الله فيهم : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } إلى قوله : { إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } 1774 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر بن عياش , قال البراء : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا , وكان يشتهي أن يصرف إلى الكعبة . قال : فبينا نحن نصلي ذات يوم , فمر بنا مار فقال : ألا هل علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرف إلى الكعبة ؟ قال : وقد صلينا ركعتين إلى ها هنا , وصلينا ركعتين إلى ها هنا قال أبو كريب : فقيل له : فيه أبو إسحاق ؟ فسكت . 1775 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يحيى بن آدم , عن أبي بكر بن عياش , عن أبي إسحاق , عن البراء قال : صلينا بعد قدوم النبي المدينة سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس . 1776 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا يحيى , عن سفيان , قال : ثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا - شك سفيان ثم صرفنا إلى الكعبة . 1777 - حدثنا المثنى , قال : حدثنا النفيلي , قال : ثنا زهير قال : ثنا أبو إسحاق , عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو أخواله من الأنصار , وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا , وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت , وأنه صلى صلاة العصر ومعه قوم . فخرج رجل ممن صلى معه , فمر على أهل المسجد وهم ركوع , فقال : أشهد لقد صليت مع رسول الله قبل مكة . فداروا كما هم قبل البيت , وكان يعجبه أن يحول قبل البيت . وكان اليهود أعجبهم أن رسول الله يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب , فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك . 1778 - حدثني عمران بن موسى , قال : ثنا عبد الوارث , قال : ثنا يحيى بن سعيد , عن سعيد بن المسيب قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا , ثم وجه نحو الكعبة قبل بدر بشهرين . وقال آخرون بما : 1779 - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عثمان بن سعد الكاتب , قال : ثنا أنس بن مالك قال : صلى نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر . فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس , انصرف بوجهه إلى الكعبة , فقال السفهاء : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } . وقال آخرون بما : 1780 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا أبو داود , قال : ثنا المسعودي , عن عمرو بن مرة , عن ابن أبي ليلى , عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة , فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرا . 1781 - حدثنا أحمد بن المقدام العجلي , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , قال : سمعت أبي , قال : ثنا قتادة , عن سعيد بن المسيب أن الأنصار صلت القبلة الأولى قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث حجج , وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى القبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا أو كما قال , وكلا الحديثين يحدث قتادة عن سعيد . ذكر السبب الذي كان من أجله يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس قبل أن يفرض عليه التوجه شطر الكعبة اختلف أهل العلم في ذلك فقال بعضهم : كان ذلك باختيار من النبي صلى الله عليه وسلم ذكر من قال ذلك : 1782 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح أبو تميلة قال : ثنا الحسين بن واقد , عن عكرمة , وعن يزيد النحوي , عن عكرمة , والحسن البصري قالا : أول ما نسخ من القرآن القبلة , وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل صخرة بيت المقدس وهي قبلة اليهود , فاستقبلها النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر شهرا , ليؤمنوا به ويتبعوه , ويدعوا بذلك الأميين من العرب , فقال الله عز وجل : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم } 2 115 1783 - حدثني المثنى بن إبراهيم , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } يعنون بيت المقدس . قال الربيع . قال أبو العالية : إن نبي الله خير أن يوجه وجهه حيث شاء , فاختار بيت القدس لكي يتألف أهل الكتاب , فكانت قبلته ستة عشر شهرا , وهو في ذلك يقلب وجهه في السماء ثم وجهه الله إلى البيت الحرام . وقال آخرون : بل كان فعل ذلك من النبي , وأصحابه بفرض الله عز ذكره عليهم . ذكر من قال ذلك : 1784 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثنا معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قال : لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , وكان أكثر أهلها اليهود , أمره الله أن يستقل بيت المقدس , ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا , فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام , وكان يدعو وينظر إلى السماء , فأنزل الله عز وجل : { قد نرى تقلب وجهك في السماء } 2 144 الآية , فارتاب من ذلك اليهود , وقالوا : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } فأنزل الله عز وجل : { قل لله المشرق والمغرب } . 1785 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة , ثم صرف إلى بيت المقدس , فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه ثلاث حجج وصلى بعد قدومه ستة عشر شهرا , ثم ولاه الله جل ثناؤه إلى الكعبة . / ذكر السبب الذي من أجله قال من قال { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } ؟ اختلف أهل التأويل في ذلك , فروي عن ابن عباس فيه قولان أحدهما ما : 1786 - حدثنا به ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثنا ابن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , عن عكرمة , أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : قال ذلك قوم من اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم , فقالوا له : ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ; يريدون فتنته عن دينه . والقول الآخر : ما ذكرت من حديث علي بن أبي طلحة عنه الذي مضى قبل . 1787 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , عن سعيد , عن قتادة قوله : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } قال : صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة مهاجرا نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام . فقال في ذلك قائلون من الناس : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } لقد اشتاق الرجل إلى مولده . فقال الله عز وجل : { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } . وقيل : قائل هذه المقالة المنافقون , وإنما قالوا ذلك استهزاء بالإسلام . ذكر من قال ذلك : 1788 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه , اختلف الناس فيها , فكانوا أصنافا , فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها ؟ فأنزل الله في المنافقين : { سيقول السفهاء من الناس } الآية كلها . قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ القول في تأويل قوله تعالى : { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } يعني بذلك عز وجل : قل يا محمد لهؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك : : ما ولاكم عن قبلتكم من بيت المقدس التي كنتم على التوجه إليها , إلى التوجه إلى شطر المسجد الحرام : لله ملك المشرق والمغرب ; يعني بذلك ملك ما بين قطري مشرق الشمس , وقطري مغربها , وما بينهما من العالم , يهدي من يشاء من خلقه فيسدده , ويوفقه إلى الطريق القويم وهو الصراط المستقيم . ويعني بذلك إلى قبلة إبراهيم الذي جعله للناس إماما . ويخذل من يشاء منهم فيضله عن سبيل الحق . وإنما عنى جل ثناؤه بقوله : { يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } قل يا محمد إن الله هدانا بالتوجه شطر المسجد الحرام لقبلة إبراهيم وأضلكم أيها اليهود والمنافقون وجماعة الشرك بالله , فخذلكم عما هدانا له من ذلك .
يعني بقوله جل ثناؤه : { سيقول السفهاء } سيقول الجهال من الناس , وهم اليهود وأهل النفاق . وإنما سماهم الله عز وجل سفهاء لأنهم سفهوا الحق , فتجاهلت أحبار اليهود , وتعاظمت جهالهم وأهل الغباء منهم عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم , إذ كان من العرب ولم يكن من بني إسرائيل , وتحير المنافقون فتبلدوا . وبما قلنا في السفهاء أنهم هم اليهود وأهل النفاق , قال أهل التأويل . ذكر من قال هم اليهود : 1768 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله عز وجل : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم } قال : اليهود تقوله حين ترك بيت المقدس . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 1769 - حدثت عن أحمد بن يونس , عن زهير , عن أبي إسحاق عن البراء : { سيقول السفهاء من الناس } قال : اليهود . * - حدثنا أبو كريب قال : ثنا وكيع , عن إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن البراء : { سيقول السفهاء من الناس } قال : اليهود . 1770 - حدثني المثنى , قال : ثنا الحماني , قال : ثنا شريك , عن أبي إسحاق , عن البراء في قوله : { سيقول السفهاء من الناس } قال : أهل الكتاب 1771 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قال : اليهود . وقال آخرون : السفهاء : المنافقون . ذكر من قال ذلك . 1772 - حدثنا موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي قال : نزلت { سيقول السفهاء من الناس } في المنافقين .
القول في تأويل قوله تعالى : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } يعني بقوله جل ثناؤه : { ما ولاهم } أي شيء صرفهم عن قبلهم ؟ وهو من قول القائل : ولاني فلان دبره : إذا حول وجهه عنه واستدبره فكذلك قوله : { ما ولاهم } أي شيء حول وجوههم . وأما قوله : { عن قبلتهم } فإن قبلة كل شيء : ما قابل وجهه , وإنما هي " فعلة " بمنزلة الجلسة والقعدة ; من قول القائل : قابلت فلانا : إذا صرت قبالته أقابله , فهو لي قبلة , وأنا له قبلة , إذا قابل كل واحد منهما بوجهه وجه صاحبه . قال : فتأويل الكلام إذن - إذ كان [ ذلك ] معناه - سيقول السفهاء من الناس لكم أيها المؤمنون بالله ورسوله , إذا حولتم وجوهكم عن قبلة اليهود التي كانت لكم قبلة قبل أمري إياكم بتحويل وجوهكم عنها شطر المسجد الحرام : أي شيء حول وجوه هؤلاء , فصرفها عن الموضع الذي كانوا يستقبلونه بوجوههم في صلاتهم ؟ فأعلم الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ما اليهود والمنافقون قائلون من القول عند تحويل قبلته وقبلة أصحابه عن الشام إلى المسجد الحرام , وعلمه ما ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب , فقال له : إذا قالوا ذلك لك يا محمد , فقل لهم { لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } . وكان سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس مدة سنذكر مبلغها فيما بعد إن شاء الله تعالى ثم أراد الله تعالى صرف قبلة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام , فأخبره عما اليهود قائلوه من القول عند صرفه وجهه ووجه أصحابه شطره , وما الذي ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب . ذكر المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو بيت المقدس وما كان سبب صلاته نحوه ; وما الذي دعا اليهود والمنافقين إلى قيل ما قالوا عند تحويل الله قبلة المؤمنين عن بيت المقدس إلى الكعبة / اختلف أهل العلم في المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد الهجرة . فقال بعدهم بما : 1773 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يونس بن بكير , وحدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قالا جميعا : ثنا محمد بن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , قال : أخبرني سعيد بن جبير أو عكرمة - شك محمد عن ابن عباس قال : لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة , وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة , أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس , وقردم بن عمرو , وكعب بن الأشرف , ونافع بن أبي نافع - هكذا قال ابن حميد , وقال أبو كريب : ورافع بن أبي رافع والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق , فقالوا : يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ! وإنما يريدون فتنته عن دينه . فأنزل الله فيهم : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } إلى قوله : { إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } 1774 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر بن عياش , قال البراء : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا , وكان يشتهي أن يصرف إلى الكعبة . قال : فبينا نحن نصلي ذات يوم , فمر بنا مار فقال : ألا هل علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرف إلى الكعبة ؟ قال : وقد صلينا ركعتين إلى ها هنا , وصلينا ركعتين إلى ها هنا قال أبو كريب : فقيل له : فيه أبو إسحاق ؟ فسكت . 1775 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يحيى بن آدم , عن أبي بكر بن عياش , عن أبي إسحاق , عن البراء قال : صلينا بعد قدوم النبي المدينة سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس . 1776 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا يحيى , عن سفيان , قال : ثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا - شك سفيان ثم صرفنا إلى الكعبة . 1777 - حدثنا المثنى , قال : حدثنا النفيلي , قال : ثنا زهير قال : ثنا أبو إسحاق , عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو أخواله من الأنصار , وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا , وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت , وأنه صلى صلاة العصر ومعه قوم . فخرج رجل ممن صلى معه , فمر على أهل المسجد وهم ركوع , فقال : أشهد لقد صليت مع رسول الله قبل مكة . فداروا كما هم قبل البيت , وكان يعجبه أن يحول قبل البيت . وكان اليهود أعجبهم أن رسول الله يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب , فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك . 1778 - حدثني عمران بن موسى , قال : ثنا عبد الوارث , قال : ثنا يحيى بن سعيد , عن سعيد بن المسيب قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا , ثم وجه نحو الكعبة قبل بدر بشهرين . وقال آخرون بما : 1779 - حدثنا عمرو بن علي , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عثمان بن سعد الكاتب , قال : ثنا أنس بن مالك قال : صلى نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر . فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس , انصرف بوجهه إلى الكعبة , فقال السفهاء : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } . وقال آخرون بما : 1780 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا أبو داود , قال : ثنا المسعودي , عن عمرو بن مرة , عن ابن أبي ليلى , عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة , فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرا . 1781 - حدثنا أحمد بن المقدام العجلي , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , قال : سمعت أبي , قال : ثنا قتادة , عن سعيد بن المسيب أن الأنصار صلت القبلة الأولى قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث حجج , وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى القبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا أو كما قال , وكلا الحديثين يحدث قتادة عن سعيد . ذكر السبب الذي كان من أجله يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس قبل أن يفرض عليه التوجه شطر الكعبة اختلف أهل العلم في ذلك فقال بعضهم : كان ذلك باختيار من النبي صلى الله عليه وسلم ذكر من قال ذلك : 1782 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح أبو تميلة قال : ثنا الحسين بن واقد , عن عكرمة , وعن يزيد النحوي , عن عكرمة , والحسن البصري قالا : أول ما نسخ من القرآن القبلة , وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل صخرة بيت المقدس وهي قبلة اليهود , فاستقبلها النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر شهرا , ليؤمنوا به ويتبعوه , ويدعوا بذلك الأميين من العرب , فقال الله عز وجل : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم } 2 115 1783 - حدثني المثنى بن إبراهيم , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } يعنون بيت المقدس . قال الربيع . قال أبو العالية : إن نبي الله خير أن يوجه وجهه حيث شاء , فاختار بيت القدس لكي يتألف أهل الكتاب , فكانت قبلته ستة عشر شهرا , وهو في ذلك يقلب وجهه في السماء ثم وجهه الله إلى البيت الحرام . وقال آخرون : بل كان فعل ذلك من النبي , وأصحابه بفرض الله عز ذكره عليهم . ذكر من قال ذلك : 1784 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثنا معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قال : لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , وكان أكثر أهلها اليهود , أمره الله أن يستقل بيت المقدس , ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا , فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام , وكان يدعو وينظر إلى السماء , فأنزل الله عز وجل : { قد نرى تقلب وجهك في السماء } 2 144 الآية , فارتاب من ذلك اليهود , وقالوا : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } فأنزل الله عز وجل : { قل لله المشرق والمغرب } . 1785 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة , ثم صرف إلى بيت المقدس , فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه ثلاث حجج وصلى بعد قدومه ستة عشر شهرا , ثم ولاه الله جل ثناؤه إلى الكعبة . / ذكر السبب الذي من أجله قال من قال { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } ؟ اختلف أهل التأويل في ذلك , فروي عن ابن عباس فيه قولان أحدهما ما : 1786 - حدثنا به ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثنا ابن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , عن عكرمة , أو عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : قال ذلك قوم من اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم , فقالوا له : ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ; يريدون فتنته عن دينه . والقول الآخر : ما ذكرت من حديث علي بن أبي طلحة عنه الذي مضى قبل . 1787 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , عن سعيد , عن قتادة قوله : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } قال : صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة مهاجرا نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام . فقال في ذلك قائلون من الناس : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } لقد اشتاق الرجل إلى مولده . فقال الله عز وجل : { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } . وقيل : قائل هذه المقالة المنافقون , وإنما قالوا ذلك استهزاء بالإسلام . ذكر من قال ذلك : 1788 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه , اختلف الناس فيها , فكانوا أصنافا , فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها ؟ فأنزل الله في المنافقين : { سيقول السفهاء من الناس } الآية كلها .
القول في تأويل قوله تعالى : { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } يعني بذلك عز وجل : قل يا محمد لهؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك : : ما ولاكم عن قبلتكم من بيت المقدس التي كنتم على التوجه إليها , إلى التوجه إلى شطر المسجد الحرام : لله ملك المشرق والمغرب ; يعني بذلك ملك ما بين قطري مشرق الشمس , وقطري مغربها , وما بينهما من العالم , يهدي من يشاء من خلقه فيسدده , ويوفقه إلى الطريق القويم وهو الصراط المستقيم . ويعني بذلك إلى قبلة إبراهيم الذي جعله للناس إماما . ويخذل من يشاء منهم فيضله عن سبيل الحق . وإنما عنى جل ثناؤه بقوله : { يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } قل يا محمد إن الله هدانا بالتوجه شطر المسجد الحرام لقبلة إبراهيم وأضلكم أيها اليهود والمنافقون وجماعة الشرك بالله , فخذلكم عما هدانا له من ذلك .