فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا القول في تأويل قوله تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } يعني بقوله جل ثناؤه : { فإذا قضيتم مناسككم } فإذا فرغتم من حجكم فذبحتم نسائككم , { فاذكروا الله } يقال منه : نسك الرجل ينسك نسكا ونسكا ونسيكة ومنسكا إذا ذبح نسكه , والمنسك : اسم مثل المشرق والمغرب . فأما النسك في الدين . فإنه يقال منه ما كان الرجل ناسكا , ولقد نسك , ونسك نسكا نسكا ونساكة , وذلك إذا تقرأ . وبمثل الذي قلنا في معنى المناسك في هذا الموضع قال مجاهد . 3057 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فإذا قضيتم مناسككم } قال : إهراقه الدماء . * وحدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . وأما قوله : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } فإن أهل التأويل اختلفوا في صفة ذكر القوم آباءهم الذين أمرهم الله أن يجعلوا ذكرهم إياه كذكرهم آباءهم أو أشد ذكرا , فقال بعضهم : كان القوم في جاهليتهم بعد فراغهم من حجهم ومناسكهم يجتمعون فيتفاخرون بمآثر آبائهم , فأمرهم الله في الإسلام أن يكون ذكرهم بالثناء والشكر والتعظيم لربهم دون غيره , وأن يلزموا أنفسهم من الإكثار من ذكره نظير ما كانوا ألزموا أنفسهم في جاهليتهم من ذكر آبائهم . ذكر من قال ذلك : 3058 - حدثنا تميم بن المنتصر , قال : ثنا إسحاق بن يوسف , عن القاسم بن عثمان , عن أنس في هذه الآية , قال : كانوا يذكرون آباءهم في الحج , فيقول بعضهم : كان أبي يطعم الطعام , ويقول بعضهم : كان أبي يضرب بالسيف , ويقول بعضهم : كان أبي جز نواصي بني فلان . 3059 - وحدثني محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان . عن عبد العزيز , عن مجاهد قال : كانوا يقولون : كان آباؤنا ينحرون الجزر , ويفعلون كذا , فنزلت هذه الآية : { اذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } 3060 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , عن أبي وائل : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } قال : كان أهل الجاهلية يذكرون فعال آبائهم . 3061 - حدثنا أبو كريب , قال : سمعت أبا بكر بن عياش , قال : كان أهل الجاهلية إذا فرغوا من الحج قاموا عند البيت فيذكرون آباءهم وأيامهم : كان أبي يطعم الطعام , وكان أبي يفعل , فذلك قوله : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } قال أبو كريب : قلت ليحيى بن آدم : عمن هو ؟ قال : ثنا أبو بكر بن عياش , عن عاصم , عن أبي وائل . * وحدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرني حجاج عمن حدثه , عن مجاهد في قوله : { اذكروا الله كذكركم آباءكم } قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة فذكروا آباءهم , وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم , فنزلت هذه الآية . * حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , عن عبد الملك , عن قيس , عن مجاهد في قوله : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة , وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم . قال : فنزلت هذه الآية . * حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم } قال : تفاخرت العرب بينها بفعل آبائها يوم النحر حين فرغوا فأمروا بذكر الله مكان ذلك . * حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , نحوه . 3062 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم } قال قتادة : كان أهل الجاهلية إذا قضوا مناسكهم بمنى قعدوا حلقا , فذكروا صنيع آبائهم في الجاهلية وفعالهم به , يخطب خطيبهم ويحدث محدثهم , فأمر الله عز وجل المسلمين أن يذكروا الله كذكر أهل الجاهلية آباءهم أو أشد ذكرا . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم اجتمعوا فافتخروا وذكروا آباءهم وأيامها , فأمروا أن يجعلوا مكان ذلك ذكر الله , يذكرونه كذكرهم آباءهم , أو أشد ذكرا . 3063 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن خصيف , عن سعيد بن جبير وعكرمة قالا : كانوا يذكرون فعل آبائهم في الجاهلية إذا وقفوا بعرفة , فنزلت هذه الآية . * حدثنا القاسم , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول ذلك يوم النحر حين ينحرون قال : قال { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } قال : كانت العرب يوم النحر حين يفرغون يتفاخرون بفعال آبائها , فأمروا بذكر الله عز وجل مكان ذلك . وقال آخرون : بل معنى ذلك : فاذكروا الله كذكر الأبناء والصبيان الآباء . ذكر من قال ذلك : 3064 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن عثمان بن أبي رواد , عن عطاء أنه قال في هذه الآية : { كذكركم آباءكم } قال : هو قول الصبي : يا أباه . 3065 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا زهير , عن جويبر , عن الضحاك : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } يعني بالذكر , ذكر الأبناء الآباء . * حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال لي عطاء : { كذكركم آباءكم } : أبه أمه . * حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا صالح بن عمر , عن عبد الملك , عن عطاء , قال : كالصبي , يلهج بأبيه وأمه . 3066 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } يقول : كذكر الأبناء الآباء أو أشد ذكرا . 3067 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } يقول : كما يذكر الأبناء الآباء . 3068 - حدثنا عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { كذكركم آباءكم } يعني ذكر الأبناء الآباء . وقال آخرون : بل قيل لهم : { اذكروا الله كذكركم آباءكم } لأنهم كانوا إذا قضوا مناسكهم فدعوا ربهم لم يذكروا غير آبائهم فأمروا من ذكر الله بنظير ذكر آبائهم . ذكر من قال ذلك : 3069 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } قال : كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى يقوم الرجل فيسأل الله ويقول : اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال , فأعطني مثل ما أعطيت أبي . ليس بذكر الله , إنما يذكر آباءه , ويسأله أن يعطى في الدنيا . والصواب من القول عندي في تأويل ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه أمر عباده المؤمنين بذكره بالطاعة له في الخضوع لأمره والعبادة له بعد قضاء مناسكهم . وذلك الذكر جائز أن يكون هو التكبير الذي أمر به جل ثناؤه بقوله : { واذكروا الله في أيام معدودات } الذي أوجبه على من قضى نسكه بعد قضائه نسكه , فألزمه حينئذ من ذكره ما لم يكن له لازما قبل ذلك , وحث على المحافظة عليه محافظة الأبناء على ذكر الآباء في الآثار منه بالاستكانة له والتضرع إليه بالرغبة منهم إليه في حوائجهم كتضرع الولد لوالده والصبي لأمه وأبيه , أو أشد من ذلك ; إذ كان ما كان بهم وبآبائهم من نعمة فمنه وهو وليه . وإنما قلنا : الذكر الذي أمر الله جل ثناؤه به الحاج بعد قضاء مناسكه بقوله : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } جائز أن يكون هو التكبير الذي وصفنا من أجل أنه لا ذكر لله أمر العباد به بعد قضاء مناسكهم لم يكن عليهم من فرضه قبل قضائهم مناسكهم , سوى التكبير الذي خص الله به أيام منى . فإذ كان ذلك كذلك , وكان معلوما أنه جل ثناؤه قد أوجب على خلقه بعد قضائهم مناسكهم من ذكره ما لم يكن واجبا عليهم قبل ذلك , وكان لا شيء من ذكره خص به ذلك الوقت سوى التكبير الذي ذكرناه , كانت بينة صحة ما قلنا من تأويل ذلك على ما وصفنا . فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ القول في تأويل قوله تعالى : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } يعني بذلك جل ثناؤه : { فإذا قضيتم مناسككم } أيها المؤمنون { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } وارغبوا إليه فيما لديه من خير الدنيا والآخرة بابتهال وتمسكن , واجعلوا أعمالكم لوجهه خالصا ولطلب مرضاته , وقولوا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ; ولا تكونوا كمن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة , فكانت أعمالهم للدنيا وزينتها , فلا يسألون ربهم إلا متاعها , ولا حظ لهم في ثواب الله , ولا نصيب لهم في جناته وكريم ما أعد لأوليائه , كما قال في ذلك أهل التأويل . 3070 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , عن أبي وائل : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا } هب لنا غنما , هب لنا إبلا { وما له في الآخرة من خلاق } * حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , عن أبي وائل , قال : كانوا في الجاهلية يقولون : هب لنا إبلا , ثم ذكر مثله . 3071 - حدثنا أبو كريب , قال : سمعت أبا بكر بن عياش في قوله : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } قال : كانوا يعني أهل الجاهلية يقفون - يعني بعد قضاء مناسكهم - فيقولون : اللهم أسقنا المطر , وأعطنا اللهم ارزقنا غنما . فأنزل الله هذه الآية : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } قال أبو كريب : قلت يحيى بن آدم : عمن هو ؟ قال : ثنا أبو بكر بن عياش , عن عاصم , عن أبي وائل . 3072 - حدثنا تميم بن المنتصر , قال : أخبرنا إسحاق , عن القاسم بن عثمان , عن أنس : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون فيقولون : اللهم اسقنا المطر , وأعطنا على عدونا الظفر , وردنا صالحين إلى صالحين . 3072 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا } نصرا ورزقا , ولا يسألون لآخرتهم شيئا . * وحدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 3074 - وحدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة في قول الله : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } فهذا عبد نوى الدنيا لها عمل ولها نصب . 3075 - حدثنا موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي في قوله : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } قال : كانت العرب إذا قضيت مناسكها وأقامت بمنى لا يذكر الله الرجل منهم , وإنما يذكر أباه , ويسأل أن يعطي في الدنيا . 3076 - وحدثني يونس , قال : ثنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله . { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } قال كانوا أصنافا ثلاثة في تلك المواطن يومئذ : رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأهل الكفر , وأهل النفاق . فمن الناس من يقول : { ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } إنما حجوا للدنيا والمسألة لا يريدون الآخرة ولا يؤمنون بها , ومنهم من يقول . { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } الآية . قال . والصنف الثالث { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } . .. الآية . وأما معنى الخلاق فقد بيناه في غير هذا الموضع , وذكرنا اختلاف المختلفين في تأويله والصحيح لدينا من معناه بالشواهد من الأدلة وأنه النصيب , بما فيه كفاية عن إعادته في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } يعني بقوله جل ثناؤه : { فإذا قضيتم مناسككم } فإذا فرغتم من حجكم فذبحتم نسائككم , { فاذكروا الله } يقال منه : نسك الرجل ينسك نسكا ونسكا ونسيكة ومنسكا إذا ذبح نسكه , والمنسك : اسم مثل المشرق والمغرب . فأما النسك في الدين . فإنه يقال منه ما كان الرجل ناسكا , ولقد نسك , ونسك نسكا نسكا ونساكة , وذلك إذا تقرأ . وبمثل الذي قلنا في معنى المناسك في هذا الموضع قال مجاهد . 3057 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فإذا قضيتم مناسككم } قال : إهراقه الدماء . * وحدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . وأما قوله : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } فإن أهل التأويل اختلفوا في صفة ذكر القوم آباءهم الذين أمرهم الله أن يجعلوا ذكرهم إياه كذكرهم آباءهم أو أشد ذكرا , فقال بعضهم : كان القوم في جاهليتهم بعد فراغهم من حجهم ومناسكهم يجتمعون فيتفاخرون بمآثر آبائهم , فأمرهم الله في الإسلام أن يكون ذكرهم بالثناء والشكر والتعظيم لربهم دون غيره , وأن يلزموا أنفسهم من الإكثار من ذكره نظير ما كانوا ألزموا أنفسهم في جاهليتهم من ذكر آبائهم . ذكر من قال ذلك : 3058 - حدثنا تميم بن المنتصر , قال : ثنا إسحاق بن يوسف , عن القاسم بن عثمان , عن أنس في هذه الآية , قال : كانوا يذكرون آباءهم في الحج , فيقول بعضهم : كان أبي يطعم الطعام , ويقول بعضهم : كان أبي يضرب بالسيف , ويقول بعضهم : كان أبي جز نواصي بني فلان . 3059 - وحدثني محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان . عن عبد العزيز , عن مجاهد قال : كانوا يقولون : كان آباؤنا ينحرون الجزر , ويفعلون كذا , فنزلت هذه الآية : { اذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } 3060 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , عن أبي وائل : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } قال : كان أهل الجاهلية يذكرون فعال آبائهم . 3061 - حدثنا أبو كريب , قال : سمعت أبا بكر بن عياش , قال : كان أهل الجاهلية إذا فرغوا من الحج قاموا عند البيت فيذكرون آباءهم وأيامهم : كان أبي يطعم الطعام , وكان أبي يفعل , فذلك قوله : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } قال أبو كريب : قلت ليحيى بن آدم : عمن هو ؟ قال : ثنا أبو بكر بن عياش , عن عاصم , عن أبي وائل . * وحدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرني حجاج عمن حدثه , عن مجاهد في قوله : { اذكروا الله كذكركم آباءكم } قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة فذكروا آباءهم , وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم , فنزلت هذه الآية . * حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , عن عبد الملك , عن قيس , عن مجاهد في قوله : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة , وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم . قال : فنزلت هذه الآية . * حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم } قال : تفاخرت العرب بينها بفعل آبائها يوم النحر حين فرغوا فأمروا بذكر الله مكان ذلك . * حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , نحوه . 3062 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم } قال قتادة : كان أهل الجاهلية إذا قضوا مناسكهم بمنى قعدوا حلقا , فذكروا صنيع آبائهم في الجاهلية وفعالهم به , يخطب خطيبهم ويحدث محدثهم , فأمر الله عز وجل المسلمين أن يذكروا الله كذكر أهل الجاهلية آباءهم أو أشد ذكرا . * حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم اجتمعوا فافتخروا وذكروا آباءهم وأيامها , فأمروا أن يجعلوا مكان ذلك ذكر الله , يذكرونه كذكرهم آباءهم , أو أشد ذكرا . 3063 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن سفيان , عن خصيف , عن سعيد بن جبير وعكرمة قالا : كانوا يذكرون فعل آبائهم في الجاهلية إذا وقفوا بعرفة , فنزلت هذه الآية . * حدثنا القاسم , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول ذلك يوم النحر حين ينحرون قال : قال { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } قال : كانت العرب يوم النحر حين يفرغون يتفاخرون بفعال آبائها , فأمروا بذكر الله عز وجل مكان ذلك . وقال آخرون : بل معنى ذلك : فاذكروا الله كذكر الأبناء والصبيان الآباء . ذكر من قال ذلك : 3064 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن عثمان بن أبي رواد , عن عطاء أنه قال في هذه الآية : { كذكركم آباءكم } قال : هو قول الصبي : يا أباه . 3065 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا زهير , عن جويبر , عن الضحاك : { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } يعني بالذكر , ذكر الأبناء الآباء . * حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال لي عطاء : { كذكركم آباءكم } : أبه أمه . * حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا صالح بن عمر , عن عبد الملك , عن عطاء , قال : كالصبي , يلهج بأبيه وأمه . 3066 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } يقول : كذكر الأبناء الآباء أو أشد ذكرا . 3067 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } يقول : كما يذكر الأبناء الآباء . 3068 - حدثنا عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { كذكركم آباءكم } يعني ذكر الأبناء الآباء . وقال آخرون : بل قيل لهم : { اذكروا الله كذكركم آباءكم } لأنهم كانوا إذا قضوا مناسكهم فدعوا ربهم لم يذكروا غير آبائهم فأمروا من ذكر الله بنظير ذكر آبائهم . ذكر من قال ذلك : 3069 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } قال : كانت العرب إذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى يقوم الرجل فيسأل الله ويقول : اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال , فأعطني مثل ما أعطيت أبي . ليس بذكر الله , إنما يذكر آباءه , ويسأله أن يعطى في الدنيا . والصواب من القول عندي في تأويل ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه أمر عباده المؤمنين بذكره بالطاعة له في الخضوع لأمره والعبادة له بعد قضاء مناسكهم . وذلك الذكر جائز أن يكون هو التكبير الذي أمر به جل ثناؤه بقوله : { واذكروا الله في أيام معدودات } الذي أوجبه على من قضى نسكه بعد قضائه نسكه , فألزمه حينئذ من ذكره ما لم يكن له لازما قبل ذلك , وحث على المحافظة عليه محافظة الأبناء على ذكر الآباء في الآثار منه بالاستكانة له والتضرع إليه بالرغبة منهم إليه في حوائجهم كتضرع الولد لوالده والصبي لأمه وأبيه , أو أشد من ذلك ; إذ كان ما كان بهم وبآبائهم من نعمة فمنه وهو وليه . وإنما قلنا : الذكر الذي أمر الله جل ثناؤه به الحاج بعد قضاء مناسكه بقوله : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } جائز أن يكون هو التكبير الذي وصفنا من أجل أنه لا ذكر لله أمر العباد به بعد قضاء مناسكهم لم يكن عليهم من فرضه قبل قضائهم مناسكهم , سوى التكبير الذي خص الله به أيام منى . فإذ كان ذلك كذلك , وكان معلوما أنه جل ثناؤه قد أوجب على خلقه بعد قضائهم مناسكهم من ذكره ما لم يكن واجبا عليهم قبل ذلك , وكان لا شيء من ذكره خص به ذلك الوقت سوى التكبير الذي ذكرناه , كانت بينة صحة ما قلنا من تأويل ذلك على ما وصفنا .
القول في تأويل قوله تعالى : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } يعني بذلك جل ثناؤه : { فإذا قضيتم مناسككم } أيها المؤمنون { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } وارغبوا إليه فيما لديه من خير الدنيا والآخرة بابتهال وتمسكن , واجعلوا أعمالكم لوجهه خالصا ولطلب مرضاته , وقولوا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ; ولا تكونوا كمن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة , فكانت أعمالهم للدنيا وزينتها , فلا يسألون ربهم إلا متاعها , ولا حظ لهم في ثواب الله , ولا نصيب لهم في جناته وكريم ما أعد لأوليائه , كما قال في ذلك أهل التأويل . 3070 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , عن أبي وائل : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا } هب لنا غنما , هب لنا إبلا { وما له في الآخرة من خلاق } * حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن عاصم , عن أبي وائل , قال : كانوا في الجاهلية يقولون : هب لنا إبلا , ثم ذكر مثله . 3071 - حدثنا أبو كريب , قال : سمعت أبا بكر بن عياش في قوله : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } قال : كانوا يعني أهل الجاهلية يقفون - يعني بعد قضاء مناسكهم - فيقولون : اللهم أسقنا المطر , وأعطنا اللهم ارزقنا غنما . فأنزل الله هذه الآية : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } قال أبو كريب : قلت يحيى بن آدم : عمن هو ؟ قال : ثنا أبو بكر بن عياش , عن عاصم , عن أبي وائل . 3072 - حدثنا تميم بن المنتصر , قال : أخبرنا إسحاق , عن القاسم بن عثمان , عن أنس : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون فيقولون : اللهم اسقنا المطر , وأعطنا على عدونا الظفر , وردنا صالحين إلى صالحين . 3072 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا } نصرا ورزقا , ولا يسألون لآخرتهم شيئا . * وحدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 3074 - وحدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة في قول الله : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } فهذا عبد نوى الدنيا لها عمل ولها نصب . 3075 - حدثنا موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي في قوله : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } قال : كانت العرب إذا قضيت مناسكها وأقامت بمنى لا يذكر الله الرجل منهم , وإنما يذكر أباه , ويسأل أن يعطي في الدنيا . 3076 - وحدثني يونس , قال : ثنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله . { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } قال كانوا أصنافا ثلاثة في تلك المواطن يومئذ : رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأهل الكفر , وأهل النفاق . فمن الناس من يقول : { ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } إنما حجوا للدنيا والمسألة لا يريدون الآخرة ولا يؤمنون بها , ومنهم من يقول . { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } الآية . قال . والصنف الثالث { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } . .. الآية . وأما معنى الخلاق فقد بيناه في غير هذا الموضع , وذكرنا اختلاف المختلفين في تأويله والصحيح لدينا من معناه بالشواهد من الأدلة وأنه النصيب , بما فيه كفاية عن إعادته في هذا الموضع .