وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } يعني تعالى ذكره بذلك : ألم تر إذ قال إبراهيم رب أرني . وإنما صلح أن يعطف بقوله : . { وإذ قال إبراهيم } على قوله : { أو كالذي مر على قرية } وقوله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } لأن قوله : { ألم تر } ليس معناه : ألم تر بعينيك , وإنما معناه : ألم تر بقلبك , فمعناه : ألم تعلم فتذكر , فهو وإن كان لفظه لفظ الرؤية فيعطف عليه أحيانا بما يوافق لفظه من الكلام , وأحيانا بما يوافق معناه . واختلف أهل التأويل في سبب مسألة إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموت ؟ فقال بعضهم : كانت مسألته ذلك ربه , أنه رأى دابة قد تقسمتها السباع والطير , فسأل ربه أن يريه كيفية إحيائه إياها مع تفرق لحومها في بطون طير الهواء وسباع الأرض ليرى ذلك عيانا , فيزداد يقينا برؤيته ذلك عيانا إلى علمه به خبرا , فأراه الله ذلك مثلا بما أخبر أنه أمره به . ذكر من قال ذلك : 4661 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : حدثنا سعيد , عن قتادة قوله : { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى } ذكر لنا أن خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أتى على دابة توزعتها الدواب والسباع , فقال : { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } . 4662 - حدثنا عن الحسن , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { رب أرني كيف تحيي الموتى } قال : مر إبراهيم على دابة ميت قد بلي وتقسمته الرياح والسباع , فقام ينظر , فقال : سبحان الله , كيف يحيي الله هذا ؟ وقد علم أن الله قادر على ذلك , فذلك قوله : { رب أرني كيف تحيي الموتى } . 4663 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : بلغني أن إبراهيم بينا هو يسير على الطريق , إذا هو بجيفة حمار عليها السباع والطير قد تمزعت لحمها وبقي عظامها . فلما ذهبت السباع , وطارت الطير على الجبال والآكام , فوقف وتعجب ثم قال : رب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع والطير { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى } ولكن ليس الخبر كالمعاينة . 4664 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : مر إبراهيم بحوت نصفه في البر , ونصفه في البحر , فما كان منه في البحر فدواب البحر تأكله , وما كان منه في البر فالسباع ودواب البر تأكله , فقال له الخبيث : يا إبراهيم متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء ؟ فقال : يا رب أرني كيف تحيي الموتى ! قال : أولم تؤمن ؟ قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي . وقال آخرون : بل كان سبب مسألته ربه ذلك , المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين نمرود في ذلك . ذكر من قال ذلك : 4665 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني محمد بن إسحاق , قال : لما جرى بين إبراهيم وبين قومه ما جرى مما قصه الله في سورة الأنبياء , قال نمرود فيما يذكرون لإبراهيم : أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره ما هو ؟ قال له إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت . قال نمرود : أنا أحيي وأميت . فقال له إبراهيم : كيف تحيي وتميت ؟ ثم ذكر ما قص الله من محاجته إياه . قال : فقال إبراهيم عند ذلك : { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } من غير شك في الله تعالى ذكره ولا في قدرته , ولكنه أحب أن يعلم ذلك وتاق إليه قلبه , فقال : ليطمئن قلبي , أي ما تاق إليه إذا هو علمه . وهذان القولان , أعني الأول وهذا الآخر , متقاربا المعنى في أن مسألة إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى كانت ليرى عيانا ما كان عنده من علم ذلك خبرا . وقال آخرون : بل كانت مسألته ذلك ربه عند البشارة التي أتته من الله بأنه اتخذه خليلا , فسأل ربه أن يريه عاجلا من العلامة له على ذلك ليطمئن قلبه بأنه قد اصطفاه لنفسه خليلا , ويكون ذلك لما عنده من اليقين مؤيدا . ذكر من قال ذلك : 4666 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : لما اتخذ الله إبراهيم خليلا سأل ملك الموت ربه أن يأذن له أن يبشر إبراهيم بذلك , فأذن له , فأتى إبراهيم وليس في البيت فدخل داره , وكان إبراهيم أغير الناس , إن خرج أغلق الباب ; فلما جاء وجد في داره رجلا , فثار إليه ليأخذه , قال : من أذن لك أن تدخل داري ؟ قال ملك الموت : أذن لي رب هذه الدار , قال إبراهيم : صدقت ! وعرف أنه ملك الموت , قال : من أنت ؟ قال : أنا ملك الموت جئتك أبشرك بأن الله قد اتخذك خليلا . فحمد الله وقال : يا ملك الموت أرني الصورة التي تقبض فيها أنفاس الكفار . قال : يا إبراهيم لا تطيق ذلك . قال : بلى . قال : فأعرض ! فأعرض إبراهيم ثم نظر إليه , فإذا هو برجل أسود تنال رأسه السماء يخرج من فيه لهب النار , ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل أسود يخرج من فيه ومسامعه لهب النار . فغشي على إبراهيم , ثم أفاق وقد تحول ملك الموت في الصورة الأولى , فقال : يا ملك الموت لو لم يلق الكافر عند الموت من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه , فأرني كيف تقبض أنفاس المؤمنين ! قال : فأعرض ! فأعرض إبراهيم ثم التفت , فإذا هو برجل شاب أحسن الناس وجها وأطيبه ريحا , في ثياب بيض , فقال : يا ملك الموت لو لم يكن للمؤمن عند ربه من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه . فانطلق ملك الموت , وقام إبراهيم يدعو ربه يقول : { رب أرني كيف تحيي الموتى } حتى أعلم أني خليلك { قال أولم تؤمن } بأني خليلك , يقول تصدق , { قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } بخلولتك . 4667 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا عمرو بن ثابت , عن أبيه , عن سعيد بن جبير : { ولكن ليطمئن قلبي } قال : بالخلة . وقال آخرون : قال ذلك لربه لأنه شك في قدرة الله على إحياء الموتى . ذكر من قال ذلك : 4668 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن أيوب في قوله : { ولكن ليطمئن قلبي } قال : قال ابن عباس : ما في القرآن آية أرجى عندي منها . 4669 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , قال : سمعت زيد بن علي يحدث عن رجل , عن سعيد بن المسيب , قال : أتعد عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو أن يجتمعا , قال : ونحن يومئذ شببة , فقال أحدهما لصاحبه : أي آية في كتاب الله أرجى لهذه الأمة ؟ فقال عبد الله بن عمرو { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } 39 53 حتى ختم الآية , فقال ابن عباس : أما إن كنت تقول إنها , وإن أرجى منها لهذه الأمة قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } . 4670 - حدثنا القاسم , قال : ثني الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : سألت عطاء بن أبي رباح , عن قوله : { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } قال : دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس , فقال : { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى . .. قال فخذ أربعة من الطير } ليريه . 4671 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري , قالا : ثنا سعيد بن تليد , قال : ثنا عبد الرحمن بن القاسم , قال : ثني بكر بن مضر , عن عمرو بن الحارث , عن يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب , عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نحن أحق بالشك من إبراهيم , قال : رب أرني كيف تحيي الموتى , قال أولم تؤمن ؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " . * - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب وسعيد بن المسيب , عن أبي هريرة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكر نحوه . وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية , ما صح به الخبر عن رسول الله صلى أنه قال , وهو قوله : " نحن أحق بالشك من إبراهيم , قال رب أرني كيف تحيي الموتى , قال أولم تؤمن " وإن تكون مسألته ربه ما سأله أن يريه من إحياء الموتى لعارض من الشيطان عرض في قلبه , كالذي ذكرنا عن ابن زيد آنفا من أن إبراهيم لما رأى الحوت الذي بعضه في البر وبعضه في البحر قد تعاوره دواب البر ودواب البحر وطير الهواء , ألقى الشيطان في نفسه فقال : متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء ؟ فسأل إبراهيم حينئذ ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ليعاين ذلك عيانا , فلا يقدر بعد ذلك الشيطان أن يلقي في قلبه مثل الذي ألقي فيه عند رؤيته ما رأى من ذلك , فقال له ربه : { أولم تؤمن } يقول : أولم تصدق يا إبراهيم بأني على ذلك قادر ؟ قال : بلى يا رب , لكن سألتك أن تريني ذلك ليطمئن قلبي , فلا يقدر الشيطان أن يلقي في قلبي مثل الذي فعل عند رؤيتي هذا الحوت . 4672 - حدثني بذلك يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , عن ابن زيد . ومعنى قوله : { ليطمئن قلبي } ليسكن ويهدأ باليقين الذي يستيقنه . وهذا التأويل الذي . قلناه في ذلك هو تأويل الذين وجهوا معنى قوله : { ليطمئن قلبي } إلى أنه ليزداد إيمانا , أو إلى أنه ليوفق . ذكر من قال ذلك : ليوفق , أو ليزداد يقينا أو إيمانا : 4673 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو نعيم , عن سفيان , عن قيس بن مسلم , عن سعيد بن جبير : { ليطمئن قلبي } قال : ليوفق . 4674 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان . وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير : { ليطمئن قلبي } قال : ليزداد يقيني . 4675 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك : { ولكن ليطمئن قلبي } يقول : ليزداد يقينا . 4676 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { ولكن ليطمئن قلبي } قال : وأراد نبي الله إبراهيم ليزداد يقينا إلى يقينه . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : قال معمر وقال قتادة : ليزداد يقينا . 4677 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { ولكن ليطمئن قلبي } قال : أراد إبراهيم أن يزداد يقينا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا محمد بن كثير البصري , قال : ثنا إسرائيل , قال : ثنا أبو الهيثم , عن سعيد بن جبير : { ليطمئن قلبي } قال : ليزداد يقيني . * - حدثني المثنى , قال : ثنا الفضل بن دكين , قال : ثنا سفيان , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير : { ولكن ليطمئن قلبي } قال : ليزداد يقينا . 4678 - حدثنا صالح بن مسمار , قال : ثنا زيد بن الحباب , قال : ثنا خلف بن خليفة , قال : ثنا ليث بن أبي سليم , عن مجاهد وإبراهيم في قوله : { ليطمئن قلبي } قال : لأزداد إيمانا مع إيماني . * - حدثنا صالح , قال : ثنا زيد , قال : أخبرنا زياد , عن عبد الله العامري , قال : ثنا ليث , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير في قول الله : { ليطمئن قلبي } قال : لأزداد إيمانا مع إيماني . وقد ذكرنا فيما مضى قول من قال : معنى قوله : { ليطمئن قلبي } بأني خليلك . وقال آخرون : معنى قوله : { ليطمئن قلبي } لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك . ذكر من قال ذلك : 4679 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله : { ليطمئن قلبي } قال : أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك , وتعطيني إذا سألتك . وأما تأويل قوله : { قال أولم تؤمن } فإنه : أولم تصدق ؟ كما : 4680 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن قيس بن مسلم , عن سعيد بن جبير قوله : { أولم تؤمن } قال : أولم توقن بأني خليلك ؟ 4681 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { أولم تؤمن } قال : أولم توقن. قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ القول في تأويل قوله تعالى : { قال فخذ أربعة من الطير } . يعني تعالى ذكره بذلك : قال الله له : فخذ أربعة من الطير . فذكر أن الأربعة من الطير : الديك , والطاووس , والغراب , والحمام . ذكر من قال ذلك : 4682 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني محمد بن إسحاق , عن بعض أهل العلم : أن أهل الكتاب الأول يذكرون أنه أخذ طاووسا , وديكا , وغرابا , وحماما . 4683 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : الأربعة من الطير : الديك , والطاووس , والغراب , والحمام . 4684 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج : { قال فخذ أربعة من الطير } قال ابن جريج : زعموا أنه ديك , وغراب , وطاووس , وحمامة . 4685 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { قال فخذ أربعة من الطير } قال : فأخذ طاووسا , وحماما , وغرابا , وديكا ; مخالفا أجناسها وألوانها . فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ القول في تأويل قوله تعالى : { فصرهن إليك } . اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء أهل المدينة والحجاز والبصرة : { فصرهن إليك } بضم الصاد من قول قائل : صرت إلى هذا الأمر : إذا ملت إليه أصور صورا , ويقال : إني إليكم لأصور أي مشتاق مائل , ومنه قول الشاعر : الله يعلم أنا في تلفتنا يوم الفراق إلى أحبابنا صور وهو جمع أصور وصوراء وصور , مثل أسود وسوداء . ومنه قول الطرماح : عفائف إلا ذاك أو أن يصورها هوى والهوى للعاشقين صروع يعني بقوله : " أو أن يصورها هوى " : يميلها . فمعنى قوله : { فصرهن إليك } اضممهن إليك ووجههن إليك ووجههن نحوك , كما يقال : صر وجهك إلي , أي أقبل به إلي . ومن وجه قوله : { فصرهن إليك } إلى هذا التأويل كان في الكلام عنده متروك قد ترك ذكره استغناء بدلالة الظاهر عليه , ويكون معناه حينئذ عنده , قال : فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك , ثم قطعهن , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا . وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك إذا قرئ كذلك بضم الصاد : قطعهن , كما قال توبة بن الحمير : فلما جذبت الحبل أطت نسوعه بأطراف عيدان شديد أسورها فأدنت لي الأسباب حتى بلغتها بنهضي وقد كان ارتقائي يصورها يعني يقطعها . وإذا كان ذلك تأويل قوله : فصرهن , ويكون إليك من صلة " خذ " . وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة : " فصرهن إليك " بالكسر , بمعنى قطعهن . وقد زعم جماعة من نحويي الكوفة أنهم لا يعرفون فصرهن ولا فصرهن , بمعنى قطعهن في كلام العرب , وأنهم لا يعرفون كسر الصاد منها لغة في هذيل وسليم ; وأنشدوا لبعض بني سليم : وفرع يصير الجيد وحف كأنه على الليت قنوان الكروم الدوالح يعني بقوله يصير : يميل , وأن أهل هذه اللغة يقولون : صاروه وهو يصيره صيرا , وصر وجهك إلي : أي أمله , كما تقول : صره . وزعم بعض نحويي الكوفة أنه لا يعرف لقوله : { فصرهن } ولا لقراءة من قرأ : " فصرهن " بضم الصاد وكسرها وجها في التقطيع , إلا أن يكون " فصرهن إليك " في قراءة من قرأه بكسر الصاد من المقلوب , وذلك أن تكون لام فعله جعلت مكان عينه , وعينه مكان لامه , فيكون من صرى يصري صريا , فإن العرب تقول : بات يصري في حوضه : إذا استقى , ثم قطع واستقى , ومن ذلك قول الشاعر : صرت نطرة لو صادفت جوز دارع غدا والعواصي من دم الجوف تنعر صرت : قطعت نظرة . ومنه قول الآخر : يقولون إن الشام يقتل أهله فمن لي إذا لم آته بخلود تعرب آبائي فهلا صراهم من الموت أن لم يذهبوا وجدودي يعني قطعهم , ثم نقلت ياؤها التي هي لام الفعل فجعلت عينا للفعل , وحولت عينها فجعلت لامها , فقيل صار يصير , كما قيل : عثي يعثى عثا , ثم حولت لامها , فجعلت عينها , فقيل عاث يعيث . فأما نحويو البصرة فإنهم قالوا : { فصرهن إليك } سواء معناه إذا قرئ بالضم من الصاد وبالكسر في أنه معني به في هذا الموضع التقطيع , قالوا : وهما لغتان : إحداهما صار يصور , والأخرى صار يصير , واستشهدوا على ذلك ببيت توبة بن الحمير الذي ذكرنا قبل , وببيت المعلى بن جمال العبدي : وجاءت خلعة دهس صفايا يصور عنوقها أحوى زنيم بمعنى يفرق عنوقها ويقطعها , وببيت خنساء : لظلت الشم منها وهي تنصار يعني بالشم : الجبال أنها تتصدع وتتفرق . وببيت أبي ذؤيب : فانصرن من فزع وسد فروجه غبر ضوار وافيان وأجدع قالوا : فلقول القائل : صرت الشيء معنيان : أملته , وقطعته , وحكوا سماعا : صرنا به الحكم : فصلنا به الحكم . وهذا القول الذي ذكرناه عن البصريين من أن معنى الضم في الصاد من قوله : { فصرهن إليك } والكسر سواء بمعنى واحد , وأنهما لغتان معناهما في هذا الموضع فقطعهن , وأن معنى إليك تقديمها قبل فصرهن من أجل أنها صلة قوله : " فخذ " , أولى بالصواب من قول الذين حكينا قولهم من نحويي الكوفيين الذي أنكروا أن يكون للتقطيع في ذلك وجه مفهوم إلا على معنى القلب الذي ذكرت , لإجماع أهل التأويل على أن معنى قوله : { فصرهن } غير خارج من أحد معنيين : إما قطعهن , وإما اضممهن إليك , بالكسر قرئ ذلك أو بالضم . ففي إجماع جميعهم على ذلك على غير مراعاة منهم كسر الصاد وضمها , ولا تفريق منهم بين معنيي القراءتين أعني الكسر والضم , أوضح الدليل على صحة قول القائلين من نحويي أهل البصرة في ذلك ما حكينا عنهم من القول , وخطأ قول نحويي الكوفيين ; لأنهم لو كانوا إنما تأولوا قوله : { فصرهن } بمعنى فقطعهن , على أن أصل الكلام فاصرهن , ثم قلبت فقيل فصرهن بكسر الصاد لتحول ياء فاصرهن مكان رائه , وانتقال رائه مكان يائه , لكان لا شك مع معرفتهم بلغتهم وعلمهم بمنطقهم , قد فصلوا بين معنى ذلك إذا قرئ بكسر صاده , وبينه إذا قرئ بضمها , إذ كان غير جائز لمن قلب فاصرهن إلى فصرهن أن يقرأه فصرهن بضم الصاد , وهم مع اختلاف قراءتهم ذلك قد تأولوه تأويلا واحدا على أحد الوجهين اللذين ذكرنا . ففي ذلك أوضح الدليل على خطأ قول من قال : إن ذلك إذا قرئ بكسر الصاد بتأويل التقطيع مقلوب من صرى يصري إلى صار يصير , وجهل من زعم أن قول القائل صار يصور وصار يصير غير معروف في كلام العرب بمعنى قطع . ذكر من حضرنا قوله في تأويل قول الله تعالى ذكره : { فصرهن } أنه بمعنى فقطعهن . 4686 - حدثنا سليمان بن عبد الجبار , قال : ثنا محمد بن الصلت , قال : ثنا أبو كدينة , عن عطاء , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { فصرهن } قال : هي نبطية فشققهن . 4687 - حدثني محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي جمرة , عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : { فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك } قال : إنما هو مثل . قال : قطعهن ثم اجعلهن في أرباع الدنيا , ربعا ههنا , وربعا ههنا , ثم ادعهن يأتينك سعيا . 4688 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { فصرهن } قال : قطعهن . 4689 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا حصين , عن أبي مالك في قوله : { فصرهن إليك } يقول : قطعهن . * - حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : أخبرنا هشيم , عن حصين , عن أبي مالك , مثله . 4690 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يحيى بن يمان , عن أشعث , عن جعفر , عن سعيد : { فصرهن } قال : قال جناح ذه عند رأس ذه , ورأس ذه عند جناح ذه . 4691 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : حدثنا المعتمر بن سليمان , عن أبيه , قال : زعم أبو عمرو , عن عكرمة في قوله : { فصرهن إليك } قال : قال عكرمة بالنبطية : قطعهن . 4692 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا إسرائيل , عن يحيى , عن مجاهد : { فصرهن إليك } قال : قطعهن . 4693 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فصرهن إليك } انتفهن بريشهن ولحومهن تمزيقا , ثم اخلط لحومهن بريشهن . * - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فصرهن إليك } قال : انتفهن بريشهن ولحومهن تمزيقا . 4694 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { فصرهن إليك } أمر نبي الله عليه السلام أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن , ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن . 4695 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { فصرهن إليك } قال : فمزقهن , قال : أمر أن يخلط الدماء بالدماء , والريش بالريش , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا . 4696 - حدثنا عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك : { فصرهن إليك } يقول : فشققهن وهو بالنبطية صرى , وهو التشقيق . 4697 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فصرهن إليك } يقول قطعهن . 4698 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { فصرهن إليك } يقول قطعهن إليك ومزقهن تمزيقا . 4699 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق : { فصرهن إليك } أي قطعهن , وهو الصور في كلام العرب . ففيما ذكرنا من أقوال من روينا في تأويل قوله : { فصرهن إليك } أنه بمعنى فقطعهن إليك , دلالة واضحة على صحة ما قلنا في ذلك , وفساد قول من خالفنا فيه . وإذ كان ذلك كذلك , فسواء قرأ القارئ ذلك بضم الصاد فصرهن إليك أو كسرها فصرهن إذ كانت اللغتان معروفتين بمعنى واحد , غير أن الأمر وإن كان كذلك , فإن أحبهما إلي أن أقرأ به " فصرهن إليك " بضم الصاد , لأنها أعلى اللغتين وأشهرهما وأكثرهما في إحياء العرب . وعند نفر قليل من أهل التأويل أنها بمعنى أوثق . ذكر من قال ذلك : 4700 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { فصرهن إليك } صرهن : أوثقهن . 4701 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء قوله : { فصرهن إليك } قال : اضممهن إليك . 4702 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { فصرهن إليك } قال : اجمعهن . ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا القول في تأويل قوله تعالى : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا } . اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } فقال بعضهم : يعني بذلك على كل ربع من أرباع الدنيا جزءا منهن . ذكر من قال ذلك : 4703 - حدثني المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي جمرة , عن ابن عباس : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال : اجعلهن في أرباع الدنيا : ربعا ههنا , وربعا ههنا , وربعا ههنا , وربعا ههنا , ثم ادعهن يأتينك سعيا . * - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال : لما أوثقهن ذبحهن , ثم جعل على كل جبل منهن جزءا . 4704 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : قال : أمر نبي الله أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن , ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن , ثم يجزئهن على أربعة أجبل , فذكر لنا أنه شكل على أجنحتهن , وأمسك برءوسهن بيده , فجعل العظم يذهب إلى العظم , والريشة إلى الريشة , والبضعة إلى البضعة , وذلك بعين خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم . ثم دعاهن فأتينه سعيا على أرجلهن , ويلقى كل طير برأسه . وهذا مثل آتاه الله إبراهيم . يقول : كما بعث هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة , كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها . 4705 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : ذبحهن , ثم قطعهن , ثم خلط بين لحومهن وريشهن , ثم قسمهن على أربعة أجزاء , فجعل على كل جبل منهن جزءا , فجعل العظم يذهب إلى العظم , والريشة إلى الريشة , والبضعة إلى البضعة , وذلك بعين خليل الله إبراهيم , ثم دعاهن فأتينه سعيا , يقول : شدا على أرجلهن . وهذا مثل أراه الله إبراهيم , يقول : كما بعثت هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة , كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها . 4706 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثنا ابن إسحاق , عن بعض أهل العلم : أن أهل الكتاب يذكرون أنه أخذ الأطيار الأربعة , ثم قطع كل طير بأربعة أجزاء , ثم عمد إلى أربعة أجبال , فجعل على كل جبل ربعا من كل طائر , فكان على كل جبل ربع من الطاووس , وربع من الديك , وربع من الغراب وربع من الحمام . ثم دعاهن فقال : تعالين بإذن الله كما كنتم ! فوثب كل ربع منها إلى صاحبه حتى اجتمعن , فكان كل طائر كما كان قبل أن يقطعه , ثم أقبلن إليه سعيا , كما قال الله . وقيل : يا إبراهيم هكذا يجمع الله العباد , ويحيي الموتى للبعث من مشارق الأرض ومغاربها , وشامها ويمنها . فأراه الله إحياء الموتى بقدرته , حتى عرف ذلك بغير ما قال نمرود من الكذب والباطل . 4707 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال : فأخذ طاووسا , وحمامة , وغرابا , وديكا , ثم قال : فرقهن , اجعل رأس كل واحد وجؤشوش الآخر وجناحي الآخر ورجلي الآخر معه ! فقطعهن وفرقهن أرباعا على الجبال , ثم دعاهن فجئنه جميعا , فقال الله : كما ناديتهن فجئنك , فكما أحييت هؤلاء وجمعتهن بعد هذا , فكذلك أجمع هؤلاء أيضا ; يعني الموتى . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم اجعل على كل جبل من الأجبال التي كانت الأطيار والسباع التي كانت تأكل من لحم الدابة التي رآها إبراهيم ميتة , فسأل إبراهيم عند رؤيته إياها أن يريه كيف يحييها وسائر الأموات غيرها . وقالوا : كانت سبعة أجبال . ذكر من قال ذلك : 4708 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : لما قال إبراهيم ما قال عند رؤيته الدابة التي تفرقت الطير والسباع عنها حين دنا منها , وسأل ربه ما سأل , قال : فخذ أربعة من الطير - قال ابن جريج : فذبحها - ثم أخلط بين دمائهن وريشهن ولحومهن , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا حيث رأيت الطير ذهبت والسباع ! قال : فجعلهن سبعة أجزاء , وأمسك رءوسهن عنده , ثم دعاهن بإذن الله , فنظر إلى كل قطرة من دم تطير إلى القطرة الأخرى , وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى , وكل بضعة وكل عظم يطير بعضه إلى بعض من رءوس الجبال , حتى لقيت كل جثة بعضها بعضا في السماء , ثم أقبلن يسعين حتى وصلت رأسها . 4709 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك , ثم اجعل على سبعة أجبال , فاجعل على كل جبل منهن جزءا , ثم ادعهن يأتينك سعيا ! فأخذ إبراهيم أربعة من الطير , فقطعهن أعضاء , لم يجعل عضوا من طير مع صاحبه , ثم جعل رأس هذا مع رجل هذا , وصدر هذا مع جناح هذا , وقسمهن على سبعة أجبال , ثم دعاهن فطار كل عضو إلى صاحبه , ثم أقبلن إليه جميعا . وقال آخرون : بل أمره الله أن يجعل ذلك على كل جبل . ذكر من قال ذلك : 4710 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال : ثم بددهن على كل جبل يأتينك سعيا , وكذلك يحيي الله الموتى . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : ثم اجعلهن أجزاء على كل جبل , ثم ادعهن يأتينك سعيا , كذلك يحيى الله الموتى ; هو مثل ضربه الله لإبراهيم . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , قال : قال ابن جريج , قال مجاهد : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } ثم بددهن أجزاء على كل جبل , ثم ادعهن : تعالين بإذن الله ! فكذلك يحيي الله الموتى ; مثل ضربه الله لإبراهيم صلى الله عليه وسلم . 4711 - حدثني المثنى , قال : ثني إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك , قال : أمره أن يخالف بين قوائمهن ورءوسهن وأجنحتهن , ثم يجعل على كل جبل منهن جزءا . * - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } فخالف إبراهيم بين قوائمهن وأجنحتهن . وأولى التأويلات بالآية ما قاله مجاهد , وهو أن الله تعالى ذكره أمر إبراهيم بتفريق أعضاء الأطيار الأربعة بعد تقطيعه إياهن على جميع الأجبال التي كان + يصل إبراهيم في وقت تكليف الله إياه تفريق ذلك وتبديدها عليها أجزاء , لأن الله تعالى ذكره قال له : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } والكل حرف يدل على الإحاطة بما أضيف إليه لفظه واحد ومعناه الجمع . فإذا كان ذلك كذلك فلن يجوز أن تكون الجبال التي أمر الله إبراهيم بتفريق أجزاء الأطيار الأربعة عليها خارجة من أحد معنيين : إما أن تكون بعضا أو جميعا ; فإن كانت بعضا فغير جائز أن يكون ذلك البعض إلا ما كان لإبراهيم السبيل إلى تفريق أعضاء الأطيار الأربعة عليه . أو يكون جميعا , فيكون أيضا كذلك . وقد أخبر الله تعالى ذكره أنه أمره بأن يجعل ذلك على كل جبل , وذلك إما كل جبل وقد عرفهن إبراهيم بأعيانهن , وإما ما في الأرض من الجبال . فأما قول من قال : إن ذلك أربعة أجبل , وقول من قال : هن سبعة ; فلا دلالة عندنا على صحة شيء من ذلك فنستجيز القول به . وإنما أمر الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن يجعل الأطيار الأربعة أجزاء متفرقة على كل جبل ليري إبراهيم قدرته على جمع أجزائهن وهن متفرقات متبددات في أماكن مختلفة شتى , حتى يؤلف بعضهن إلى بعض , فيعدن كهيئتهن قبل تقطيعهن وتمزيقهن وقبل تفريق أجزائهن على الجبال أطيارا أحياء يطرن , فيطمئن قلب إبراهيم ويعلم أن كذلك يجمع الله أوصال الموتى لبعث القيامة وتأليفه أجزاءهم بعد البلى ورد كل عضو من أعضائهم إلى موضعه كالذي كان قبل الرد . والجزء من كل شيء هو البعض منه كان منقسما جميعه عليه على صحة أو غير منقسم , فهو بذلك من معناه مخالف معنى السهم ; لأن السهم من الشيء : هو البعض المنقسم عليه جميعه على صحة , ولذلك كثر استعمال الناس في كلامهم عند ذكرهم أنصباءهم من المواريث السهام دون الأجزاء . وأما قوله : { ثم ادعهن } فإن معناه ما ذكرت آنفا عن مجاهد أنه قال : هو أنه أمر أن يقول لأجزاء الأطيار بعد تفريقهن على كل جبل تعالين بإذن الله . فإن قال قائل : أمر إبراهيم أن يدعوهن وهن ممزقات أجزاء على رءوس الجبال أمواتا , أم بعد ما أحيين ؟ فإن كان أمر أن يدعوهن وهن ممزقات لا أرواح فيهن , فما وجه أمر من لا حياة فيه بالإقبال ؟ وإن كان أمر بدعائهن بعد ما أحيين , فما كانت حاجة إبراهيم إلى دعائهن وقد أبصرهن ينشرن على رءوس الجبال ؟ قيل : إن أمر الله تعالى ذكره إبراهيم صلى الله عليه وسلم بدعائهن وهن أجزاء متفرقات إنما هو أمر تكوين , كقول الله للذين مسخهم قردة بعد ما كانوا إنسا : { كونوا قردة خاسئين } 2 65 لا أمر عبادة , فيكون محالا إلا بعد وجود المأمور المتعبد . وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ القول في تأويل قوله تعالى : { واعلم أن الله عزيز حكيم } . يعني تعالى ذكره بذلك : واعلم يا إبراهيم أن الذي أحيا هذه الأطيار بعد تمزيقك إياهن , وتفريقك أجزاءهن على الجبال , فجمعهن ورد إليهن الروح , حتى أعادهن كهيئتهن قبل تفريقهن , { عزيز } في بطشه إذا بطش بمن بطش من الجبابرة والمتكبرة الذين خالفوا أمره , وعصوا رسله , وعبدوا غيره , وفي نقمته حتى ينتقم منهم , { حكي } في أمره . 4712 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثنا ابن إسحاق : { واعلم أن الله عزيز حكيم } قال : عزيز في بطشه , حكيم في أمره . 4713 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { واعلم أن الله عزيز } في نقمته { حكيم } في أمره .
القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } يعني تعالى ذكره بذلك : ألم تر إذ قال إبراهيم رب أرني . وإنما صلح أن يعطف بقوله : . { وإذ قال إبراهيم } على قوله : { أو كالذي مر على قرية } وقوله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } لأن قوله : { ألم تر } ليس معناه : ألم تر بعينيك , وإنما معناه : ألم تر بقلبك , فمعناه : ألم تعلم فتذكر , فهو وإن كان لفظه لفظ الرؤية فيعطف عليه أحيانا بما يوافق لفظه من الكلام , وأحيانا بما يوافق معناه . واختلف أهل التأويل في سبب مسألة إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموت ؟ فقال بعضهم : كانت مسألته ذلك ربه , أنه رأى دابة قد تقسمتها السباع والطير , فسأل ربه أن يريه كيفية إحيائه إياها مع تفرق لحومها في بطون طير الهواء وسباع الأرض ليرى ذلك عيانا , فيزداد يقينا برؤيته ذلك عيانا إلى علمه به خبرا , فأراه الله ذلك مثلا بما أخبر أنه أمره به . ذكر من قال ذلك : 4661 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : حدثنا سعيد , عن قتادة قوله : { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى } ذكر لنا أن خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أتى على دابة توزعتها الدواب والسباع , فقال : { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } . 4662 - حدثنا عن الحسن , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { رب أرني كيف تحيي الموتى } قال : مر إبراهيم على دابة ميت قد بلي وتقسمته الرياح والسباع , فقام ينظر , فقال : سبحان الله , كيف يحيي الله هذا ؟ وقد علم أن الله قادر على ذلك , فذلك قوله : { رب أرني كيف تحيي الموتى } . 4663 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : بلغني أن إبراهيم بينا هو يسير على الطريق , إذا هو بجيفة حمار عليها السباع والطير قد تمزعت لحمها وبقي عظامها . فلما ذهبت السباع , وطارت الطير على الجبال والآكام , فوقف وتعجب ثم قال : رب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع والطير { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى } ولكن ليس الخبر كالمعاينة . 4664 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : مر إبراهيم بحوت نصفه في البر , ونصفه في البحر , فما كان منه في البحر فدواب البحر تأكله , وما كان منه في البر فالسباع ودواب البر تأكله , فقال له الخبيث : يا إبراهيم متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء ؟ فقال : يا رب أرني كيف تحيي الموتى ! قال : أولم تؤمن ؟ قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي . وقال آخرون : بل كان سبب مسألته ربه ذلك , المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين نمرود في ذلك . ذكر من قال ذلك : 4665 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني محمد بن إسحاق , قال : لما جرى بين إبراهيم وبين قومه ما جرى مما قصه الله في سورة الأنبياء , قال نمرود فيما يذكرون لإبراهيم : أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره ما هو ؟ قال له إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت . قال نمرود : أنا أحيي وأميت . فقال له إبراهيم : كيف تحيي وتميت ؟ ثم ذكر ما قص الله من محاجته إياه . قال : فقال إبراهيم عند ذلك : { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } من غير شك في الله تعالى ذكره ولا في قدرته , ولكنه أحب أن يعلم ذلك وتاق إليه قلبه , فقال : ليطمئن قلبي , أي ما تاق إليه إذا هو علمه . وهذان القولان , أعني الأول وهذا الآخر , متقاربا المعنى في أن مسألة إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى كانت ليرى عيانا ما كان عنده من علم ذلك خبرا . وقال آخرون : بل كانت مسألته ذلك ربه عند البشارة التي أتته من الله بأنه اتخذه خليلا , فسأل ربه أن يريه عاجلا من العلامة له على ذلك ليطمئن قلبه بأنه قد اصطفاه لنفسه خليلا , ويكون ذلك لما عنده من اليقين مؤيدا . ذكر من قال ذلك : 4666 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : لما اتخذ الله إبراهيم خليلا سأل ملك الموت ربه أن يأذن له أن يبشر إبراهيم بذلك , فأذن له , فأتى إبراهيم وليس في البيت فدخل داره , وكان إبراهيم أغير الناس , إن خرج أغلق الباب ; فلما جاء وجد في داره رجلا , فثار إليه ليأخذه , قال : من أذن لك أن تدخل داري ؟ قال ملك الموت : أذن لي رب هذه الدار , قال إبراهيم : صدقت ! وعرف أنه ملك الموت , قال : من أنت ؟ قال : أنا ملك الموت جئتك أبشرك بأن الله قد اتخذك خليلا . فحمد الله وقال : يا ملك الموت أرني الصورة التي تقبض فيها أنفاس الكفار . قال : يا إبراهيم لا تطيق ذلك . قال : بلى . قال : فأعرض ! فأعرض إبراهيم ثم نظر إليه , فإذا هو برجل أسود تنال رأسه السماء يخرج من فيه لهب النار , ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل أسود يخرج من فيه ومسامعه لهب النار . فغشي على إبراهيم , ثم أفاق وقد تحول ملك الموت في الصورة الأولى , فقال : يا ملك الموت لو لم يلق الكافر عند الموت من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه , فأرني كيف تقبض أنفاس المؤمنين ! قال : فأعرض ! فأعرض إبراهيم ثم التفت , فإذا هو برجل شاب أحسن الناس وجها وأطيبه ريحا , في ثياب بيض , فقال : يا ملك الموت لو لم يكن للمؤمن عند ربه من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه . فانطلق ملك الموت , وقام إبراهيم يدعو ربه يقول : { رب أرني كيف تحيي الموتى } حتى أعلم أني خليلك { قال أولم تؤمن } بأني خليلك , يقول تصدق , { قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } بخلولتك . 4667 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا عمرو بن ثابت , عن أبيه , عن سعيد بن جبير : { ولكن ليطمئن قلبي } قال : بالخلة . وقال آخرون : قال ذلك لربه لأنه شك في قدرة الله على إحياء الموتى . ذكر من قال ذلك : 4668 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن أيوب في قوله : { ولكن ليطمئن قلبي } قال : قال ابن عباس : ما في القرآن آية أرجى عندي منها . 4669 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , قال : سمعت زيد بن علي يحدث عن رجل , عن سعيد بن المسيب , قال : أتعد عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو أن يجتمعا , قال : ونحن يومئذ شببة , فقال أحدهما لصاحبه : أي آية في كتاب الله أرجى لهذه الأمة ؟ فقال عبد الله بن عمرو { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } 39 53 حتى ختم الآية , فقال ابن عباس : أما إن كنت تقول إنها , وإن أرجى منها لهذه الأمة قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } . 4670 - حدثنا القاسم , قال : ثني الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : سألت عطاء بن أبي رباح , عن قوله : { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } قال : دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس , فقال : { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى . .. قال فخذ أربعة من الطير } ليريه . 4671 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري , قالا : ثنا سعيد بن تليد , قال : ثنا عبد الرحمن بن القاسم , قال : ثني بكر بن مضر , عن عمرو بن الحارث , عن يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب , عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نحن أحق بالشك من إبراهيم , قال : رب أرني كيف تحيي الموتى , قال أولم تؤمن ؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " . * - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب وسعيد بن المسيب , عن أبي هريرة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكر نحوه . وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية , ما صح به الخبر عن رسول الله صلى أنه قال , وهو قوله : " نحن أحق بالشك من إبراهيم , قال رب أرني كيف تحيي الموتى , قال أولم تؤمن " وإن تكون مسألته ربه ما سأله أن يريه من إحياء الموتى لعارض من الشيطان عرض في قلبه , كالذي ذكرنا عن ابن زيد آنفا من أن إبراهيم لما رأى الحوت الذي بعضه في البر وبعضه في البحر قد تعاوره دواب البر ودواب البحر وطير الهواء , ألقى الشيطان في نفسه فقال : متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء ؟ فسأل إبراهيم حينئذ ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ليعاين ذلك عيانا , فلا يقدر بعد ذلك الشيطان أن يلقي في قلبه مثل الذي ألقي فيه عند رؤيته ما رأى من ذلك , فقال له ربه : { أولم تؤمن } يقول : أولم تصدق يا إبراهيم بأني على ذلك قادر ؟ قال : بلى يا رب , لكن سألتك أن تريني ذلك ليطمئن قلبي , فلا يقدر الشيطان أن يلقي في قلبي مثل الذي فعل عند رؤيتي هذا الحوت . 4672 - حدثني بذلك يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , عن ابن زيد . ومعنى قوله : { ليطمئن قلبي } ليسكن ويهدأ باليقين الذي يستيقنه . وهذا التأويل الذي . قلناه في ذلك هو تأويل الذين وجهوا معنى قوله : { ليطمئن قلبي } إلى أنه ليزداد إيمانا , أو إلى أنه ليوفق . ذكر من قال ذلك : ليوفق , أو ليزداد يقينا أو إيمانا : 4673 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو نعيم , عن سفيان , عن قيس بن مسلم , عن سعيد بن جبير : { ليطمئن قلبي } قال : ليوفق . 4674 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان . وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير : { ليطمئن قلبي } قال : ليزداد يقيني . 4675 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك : { ولكن ليطمئن قلبي } يقول : ليزداد يقينا . 4676 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { ولكن ليطمئن قلبي } قال : وأراد نبي الله إبراهيم ليزداد يقينا إلى يقينه . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : قال معمر وقال قتادة : ليزداد يقينا . 4677 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { ولكن ليطمئن قلبي } قال : أراد إبراهيم أن يزداد يقينا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا محمد بن كثير البصري , قال : ثنا إسرائيل , قال : ثنا أبو الهيثم , عن سعيد بن جبير : { ليطمئن قلبي } قال : ليزداد يقيني . * - حدثني المثنى , قال : ثنا الفضل بن دكين , قال : ثنا سفيان , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير : { ولكن ليطمئن قلبي } قال : ليزداد يقينا . 4678 - حدثنا صالح بن مسمار , قال : ثنا زيد بن الحباب , قال : ثنا خلف بن خليفة , قال : ثنا ليث بن أبي سليم , عن مجاهد وإبراهيم في قوله : { ليطمئن قلبي } قال : لأزداد إيمانا مع إيماني . * - حدثنا صالح , قال : ثنا زيد , قال : أخبرنا زياد , عن عبد الله العامري , قال : ثنا ليث , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير في قول الله : { ليطمئن قلبي } قال : لأزداد إيمانا مع إيماني . وقد ذكرنا فيما مضى قول من قال : معنى قوله : { ليطمئن قلبي } بأني خليلك . وقال آخرون : معنى قوله : { ليطمئن قلبي } لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك . ذكر من قال ذلك : 4679 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله : { ليطمئن قلبي } قال : أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك , وتعطيني إذا سألتك . وأما تأويل قوله : { قال أولم تؤمن } فإنه : أولم تصدق ؟ كما : 4680 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن قيس بن مسلم , عن سعيد بن جبير قوله : { أولم تؤمن } قال : أولم توقن بأني خليلك ؟ 4681 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { أولم تؤمن } قال : أولم توقن.
القول في تأويل قوله تعالى : { قال فخذ أربعة من الطير } . يعني تعالى ذكره بذلك : قال الله له : فخذ أربعة من الطير . فذكر أن الأربعة من الطير : الديك , والطاووس , والغراب , والحمام . ذكر من قال ذلك : 4682 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني محمد بن إسحاق , عن بعض أهل العلم : أن أهل الكتاب الأول يذكرون أنه أخذ طاووسا , وديكا , وغرابا , وحماما . 4683 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : الأربعة من الطير : الديك , والطاووس , والغراب , والحمام . 4684 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج : { قال فخذ أربعة من الطير } قال ابن جريج : زعموا أنه ديك , وغراب , وطاووس , وحمامة . 4685 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { قال فخذ أربعة من الطير } قال : فأخذ طاووسا , وحماما , وغرابا , وديكا ; مخالفا أجناسها وألوانها .
القول في تأويل قوله تعالى : { فصرهن إليك } . اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء أهل المدينة والحجاز والبصرة : { فصرهن إليك } بضم الصاد من قول قائل : صرت إلى هذا الأمر : إذا ملت إليه أصور صورا , ويقال : إني إليكم لأصور أي مشتاق مائل , ومنه قول الشاعر : الله يعلم أنا في تلفتنا يوم الفراق إلى أحبابنا صور وهو جمع أصور وصوراء وصور , مثل أسود وسوداء . ومنه قول الطرماح : عفائف إلا ذاك أو أن يصورها هوى والهوى للعاشقين صروع يعني بقوله : " أو أن يصورها هوى " : يميلها . فمعنى قوله : { فصرهن إليك } اضممهن إليك ووجههن إليك ووجههن نحوك , كما يقال : صر وجهك إلي , أي أقبل به إلي . ومن وجه قوله : { فصرهن إليك } إلى هذا التأويل كان في الكلام عنده متروك قد ترك ذكره استغناء بدلالة الظاهر عليه , ويكون معناه حينئذ عنده , قال : فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك , ثم قطعهن , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا . وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك إذا قرئ كذلك بضم الصاد : قطعهن , كما قال توبة بن الحمير : فلما جذبت الحبل أطت نسوعه بأطراف عيدان شديد أسورها فأدنت لي الأسباب حتى بلغتها بنهضي وقد كان ارتقائي يصورها يعني يقطعها . وإذا كان ذلك تأويل قوله : فصرهن , ويكون إليك من صلة " خذ " . وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة : " فصرهن إليك " بالكسر , بمعنى قطعهن . وقد زعم جماعة من نحويي الكوفة أنهم لا يعرفون فصرهن ولا فصرهن , بمعنى قطعهن في كلام العرب , وأنهم لا يعرفون كسر الصاد منها لغة في هذيل وسليم ; وأنشدوا لبعض بني سليم : وفرع يصير الجيد وحف كأنه على الليت قنوان الكروم الدوالح يعني بقوله يصير : يميل , وأن أهل هذه اللغة يقولون : صاروه وهو يصيره صيرا , وصر وجهك إلي : أي أمله , كما تقول : صره . وزعم بعض نحويي الكوفة أنه لا يعرف لقوله : { فصرهن } ولا لقراءة من قرأ : " فصرهن " بضم الصاد وكسرها وجها في التقطيع , إلا أن يكون " فصرهن إليك " في قراءة من قرأه بكسر الصاد من المقلوب , وذلك أن تكون لام فعله جعلت مكان عينه , وعينه مكان لامه , فيكون من صرى يصري صريا , فإن العرب تقول : بات يصري في حوضه : إذا استقى , ثم قطع واستقى , ومن ذلك قول الشاعر : صرت نطرة لو صادفت جوز دارع غدا والعواصي من دم الجوف تنعر صرت : قطعت نظرة . ومنه قول الآخر : يقولون إن الشام يقتل أهله فمن لي إذا لم آته بخلود تعرب آبائي فهلا صراهم من الموت أن لم يذهبوا وجدودي يعني قطعهم , ثم نقلت ياؤها التي هي لام الفعل فجعلت عينا للفعل , وحولت عينها فجعلت لامها , فقيل صار يصير , كما قيل : عثي يعثى عثا , ثم حولت لامها , فجعلت عينها , فقيل عاث يعيث . فأما نحويو البصرة فإنهم قالوا : { فصرهن إليك } سواء معناه إذا قرئ بالضم من الصاد وبالكسر في أنه معني به في هذا الموضع التقطيع , قالوا : وهما لغتان : إحداهما صار يصور , والأخرى صار يصير , واستشهدوا على ذلك ببيت توبة بن الحمير الذي ذكرنا قبل , وببيت المعلى بن جمال العبدي : وجاءت خلعة دهس صفايا يصور عنوقها أحوى زنيم بمعنى يفرق عنوقها ويقطعها , وببيت خنساء : لظلت الشم منها وهي تنصار يعني بالشم : الجبال أنها تتصدع وتتفرق . وببيت أبي ذؤيب : فانصرن من فزع وسد فروجه غبر ضوار وافيان وأجدع قالوا : فلقول القائل : صرت الشيء معنيان : أملته , وقطعته , وحكوا سماعا : صرنا به الحكم : فصلنا به الحكم . وهذا القول الذي ذكرناه عن البصريين من أن معنى الضم في الصاد من قوله : { فصرهن إليك } والكسر سواء بمعنى واحد , وأنهما لغتان معناهما في هذا الموضع فقطعهن , وأن معنى إليك تقديمها قبل فصرهن من أجل أنها صلة قوله : " فخذ " , أولى بالصواب من قول الذين حكينا قولهم من نحويي الكوفيين الذي أنكروا أن يكون للتقطيع في ذلك وجه مفهوم إلا على معنى القلب الذي ذكرت , لإجماع أهل التأويل على أن معنى قوله : { فصرهن } غير خارج من أحد معنيين : إما قطعهن , وإما اضممهن إليك , بالكسر قرئ ذلك أو بالضم . ففي إجماع جميعهم على ذلك على غير مراعاة منهم كسر الصاد وضمها , ولا تفريق منهم بين معنيي القراءتين أعني الكسر والضم , أوضح الدليل على صحة قول القائلين من نحويي أهل البصرة في ذلك ما حكينا عنهم من القول , وخطأ قول نحويي الكوفيين ; لأنهم لو كانوا إنما تأولوا قوله : { فصرهن } بمعنى فقطعهن , على أن أصل الكلام فاصرهن , ثم قلبت فقيل فصرهن بكسر الصاد لتحول ياء فاصرهن مكان رائه , وانتقال رائه مكان يائه , لكان لا شك مع معرفتهم بلغتهم وعلمهم بمنطقهم , قد فصلوا بين معنى ذلك إذا قرئ بكسر صاده , وبينه إذا قرئ بضمها , إذ كان غير جائز لمن قلب فاصرهن إلى فصرهن أن يقرأه فصرهن بضم الصاد , وهم مع اختلاف قراءتهم ذلك قد تأولوه تأويلا واحدا على أحد الوجهين اللذين ذكرنا . ففي ذلك أوضح الدليل على خطأ قول من قال : إن ذلك إذا قرئ بكسر الصاد بتأويل التقطيع مقلوب من صرى يصري إلى صار يصير , وجهل من زعم أن قول القائل صار يصور وصار يصير غير معروف في كلام العرب بمعنى قطع . ذكر من حضرنا قوله في تأويل قول الله تعالى ذكره : { فصرهن } أنه بمعنى فقطعهن . 4686 - حدثنا سليمان بن عبد الجبار , قال : ثنا محمد بن الصلت , قال : ثنا أبو كدينة , عن عطاء , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { فصرهن } قال : هي نبطية فشققهن . 4687 - حدثني محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي جمرة , عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : { فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك } قال : إنما هو مثل . قال : قطعهن ثم اجعلهن في أرباع الدنيا , ربعا ههنا , وربعا ههنا , ثم ادعهن يأتينك سعيا . 4688 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { فصرهن } قال : قطعهن . 4689 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا حصين , عن أبي مالك في قوله : { فصرهن إليك } يقول : قطعهن . * - حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : أخبرنا هشيم , عن حصين , عن أبي مالك , مثله . 4690 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يحيى بن يمان , عن أشعث , عن جعفر , عن سعيد : { فصرهن } قال : قال جناح ذه عند رأس ذه , ورأس ذه عند جناح ذه . 4691 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : حدثنا المعتمر بن سليمان , عن أبيه , قال : زعم أبو عمرو , عن عكرمة في قوله : { فصرهن إليك } قال : قال عكرمة بالنبطية : قطعهن . 4692 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا إسرائيل , عن يحيى , عن مجاهد : { فصرهن إليك } قال : قطعهن . 4693 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فصرهن إليك } انتفهن بريشهن ولحومهن تمزيقا , ثم اخلط لحومهن بريشهن . * - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { فصرهن إليك } قال : انتفهن بريشهن ولحومهن تمزيقا . 4694 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { فصرهن إليك } أمر نبي الله عليه السلام أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن , ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن . 4695 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { فصرهن إليك } قال : فمزقهن , قال : أمر أن يخلط الدماء بالدماء , والريش بالريش , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا . 4696 - حدثنا عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك : { فصرهن إليك } يقول : فشققهن وهو بالنبطية صرى , وهو التشقيق . 4697 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فصرهن إليك } يقول قطعهن . 4698 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { فصرهن إليك } يقول قطعهن إليك ومزقهن تمزيقا . 4699 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق : { فصرهن إليك } أي قطعهن , وهو الصور في كلام العرب . ففيما ذكرنا من أقوال من روينا في تأويل قوله : { فصرهن إليك } أنه بمعنى فقطعهن إليك , دلالة واضحة على صحة ما قلنا في ذلك , وفساد قول من خالفنا فيه . وإذ كان ذلك كذلك , فسواء قرأ القارئ ذلك بضم الصاد فصرهن إليك أو كسرها فصرهن إذ كانت اللغتان معروفتين بمعنى واحد , غير أن الأمر وإن كان كذلك , فإن أحبهما إلي أن أقرأ به " فصرهن إليك " بضم الصاد , لأنها أعلى اللغتين وأشهرهما وأكثرهما في إحياء العرب . وعند نفر قليل من أهل التأويل أنها بمعنى أوثق . ذكر من قال ذلك : 4700 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { فصرهن إليك } صرهن : أوثقهن . 4701 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء قوله : { فصرهن إليك } قال : اضممهن إليك . 4702 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { فصرهن إليك } قال : اجمعهن .
القول في تأويل قوله تعالى : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا } . اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } فقال بعضهم : يعني بذلك على كل ربع من أرباع الدنيا جزءا منهن . ذكر من قال ذلك : 4703 - حدثني المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي جمرة , عن ابن عباس : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال : اجعلهن في أرباع الدنيا : ربعا ههنا , وربعا ههنا , وربعا ههنا , وربعا ههنا , ثم ادعهن يأتينك سعيا . * - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال : لما أوثقهن ذبحهن , ثم جعل على كل جبل منهن جزءا . 4704 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : قال : أمر نبي الله أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن , ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن , ثم يجزئهن على أربعة أجبل , فذكر لنا أنه شكل على أجنحتهن , وأمسك برءوسهن بيده , فجعل العظم يذهب إلى العظم , والريشة إلى الريشة , والبضعة إلى البضعة , وذلك بعين خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم . ثم دعاهن فأتينه سعيا على أرجلهن , ويلقى كل طير برأسه . وهذا مثل آتاه الله إبراهيم . يقول : كما بعث هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة , كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها . 4705 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : ذبحهن , ثم قطعهن , ثم خلط بين لحومهن وريشهن , ثم قسمهن على أربعة أجزاء , فجعل على كل جبل منهن جزءا , فجعل العظم يذهب إلى العظم , والريشة إلى الريشة , والبضعة إلى البضعة , وذلك بعين خليل الله إبراهيم , ثم دعاهن فأتينه سعيا , يقول : شدا على أرجلهن . وهذا مثل أراه الله إبراهيم , يقول : كما بعثت هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة , كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها . 4706 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثنا ابن إسحاق , عن بعض أهل العلم : أن أهل الكتاب يذكرون أنه أخذ الأطيار الأربعة , ثم قطع كل طير بأربعة أجزاء , ثم عمد إلى أربعة أجبال , فجعل على كل جبل ربعا من كل طائر , فكان على كل جبل ربع من الطاووس , وربع من الديك , وربع من الغراب وربع من الحمام . ثم دعاهن فقال : تعالين بإذن الله كما كنتم ! فوثب كل ربع منها إلى صاحبه حتى اجتمعن , فكان كل طائر كما كان قبل أن يقطعه , ثم أقبلن إليه سعيا , كما قال الله . وقيل : يا إبراهيم هكذا يجمع الله العباد , ويحيي الموتى للبعث من مشارق الأرض ومغاربها , وشامها ويمنها . فأراه الله إحياء الموتى بقدرته , حتى عرف ذلك بغير ما قال نمرود من الكذب والباطل . 4707 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال : فأخذ طاووسا , وحمامة , وغرابا , وديكا , ثم قال : فرقهن , اجعل رأس كل واحد وجؤشوش الآخر وجناحي الآخر ورجلي الآخر معه ! فقطعهن وفرقهن أرباعا على الجبال , ثم دعاهن فجئنه جميعا , فقال الله : كما ناديتهن فجئنك , فكما أحييت هؤلاء وجمعتهن بعد هذا , فكذلك أجمع هؤلاء أيضا ; يعني الموتى . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم اجعل على كل جبل من الأجبال التي كانت الأطيار والسباع التي كانت تأكل من لحم الدابة التي رآها إبراهيم ميتة , فسأل إبراهيم عند رؤيته إياها أن يريه كيف يحييها وسائر الأموات غيرها . وقالوا : كانت سبعة أجبال . ذكر من قال ذلك : 4708 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : لما قال إبراهيم ما قال عند رؤيته الدابة التي تفرقت الطير والسباع عنها حين دنا منها , وسأل ربه ما سأل , قال : فخذ أربعة من الطير - قال ابن جريج : فذبحها - ثم أخلط بين دمائهن وريشهن ولحومهن , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا حيث رأيت الطير ذهبت والسباع ! قال : فجعلهن سبعة أجزاء , وأمسك رءوسهن عنده , ثم دعاهن بإذن الله , فنظر إلى كل قطرة من دم تطير إلى القطرة الأخرى , وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى , وكل بضعة وكل عظم يطير بعضه إلى بعض من رءوس الجبال , حتى لقيت كل جثة بعضها بعضا في السماء , ثم أقبلن يسعين حتى وصلت رأسها . 4709 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك , ثم اجعل على سبعة أجبال , فاجعل على كل جبل منهن جزءا , ثم ادعهن يأتينك سعيا ! فأخذ إبراهيم أربعة من الطير , فقطعهن أعضاء , لم يجعل عضوا من طير مع صاحبه , ثم جعل رأس هذا مع رجل هذا , وصدر هذا مع جناح هذا , وقسمهن على سبعة أجبال , ثم دعاهن فطار كل عضو إلى صاحبه , ثم أقبلن إليه جميعا . وقال آخرون : بل أمره الله أن يجعل ذلك على كل جبل . ذكر من قال ذلك : 4710 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال : ثم بددهن على كل جبل يأتينك سعيا , وكذلك يحيي الله الموتى . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : ثم اجعلهن أجزاء على كل جبل , ثم ادعهن يأتينك سعيا , كذلك يحيى الله الموتى ; هو مثل ضربه الله لإبراهيم . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , قال : قال ابن جريج , قال مجاهد : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } ثم بددهن أجزاء على كل جبل , ثم ادعهن : تعالين بإذن الله ! فكذلك يحيي الله الموتى ; مثل ضربه الله لإبراهيم صلى الله عليه وسلم . 4711 - حدثني المثنى , قال : ثني إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك , قال : أمره أن يخالف بين قوائمهن ورءوسهن وأجنحتهن , ثم يجعل على كل جبل منهن جزءا . * - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } فخالف إبراهيم بين قوائمهن وأجنحتهن . وأولى التأويلات بالآية ما قاله مجاهد , وهو أن الله تعالى ذكره أمر إبراهيم بتفريق أعضاء الأطيار الأربعة بعد تقطيعه إياهن على جميع الأجبال التي كان + يصل إبراهيم في وقت تكليف الله إياه تفريق ذلك وتبديدها عليها أجزاء , لأن الله تعالى ذكره قال له : { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } والكل حرف يدل على الإحاطة بما أضيف إليه لفظه واحد ومعناه الجمع . فإذا كان ذلك كذلك فلن يجوز أن تكون الجبال التي أمر الله إبراهيم بتفريق أجزاء الأطيار الأربعة عليها خارجة من أحد معنيين : إما أن تكون بعضا أو جميعا ; فإن كانت بعضا فغير جائز أن يكون ذلك البعض إلا ما كان لإبراهيم السبيل إلى تفريق أعضاء الأطيار الأربعة عليه . أو يكون جميعا , فيكون أيضا كذلك . وقد أخبر الله تعالى ذكره أنه أمره بأن يجعل ذلك على كل جبل , وذلك إما كل جبل وقد عرفهن إبراهيم بأعيانهن , وإما ما في الأرض من الجبال . فأما قول من قال : إن ذلك أربعة أجبل , وقول من قال : هن سبعة ; فلا دلالة عندنا على صحة شيء من ذلك فنستجيز القول به . وإنما أمر الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن يجعل الأطيار الأربعة أجزاء متفرقة على كل جبل ليري إبراهيم قدرته على جمع أجزائهن وهن متفرقات متبددات في أماكن مختلفة شتى , حتى يؤلف بعضهن إلى بعض , فيعدن كهيئتهن قبل تقطيعهن وتمزيقهن وقبل تفريق أجزائهن على الجبال أطيارا أحياء يطرن , فيطمئن قلب إبراهيم ويعلم أن كذلك يجمع الله أوصال الموتى لبعث القيامة وتأليفه أجزاءهم بعد البلى ورد كل عضو من أعضائهم إلى موضعه كالذي كان قبل الرد . والجزء من كل شيء هو البعض منه كان منقسما جميعه عليه على صحة أو غير منقسم , فهو بذلك من معناه مخالف معنى السهم ; لأن السهم من الشيء : هو البعض المنقسم عليه جميعه على صحة , ولذلك كثر استعمال الناس في كلامهم عند ذكرهم أنصباءهم من المواريث السهام دون الأجزاء . وأما قوله : { ثم ادعهن } فإن معناه ما ذكرت آنفا عن مجاهد أنه قال : هو أنه أمر أن يقول لأجزاء الأطيار بعد تفريقهن على كل جبل تعالين بإذن الله . فإن قال قائل : أمر إبراهيم أن يدعوهن وهن ممزقات أجزاء على رءوس الجبال أمواتا , أم بعد ما أحيين ؟ فإن كان أمر أن يدعوهن وهن ممزقات لا أرواح فيهن , فما وجه أمر من لا حياة فيه بالإقبال ؟ وإن كان أمر بدعائهن بعد ما أحيين , فما كانت حاجة إبراهيم إلى دعائهن وقد أبصرهن ينشرن على رءوس الجبال ؟ قيل : إن أمر الله تعالى ذكره إبراهيم صلى الله عليه وسلم بدعائهن وهن أجزاء متفرقات إنما هو أمر تكوين , كقول الله للذين مسخهم قردة بعد ما كانوا إنسا : { كونوا قردة خاسئين } 2 65 لا أمر عبادة , فيكون محالا إلا بعد وجود المأمور المتعبد .
القول في تأويل قوله تعالى : { واعلم أن الله عزيز حكيم } . يعني تعالى ذكره بذلك : واعلم يا إبراهيم أن الذي أحيا هذه الأطيار بعد تمزيقك إياهن , وتفريقك أجزاءهن على الجبال , فجمعهن ورد إليهن الروح , حتى أعادهن كهيئتهن قبل تفريقهن , { عزيز } في بطشه إذا بطش بمن بطش من الجبابرة والمتكبرة الذين خالفوا أمره , وعصوا رسله , وعبدوا غيره , وفي نقمته حتى ينتقم منهم , { حكي } في أمره . 4712 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثنا ابن إسحاق : { واعلم أن الله عزيز حكيم } قال : عزيز في بطشه , حكيم في أمره . 4713 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { واعلم أن الله عزيز } في نقمته { حكيم } في أمره .