أ. روحي عبدات .
تعتبر الرومانسية ملح الحياة الزوجية وهي تعطيها شحنات قوية حتى تستمر وتبقى بنفس الدفئ والوتيرة، حيث يساعد تبادل المشاعر العاطفية والرومانسية بين الزوجين على ترطيب منغصات الحياة الزوجية وتقبل كل طرف منهما للآخر ويبعث فيها جو من المشاركة المتبادلة لهموم الحياة وضغوطاتها التي تخفف الرومانسية منها. والرومانسية دعوة إلى الزوجين لترك كل الهموم والمنغصات خلفهما والعيش في حالة روحانية سامية تتخطي كل العقبات المادية المحسوسة، والتسامي نحو قيم عليا كالحب والوفاء والإخلاص والتضحية والإيثار. إن شعلة الرومانسية بين الزوجين تبدأ أوارها في مرحلة الخطوبة حيث تكون في أوج انفعالاتها وشعلتها، وتمتزج بتلهف كل فرد نحو الآخر، والصفاء الذهني له والروحي، بحيث يعتبر كل منهما الآخر هو بحق النصف الآخر الذي لا يستطيع العيش بدونه أو الاستغناء عنه، حيث تمتزج الأحاسيس والمشاعر ويكون التبادل العاطفي والانفعالي في أوجه.
إلا أن هذه الشعلة ما تلبث أن تخبو شيئاً فشيئاً مع زيادة ضغوط الحياة، وفي ظل وجود الأطفال الذين يشكلون حاجزاً بين الزوجين، حيث الأم منهمكة بتلبية حاجاتهم، والأب منهمك بعمله لكي يوفر لهم سبل الحياة الكريمة، فتبدأ أهداف الزوجين بالتحول تبعاً للتركيبة الأسرية الجديدة التي أصبح الأولاد قوامها الأول، وبدأ كل منهما بالتراجع شيئاً فشيئاً عن الأهداف التي رسماها في مرحلة ما قبل الزواج أو بداياته، والتي تقوم على أن الطرف الآخر هو الهدف الأسمى بالنسبة له، وأن الطرف الآخر هو كل مقومات حياته، فأصبحت هذه المعادلة صعبة التحقيق في ظل وجود الأولاد الذين يشاركونهم في اقتسام مشاعرهم العاطفية، حيث تبدأ الأم بتحويل جزء من عواطفها نحو أطفالها لحمايتهم والسهر على راحتهم والإغداق عليهم بنصيب زوجها من الحب والعواطف. ويبدأ الزوجين نوعاً من المقارنة بين ما كانت عليه علاقتهما في السابق، وبين العلاقة الباردة الحالية، حيث أصبحت كلمات الحب لا تقال إلا في المناسبات بعد أن كانت خبزاً وشراباً يومياً، وقد توقعهما هذه المقارنة باتهام كل شخص للآخر بأن حبه له قد قل، خاصة الزوجة التي تستمر بسؤال زوجها بين الحين والآخر: هل أنت تحبني؟ أو هل لا زلت تحبني كالسابق؟ أين كلامك الجميل؟ وقد يمتد الأمر إلى شكوك الزوجة بأن زوجها يحب امرأة أخرى غيرها. إن جلسة من الصراحة بين الزوجين بين الوقت والآخر في جو من الصفاء، واسترجاع مسيرتهما العاطفية، كفيل بحل هذه الإشكالية، وإذا أعطى الزوجين لأنفسهما وقتاً من الحوار الهادئ فقد يتوصلان إلى أسباب ضعف هذه العلاقة الرومانسية وتجديدها بين الوقت والآخر، واغتنام الفرص المناسبة التي تمكنهما من هذه الجلسة الهادئة، والتماس كل طرف العذر للآخر في أن ضغوط الحياة قد سلبت منهما هذه المشاعر الجميلة، علماً أنه ليس هناك ما يبرر برود هذه العلاقة مع أن تناقصها أمر طبيعي، وقد تكون موجودة إلا أن التعبير عنها يختلف من شكل إلى آخر في ظل الوضع الأسري الجديد.
فيستطيع الزوجين بقليل من التصرفات اللافتة للآخر أن يعيدا توازن هذه العلاقة وبأسلوب جديد، ينسجم مع المرحلة العمرية التي هما فيها ومع وجود الأولاد كطرف في هذه العلاقة، علماً أن الأطفال يكتسبون العلاقة الإيجابية فيما بينهم، من خلال تقليدهم وتشربهم لعلاقة والديهم الحسنة.