الأسس النفسية والتربوية لتكوين الهوية الجنسية واضطراباتها لدى الجنسين

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : أيمن غريب قطب | المصدر : www.almostshar.com


الأسس النفسية والتربوية لتكوين الهوية الجنسية واضطراباتها لدى الجنسين .

 

د. أيمن غريب قطب .

   

ما معنى كل من الذكورة والأنوثة ؟ وهل الذكورة إيجاب والأنوثة سلب ؟ بمعنى أن الذكر نشيط فعال والأنثى متلقية ،خاضعة ومستكينة . وهل الفروق بين الجنسين في الدرجة أم في النوع ؟


إن الإجابة على مثل هذه التساؤلات ترجع إلى العديد من العوامل المشكلة لهوية الفرد الجنسية . ومنها العوامل البيولوجية والهرمونية في الأساس . ومنها الفروق الثقافية والاجتماعية والبيئية المكتسبة لدى الجنسين والتي اعتدنا عليها وإلى تفسيراتها المختلفة .


والطفل لا يعرف دوره الجنسي إلا من خلال تعرفه على جسمه وعلى أعضائه الجنسية التي تتمايز عن الجنس الآخر تشريحيا ووظيفيا .
وهناك بعض التفسيرات النفسية التي تشير إلى وجود حسد لدى الأنثى يطلق عليه ( حسد القضيب ) وهو الذي يدفعها إلى تعويض الفروق بينها وبين الذكور . ومحاولة التفوق عليهم . كما يفسر اندفاع الإناث نحو منافسة الذكور في كافة مجالات الحياة .


وللفروق الجنسية في الهوية أساسها البيولوجي حيث أن للهرمونات الجنسية دورها الهام لكلا الجنسين في إضفاء الخصائص المميزة لهما . فإذا سيطر هرمون الاستروجين بدرجاته كانت الخصائص الأنثوية . أما إذا سيطر هرمون الاندروجين بدرجاته سادت الخصائص الذكورية .


ثم يأتي دور العوامل الثقافية والاجتماعية والبيئية في تشكيل وإضفاء معان لهذه الخصائص وصبغها بأشكال ومظاهر خاصة بها تتعارف عليها وتوجهها وتدعو إلى قبولها والتعامل معها ومن ثم الضغوط لممارستها . ويكون مردودها النفسي وتأثيرها على الجهاز العصبي بحيث يسلك الشخص السلوك المناسب لجنسه الذي ينتمي إليه وفق ما يعرض له في حياته من مواقف وصراعات منذ حياته الأسرية الأولى .


وتكون الفترة الأولى من الحياة وهي فترة الحضانة فترة اعتماد كامل على الأم . ومن ثم تكون العلاقة معها علاقة تبعية كاملة . ومن هنا يكون ارتباط الطفل في هويته بها وتكوينها منذ البداية وتأثره بها . فتبدو الفترة الأولى من الحياة أقرب إلى الأنوثة بحكم هذا الارتباط الشديد العضوي والنفسي .
ويبدأ الذكور في الاستقلال تدريجيا والخروج من دائرة الارتباط الشديد بأنوثة الأم ليشق الولد طريقه نحو عالم الذكورة المميزة مع نموه .


ولعل التخنث لدى البعض يرجع في بعض منه إلى تعلق الأولاد الذكور الشديد بالأم . وعدم القدرة على الاستغناء أو الاستقلال عنها وتوحدهم بها لاشعوريا .
وتعد فترة السنتين الأوليتين أو الثلاث من حياة الفرد فترة التحديد للهوية الجنسية للطفل . ويطلق عليها علماء النفس فترة ( مضمون الهوية الجنسية ) وفيها اعتقاد الطفل الفعلي بانتمائه إلي من الجنسين ( الذكور أو الإناث ) بشكل فعلي .وينمو لدى الطفل الاعتقاد الراسخ بذلك . ويترسخ في فكره وتصرفاته حتى ولو كان الأمر غير ذلك . فقد يكون الطفل ولدا مثلا ويعد نفسه من ضمن الإناث والعكس .


فالمهم هنا هو مضمون الهوية الجنسية الذي يعتقده الطفل ويعمل بمقتضاه . وتؤثر في ذلك العوامل البيولوجية الجينية وما تحدثه من تأثير على المراكز العصبية المركزية من تأثيرات والعوامل التشريحية التناسلية التي تحدو الأبوين إلى معاملة الطفل كذكر أو أنثى وفقا للعلامات الذكورية أو الأنثوية فيه . ومن ثم طرق وأساليب المعاملة التي تؤكد معاني الأنوثة أو الذكورة بشكل فعلي . فقد تختلط الأمور على الولد ويتشوش مضمون الذكورة عنده . وينشأ متجها في فكره وتصرفاته نحو الأنوثة لاشعوريا رغم امتلاكه لأعضاء الذكورة والأمر نفسه يصدق على الأنثى .


وتؤكد ذلك الخبرات المتتالية للطفل في بيئته المحيطة والمعاملة التي يتلقاها من الآخرين وعمليات التعزيز الإيجابي والسلبي لتأكيد وتطور هذا المفهوم أو الدور .
وتأتي اضطرابات الهوية الجنسية من خلال العوامل القبل ولادية . وهي العوامل الوراثية الهرمونية . وهي التي تخل بالتوازن النفسي للفرد وتؤثر في سلوكه ودوره الجنسي فيما بعد .


وهناك عوامل الانحرافات التي تنجم عن الصراعات النفسية الشعورية واللاشعورية . مثل التنشئة على التشبه بالنساء في التصرفات والملابس . وكذلك منها العزلة لدى المراهق التي قد تضطره إلى ممارسات جنسية شاذة كالممارسات الجنسية المختلفة مع الحيوانات.


وهناك ما يؤكد أن اضطرابات الهوية تكون مزيجا من كلا العاملين معا . فقد تكون هناك عوامل جينية وراثية هرمونية بالإضافة إلى أساليب التربية السالبة .
ولعله من أكثر اضطرابات الهوية شيوعا هو ما يطلق عليه ( التخنث ) . وفيه يكون المتخنث سواء كان ذكرا أم أنثى قد تشوشت هويته منذ الصغر .

 

 أي منذ السنة الأولى بعد الولادة فلا ينتمي إلى أي من الجنسين . وينمو جسميا على ما هو عليه من علامات ذكورية أو أنثوية . ولكن سلوكه يخالف طبيعة نموه الجسمي والجنسي ويتناقض معه . ويكره من الناس معاملته على أساس ذلك ويحاول أن يفرض نفسه بما يخالف طبيعته . وقد يسعى إلى الجراح ليجري له عملية جراحية تحوله نهائيا إلى ما يريد . وإذا كان الأمر ينجح إلى حد ما بالنسبة للذكور بإزالة الأعضاء الجنسية الذكورية وعمل تجويف يشبه الرحم . فإن الأمر بالنسبة للأنثى يكون أصعب بكثير .


والبنت الخنيث تأبى أن تسلك كالبنات وتسمي نفسها اسما مذكرا وترتدي ملابس الذكور وتلعب مثلهم وتكتسب بنيتهم . فإذا كان البلوغ ظهرت كأنها صبي في المظهر رغم أنه ليس لها ميول مثلية أو لوطية ولكنها تبدو كذكر متكامل الذكورة . ويفسر ذلك بأسباب ترجع لعوامل نفسية خاصة في تربية الأم . وكراهيتها لجنسها ودورها الجنسي .مما ينعكس على التكوين النفسي للبنت وبلورتها لهويتها الجنسية .


وهناك التشبه بالجنس الآخر . وهو بخلاف التخنث إذ يحب المتشبه ارتداء ملابس الجنس الآخر والتشبه بهم في سلوكياتهم . ويتفاوت هذا السلوك من شخص لآخر فقد يكون خفيفا أو ضاغطا .


وتبدو أعراض التشبه في شكل رغبات ملحة . ويهيج المتشبه جنسيا ويجد لذة في ذلك . وهناك من يصل إلى الذروة خلال ذلك وينتصب كذكر عندما يرتدي ملابس الإناث ويطلب المجامعة ويبدو كفحل . ويبدو أن التشبه يحدث نتيجة إلباس الأطفال ملابس الجنس الآخر منذ الصغر دون رغبتهم حيث يتثبت ذلك لديهم وتصاحبه اللذة الجنسية فيما بعد .


أما اللوطية فهي ليست اضطراب في الهوية . فاللوطي يحب الذكران على عكس الخنيث الذكر الذي يهوى أن يكون أنثى. وإذا طلب الذكران يطلبهم باعتباره أنثى . واللوطي لا يكره من نفسه أنه ذكر بخلاف الخنيث .


وقد تختلط الذكورة بالأنوثة نتيجة اضطرابات جينية ينتج عنها أن يكون للذكر أو الأنثى أعضاء الجنس الآخر بالإضافة إلى أعضائه ، كأن تمتلك الأنثى بالإضافة إلى أعضائها الأنثوية قضيبا أو يكون للذكر رحما .


وهناك حالات لا يظهر فيها الجنس الحقيقي للمولود ويكون مستورا . فيحدث أن يظن الأبوان أن المولد ذكرا في حين أنه أنثى . فيعاملانه على أساس ذلك وتتكون هويته على ذاك الأساس . وعندما تختلط على الأبوين حقيقة جنس الطفل فإنه ينشأ بهوية مختلطة بناء على معاملته .


إن علاج مثل هذه الحالات يكون أولا من خلال تحري مصداقية هوية الشخص ذكرا كان أم أنثى . ومواءمة ذلك من خلال الإعداد والتهيئة النفسية والعقلية والتربوية لذلك . وإكساب الفرد المعني الخصائص الملائمة لطبيعة جنسه .


وإذا كانت هناك حالات من الاضطرابات في الهوية فيتحتم على المعالج معالجة الأسباب والعوامل الكامنة وراءها ومحاولة تقويمها بما يناسب طبيعة الشخص وظروف نموه الجسمي والجنسي ومقومات شخصيته .


وإذا كان من السهل إجراء الجراحات إلا أن ذلك لا يعالج حقيقة الهوية لأنه لا يعالج إلا المظهر الخارجي فقط . بينما يكون الأهم وهو التكوين الداخلي والشخصي للفرد غير ذلك . فالمهم هو قبول الفرد لحقيقة واقعه الجسمي والجنسي ورضاؤه عنه بما يوافق هذه الحقيقة أو الواقع الفعلي .