أ. روحي عبدات .
تترك الظروف والمتغيرات المحيطة بنا آثاراً مباشرة على حياتنا الأسرية والنفسية والاجتماعية، فلا يستطيع الانسان أن يعيش بمعزل عن العالم المحيط به خاصة إذا كان هذا المحيط يفرض نفسه عليه على شكل غول الأسعار الذي ينهش الحياة الاجتماعية والاقتصادية للناس.
لقد جرت العادة أن ينظم الزوجين حياتهما الزوجية والأسرية، تبعاً للظروف الاقتصادية ودخل الأسرة ومستواها المعيشي، ويخططان لكيفية إدارة شؤون المنزل والمصروفات الأساسية والثانوية، وكل ما يترتب على الأسرة من متطلبات الحياة اليومية السريعة، وتربية وتعليم الأطفال، إلى ما هنالك من احتياجات أخرى ترفيهية.
إلا أن موجة غلاء الأسعار التي تفرض نفسها على الأسر لا تلبث أن تعصف بالكثير من طموحات وتطلعات الأسرة المستقبلية، والكثير من متطلبات الحياة الزوجية، فالزوج الذي لا يملك دخلاً سوى راتبه الذي يؤمن من خلاله كل متلطبات الحياة المعيشية لأسرته وزوجته، يجد نفسه عاجزاً أمام تلبية الكثير منها ليخفف من سقف توقعاته وأهدافه الأسرية، مطالباً الزوجة بالتخفيف من طلباتها بما يتناسب مع الوضع الجديد، الأمر الذي يخلق ارباكاً لمخططات الأسرة، والعلاقة الزوجية،
حيث يجد الزوج نفسه عاجزاً أمام تلبية الكثير من الاحتياجات التي تعتبر أساسية كالسكن المريح والسيارة المناسبة، والسفر السنوي، والزوجة تجد نفسها أمام خيارين: فإما أن تقبل بالوضع الجديد وإما أن تراجع حساباته الزوجية وتعود إلى وطنها إن كانت مغتربة، فقد تجد في بساطة العيش والحياة الاجتماعية التي تفتقدها هناك ما يواسيها، فقد انتهى الشئء الوحيد الذي كانت تتميز به هذه الغربة، وهي المال، حيث لا مجال للإدخار، ففي الوقت الذي كانت العودة فيه إلى الوطن مقرونة بمبلغ من المال، أصبحت العودة في ظل الغلاء الحالي لا تختلف عن الوضع الذي جاءت به الأسرة إلى الغربة، إن لم تكن مثقلة بالتزامات وشيكات بنكية طويلة الأمد.
ويخلق هذا الوضع عند الأسرة، حالة من الانفصال المؤقت كأحد الاقتراحات البديلة، وإحدى لآليات الدفاع الآخيرة للتأقلم مع الوضع الجديد، والتي تتمثل بأن يعيش الزوج أعزباً في غربته، وتعيش الزوجة في بلدها الأصلي مع أولادها، ليتربى الأولاد بعيداً عن أبيهم، ويسود الفتور العلاقات الزوجية، ويعيش الزوج غربته وعزوبيته في حياة غير مستقرة أشبه بالتشرد.
إن عدم قدرة الزوج على تلبية الكثير من متطلبات الحياة الأسرية لزوجته وأطفاله، تترك في داخله شعوراً بالذنب، فهو الذي أحضر أسرته إلى الغربة دون أن يفي بوعوده ويحقق لها أحلامها، الأمر الذي يخلق حالة من عدم الثقة بين الزوجين، خاصة إذا أصرت الزوجة على بعض المطالب المرهقة للرجل، وقد يضطر الرجل حينها إلى العمل في دوام آخر، على حساب حياته الاجتماعية، فقد قل الوقت الذي يرى فيه زوجته وأطفاله وبالتالي خفت عوامل التواصل الطبيعية بين الطرفين، إضافة إلى قلة خروج الأسرة في نزهات ترفيهية تجنباً للإرهاق والمصاريف المادية وكذلك لضيق وقت الرجل الذي ينتظر يوم الاجازة للخلود للنوم والراحة.