حسّان بن ثابت بن المنـذر الأنصاري الخزرجي النجاري المدنـي وكنيته أبو الوليد، شاعر رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- اشتهر بمدحه للغساسنة والمناذرة قبل الإسلام، وثم بعد الإسلام منافحاً عنه وعن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يشترك بأي غزاة أو معركة لعلّة أصابته فكان يخاف القتال.
كان حسّان بن ثابت شجاعاً لَسِناً، فأصابته علّةٌ أحدثتْ به الجبن، فكان بعد ذلك لا يقدر أن ينظر إلى قتال ولا يشهده، لذلك لم يشهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشهداً، ولم يعبه على ذلك لعلّته.
الشعر
قال أبو عبيدة :( فُضِّلَ حسّان بن ثابت على الشعراء بثلاث: كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي -صلى الله عليه وسلم- في أيام النبوة، وشاعر اليمن كلّها في الإسلام)... وكان يُقال له أبو الحُسَام لمناضلته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولتقطيعه أعراض المشركين.
متى يَبْدُ في الدّاجي إليهم جبينُه ... يَلُحْ مثلَ مصباح الدُجى الموقّد فمن كان أو مَن قد يكون كأحمد ... نظـامُ لحـقّ أو نكالٌ لملحـد
مرَّ عمر بن الخطاب على حسّان وهو ينشد في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانتهره عمر، فأقبل حسّان فقال: (كنتَ أنشد وفيه مَن هو خيرٌ منك)... فانطلق عمر حينئذٍ، وقال حسان لأبي هريرة: أنشدك الله هل سمعتَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يا حسّان! أجبْ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، اللهم أيّده بروح القُدُس)... قال: (اللهم نعم).
كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحسان بن ثابت: (اهجهم وهاجهم وجبريلُ معك)... وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبّوا حسّاناً، فإنه ينافحُ عن الله وعن رسوله).
لمّا كان يوم الأحزاب، وردّ الله المشركين بغيظهم لم ينالوا خيراً، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من يحمي أعراض المسلمين؟)... قال كعب بن مالك: (أنا)... وقال عبد اللـه بن رواحة: (أنا يا رسـول اللـه)... قال: (إنّك لحسنُ الشعر)... وقال حسان بن ثابت: (أنا يا رسول الله) قال: (نعم، اهجهم أنتَ، وسيعينُكَ عليهم رُوح القُدُس
وبكى حسّان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال: بطَيْبـةَ رسـمٌ للرسولِ ومعهـد ... منيـرٌ وقد تعفو الرسومُ وتَهْمُـدُ ولا تمتحي الآياتُ من دارِ حُرْمَةٍ ... بها منبر الهادي الذي كان يَصْعَدُ وواضـحُ آثارٍ وبـاقي معـالمٍ ... ورَبـعٌ له فيه مُصلّىً ومسجـدُ بها حُجُـراتٌ كان ينزلُ وسْطَها ... من الله نـورٌ يُستضاءُ ويوقـدُ معارفُ لم تُطمَس على العهدِ آيُها ... أتاها البِلـى فالآيُ منها تجَـدَّدُ عرفتُ بها رسمَ الرسول وعهدَه ... وقبراً بها واراهُ في الترب مُلْحِدُ
فبورِكتَ يا قبرَ الرسولِ وبوركتَْ ... بلادٌ ثوى فيها الرشيـدُ المسـدد وبوركَ لحـدٌ منك ضُمّـِن طيّبـاً ... عليه بنـاءٌ من صَفيـحٍ منضَّـدُ تهيـلُ عليه التربَ أيـدٍ وأعيـنٌ ... عليـه وقـد غارت بذلك أسعُـدُ لقد غيّبـوا حلماً وعِلْماً ورحمـةً ... عشيـة عَلَّوه الثـرى لا يُوسّـدُ وراحوا بحـزنٍ ليس فيهم نبيّهـم ... وقد وهنَتْ منهم ظهورٌ وأعضُـد يُبَكّونَ مـن تبكي السمواتُ يومَـه ... ومن قد بكتْه الأرضُ فالناسُ أكْمد وهـل عَدَلَـتْ يوماً رزيةُ هالـك ... رزيـةَ يـومٍ ماتَ فيـه محمـدُ؟
فبكيِّ رسولَ الله يا عينُ عبرةً ... ولا أعرفنْك الدهرَ دمعُك يجمد ومالك لا تبكين ذا النعمة التي ... على الناس منها سابغٌ يُتَغَمّـدُ فجودي عليه بالدموعِ وأعولي ... لفقد الذي لا مثلُه الدهرَ يوجَـدُ وما فقـدَ الماضون مثلَ محمد ... ولا مثلُـه حتى القيامـة يُفْقَـدُ
وفاة حسّان
توفي حسّان بن ثابت -رضي الله عنه- على الأغلب في عهد معاوية سنة (54 هـ).