موقع المستشار - عرض : منى ثابت .
اسم الكتاب : جرائم الأسرة.. بداية الانهيار! اسم المؤلف : فتحي حسين عامر الناشر : مركز الحضارة العربية الطبعة : الأولى ـ القاهرة2006 تعد الجريمة ظاهرة اجتماعية عالمية لا يكاد يخلو منها أي مجتمع إنساني, وهي تتنوع من حيث طبيعتها وأشكالها وأنواعها ومن حيث الأساليب المستخدمة في ممارستها ـ من مجتمع إلى آخر, ومن وقت إلى آخر ـ تبعاً لتنوع الظروف والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. وتعتبر الأسرة من أهم الجماعات الإنسانية وأعظمها تأثيراً في حياة الأفراد والجماعات, فهي الوحدة البنائية الأساسية التي تنشأ عن طريقها مختلف التجمعات الاجتماعية.. وهي التي تقوم بالدور الأساسي والرئيسي في بناء صرح المجتمع وتدعيم وحدته وتنظيم سلوك أفراده بما يتلاءم مع الأدوار الاجتماعية المحددة وفقاً للنمط الحضاري العام. والإجرام الأسري هو تلك الأنماط الحديثة التي تتنوع إليها الظاهرة الإجرامية داخل النطاق الأسري الواحد, بسبب ما يستجد في الحياة الاجتماعية من ظروف وما يطرأ عليها من متغيرات تترك آثارها في الجريمة, فتغير من شكلها ومن وسائل إتمامها.
وهذا الكتاب يتناول عدداً من الحوادث والجرائم الأسرية التي نشرتها الصحف والمجلات المصرية, والتفسير العلمي لمسبباتها. وطرق الحد منها ومن خطورتها على المجتمع ونواحي التنمية فيه.
جرائم أسرية .
في المقدمة يستعرض المؤلف بعض الجرائم الأسرية التي نشرتها الصحف والمجلات وكان لها تأثير كبير على القراء فأبرز وأخطر هذه الجرائم والتي بدأت تظهر على استحياء منذ العقدين الأخيرين من القرن الماضي وانتشرت بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة ، جرائم قتل الأمهات للأبناء أو قتل الآباء وتعذيبهم للأبناء حتى الموت.. أو قيام الوالدين بطرد الابن أو التخلص منه بأي صورة من الصور حتي يخلو لكل منهما الجو في حياة كل منهما الخاصة, خاصة إذا كان منفصلين عن بعضهما البعض. كما يشير المؤلف إلى نوع آخر من الجرائم التي انتشرت مؤخراً بشكل كبير بطلتها المرأة التي تتجرد من مشاعر الأمومة والرحمة وثوب الحنان وتقتل طفلها الرضيع ليدفع ثمن حملها سفاحاً بأن تلقي به في مناطق القمامة أو تلقي به إلى الشارع لا حول له ولا قوة لتمحو العار الذي سببته بأيديها دون أن يعرف أحد, ثم تقوم بعملية ترقيع لغشاء البكارة وتعود عذراء وكأن شيئاً لم يكن. فهذه الجريمة غريبة على مجتمعنا وقيمه وعاداته وتدل أيضاً على وجود خلل ما في المجتمع لابد من علاجه فوراً.
تفسير الجريمة الأسرية!
يشير المؤلف إلى أن الاستقامة هي الجوهر الذي تصبو إليه كل كتب التربية والتعليم ولا سبيل إلى تحقيق الاستقامة إلا باتباع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم يستفتي الإنسان قلبه في كل شئون الدنيا والقلب هنا هو موضع الضمير أو الأنا الأعلى كما يراها علماء النفس فإن لم يكن المرء رقيباً على ذاته جامحاً لأهواء نفسه ومسيطراً على شهواته ومطامعه فلا سبيل إلى إدراكه النجاة ووصوله إلى بر الأمان. في الفصل الثاني يستعرض المؤلف مجموعة من الآراء النفسية والاجتماعية لمجموعة من العلماء كل في تخصصه عن الجرائم الأسرية والتي أصبحت شبحاً يهدد أركان المجتمع كله ـ فماذا قالوا ؟ في البداية يقول د. فكري عبد العزيز أستاذ الطب النفسي : إن غياب المفاهيم التربوية السليمة في التعامل مع الأطفال وهي الفترة التي يتشكل فيها الوجدان والشخصية بالإضافة لفترة المراهقة مما يؤثر سلباً على نفسية هذه الفئات وينعكس في صورة سلوكيات يرفضها المجتمع.
ويشير أيضاً : إلى الجهد النفسي الواقع على الأم المصرية في زيادة المسئولية لمشاركتها في زيادة دخل الأسرة مع المتطلبات الأخرى الواجب عليها فعلها, فكل هذه الضغوط جعلتها عاجزة عن متابعة الأبناء فحدث نوع من التسيب وفقد الأمان الصحي.
ويشير د. فكري إلى شيوع ثقافة طلب الكماليات وتحويلها إلى ضروريات وأساسيات في كل بيت مثل الدش والموبايل والسيارة, وهي أعباء جديدة أضيفت على كاهل الأسرة المصرية وأفرزت أمراضاً اجتماعية.
ويؤكد أن كل هذه الجرائم الأسرية الناتجة من كل هذه العوامل تحتاج إلى دراسة نفسية اجتماعية. قبل أن تتحول إلى ظاهرة لا يمكن التصدي لها. وفي استعراض آخر للمؤلف أورد فيه تفسيراً آخر للدكتور أحمد المجدوب المستشار بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, والذي أكد فيه أن الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن وزارة الداخلية تشير إلى أن 60% من جرائم العنف على وجه الخصوص ـ القتل ـ تقع داخل الأسرة نفسها. يفسر ذلك بأن التحولات الاقتصادية السريعة وما صاحبها من تغيرات اجتماعية هزت القيم الاجتماعية الأصيلة من جذورها وعززت القيم المادية مما أدى لضعف الصلات الأسرية. ويرجع د. المجدوب تزايد الجرائم داخل إطار نفس الأسرة إلى أنه كلما ازدادت العلاقة مباشرة واستمرارية ازدادت فرص الصدام والتصادم. ويرجع كذلك جذور العنف إلى أسلوب التنشئة الاجتماعية حيث تفقد الأسرة المصرية القدرة على التحاور, ويتربى الطفل على اللجوء للعنف لفرض رأيه على الآخرين, وفي المدرسة يزداد لديه الاقتناع بأن العنف هو السبيل الوحيد للحصول على حقه ولا يخفى على أحد أن المدرسة اليوم صارت بؤرة للعنف, والجرائم الأخيرة تؤكد ذلك.
كما أكد على أن الأسرة لا ترشد أبناءها للجوء للقنوات الشرعية لحل أي نزاع, ومن ناحية أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً أساسياً في ترسيخ مفهوم العنف حتى يسير العنف والجنس كخطين متوازيين في معظم أعمالنا الدرامية.
حيث يعطى للبطل الحق في أن يكون خصماً وحكماً في نفس الوقت يسعى للحصول على حقه بيده حتى لو قتل أو سرق في سبيل ذلك, كما أن اختيار أبطال تلك الأعمال الدرامية ممن يتسمون بخفة الظل واللطف والوسامة يعطي للشباب نموذجاً محبباً للعنف يسعون فيما بعد للاقتداء به حينما تواتيهم الفرصة. وأخيراً شدد د. المجدوب على غياب وافتقاد المؤسسات الدينية التي لم تعد تمارس دورها خوفاً من فتح باب الحوار والتطرق لما هو أبعد من المشكلات الاجتماعية بمعنى آخر الدخول في المحظور.
المخدرات والإدمان .
ويستعرض المؤلف رأياً آخر لـ د. سامية خضر ـ أستاذ ورئيس قسم علم الاجتماع والفلسفة بكلية التربية جامعة عين شمس, خلاصته أن هناك عدة عناصر تلعب دوراً خطيراً في الجرائم الأسرية التي لم يعهدها المجتمع المصري من قبل ويأتي على رأسها الإدمان مؤكدة على أن معظم هذه الجرائم تحدث تحت تأثير المخدر. وأشارت د. سامية خضر إلى وجود عدة معادلات ينتج عنها دائماً الجريمة : المعادلة الأولى : تأتي نتيجة لتضافر عوامل الجهل والفقر والإدمان, والمعادلة الثانية : فتنتج عن تفاعل الثراء والإدمان والفراغ, أما المعادلة الثالثة : فتشمل الازدحام والضغوط المستمرة والقيم المتدنية. وأكدت على شيوع السلبية بين الآباء والأمهات في الأسر المختلفة والإيمان الشديد بتغير الجيل ـ فيما يسمونه بجيل الإنترنت ـ أي عالم مختلف لا حدود له ولا قيم وليس لديه موروث يتمسك به بل يضع لنفسه عالم آخر من القيم الدخيلة والألفاظ الغريبة التي باتت تتردد بين الشباب ـ فيما يسمونه بالروشنة ـ وفي ظل غياب مؤسسة تتصدى لذلك, كما أن للإعلام دوراً كبيراً في تفشي العنف فالإعلام يعد آلة موجهة ومعلمه لكافة الأطياف.
كل ذلك والكلام هنا لـ. د سامية أدى إلى تفشي الظواهر الإجرامية نتيجة لارتفاع القيم الجديدة واعتلالها قمة المجتمع وما يترتب عليه من فساد الذوق, في حين هبطت القيم الايجابية لأن التيار أقوى منها. وأخيراً تشير د. سامية إلى أن الأسرة هي أولى المؤسسات الاجتماعية التي تخلت عن دورها فهي كذلك أولى المؤسسات التي تفشت فيها الجرائم وجنت ثمار العنف في صورة جرائم غاية في القسوة لم تكن متوقعة في مجتمع كان وفي وقت قريب متسامحاً ومترابطاً.
التشخيص والعلاج .
وفي الفصل الأخير يسلط المؤلف الضوء على أهم التشخيصات وطرق العلاج على ألسنة المتخصصين والأطباء. وقد أورد المؤلف تشخيصاً على لسان الدكتور أحمد خيري إخصائي وأستاذ الطب النفسي يقول فيه أن هناك مجموعة من العوامل وراء انتشار هذه الحوادث في المجتمع, وهي : 1 ـ ترحال الأسرة المصرية, بمعنى آخر أن معظم أفراد الأسرة غير موجود باستمرار فكل فرد منشغل بعمله.
2 ـ اختلاف الأدوار داخل الأسرة وغياب القدوة والقيادة الضرورية لامتصاص العدوان من أفرادها.
3 ـ عدم وجود هدف أوقضية تلتف حولها الأسرة, كل منشغل بذاته.
4 ـ عدم وجود مجموعة من القيم والمعايير الإيجابية كالحب والخير ومساعدة الآخرين والأمانة والصدق والثواب والعقاب.
5 ـ سقوط ما يسمى باحترام الكبير داخل الأسرة. ويستعرض المؤلف في النهاية حجم ظاهرة تفشي الجرائم, ويشير إلى إحصائية صادرة ضمن تقرير الأمن العام لعام 2002/2003 الذي أعدته وزارة الداخلية المصرية والذي تضمن أرقاماً مزعجة, حيث أشارت إلى أن جرائم القتل العمد قد ارتفعت خلال عام واحد إلى 843 جريمة قتل بعد أن كانت 797 أي بمعدل زيادة 46 جريمة, كما ارتفعت جرائم الضرب الذي أفضى إلى موت إلى 215 حالة.
ويشير المؤلف إلى دراسة هامة تحت عنوان " العنف في الأسرة المصرية" للباحث ظريف شوقي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والتي سجل فيها أن هناك 87.2% من مرتكبي جرائم العنف الأسري من المتزوجين مقابل 12.8% لم يلتحقوا بقطار الزواج بعدما وضح أن الزواج من الأسباب التي تضغط على الشخص لدفعه إلى العنف الأسري بما ينجم عنها نوبات عدوانية تجاه الزوجة. الدراسة أجريت على 188 شخصاً منهم 94 شخصاً المودعين في السجون لم يرتكبوا أي عنف ضد أي من أطراف الأسرة, حيث أثبتت الدراسة أن 62.8% من مرتكبي جرائم العنف تتراوح أعمارهم بين 26 ـ 44 عاماً في حين لم تتجاوز نسبة من تقل أعمارهم عن 25 عاماً 12.8%, ولم تصل نسبة مرتكبي جرائم العنف في الفئة العمرية التي تصل إلى 55 عاماً إلا 7.4% فقط. وهذا يدل على أن الشريحة العمرية من 26 ـ 44 عاماً هي الأكثر ممارسة للعنف الأسري, كما أكدت الدراسة على أن الذكور يشكلون أغلبية مرتكبي جرائم العنف بنسبة 78.7% بينما تمثل الإناث نسبة 22.3% وقد خلصت الدراسة إلى أن نصف مرتكبي جرائم العنف كانوا من الأميين وإذا ما أضيف لهم أصحاب المستوى القليل من التعليم تصل النسبة الشكلية إلى 81%. كما أشار أيضاً د. أحمد المجدوب خبير علم الاجتماع إلى إحدى الدراسات الاجتماعية والتي بينت إلى أن 40% من المصريين مصابون بالاكتئاب, 60% من جرائم القتل من الجرائم الأسرية.
رأي الشرع .
وختاماً يشدد المؤلف على أهمية البعد الديني من خلال رأي الدكتورة عبلة الكحلاوي عميدة كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر : فتقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( " كلكم راع ومسئول عن رعيته, الأب راع في بيته ومسئول عن رعيته والأم راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها" ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن الأسرة هي اللبنة الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويترعرع فيرى الدنيا من خلال أبويه فهم في أعينه رمز للفضيلة والرحمة والحنان فإن وجد الفتى ما يناقض ذلك يحدث خلل في الجدار النفسي وأول ما يلتفت إليه الأبناء هو ما يتعلق بهم مباشرة كالمفاضلة بين الشقيقين.
وتؤكد أن الشريعة الإسلامية اهتمت ببناء الإنسان وذلك حتى تقوم الأسرة على أسس ثابتة وقوية تضمن لها الاستمرار والاستقرار. وتشير إلى أن مفهوم الأسرة في الإسلام هو النقاء لذلك جعل الله تعالى الأسرة آية من آياته التي يمتن بها على عباده ومعجزة من معجزاته في الكون حيث يقول تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) ( الروم / 21 ) ولم يقل لتسكنوا عندها لأن " عند " تفيد ظرف المكان أما " إلى " تفيد سكن الأرواح والقلوب وأهم مرحلة في تكوين الأسرة هو الاختيار, وقد بين رسول الله الأوصاف التي يجب توافرها في المرأة وأهمها الدين والصلاح وحسن الخلق مع مراعاة مبدأ الكفاءة بين الزوجين بمعنى التقارب في كل من المستوى المادي والاجتماعي والثقافي والعمري.