د. دعاء أحمد راجح .
شكوى عامة تشتكى منها غالبية عظمى من النساء المتزوجات ....و خاصة ربات البيوت و غالبا ما تؤثر مثل هذه الأفكار على سلوكيات الزوجة و على علاقتها بزوجها مستقبلا و من أهم مظاهر الإهمال التي تراها الزوجة : - قضاء الرجل وقتا طويلا في عمله وعند عودته إلى البيت لا يقوى إلا على الأكل ثم النوم -قضائه أوقاتا طويلة مع أصدقائه أو مع أهله ....أو في أسفاره -حتى في فترات التواجد داخل البيت فهناك ضعفا في التواصل بين الزوجين فالحوار قليل و يدور غالبا حول متطلبات الأسرة الضرورية و لهذه الظاهرة أسباب نفسية و عاطفية فضلا عن الأسباب الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية والتي جعلت الرجل يدور في فلك العمل المتواصل من اجل توفير المتطلبات الرئيسية للأسرة وأضع بين يدي المرأة بعض الوسائل العملية و التي من الممكن أن تساهم للحد من هذه المشكلة التي تسرى في أسرنا مسرى النار في الهشيم في محاولة للتقليل من أثرها على الحالة النفسية للمرأة أولا : قال الله تعالى على لسان امرأة عمران ( و ليس الذكر كالأنثى ) إن الاعتقاد بوجود اختلافات جوهرية وفطرية بين جنس الرجال بوجه عام و جنس النساء بوجه عام ... يفسر إلى حد كبير ضعف هذا التواصل حتى وان طالت فترة تواجد الرجل في البيت فالرجال يحترم القوة و الكفاءة و الفاعلية و الانجاز ...فهم يشعرون بالإشباع عن طريق النجاح و الانجاز و يشعرون بتحقيق الذات بواسطة قدرتهم على تحقيق النتائج ....كل شيء في حياتهم يعكس هذه القيم و على هذا الأساس يعتقد الرجل انه طالما انه يعمل كي يوفر ما تحتاجه الأسرة (ماديا ) فانه بذلك قد أدى المطلوب منه على أكمل وجه وهذه سمة غالبة على اغلب الرجال و تتفاوت درجتها من رجل إلى آخر حسب تربيته وخبراته وطبيعته العاطفية وأفكاره وطموحاته .. و للنساء قيم مختلفة فهن يقدرن الحب والتواصل والجمال والعلاقات .إنهن يشعرن بالإشباع بالمشاركة والتواصل وتتفاوت أيضا درجة هذه القيمة من امرأة إلى أخرى وتتعقد المشكلة بشكل أكبر حين يكون الرجل طموحا وعمليا إلى أقصى الدرجات .... والزوجة في أقصى درجات العاطفية و الرومانسية ليس لها أي طموحات مادية أو عملية ... بل إن كل طموحاتها وأهدافها هو الزواج والإنجاب وإنجاح تواصلها مع زوجها وأولادها .فهي تشعر بنجاحها إذا حققت هذا التواصل مع زوجها و مع أبنائها فالمرأة المادية تسعد بنجاح زوجها وتشجعه لأنه سيجلب لها المزيد من الطلبات المادية والمرأة العاملة تنشغل بتحقيق طموحاتها الشخصية في مجال عملها و لذلك لا تشعر بالمشكلة بشكل كبير و عندما تتفهم المرأة هذا الاختلاف و تتعامل معه بموضوعية ستتوقف تلقائيا الأفكار السلبية التي تسيطر عليها و تشعرها أنها مهملة ثانيا : إعادة بناء الذات بحيث يكون الزوج و الأبناء أهم الاهتمامات و ليس كل الاهتمامات لابد أن تسال الزوجة نفسها ( من أنا؟) ولابد أن تكون لديها إجابة واضحة ومحددة فلا يكفى أن تقول (أنا زوجة فلان ) ....أو تقول (أنا أم فلان ) لابد أن تحدد لها رسالة و رؤية تحدد بها هويتها و موقعها ليس داخل أسرتها فقط بل في مجتمعها . و لكن للأسف الشديد تقع كثير من النساء المتزوجات في خطأ الذوبان في الحياة الزوجية مما يبرمج عقلها أنها لم تعد إلا جزء من كيان زوجها ....فتنصب عليه كل اهتماماتها ... فهو الروح التي تجعلها تشعر بالحياة و هو الإنسان الوحيد التي تشعر معه بالسعادة و يصبح هو كل حياتها بمعنى الكلمة هذه و أن كانت مشاعر رائعة وأحاسيس جميلة و لكنها غالبا ما تصيب المرأة بالإحباط الشديد و التعاسة لأنها غالبا لا تجد مقابل لهذا الفناء في ذات زوجها ....فهو أن كان كل شيء بالنسبة لها فهي بالنسبة له في آخر القائمة و اعتقد أن الحل أن تضع زوجها و أبناءها كأولى الأولويات و ليس كل الأولويات ....بحيث يكون للزوجة اهتمامات أخرى هي من صميم حياتها و ليست مجرد تسلية لوقتها لحين عودة الزوج لابد أن تهتم المرأة بتنمية نفسها إيمانيا و أخلاقيا و جسديا و عقليا و نفسيا و لكل واحدة من هذه المجالات وسائل متعددة أن تهتم بالتعرف على مواهبها و قدراتها و أن تعمل على تنميتها ثم لتبحث لها عن دور ايجابي في مجتمعها مستغلة هذه المواهب و القدرات و اخص بالذكر المرأة ربة البيت التي لا تعمل و تعتقد انها تعيش لزوجها و أبنائها فقط إني أرى بعض الأمهات يبكيني حالهن بعدما كبرن و كبر أبناؤهن و تزوجوا و تركوهن كل مشغول في حياته و تجلس الواحدة منهن في انتظار الموت الذي لا يأتي فقد أدت كل واحدة رسالتها و تشعر أن لم يعد لها قيمة في الحياة أو يشغلن أنفسهن بالتدخل في شئون أبنائهن مما يجلب المشاكل و يزيد من رفضهن من قبل أبنائهن بخلاف أمهات أخريات كانت لها اهتمامات و ادوار ...و بعد تأدية رسالتهن الأساسية تفرغن لتحقيق أهدافهن و تكملة رسالتهن ...فهذه داعية ...و تلك أديبة ...و ثالثة مديرة مشروع خيري ...و رابعة محفظة قرآن....و خامسة صاحبة مركز للخياطة و التطريز . فإلى أي مآل تحبين أن تكوني .....ابدئي بإعداد نفسك من الآن فالأيام تمر ثالثا : إعادة بناء الاعتقادات و الأفكار التي تؤثر على علاقتها بزوجها كثيرة هي الاعتقادات التي تؤثر سلبا على حياتك الزوجية ...و هذه الاعتقادات تبنى نتيجة تفسير خاطئ للمواقف ....هذه التفسيرات ترمينا بسهام من الأفكار السلبية التي تضفى علينا حالة من الكآبة و الحزن الشديد و بالتكرار تتحول الأفكار إلى اعتقادات راسخة تظهر على السطح كلما حدث موقف جديد . مثلا :عندما يتأخر الزوج في عمله و لم يتصل ليعتذر (موقف ) تبدأ الأفكار السلبية ...انه لا يحترمني ....انه يهملني ...يعاملني كقطعة أثاث ... لم يعد يحبني ...انه لا يقدر مشاعري و قلقي ويستمر عمل الشيطان في توليد (الأفكار)التي تأكل في العقل و القلب و مع تكرار المواقف الدالة على نفس الفكرة يتحول الأفكار إلى (اعتقاد ) ...(لم يعد يحبني ) و أفضل حل للسيطرة على مثل هذه الأفكار هو قطع توالدها من البداية و تبديلها بأفكار ايجابية تلتمس له العذر يمكن مشغول و غافل عن الساعة ....يمكن الجوال غير مشحون ....ممكن التليفون معطل ....ممكن يكون معه أشخاص محرج يتصل أمامهم ...ممكن السيارة تعطلت و هكذا تكون محاربة الأفكار السلبية و التي تعمل كمعاول هدم في بناء أسرنا رابعا : بناء القدرة على الإفصاح الآمن عن المشاعر . الكثير من النساء ليس لديهن القدرة على التعبير عن مشاعر الاستياء لأسباب عديدة منها الخوف من غضب أو استياء زوجها .....و أخريات يعبرن عن مشاعرهن و لكن بأسلوب خاطئ يشعر الزوج فيها بالإهانة فتثير غضبه و تتحول المناقشة إلى شجار ....كما تتميز اغلب النساء بعدم قدرتهن عن الطلب الواضح العملي . فعندما تكون المرأة منفعلة فتبدأ بوابل من الاتهامات و النقد و اللوم والذي يثير حفيظة الزوج غالبا فينبري للدفاع عن نفسه أو يلوذ بالصمت تجنبا لحدوث الشجار مما يصيبها بالمزيد من الإحباط والاستياء وينتهي الوضع إلى خلاف. و لكن كيف يكون التعبير الأمثل عن مثل هذه المشاعر السلبية : 1- حددي الهدف : الهدف هو التعبير عن مشاعرك و أن يفهم الزوج هذه المشاعر و بالتالي يحاول إصلاح ما فسد أو ينتبه في المرات القادمة و المناسبات القادمة . 2- التهدئة : لابد أن تحاولي تهدئة نفسك فلا تبادري إلى الحديث إلى زوجك و أنت منفعلة حتى و أن مرت أيام على ذلك ....حاولي تهدئة نفسك بترديد (إنه يتفانى في عمله ليعبر عن حبه بطريقته ) و بتأكيد هذه القناعة ...فالحديث الهادئ ...يؤتى نتائج فعالة مع الرجل أكثر من الحديث المنفعل . 3- الإعداد الجيد لطريقة عرض الموضوع الذي أثار أفكارك (انه مهملك) فاحذري من اللوم أو النقد . لا تقولي أنت فعلت كذا ....فكلمة (أنت ) تثير حفيظة الرجل و تشعره انه في موقع اتهام فلابد أن يدافع عن نفسه و لكن قولي انا تضايقت جدا في هذا اليوم و لم استطع النوم كنت قلقة من عدم اتصالك و تأخيرك عبري عن مشاعرك أنتِ و احذري من قول ( أنتَ ) لا تصدري أحكاما عامة أو إحكاما شخصية مثلا :أنت دوما تهملني ...أو أنت أناني لا تحب إلا عملك و نجاحك ...أن هذه الكلمات التي تضفى على حديثك النقد لشخص الرجل تجعله أيضا يهب للدفاع عن نفسه .... 4- كوني محددة في طلباتك بشكل عملي ....فلا تقولي انك متضايقة وحزينة ومحبطة ثم لا تقدمي حلولا عملية فالرجل غالبا ما يسألك في آخر الكلام : ماذا تريدين ؟ وغالبا لا تجيب النساء لأنها تشعر أنه لم و لن يفهمها . لذلك فان أي تصرف ينم على الإهمال لابد أن تعرضيه بلباقة و ذكاء في كلمات قليلة واضحة ومحددة . مثلا : أنا شعرت بالقلق الشديد نتيجة تأخيرك من فضلك اتصل بي أن كنت ستتأخر مرة أخرى . أشعر بالضيق عندما تتركني وحدي و تذهب مع أصدقائك أرجو أن تعوضني عند عودتك بحديثك معي عن الوقت الذي قضيته معهم . خامسا : الإعداد الجيد لأوقات تواجد الزوج في المنزل : تنتظر المرأة قدوم زوجها من عمله ...و تشعر بسعادة غامرة حين يجلس في البيت ...و لكنها لا تلبث أن تصاب بالإحباط حين تشعر أن تواجده هو تواجد جسدي فقط ...فهو يجلس و في يده (الريموت ) ليقلب في القنوات الفضائية من أخبار إلى مباريات كروية إلى أفلام سينمائية أو يجلس وفى يده جريدة يقلبها يمينا و يسارا و يقرأ كل سطر فيها حتى صفحة الوفيات أو يجلس وفى يده بعض الأعمال المتأخرة و يتزايد إحساس الزوجة بالإهمال مع تكرار هذا المشهد الصامت ...و تبدأ الأفكار السلبية في التلاعب بها و أنا دوما أتساءل : لماذا لا تبادر الزوجة بالإعداد لتواجد زوجها في البيت ؟ لماذا لا تبدأ بالحديث و تقطع هذا الصمت بالمبادرة بالحديث فيما يهمه وما يشغله ؟ لماذا لا تعد أوقاتا رومانسية يمكن أن تكون رائعة فتتجهز بالزينة و الشموع و الطعام المحبب إلى نفس زوجها و تبادر بإضفاء جو جميل على هذا الوقت ؟ لماذا لا تعد لنزهة ليلية بحيث لا تكلف زوجها أي إجهاد مادي أو معنوي كنوع من التغيير ؟ لماذا لا تعدين ليوم مع الأولاد يشمل ألعابا و مسابقات لتساعدي زوجك على الاستمتاع بمشاعر الأبوة بدلا من إحساسه بالمسؤولية المثقلة ؟ عزيزتي الزوجة ...إنها سعادتك ...لماذا لا تدافعين عنها و تتمسكين بها و تحاربين من اجلها ؟ قد تجدين في البداية رد الفعل فاترا أو رافضا ...و خاصة بعد طول أمد الزواج و لكن مع إصرارك و مع دعائك و توكلك على الله و رغبتك الحقيقة في إسعاد زوجك و إسعاد نفسك و إسعاد أسرتك يبارك الله تعالى في أوقات مهما كانت قليلة فتكون هي أوقات ينتظرها الزوج...قد يستغنى بها عن أوقات يقضيها مع أصدقائه و يطلبها لأنه يشعر بأنها أجمل لحظات العمر عزيزتي الزوجة ....إنها حياتك ...أسرتك بين يديك ...بيدك أن تجعليها روضة من رياض الجنة و بيدك أن تجعليها حفرة من حفر النيران .