هذا البحث الذي قمت في التعمق فيه في تعريف علم الاجتماع في الاسلام من حيث النشأة والاصول والتعرض الى جانب من هذه الجوانب وهو ان الخطأ في النظرة الى مفهوم علم الاجتماع يؤدي الى الخطأ في النظر للحياة كاملة لان علم الاجتماع هو المكون الاساسي لتنشأة الفرد وانعكاس نظرته تجاه الحاية بكافة نواحيها والذي يشغل علم الاجتماع معظمها ولقلة او بالاصح ندرة المباحث التي بحثت في هذا العلم (علم الاجتماع في الاسلام) إرتأيت ان ابحث فيه بمساعدة دكتوري الفاضل (إحسان سمارة) وان اقوم بمحاولة معارضة النظريات الخاطئة التي استند عليها الغالبية في تعريف علم الاجتماع الاسلامي والبحث فيه مثل نظرية ابن خلدون الخاطئة في تعريف علم الاجتماع خطأ النظرة إلى المجتمع تؤدي إلى خطأ النظرة إلى الحياة تمهيد: أن المجتمع الإسلامي مترابط في خطوطه وتفاصيله الدقيقة الواحدة، والمجتمع عبارة عن وحدة واحدة تتكون من أربع عناصر غير قابلة للتجزئة إن فقد عنصرا من هذه العناصر فقد المجتمع مفهومه كمجتمع وتحول إلى المفهوم الرأسمالي المغلوط للمجتمع, فالمجتمع عبارة عن أناس وأفكار ومشاعر وأنظمة, هذه هي عناصر التكوين الأساسية التي تكون المجتمع, فالناس هم النواة والأفكار والمشاعر هي الرابط الذي يربط الناس ولذلك لا بد من أنظمة تحدد هذه العلاقات والتي تقوم على أساس المصلحة بين الناس, وتميز المجتمع الإسلامي عن المجتمعات الأخرى بارتباط المصلحة بالمشاعر والأفكار والتي يكون أساسها العقيدة الإسلامية التي تبنى عليها مما ميزها مثلا عن علاقة المصلحة في المجتمع الرأسمالي الذي يخلو من المشاعر في علاقاته الاجتماعية أو قد تبدو مشاعره مشاعر مزيفة فردية, والمجتمع بدوره جزء من صيغة عامة للحياة، وهذه الصيغة لها أرضية خاصة بها، ويوجد المجتمع الإسلامي الكامل حين يكتسب الصيغة والأرضية معاً، حين يحصل على النبتة والتربة كليهما، ويستقيم منهج البحث في الاجتماع الإسلامي، حين يدرس الاجتماع الإسلامي بما هو مخطط مترابط، وبوصفه جزءاً من الصيغة الإسلامية العامة للحياة، التي ترتكز بدورها على التربة والأرضية التي أعدها الإسلام للمجتمع الإسلامي الصحيح. وتتكون التربة أو الأرضية للمجتمع الإسلامي، ومذهبه الاجتماعي من العناصر التالية: أولاً:الأفكار المستمدة من العقيدة الإسلامية الراقية بفكرها، وهي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي، التي تحدد نظرة المسلم الرئيسية إلى الكون بصورة عامة. وثانياً: المفاهيم التي تعكس وجهة نظر الإسلام في تفسير الأشياء، على ضوء النظرة العامة التي تبلورها العقيدة. وثالثاً: المشاعر التي يتبنى الإسلام بثها وتنميتها، إلى صف تلك المفاهيم، لأن المفهوم ـ بصفته فكرة إسلامية عن واقع معين ـ يفجر في نفس المسلم شعوراً خاصاً تجاه ذلك الواقع، ويحدد اتجاهه العاطفي نحوه. فالعواطف الإسلامية وليدة المفاهيم الإسلامية، والمفاهيم الإسلامية بدورها موضوعة في ضوء العقيدة الإسلامية الأساسية الربانية, والمفاهيم الإسلامية ثابتة لا تتغير والتغير فيها يخرجها عن نطاقها الإسلامي. رابعا : الناس وهم المجموعة التي يربط بينهم العلاقات وليس بلد أو مساحة جغرافية أو نظام سياسي. فهذه هي العناصر: الأفكار العقائدية, والمشاعر والعواطف، والمفاهيم، ومجموعة الناس, التي تشترك في تكوين التربة الصالحة للمجتمع. ثم يأتي ـ بعد التربة ـ دور الصيغة الإسلامية العامة للحياة، كلاً لا يتجزأ، يمتد إلى مختلف شُعب الحياة. وعندما يستكمل المجتمع الإسلامي تربته وصيغته العامة، عندئذ فقط نستطيع أن نترقب من المجتمع الإسلامي، أن يقوم برسالته الفذة في الحياة وهي نهضة الأمة السليمة,وعندما تتحقق النهضة تحقق للمجتمع السعادة والرفاهة، وتأتي أوكلها بأن نقطف منه أعظم الثمار، وأما أن ننظر من الرسالة الإسلامية الكبرى، أن تحقق كل أهدافها من جانب معين من جوانب الحياة، إذا طبقت في ذلك الجانب بصورة منفصلة عن سائر شُعب الحياة الأخرى... فهذا خطأ. لأن الارتباط القائم في التصميم الإسلامي للمجتمع، بين كل جانب منه وجوانبه الأخرى، يجعل شأنه شأن الجسد الواحد فلذلك كان وصف المجتمع الإسلامي المتكامل ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. وشأن المجتمع في تكامله شأن الشرع الإسلامي بتكامله ووحدته,على أن يطبق هذا النهج الإسلامي العظيم في بيئة إسلامية، قد صبغت على أساس الإسلام في وجودها وأفكارها وكيانها كله وأن يطبق كاملاً غير منقوص يشد بعضه بعضاً، فعزل كل جزء من النهج الإسلامي عن بيئته ـ وعن سائر الأجزاء ـ معناه عزله عن شروطه التي يتاح في ظلها هدفه الأسمى، ولا يعتبر هذا طعناً في التوجيهات الإسلامية، أو تقليلاً من كفاءتها وجدارتها بقيادة المجتمع فإنها في هذا بمثابة القوانين العلمية، التي تؤتي ثمارها متى توافرت الشروط التي تقضيها هذه القوانين. قراءة أولية في الدراسة الإسلامية لعلم الاجتماع : لم يعني المسلمون على مرِّ تاريخهم الطويل, وعلى الرغم من تراثهم الفكري الهائل في شتى مجالات الحياة بدراسة عميقة مستنيرة إلى المجتمع, وعلى الرغم من أن علماء الفقه الإسلامي والذين هم المعول الأول عليهم في دراسة المجتمع لكون الفقه الإسلامي يعالج مشاكل الإنسان في الحياة ويعالج الأمراض التي تنشأ في المجتمعات, إلا أن هؤلاء الفقهاء لم يبحثوا في بنية المجتمع حتى ما سمي بعلماء العمران من أمثال ابن خلدون والكتناني والقلشندي, لم يستطيعوا إيجاد تصور حقيقي للمجتمعات, من حيث كيفية بنائها وعلاج الأمراض الاجتماعية التي تنشأ بها أو كيفية علاج هذه المشاكل والأمراض للحفاظ على هذه المجتمعات, لذلك كان أبناء هذه الأمة الإسلامية في هذا المجال من مجالات المعرفة الذي يعتبر من أهم المجالات التي كانت الأولى أن تنال العناية لما لها من اتصال وثيق في رقي المجتمعات وانحطاطها, ولما له أيضا من اثر بالغ في تقدم المسلمين في الحياة من عليّ إلى أعلى, فلو كان قد وضح للمسلمين مفهوم المجتمع, لما رضوا بوجود الأمويين والعباسيين على سدة الحكم, واعتبروا وجودهم وجودا غير مشروع, لأن تركيبة المجتمع الإسلامي الحقيقية الناضجة فكريا لا تسمح باغتصاب السلطة على شاكلة ما قام به الأمويين والعباسيين من اغتصاب للسلطة وأدى في ما بعد إلى تشرذم الدولة الإسلامية وانقسامها, والخروج عن الخليفة الإسلامي كما حدث بعد خروج الأمويين إلى الأندلس وتشكيل الدولة الأموية هناك والذي اعتبر شرخ للدولة الإسلامية الكبرى الواحدة التي لا تقبل التجزئة. حتى أن علماء الاجتماع الذين اعتبروا مؤسسين لعلم الاجتماع الإسلامي أمثال إبن خلدون لم يقفوا عند هذا العلم بشكل حقيقي ومحايد وواقعي ولم يقوموا بتفسيره بأسلوب علمي حقيقي بل تأثروا في العوامل السياسية المحيطة إبن خلدون مؤسس علم الاجتماع الإسلامي بين الحقيقة والفكر السلطوي: إن الُمتأمل لحقيقة الصراع في عهد ابن خلدون لا بد أن يضع ملاحظة حول المؤثرات التي تأثر فيها ابن خلدون الذي يعتبر منذ أكثر من ستة قرون مؤسس علم الاجتماع الإسلامي- الحضرمي الأصل ( ابن خلدون )-، في " مقدمة ابن خلدون" التي بدا البحث فيها في أرضية علم الاجتماع الإسلامي وبدء التأسيس فيه، و العودة لتاريخ ابن خلدون باعتباره مفكرا إسلاميا: أولا :- عودة للرسالة الخلدونية المذكورة التي صارت بالنسبة للبعض المرجع الأساسي لعلم الاجتماع الإسلامي, فهذه الرسالة الخلدونية عبارة عن خرافة ليس إلا قام بها ابن خلدون الذي كان ابنا للدولة القائمة في عصره لخدمة الأهداف السياسية للدولة القائمة وهي عبارة عن عمل سياسي يخدم صراعات سياسية في عصره , حيث شهد عصر ابن خلدون صراعا سياسيا في داخل الدولة الإسلامية القائمة على اثر دخول البربر وغيرهم من غير العرب إلى الدولة الإسلامية وحملهم بالصبغة الإسلامية فقام ابن خلدون بكتابة رسالته للدفاع عن الدولة القائمة ومحاولة استبعاد أي طرف غير عربي لقيادة الأمة الإسلامية في ظل تلك الدولة القائمة ولذلك شاب ابن خلدون أخطاء أساسية وتأثيرات سياسية جعلت بحثه خاطىء في أساسه, وعلى سبيل المثال نذكر من أخطاء ابن خلدون الاجتماعية التي كانت تخدم هدف سياسي محاولته لعقلنة ظاهرة القومية والدين والدولة والعصبية والإزهار والسقوط, ولتهذيب هذه العصبية يقول ابن خلدون تحت عنوان: " إن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت في عددها" حيث يوضح كيف تسمو القيم الروحية بالرابطة الاجتماعية الطبيعية الموجودة والقائمة أصلاً، وكيف توجهها إلى الطريق الإنساني السليم: ( ذلك أن الصبغة الدينية تذهب بالتنافس والتحاسد الذي في أهل العصبية، وتفرد الوجهة إلى الحق فإذا حصل لهم الإستبصار في أمرهم لم يقف لهم شيء لأن الوجهة واحدة والمطلوب متساوٍ عندهم.. وهذا وقع للعرب في صدر الإسلام في الفتوحات.. ) ويقول: عن رجال الدين الذين رفضوا ما يسمى بأهمية الرابطة العصبية - (الرابطة القومية) في نجاح الحركات السياسية: ( ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء فإن كثيرًا من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء ويعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك .. وأحوال الملوك راسخة قوية لا يزحزحها ويهدم بنائها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل والعشائر.. وهكذا كان حال الأنبياء في دعوتهم إلى الله بالعشائر والعصائب ) ويؤكد تضافر العاملين معاً، العامل الطبيعي الاجتماعي والعامل الروحي – اللذين يُراد إصطناع حرب أهلية غير مبررة بينهما اليوم: ( والتغلب إنما يكون بالعصبية واتفاق الأهواء على المطالبة، وجمع القلوب وتأليفها إنما يكون بمعونة من الله في إقامة دينه، قال تعالى: ( لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم)، وسُره أن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا حصل التنافس ونشأ الخلاف، وإذا إنصرفت إلى الحق .. اتحدت وجهتها .. واتسع نطاق الكلمة لذلك، فعظمت الدولة) ؟ ويمكن البحث في أصول هذه الأخطاء بالردود التالية على تحديدا محاولاته التعصب للقومية على حساب الفكر الديني, فالربط بين الشوكة العصبية, وبين الرابطة القومية العربية التي هي رابطة خيالية ومغالطة كبرى وقع بها أو تعمد الوقوع بها الكثيرين من الكتاب الإسلاميين الذين قاموا على أساس خدمة النظام القائم لان أساس الفكرة خيالي غير واقعي يستحيل الحدوث , وهي فكرة تضرب الجذور الحقيقية لعلم الاجتماع الإسلامي الشمولي للعرب والعجم ولأن الرابطة القومية في جميع أشكالها هي رابطة منحطة توجد في التفكير البدائي للإنسان قامت عليها المجتمعات البدائية الإنسانية في بداية تكون الخليقة عبر العيش في مجموعات حاولت الدفاع عن نفسها للحفاظ على عرقها قبل ظهور الأفكار والمبادئ التي قامت عليها المجتمعات الإنسانية الراقية فيما بعد كالمجتمع الإسلامي الذي قام على أساس الفكر العقائدي الرباني وهذه الفكرة (فكرة القومية) هي فكرة عامة في كل بني البشر , استغلها فيما بعد الدول الاستعمارية ونشرتها في داخل المجتمعات ومنها الإسلامية لتساعد في تفكيك المجتمعات , فمثل هذه الدعوات القومية هي دعوات هدامة تدعو لتفكيك المجتمعات وهدمها لا لإصلاحها والرقي بها, وخير شاهد حي على هذه المأساة ما حدث في أوروبا حيث ظهرت مثل هذه الدعوات القومية من دعوات للجنس الآري وغيره كلفت أوروبا مئات الملايين من الضحايا عبر الحروب التي خاضتها أوروبا, أيضا كلفت أمريكا الملايين عبر الحروب العرقية, في النهاية اكتشف أوروبا أنها لن ترتقي بشعوبها إلا بعد أن تقوم على أساس الاتحاد الفكري الذي هو أرقى أسمى من التعصب القومي الفاشل تاريخيا وهذا ما أتثبته الاتحاد الأوروبي الذي يحاول حاليا أن يقوم مقام الكفة الأخرى بالميزان في العالم مقابل الولايات المتحدة باعتبارها اكبر قوة اقتصادية في العالم لأنها قامت على أساس وحدوي فكري اقتصادي رأسمالي, لا على أساس تعصب قومي. كذلك الفكرة الإسلامية كأيدولوجيا في حياة البشر هي فكرة للناس أجمعين ولا تخص العرب وحدهم وهذا ما أوضحته الرسالة الإسلامية في خطابها (أيها الناس ) فالخطاب الإسلامي كان خطاب عالمي موجه ولم يكن عربيا, وعليه فأن العرب في فترة اعتناق البشر للإسلام مثلا أو في حال تبني الفكر كأساس بناء الحضارات وجعل الفكر لا التعصب القومي موجها حضاريا للشعوب والقبائل التي تتوحد عليه وتعالج مشاكلها فيه والمجتمع الإسلامي تشكل من قبائل عربية وأعجمية مما يناقض فكر ابن خلدون بفكرة أن المجتمع الإسلامي يقوم على أساس المحور القومي لا الفكري وأن شمولية الخطاب الإسلامي تعني أن كل من يدخل في الإسلام هو صار جزءا من المجتمع الإسلامي المتماسك ولا يقتصر على العرب المسلمين وحدهم, وقمة انصهار العرب وغيرهم في داخل المجتمع الإسلامي الواحد لا يبقى للعرب أي شوكة ولا عصبية قبلية أو قومية وإنما تنتقل العصبية تلقائيا لغيرهم من الشعوب والمجتمعات المفككة والمنحطة تاريخيا, والتاريخ خير شاهد على ذلك كيف أن الموالي استبدوا بالسلطان دون غيرهم ولم يثبت السلطان للعرب, رغم وضع ركام من الأحاديث الضعيفة وتحريف تفاسير بعض الأحاديث لتدعيم موقف السلطان العربي في الحكم. حتى أنهم عندما اغفلوا المبدأ الفكري الذي قاموا عليه وركزوا على العصبية القبلية أضاعوا سلطانهم, وأضاعوا أمتهم, ولوثوا فكرهم وزالت حضارتهم الإسلامية الراقية وزالت كافة الروابط العصبية عربية وغير عربية. - تاريخ المجتمعات والأمم يرتبط في نشأته بالأفكار التي تقوم عليها, وليس بالعصبيات والروابط القومية, والفكر وحده هو القادر على صنع الوحدة الحقيقية القادرة على الرقي بالمجتمع. لذلك لا تعتبر أفكار ابن خلدون هي أساس لعلم الاجتماع الإسلامي لأنها أفكار مسيسة تخدم هدف سياسي بالدرجة الأولى ولم يكن القصد منها بحث منهجي يبحث في أصول علم الاجتماع الإسلامي بحثا حقيقيا. أسباب عدم عناية المسلمين في إيجاد منهج حقيقي لعلم اجتماع إسلامي ويرجح السبب في عدم عناية المسلمين في إيجاد علم اجتماع في الفترات التي سميت فترات العصر الذهبي في التاريخ الإسلامي لأسباب منها: 1- الدعاية السياسية التي قام بها الأمويون والعباسيون في صرف الناس عن دراسة جذرية معمقة للفقه. 2- اعتقال فقهاء المسلمين واضطهادهم وتعذيبهم –كما حدث للإمام أنس بن مالك في فترة حكم أبو جعفر المنصور- وإبعاد الناس عنهم عن طريق التشكيك فيهم والتجريح في عدالتهم. 3- إيجاد منظومة من الأحاديث الموضوعة التي تظهر مشروعهم في الحكم وتدعم وجودهم في السلطة 4- إيجاد نخبة من المفكرين والفقهاء ممن رضوا المسير في ظلال السلطان كابن خلدون مثلا لتثبيت دعائمهم في الحكم عبر البحث في معظم مناحي الفقه الإسلامي وتأويله لصالح النظام السياسي القائم. 5- بعث مفهوم القدرية في أذهان الناس حتى يعتقدوا أن وجودهم في الحكم كان بقضاء الله وقدره, وهو أمر واقع لا يمكن دفعه أو النهوض بما يخالفه. 6-إنشاء الفرق الدينية والفرق السياسية والجدلية والفلسفية التي صرفت الناس عنهم واشغلتهم في علم الكلام والمنطق. 8- التوسع والانفتاح على الثقافات الأخرى كالفلسفات الإغريقية والرومانية والتوسع في نشرها لمحاولة إيجاد منظومة جدلية حديثة تبعد المسلمين عن التوسع في فقههم. ضمن هذه الظروف التي عاشتها الأمة الإسلامية, كان من الصعب على المسلمين وهم يعيشون ضمن المُلك العضوض, أن تنشأ محاولة أو ما يمكن تسميته بحركة نهضوية جادة لدراسة المجتمع الإسلامي والتوصل بها إلى ما يسمى بعلم الاجتماع الإسلامي الحقيقي. خطأ النظرة للمجتمع الإسلامي تؤدي إلى الحيلولة دون النهضة إن المسلمين في هذا العصر قد تأثروا بالفلسفات الوضعية كالاشتراكية والرأسمالية التي أهلكت الحرث والزرع, وجعلتهم يدورون في حلقة مفرغة, وجعلت للكفار سبيلا عليهم, وكان من ابرز ما عانى منه المسلمون هو خطأ نظرتهم للمجتمع. إن جميع المسلمين, بل جميع العالم قد وقع أسيرا لمفهوم الرأسماليين عن المجتمع بأنه مجموعة من الأفراد, حتى أن الاشتراكيين وجدوا أنفسهم متورطين في قبول هذا التعريف الذي يتعارض مع التعريف الذي وضعه ماركس نفسه للمجتمع. وبناء على هذا التعريف اندفع أبناء المسلمين, لا سيما الحركات الإصلاحية منهم والجمعيات الخيرية التي تحولت فيما بعد لحركات ذات رأي ومكانة سياسية نتيجة تدعيمها من قبل السلطة إلى الدعوة لإصلاح الفرد كنواة لإصلاح المجتمع, ووقعوا رهينة التمويه الرأسمالي في نشر فكره الرأسمالي للشعوب, ولأن المجتمع الرأسمالي يسعى لنشر فكره كهدف أساسي لحروبه وصراعاته التي يخوضها. وقد ساعد الرأسماليين في تكريس هذا المفهوم في العالم اجمع والذي يعتبر المجتمع الإسلامي جزء منه عبر الأساليب منها: 1-إيجاد حركات دينية تعمل ضمن النهج الحضاري الفردي في إصلاح المجتمع الإسلامي. 2- إيجاد معاهد ومراكز بحوث علمية علمانية الفكر تدرس مادة علم الاجتماع وتصدر المؤلفات فيها وكذلك علم النفس والتربية وهي ما سميت فيما بعد بالعلوم الإنسانية, لتكريس مفاهيم الحضارة الغربية في أذهان أبناء المسلمين للحيلولة دون وجود مفاهيم دافعة ومنهضة لهم. 3- إيجاد فئة من أبناء المسلمين تعلموا ومن ثم تشربوا حتى الثمالة الثقافة الرأسمالية ومضبوعين بثقافته لتكريس مفاهيم الغرب عن الحياة والإنسان والحرية والمجتمع ومن أبرزها مفهوم المجتمع, ومن أبرز هذه الدعوات التي انطلقت في مصر وكان من أبرز رموز هذا الاتجاه رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني وخير الدين التونسي وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده وعبد الحميد بن باديس و قاسم أمين واحمد لطفي السيد. إن مفهوم النهضة قد أعيا المفكرين الإسلاميين في هذا العصر من أمثال سيد قطب ومحمد الغزالي وأبو الأعلى المودودي ومحمد قطب وغيرهم, ولكنهم لم يستطيعوا أن يصلوا إلى تحديد واضح لمعالم النهضة, والسبب في ذلك عدم بلورة مفهوم المجتمع في أذهانهم ولتأثرهم في المفاهيم التي بلورتها الرأسمالية عن المجتمع وغيره. أما عن كيفية أن يكون الخطأ إلى النظرة للمجتمع سببا في عدم تبلور مفاهيم نهضوية فبأمكاننا إعطاء مثالين على ذلك 1- إن الفهم المغلوط لمعنى المجتمع عند المسلمين جعلهم يلجأون الى الغرب في مفاهيم وأساسيات الحكم, فالغرب يرى أ- أن الحكم للشعب ب- وأن السيادة للشعب ت- وأن القيادة جماعية ث- وأن الأمة مصدر السلطات وهذه المفاهيم هي أفكار تتعلق بالعلاقات في السياسة, أي العلاقات في رعاية الشؤون, وهذه المفاهيم نشأت لدى الغرب من جراء الظلم السياسي الذي حصل في أوروبا ثم في أمريكا من قبل الملوك والأمراء إبان عصر الإقطاع ومن بعده. فنشأ من هذا الظلم محاولات من قبل مفكرين أدت إلى هذه المفاهيم, فجعل الشعب كل شيىء من أجل رفع الظلم السياسي عن الناس. بالرغم من لمسهم أن واقع الحكم هو غير هذه المفاهيم ويستحيل قيامه فيها, مع ذلك ظلت هي المسيطرة عليهم وعلى مفكريهم وأخذها عنهم بعض مفكرينا وتشدقوا بالفكرة بالرغم من قناعتهم بعدم جدواها وأنها تظل ضمن ديكورات النظام الرأسمالي وهي مجرد ديكورات تزينه ليس إلا. ولما كان المجتمع عندهم – أي الرأسماليين- هو مجموعة من الأفراد فأنهم لم يلحظوا أن رعاية الشؤون السياسية هي علاقات الناس في من يسوسهم, أي يرعاهم وليست علاقة حاكم ومحكوم, ولهذا اعتبروا مجموعة الأفراد هي المجتمع واعتبروا أن الأفراد هم الذين يحكمون أنفسهم, والغريب أنهم لم يلحظوا, أن الشعب لا يحكم فهو لا يتولى السلطة وإنما الذي يتولاها جورج بوش في أمريكا ومستعمراتها الحديثة والقديمة وان الذي يحكم هو بلير في بريطانيا وشيراك في فرنسا...........إلخ ومع ذلك ظلوا يقولون أن الشعب هو الذي يحكم. ولم يلحظوا أيضا أن الشعب لا يتولى التشريع وحتى النواب في ما يسمى بمجلس النواب لا يتولون التشريع أصلا وإنما يتولاها رجال القانون في الدولة وتصدق عليه الحكومة أو الحاكم الواحد ولا يعتبر القانون الوضعي نافذا إلا بعد مصادقة الحاكم عليه والا اعتبر غير نافذ ويرد إلى الهيئة القضائية التي وضعته حتى يتم تعديله كما يراه الحاكم مناسبا, ومع ذلك أيضا بقيت مقولات وأفكار أن الحكم للشعب تسري وأن الشعب هو المشرع عبر مندوبيه المنتخبين ديمقراطيا كما يقولون. ولم يلحظوا أن الشعب ليس له بالواقع إلا اختيار الحاكم فقط, هذا إن جاء عن طريق الانتخاب ولم يأتي بانقلاب إن صح ذلك,ولكن هذا الحاكم الذي يأتي ينتخبه الشعب فقط ولا يستطيع عزله أو إقصائه عن منصبه, وان الحاكم هو الذي يشرع وهو الذي يحكم وهو الذي يسيطر على القضاء وهو فوق القانون وانه لا توجد إلا سلطة واحدة هي سلطة الحاكم الواحد ومع ذلك قالوا: إن هناك ثلاث سلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية ) بل وأضافوا إليها شكلا أخر من الديكورات بتسمية الصحافة بالسلطة الرابعة. كل هذا كان بسبب المفهوم المغلوط عن المجتمع هذا بالنسبة لمفاهيم الحكم الرأسمالية. وللأسف فقد تشربها أبناء هذه الأمة الإسلامية وصاروا من روادها وصارت مفاهيمهم الأساسية عن المجتمع لأنهم حملوا نفس المفهوم المغلوط عن المجتمع عن الرأسماليين ولم يدروا أن المجتمع هو عبارة عن علاقات دائمة بين الناس عن مصالحهم نتجت عن وحدة أفكارهم وأيقظت مشاعرهم. كذلك وجود نظام ينظم إشباع هذه المصالح بينهم. 1- خطأ النظرة إلى المجتمع أدت إلى مفاهيم مغلوطة في الاقتصاد: لقد وجد المفكرين الرأسماليين فكرة توفير المال للناس يأخذونه على مقدار قدرتهم على تحصيله وتوصلوا إلى أن المشكلة الاقتصادية هي الندرة للمال أي عدم كفاية المال المطلوب لحاجات الناس(1). ومن هنا كان الفقر بتعريفهم هو: حاجة البلاد للمال وليست حاجة الأفراد له, والذي هو مجموعة من الناس وليس أفراد وهؤلاء الناس. وبناء على ذلك أيضا التفكير على إيجاد المال في البلد بكميات تكفي لحاجات مجموعة من الأفراد, وليس توفيرا لحاجة كل فرد من الناس وبالرغم من لمسهم الواقع والاختصاص هو حاجة كل فرد من الأفراد وليس مجموعة من الأفراد. بالرغم من لمسهم أن ظلم الأغنياء لا يزال قائما بل ازداد وان التفاوت الفاحش بين الناس في العيش قد ازداد, أي بالرغم من لمسهم من أن واقع الاقتصاد هو غير هذه المفاهيم, مع ذلك ظل مفهوم المشكلة الاقتصادية عندهم هو الندرة النسبية والتي تعني: ندرة الاحتياجات والموارد للناس الذين هم بازدياد والتي فسروها أن حاجات الناس بازدياد طالما هم في حالة ازدياد وهذه الموارد محدودة, فهنا يأتي دور ما سماه الاشتراكيون بالسياسة الاقتصادية أي تسييس وتوجيه الاقتصاد بالشكل السليم أو ما سمي بالاقتصاد الموجه حتى يستطيع أن يجعل من هذه الموارد المحدودة قادرة على إشباع الحاجات للناس المتزايدة, وهذا ما يتعارض مع فكرة الرزق الإسلامي حيث أن الآية الكريمة وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون (2) حيث أن النظام الاقتصادي الإسلامي تغلب على هذه المشكلة باليقين الرباني بأن ديمومة الرزق والموارد من ديمومة الإنسان على الأرض ظلت هذه المفاهيم الاقتصادية هي المسيطرة عليهم وعلى مفكريهم ونسوا أن الواقع لا يمت بصله إلى هذه المفاهيم. ونظرا لان المجتمع حسب مفهومهم هو مجموعة من الأفراد, فلم يلحظوا أن الاقتصاد أي توفير المال هو علاقات بين مجموعة من الأفراد ومن هو مسؤول عن توفير حاجاتهم, وليست مالا يوضع في اليد ويأخذ منه كل بحسب قدرته. ولهذا اعتبروا مجموعة الأفراد هي المجتمع, واعتبروا أن الأفراد هم الذين يوفرون لمجتمعهم المال وان الحاكم مسؤول عن توفير المال للبلد بوصفه كلا (أي مجموعة من الناس) وهكذا ظلوا تائهين عن معاني هذه المفاهيم يعتنقونها وإن كانت مخالفة لواقعهم الذي هم عليه وإن لحقت بهم الأضرار, وركزت ظلم الأغنياء ووسعت التباعد الفاحش بين الناس في العيش. هذا هو المفهوم المغلوط للمجتمع, وهذه المفاهيم المغلوطة عن الحكم وعن الاقتصاد وكل ما يترتب على معنى المجتمع عندهم من مفاهيم أخرى هي التي نقلت العلاقات بين الناس, ونقلت مفاهيم الناس وحتى أذواقهم إلى الخضوع للحضارة الرأسمالية الحديثة. بل إلى طريقة عيش الرأسماليين ووجهة نظرهم في الحياة. لذلك كان من أهم ما على الناس جميعا حتى في الغرب الرأسمالي ولا سيما المسلمين في العالم الإسلامي أن يتبنوا المعنى الصحيح للمجتمع وان ينبذوا ويحاربوا المفهوم الرأسمالي الغربي عن المجتمع كخطوة أولى لنبذ سائر مفاهيم الحكم ومفاهيم الاقتصاد لأنها الركيزة الأساسية في التأثير. لذلك كان لا بد من أن يرتكز الناس ولا سيما المسلمين في العالم الإسلامي على أن المجتمع هو مجموعة من الناس بما بينهم من علاقات وليست البلد ولا مجموعة الأفراد, وبناء على هذا التركيز يبنون عليه أي أن المجتمع هو أناس وأفكار ومشاعر وأنظمة. وان ما بين مجموعة الأفراد هو علاقات وان ما بين مجموعة وما يتولى السلطان فيها أي يتولى رعايتها وشؤونها هو علاقات. وان ما بين مجموعة من الناس هذه ومجموعة أخرى أي أمم ودول أخرى هو العلاقات, وان المسألة كلها تتعلق بالعلاقات والمصالح القائمة فيكون البحث في أساس ونوع هذه العلاقات وطبيعتها. بقلم : مهند صلاحات