طلت علينا بوجهها القبيح الأزمة المالية العالمية من موطن الأزمات الهالكة الولايات المتحدة الأمريكية والبداية كانت في بداية العام المنصرم بأزمة الرهن العقاري ثم أزمة المصارف الكبرى التي عصفت بالأخضر واليابس في الاقتصاد الأمريكي ومن ثم امتدت الأزمة لتشمل العالم بأسره والذي تنوع مدى وسبب التأثير في كل اقتصاد على حده ، من هذه الاقتصاديات من تأثر بشكل مباشر لارتباطاته الوثيق بالاقتصاد الأمريكي عن طريق الاستثمار المباشر على الأراضي الأمريكية وأنه يستخدم نفس الأدوات الاقتصادية ، ومن هذه الاقتصاديات من تأثر بسبب التبعية السياسية لأمريكا فأجبر على المشاركة في تحمل تبعات هذه الأزمة بشكل أو بأخر ومن هذه الاقتصاديات الأخيرة معظم الاقتصاديات العربية ، ومن هنا تعالت الأصوات المنادية بتطبيق الاقتصاد الإسلامي بجميع أدواته لإنقاذ الاقتصاد العالمي لما فيه من معاملات شرعية تراعي القاعدة الشرعية التي تقول " لا ضرر ولا ضرار " فمن المعروف أنه يندرج تحت هذه القاعدة كل الخير والخير فقط للبشرية كلها في سائر مجالات الحياة ومنها التجارة والمال والأعمال بمختلف أشكاله ، وهنا انقسم علماء الاقتصاد الإسلامي على أنفسهم بين منادي بتطبيق الاقتصاد الإسلامي وبين من يقول أن الاقتصاد الإسلامي مطبق بالفعل ولم يُثبت نجاعته بدليل أن جميع الدول الإسلامية تأثرت هي أيضاً بهذه الأزمة الاقتصادية بل وينتقده ويوصفه بالسبب في تخلف الأمة وتأخرها عن ركب التقدم الحضاري في شتى المجالات ، فبين النقد والمطالبة بالتطبيق تظهر أهمية الفرق بين النظرية وتطبيق النظرية كما هو معروف في جميع المجالات العلمية أن النظرية لن تعطي النتيجة المرجوة إلا إذا طبقنا النظرية بشكل صحيح ولذلك فإن الاقتصاد الإسلامي لم تثبت نجاعته ونجاحه الفعلي إلا إذا طبق بشكل شرعي وصحيح ، ففشل أي اقتصاد يستعمل الأدوات الشرعية الإسلامية فلابد أن يبحث عن أسباب هذا الفشل في طيات تطبيقه لهذا النظام ولا يمكن أبداً أن يعزي هذا الفشل عاقل أبداً فضلاً على أن يكون خبيراً اقتصادية للنظرية والنظام نفسه بعكس النظام الرأسمالي أو حتى أي نظام غير نظام الاقتصاد الإسلامي فلا يمكن أن نعزي أي نجاح له لنظامه الربوي البين والذي يعتمد على الربحية بأي شكل وسيلة دون مراعاة للغية ودون النظر لمصلحة الأخر أو ضرره من عدمه وإنما الصحيح أن هذا الاقتصاد الرأسمالي ممكن يحقق بعض النجاح لبعض الوقت وذلك له أسباب كثيرة لا تمد لنظريته بصله وعلى العكس فإن أي فشل لابد أن تكون النظرية هي السبب الرئيس فيه فلا يعقل أبدأً أن أضع في أحدى المؤسسات المصرفية مالاً وأطلب منهم أن يستثمروه لي وأتقاضى بموجب هذا النظام نسبة ربح ثابتة أو حتى متغيره دون أن أتحمل أي خسارة في حالة تعرض هذه المؤسسة لأحد أسباب الخسارة والتي تكون مؤكده حسب نسبة المخاطر المعروفة لأي نظام اقتصادي في العالم ، وعلى هذا نتمنى على خبراء الاقتصاد في العالم الإسلامي وخصوصاً اللبراليين منهم أن يستمعوا لصوت العقل بل يستمعوا لخبراء الاقتصاد الغربيين أنفسهم الذين شهدوا للنظام الاقتصادي الإسلامي ولا يتبعوا أهوائهم ولا يتكبروا ويتركوا هذا العناد ويرفعوا أصواتهم ويشهدوا للإسلام شهادة حق تنفعهم يوم لا ينفع مال ولا ولد ورحم الله الدكتور عيسى عبده إبراهيم رائد الاقتصاد الإسلامي في مصر وفي العالم العربي في أربعينيات وخمسينات هذا القرن والذي ناضل نضالاً مريراً في وجه نظام جمال عبد الناصر الذي حارب كل ما هو إسلامي في مصر والذي أجبر الرجل على الخروج بنظرية الاقتصاد الإسلامي والذي اعتبارها الرجل قضيته إلى دولة الإمارات العربية حيث أسس هناك في أمارة دبي أول مصرف إسلامي وتبعه المصرف الإسلامي وبنك فيصل في السعودية بل لم يقف نشاط الدكتور عيسى عبده عند إنشاء هذه المصارف على النظام الإسلامي بل هو صاحب نظرية استخدام البترول كسلاح في حرب العرب ضد الصهاينة في أكتوبر عام 1973 وظل في نضاله هذا وظل يحمل راية النظام الاقتصادي الإسلامي تطبيقاً وتدريساً وفي خدمته وهو من أصول مسيحية حتى رحل عن عالمنا عام 1980 فرحم الله الدكتور عيسى عبده ، وسخر الله رجال من تلاميذه ليحمل الراية وهم والحمد لله كثير وإن شاء الله سينصر الله دينه الإسلامي وهو حزمة من التعاليم التي إذ طبقتها البشرية جلبت لهم الخير الكثير في الدنيا وفي الآخرة ومن هذه الحزمة النظام الاقتصادي الإسلامي ولن تكون هذه الأزمة المالية الحالية الأخيرة حتى ينهار النظام العالمي انهيارا تاماً ولن يحل مشاكل العالم إلا النظام الاقتصادي الإسلامي نظرية وتطبيقاً .