اثنان وخمسون عاماً مضت منذ حللت الأقصر لأول مرة.. والصحفى يولد صحفياً كما الرسام والموسيقى.. الصحفى لا يرى الأشياء مثل كل الناس لابد أن يبحث عن شىء ما يضيفه للبشر، وعن إضافة جديدة تبعث شيئاً ما فى جسد الوطن.. شيئاً يصب فى الإصلاح ويدفع عافية المال تتدفق فى شرايين الوطن.. أعجبت بالأقصر ولكن تعجبت أنها مجرد مدينة من مدن محافظة قنا.. تعجبت أن تكون الزقازيق عاصمة محافظة والأقصر لا؟!! والفيوم عاصمة محافظة والأقصر لا؟!! والمنصورة - رغم حبى لمسقط رأسى ميت رومى مركز دكرنس دقهلية - عاصمة محافظة والأقصر لا؟! عدت وكتبت فى مجلة «الجيل» أطالب بالأقصر محافظة!! كانت رحلتى ضمن خطة عبدالناصر فى أن يكون المصرى مفتوناً ببلده فيرتفع بها.. كانت رحلتى لمرافقة مجموعة من مجموعات طلبة (التوجيهية) الثانوية العامة الآن الذين قرر الرئيس أن يذهبوا جميعاً إلى الأقصر بنين وبنات وأن يكون اشتراك الرحلة جنيهاً واحداً وكانت إقامة البنات فى (قصر السلطانة ملك) أرملة السلطان حسين كامل كنت كل مرة لا أكتفى بروعة ما أرى ولكن أطمع فى المزيد للمدينة القلب، فهى قلب مصر وعقلها بلا جدال. وزاد طمعى فى كل جديد وفكر منتصر للمدينة حينما أصبحت مدينة مستقلة.. وتنامى هذا الطمع حينما وصل إلى سدة الحكم فيها أحد الذين ضفروا الثقافة بالعسكرية فأصبح الانضباط فى تحقيق الأحلام.. واتسع الحلم وأصبحت محافظة... وكنت فى كل مرة منذ أول سفرة وشاهدت أسرة تهبط إحدى المقابر وأظنها مقبرة رمسيس السادس حيث فى بدايتها كيف يرسم الرسام ثم يصحح له أستاذه الرسم باللون الأحمر.. رأيت أماً وأباً ومعهما طفلهما ومعه كراسة رسم وألوان.. يرسم ويخطط فى الكراس ما يراه.. وتحدثت إليهما وقلت لهما: هل سوف ترعيانه ليكون رساماً حينما يكبر؟ ولكن الأم قالت لى: - لا.. أريد أن أعرف كيف تأثر برسوم قدماء المصريين. ولازمنى سؤال بعد ذلك فى جميع زياراتى التى أشاهد فيها أطفالاً مع أسرهم وخصوصاً فى عام ستين حينما التزمت بباب الأطفال فى جريدة «الأخبار» فكنت التقط صورهم وأحاورهم لأكتب ماذا يبقى منهم من مصر بعد عودتهم. وكبرت معى الفكرة حينما سافرت إلى إنجلترا وكان معى أولادى عام ٧٢ والتقطت ابنتى أمل صوراً فى قلعة وندسور وعادت لتحكى لأطفال الأسرة بل لكبارها عن القلق مما جعلهم فيما بعد يسافرون إلى إنجلترا لا يتكالبون على التسوق فقط بل يزورون قلعة وندسور وبرج لندن ومتحف إنجلترا، أحسست أن الطفل ممكن أن يكون استثماراً جيداً لنقل صورة أى بلد تنامت فكرتى فى أن يكونوا دعاة للسياحة. ومنذ أن تولى د. سمير فرج مسؤولية الأقصر أشاهد ما يحدث ولكن تطغى فكرة استثمار وجود أطفال العالم كدعاة «جيدى» الأسلوب ببراءة وليس فيها شبه الدعاية الفجة. أحلم بمكان صغير فى كل فندق به أوراق وألوان بحيث يرسم الأطفال مشاهدتهم حتى لو كانت المراكب فى النيل أو الحناطير وصولاً لمعبد الأقصر المضفر بالبلدة ومعبد الكرنك الذى ترتفع أعمدته ويرفع الطفل رأسه إلى أعلى فى منظور جديد للوحة توصل المتعة. ثم أحلم بالفندق يجمع اللوحات ويقيم معرضاً لها. أما الحلم الأكبر فأسوقه لمحافظة الأقصر المحافظة الوليدة والتى يحمل قلبها إبداع المصريين ورومانسيتهم الدينية وتاريخهم فى المجتمع والحكم والزراعة والصناعة.. كتاب مفتوح جيد التوصيل بالفن! أحلم بمبنى به استديو أو أكثر معد إعداداً كاملاً للرسم والتشكيل بالطين والخشب، وفرن لحرق الخزف، وبه متحف صغير به مستنسخات تحكى تاريخ مصر وتطور الأسرات، وأحلم بنهر النيل من إطلالته العبقرية على البحر الأبيض متصدراً خريطة مجسمة لمصر كلها بما فيها البحر الأحمر، النهر يمتد على مساحة كيلومتر أو أكثر حسب التساهيل وعليه تنتثر فى مواقعها الطبيعية آثار مصر من إسلامية وقبطية وفرعونية ورومانية على الخريطة وأماكن الصناعة والزراعة، ومن خلال سيارات الجولف الكهربائية يتمشى الزوار والأطفال خصوصاً لأنهم أصحاب استديو الرسم.. أعلم أن محافظ الأقصر منشغل الآن بمشاكل كثيرة مترامية الأطراف.. ولكن أحب أن نكون من يستطيعون بناء الأوبرا باليمين وإصلاح المجارى بالشمال!!! رغم الاكتئاب العام والاكتئاب الخاص.. مصر جاية.. لأن مصر هبة المصريين أصحاب الكيمياء الخاصة التى جعلتهم أصحاب حضارة ممتدة من حتشبسوت، إخناتون والفلاح الفصيح.. حتى أحمد زويل الذى اصطفاه أوباما مستشاراً للبيت الأبيض. وفاروق الباز ومحمد البرادعى وعمرو موسى الدبلوماسى المبدع ود.مصطفى السيد ود.محمد غنيم ود.حسن أبوالعينين ورحم الله أستاذ الكبد يس عبدالغفار وغيرهم وغيرهم وعذرا واعتذاراً لمن نسيتهم.. هذا ليس حلماً ولكن علم.. علم بالتنفيذ وحلم أيضاً بالعائد العظيم.. فهل فى زحمة أعمال محافظ الأقصر يمكن تحقيق ذلك؟