فاجأنى تقرير نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية، وهى من أعرق الصحف فى المملكة المتحدة، كى لا يعتقد من سيقرأون الخبر أنها من صحف الإثارة، بقوله إن مصر من أكثر دول العالم استهلاكاً للحشيش.. والسبب فى كتابة التقرير أن هناك أزمة فى سوق الحشيش منذ ثلاثة أشهر تقريباً، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وبدأ المحششون يبحثون عن بدائل أخرى.. وأضاف التقرير: «إن علبة الحشيش بحجم علبة الشوكولاته الصغيرة، كانت تباع بسعر ١٨٠ جنيهاً إسترلينياً وصارت تباع الآن بضعف السعر فى بلد أصبح الحشيش فيه جزءاً من ثقافة الناس، مما جعل نقصانه يسبب صدمة لهم».. ونقل التقرير إلى أن لوم «المحششين» وقع على الحكومة التى اتهموها بافتعال الأزمة لإجبار الناس على الاتجاه لأنواع أخرى من الإدمان طبعاً أنا أعترض بشدة على العبارة الأخيرة، ففيها قدر كبير من نظرية المؤامرة، ولو أن الشارع المصرى كان يفسر أن اختفاء الحشيش سببه أزمة مفتعلة من الحكومة سوف تفرج مع الانتخابات.. يعنى الشعب يتكيف وينتخب أو ما ينتخبش مش مهم فالنتيجة محسومة.. والأهم فى رأيى من السبب هو تصنيف الحشيش على أساس أنه جزء من الثقافة المصرية. وللأسف هم محقون ولكن ليس للغالبية من الشعب.. طبعاً لا يمكن إحصاء عدد من يتعاطى الحشيش.. ولكن دراسة رسمية صدرت عام ٢٠٠٧ أكدت أن ٨% من الـ٨٠ مليوناً يتعاطون المخدرات، خاصة نبات البانجو.. الحشيش جزء من ثقافة فئة معينة من الناس.. يجاملون بعضهم ويشترونه لزوم الفرح، فبدلاً من توزيع المِلْبِسْ و«الحاجة الساقعة» يوزع الحشيش، وفى الكثير من الأحياء الشعبية، تماماً على طريقة اللمبى، يحتفل الناس بالعريس بالحشيش والبيرة،
وكان الاعتقاد السائد فى الماضى أن متعاطى الحشيش هم فئة العاطلين والحرفيين، ولكن المعطيات الأخيرة أو الأزمة الأخيرة كشفت عن أن الحشيش أصبح لا يفرق بين غنى وفقير أو بين جاهل ومتعلم أو بين رجل وامراة.. وهنا الكارثة.. شباب الـ«فيس بوك» احتجوا على ارتفاع أسعار الحشيش عن طريق إنشاء جروبات أو مجموعات يطالبون فيها الحكومة المصرية، بل والحكومات العربية، بتوفير الحشيش،
بل دعا بعضهم الحكومة بالإشراف على توزيعه لمنع ارتفاع أسعاره فى السوق السوداء، وحثوا الحكومة على سرعة التحرك وتوفير الحشيش لأن «الدماغ فى خطر»، على حسب تعبير إحدى المجموعات، وإذا ما توقفنا أمام أسماء هذه الجروبات نجد مثلا «رابطة محبى الكيف فى مصر» وغيرها والمهم أن هذه المجموعة لا تنكر وجود الحشيش ولكن تعترض على ارتفاع أسعاره بسبب ضبطيات وزارة الداخلية الأخيرة، ويتساءلون: «حنلاحق على إيه على السجاير ولا كروت الشحن ثم يتساءلون: هى الحكومة عايزة مننا إيه؟ مالناش دعوة بجد.
الكارثة أنه حلاً للمشكلة يدعو شباب آخرون فى مجموعة «هو الحشيش فين» إلى تعاطى البانجو.. وهو أمر يرفضه أعضاء مجموعة «أين اختفى الحشيش؟» ولم يتوقف الأمر عند مجرد الشات أو الدردشة للمشاركة فى الأمر، بل دعا بعضهم لحملة شعبية لتوفير الحشيش فى مصر.. ما يحدث يثير الكثير من علامات الاستفهام.. لن أدخل فيها أرفض تماماً أى قول بأن الظروف الاقتصادية هى التى تدفع الشباب للحشيش.. فأموال الحشيش لو جمعت فى شهر أو سنة من شأنها أن تستخدم فى أى مشروع صغير.. لكن المشاريع بحاجة إلى دماغ صاحية.
ولا أصدق «أن أحلى دماغ هى التى تخرج أحلى شغل» أو العبارات الأخرى المماثلة.. للمرة الثانية فى شهرين أكتب عن الحشيش ولكن جروبات الـ«فيس بوك» استوقفتنى. واستوقفنى إحساس الشباب بأن مطالبهم عادلة ولا يشعرون أنهم يؤذون صحتهم.. فالحشيش يؤدى إلى تليف فى الكبد والتهاب فى المخ والقلب وتآكل ملايين الخلايا العصبية وأحياناً من الممكن أن يؤثر على البصر والسمع والتركيز... والأهم أنهم يرفضون الاعتراف بأنه إدمان على طريقة مسرحية فارس بنى خيبان: «بقالى عشرين سنة بشرب الحشيش ولسه ما أدمنتش».. وإذا كان المدرسون فى المدرسة يتعاطون الحشيش فما الذى نتوقعه من الطلبة؟!