حلم الثراء السريع لمواجهة شبح الفقر والبطالة, الغيرة القاتلة من الشباب العائد من ايطاليا يستقل السيارات الفارهة ويعيش في قصور وفيلات جعلت من شباب قريتي تطون وشدموه بمركز أطسا بالفيوم يلهثون وراء السفر بطرق غير شرعية حيث سجلت هاتان القريتان أعلي نسب في السفر بطرق غير شرعية وفي نفس الوقت أعلي نسب في وفيات وفقدان الشباب ضحية لهذا النوع من السفر سعيا وراء أوراق اليورو التي دائما ما تكون ملطخة بدماء شباب القريتان حيث وصل عدد الذين غرقوا وفقدوا حياتهم خلال السنوات الماضية من ابناء قريتي تطون وشدموه فقط الي ما يزيد علي265 شابا, ورغم ذلك مازال شباب القريتين يقبلون علي رحلة الموت الي ايطاليا بنفس الطريقة التي تفتقر الي الشرعية وتحتل محافظة الفيوم المركز الأول في اعداد المهاجرين غير الشرعيين خاصة من ابناء قرية تطون. وكان آخر تلك الحوادث منذ ما يزيد علي ثلاث سنوات حيث لقي ستة شباب من أبناء القريتين حتفهم خلال الرحلة غير الشرعية الي إيطاليا بعد انقلاب وتفجر المركبين قرب الحدود الإيطالية ليبلغ عدد الضحايا265 شابا من أبناء تطون وشدموه بالفيوم. وكلتا القريتين من مركز إطسا بمحافظة الفيوم الأولي وتطون تبعد نحو63 كيلو مترا عن مدينة الفيوم والثانية شدموه تبعد نحو20 كم عن مدينة الفيوم. تاريخ الهجرة غير الشرعية بدأت الهجرة من الفيوم الي إيطاليا من قرية تطوان منذ أكثر من28 عاما فقدت القرية خلال هذه السنوات ما يقرب من119 من خير شبابها ورغم هذا النزيف المستمر من خيرة الشباب فإن الهجرة مازالت مستمرة وفقدها لشبابها مازال مستمرا. وإن قصة الفلاح الذي فقد اثنين من أولاده وهما في ريعان شبابهما وتسفيره لابنه الثالث خير شاهد ومعبر عن سلوكيات هذه القرية تجاه الاصرار علي سفر أولادهم الي إيطاليا.. فقد اتفق الأب مع المندوب أو السمسار لسفر ابنه الأول مقابل35 ألف جنيه وعندما غرق الابن ومات عاد السمسار ليرد المبلغ الي الأب فرفض الأب وقال المبلغ لسفر شقيقه الثاني وتكرر الحال وأكلت حيتان البحر المتوسط الابن الثاني فعاد السمسار ليكرر اعادة المبلغ فرفض الأب أيضا وقال له المبلغ لسفر الابن الثالث الذي كان يبلغ من العمر وقتها نحو14 عاما وسافر هذا الصبي ومازال هذا الابن في إيطاليا منذ أكثر من أربع سنوات ليجمع ورق اليورو الملطخ بدماء أقرب الناس اليه وهما شقيقاه وهذا الحال في معظم تلك السفريات. إن ما يحصلون عليه من يورو ملطخ بالدماء دماء الأقارب والأهل وأبناء القرية. رحلة الموت وراء اليورو وقد التقي( الأهرام المسائي) مع العديد من الأهالي من قريتي تطوان وشدموه لرصد تأثيرات وأسباب هذه الهجرة من كل النواحي. يقول مكاوي سعيد من أبناء قرية تطون إن الهجرة الي إيطاليا من هذه القرية بدأت منذ عام1979 عندما هاجر عدد قليل بعد فشلهم في الحصول علي عمل في العراق وعدم توافر فرص عمل في مصر. ويقول صلاح عبد الوهاب إن شقيقه عادل لقي مصرعه غرقا في مياه البحر في محاولة فاشلة للسفر الي إيطاليا ويقول انني كنت في إيطاليا وقت وفاته وكنت في انتظاره ولما علمت بوفاته عدت الي الفيوم لأشهد جنازته والعودة مرة ثانية الي إيطاليا. يقول إن الرحلة أو الهجرة غير الشرعية الي إيطاليا تبدأ من القاهرة أو الاسكندرية بالاتفاق مع أحد السماسرة أو المندوبين فهم يمثلون مكاتب سياحة أو متخصصين في هذه الرحلة غير الشرعية ويتم الاتفاق مقابل مبالغ مالية تتراوح بين30 و40 ألف جنيه عن الفرد الواحد ثم يتم السفر الي ليبيا وهناك تتم مقابلة السمسار الليبي ويتم تجميع الأعداد الراغبة في السفر في منطقة تسمي المخزن وهي عبارة عن مزرعة أو اسطبل مزرعة يتم تجميع الراغبين في السفر في هذا المكان يعيشون اياما تصل أحيانا الي شهر في ظل معاملة غير آدمية علي الإطلاق لحين ان إتمام الاتفاق مع أصحاب المراكب أو الجرافات وهي عبارة عن مراكب صيد أو جرافات صيد وليس سوي ذلك وقبل أن نركب في هذه المراكب يسحب منا كل ما يشير الي هويتنا ونلبس ملابس الصيادين لأنه عندما يتم القبض علينا أو الوصول في حالة النجاة الي إيطاليا نقول إننا من العراق أو فلسطين أو أي دولة بها حروب علي أننا لاجئون هربا من مخاطر الحروب. وعندما تتعرض المركب وهي في عرض البحر لأي مخاطر أو مهاجمة من الشرطة الليبية أو الإيطالية يقوم صاحب المركب في الغالب بقلب المركب ليغرق كل ركابها والكل يموت ولا أحد يعرف عنهم شيئا. ويؤكد أنه رأي بعينيه في المركب الذي كان يستقله أكثر من60 راكبا لم يصل منهم سوي20 راكبا فقط, والباقون لقوا حتفهم غرقا واحدا تلو الآخر. كما يؤكد عبادة السيد من شدموه ومحمد الخطيب من شدموه ايضا ومحمود ابراهيم من تطوان ان طبيعة العمل في ايطاليا هي عبارة عن أعمال السباكة والبناء والحدادة والنجارة وغيرها من الحرف. وأننا نحصل علي نحو150 يورو في الساعة مقابل هذه الأعمال والقيام بأعمال أخري لصاحب العمل. ويقول جمعة مبروك ـ عامل من قرية شدموه ـ ان شقيقه عماد مات خلال رحلة مشئومة غير شرعية ايضا الي ايطاليا. وتقول زوجة المتوفي عيد محمد شعبان انه قبل سفره رهن المنزل ليحصل علي35 الف جنيه للسمسار وانه تركها مع اولاده الصغار ـ محمود3 سنوات ورحمة وشاهنده سنتان ونصف السنة. فقرية تطوان هي عبارة عن قرية ايطالية محلاتها تحمل اسماء ايطالية ميلانو, جوهرة ميلانو, روما ميلانوكلين, دريم روما وغيرها من اسماء وضعت علي محلات لم تشهدها قري مصر من قبل وهي مغاسل للملابس ومحلات للصرافة ومحلات لبيع الذهب وغيرها من مظاهر الثراء. كما ان شارعا في مدينة ميلانو يسمي تطون ويسكنه اهالي القرية كما افتتحت محلات للصرافة بالقرية لتداول كل شيء من العمارات الي الاراضي يباع ويشتري بعملة اليورو. حتي المستلزمات اليومية من الخضار والفاكهة وبهذا السيناريو المرعب فان90% من شباب قرية تطون سافر الي ايطاليا, وبالطبع اكثر من35% من هذه النسبة اما اكلته حيتان البحر المتوسط او عادت جثته لتدفن بمقابر القرية ورغم ذلك لا تزال مثل هذه الرحلات غير الشرعية محل اقبال من شباب القرية ليعودوا بأوراق اليورو الملطخة بدماء ذويهم ورفقائهم الذين فقدوا حياتهم في مثل هذه الرحلات. وحول التحليل النفسي لتلك الظاهرة تقول الدكتورة ايمان صبري رئيسة قسم علم النفس بكلية الاداب جامعة الفيوم ان هجرة الشباب غير المشروعة لها دوافع نفسية وليدة البطالة والفراغ الذي يعاني منه الشباب مما يسبب لهم حالة من الضيق والاكتئاب النفسي وهذا هو ما دفع الشباب الي الهجرة بحثا عن حياة افضل في الضفة الشمالية للبحر المتوسط وهذه الظاهرة ما هي الا تجليات الميكانيزمات النفسية جعلت الشباب يهاجر بطرق غير مشروعة, كالحيل الدفاعية التي يستخدمها الفرد للهروب من مشكلة ما. ومن هذه الحيل الازاحة وهي دفع النموذج السييء وفي هذه الحالة التخلص من البطالة او الصورة السيئة التي كانها ازاء نفسه, ويقول الدكتور جلال مصطفي سعيد محافظ الفيوم انه في اطار الجهود التي تبذل لمحاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بحلول جديدة وغير تقليدية وخاصة لدولة ايطاليا قامت الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الاسرة والسكان والحكومة الايطالية بتوقيع بروتوكول يتضمن تنفيذ حملة اعلامية في اطار مشروع لتوعية الشباب المصري بالهجرة الامنة وبدائلها وفي هذا السياق وضعت السيدة مشيرة خطاب وزيرة الدولة للاسرة والسكان مع الوفد الايطالي الخطوط الرئيسية للمنهج التعليمي الذي تنفذه الوزارة مع ايطاليا في اطار المشروع الذي تقوم خطة العمل فيه علي تطوير وانشاء عدد من المدارس الصناعية بغرض تدريب العمالة المصرية علي اعلي مستوي لتأهيلهم للعمل في المجالات الحرفية المختلفة التي تتطلبها السوق الايطالية لتوفير بدائل جديدة لمحاربة الهجرة غير الشرعية وضمان سفر ابنائنا بطريقة امنة. وقد وقع الاختيار لبدء تنفيذ المرحلة التجريبية للمشروع علي محافظة الفيوم حيث انها تحتل المركز الاول في اعداد المهاجرين غيرالشرعيين وخاصة من ابناء قرية تطون علي ان تعمم التجربة بعد ذلك في باقي المحافظات. وتم اختيار المدرسة الفندقية بقارون والمدرسة الصناعية باطسا بمحافظة الفيوم لتطويرهما وامدادهما بالمعدات والامكانات اللازمة للتطوير علي ان تبدأ الدراسة بهما في سبتمبر المقبل.