لقد وعد الرئيس فى برنامجه الذى عرضه قبل الانتخابات الماضية ببنود كثيرة، كان أهمها إلغاء قانون الطوارئ، ومنذ ذلك الوقت نشرت الصحف الحكومية وأذاع تليفزيون الدولة عدة مرات فى برامج كثيرة، أن برنامج الرئيس قد تم تنفيذه بالكامل خلال الولاية الخامسة للرئيس، ولم يذكر أحد منهم أن أهم بند فى البرنامج قد سقط سهواً، ولم يذكر الرئيس سبباً واضحاً أو منطقياً لأن يعيش جيل كامل من المصريين من مولده إلى مماته تحت حكم الطوارئ، بينما الرئيس طوال الوقت يزور دولاً أوروبية مرات ومرات، ويذيع التليفزيون برامج ضخمة عن الديمقراطية فى هذه الدول، وحدثت تفجيرات كبرى فى لندن ولم يحدث شىء ولم تعلن الطوارئ ولم يقبض على عشرات الألوف من سكان لندن. قال الدكتور مفيد شهاب بصوت جهورى وثقة شديدة فى مجلس الشعب إن قانون الطوارئ لن يُنفَّذ بأى حال من الأحوال إلا فى حالتى الإرهاب وتجارة المخدرات، وتعلم مصر كلها أن د.شهاب عندما يقول شيئاً فهو فى الأغلب يعنى عكس ما يقول وهذا ليس بجديد، فالدكتور كان أكبر نصير للاشتراكية وأستاذاً فى محاضرات منظمة الشباب، ثم ليبرالياً كبيراً، ثم أصبح يدافع بكل قوة عن النظام الرأسمالى. عندما قال شهاب قولته هذه، ممثلاً عن الحكومة وعن رئيسها الذى صرح بنفس الكلام بدقة وأيده فى ذلك نواب الحزب الوطنى أجمعون، كنت أتوقع من السيد شهاب وزملائه - على الأقل حفاظاً على ماء الوجه ولا أقول الكرامة - عندما يقبض الأمن على مجموعة من شباب الجمعية الوطنية فى دمنهور أو على بعض مؤيدى مرشح مستقل عن الإخوان، أن يقولوا شيئاً أو يقدموا اعتذاراً بأنهم كانوا يضحكون على دقن الشعب. كل الحكاية أنه كانت هناك مجموعة بسيطة من الشباب تجمع توقيعات من المواطنين على بيان الجمعية الوطنية للتغيير الذى يطالب بتعديل عدة مواد من الدستور وتطالب بتعميق الديمقراطية فى مصر، وتم القبض عليهم باستخدام قانون الطوارئ أو قانون الغابة، ولم يحتج شهاب أو يعترض أو حتى يشجب وهو الخبير فى بيانات الشجب منذ ستينيات القرن الماضى. ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث لا منه ولا من الذين وافقوا على مد الطوارئ. هل القبض على بعض مؤيدى المرشحين من جماعة الإخوان المسلمين بواسطة قانون الطوارئ تم لأنهم قاموا بعمل إرهابى أو قاموا بتهريب الحشيش، أم أن السبب الوحيد أنهم منافسون أقوياء وسوف يكتسحون مرشح الحزب الوطنى؟ يعلم الجميع أنه بدون الطوارئ والتزوير فإن فرصة مرشح الحزب الوطنى دائماً ضعيفة، إن لم تكن معدومة، فى أى انتخابات حرة، وقد أثبتت الجولة الأولى فى الانتخابات الماضية لمجلس الشعب أن الحزب الوطنى قد حصل تحت قيادة المايسترو أحمد عز على ٢٣% من المقاعد، وهى المرحلة التى كان التزوير فيها محدوداً، وبعد أن اكتشف أحمد عز شيئاً معروفاً للجميع وهو أن الحزب الوطنى دون «الداخلية» يساوى صفرا كبيراً قاد أعضاء الحزب والمناصرون له بقيادة شهاب الحملة العظيمة التى انتهت بإقصاء القضاء عن مراقبة كل صندوق حتى يتم التزوير بسهولة. قانون الطوارئ يا حضرات القراء مستمر كما هو بنفس الطريقة، والحكومة بأكملها غير صادقة حين قالت إن القانون لن يطبق إلا فى الإرهاب والمخدرات، والدليل موجود من أول يوم وفى كل يوم. إن العشرين شهراً المقبلة فى تقدير النظام هى حاسمة فى استمرار نفس النظام ونفس الديكتاتورية ونفس الفساد ونفس تردى وضع مصر عربياً وأفريقياً ودولياً. كل مصرى فى كل مكان داخل الوطن عرضة للاعتقال ليس لأنه إرهابى أو مهّرب ولكن لأنه وطنى يعشق تراب بلده ويريد له ولأولاده مستقبلاً أفضل وحرية، ويريد أن يقول رأيه فى أن التغيير أصبح ضرورة. العالم كله يتغير، معظم الدول الديكتاتورية أصبحت ديمقراطية، الحكام الذين استمروا فى الحكم عشرات السنوات مضى عهدهم إلى غير رجعة. إن قانون الطوارئ سوف يسقط جميع النواب من الإخوان وغيرهم من النواب المستقلين الأحرار الذين دافعوا عن شرف الوطن فى وجه نواب الفساد والقمار والتهريب ورشوة القضاة ووزراء بيع الأراضى بأبخس الأثمان الفساد الذى لم يسبق له مثيل، وما خفى كان أعظم. لكل هذا كان لابد من استمرار الطوارئ مع تجميل شكلى ليس له أهمية، ولم يخل ذلك على أحد فى الداخل أو الخارج، الأمر أصبح واضحاً.. قادة النظام يريدون أن يحكموا العزبة التى ورثوها بالصدفة البحتة وفى ظروف غريبة ومذهلة، ويريدون أن يستمروا إلى الأبد ولم يعد يهمهم أن يجف نهر النيل، أو تضيع أراضى مصر، أو تسقط مصر بالكامل فى قبضة استعمار جديد، لم يصبح أمن مصر له أهمية وإنما أصبح أمنهم الشخصى هو الوحيد الذى له أهمية، وليذهب المصريون بتاريخهم وحضارتهم ونضالهم إلى الجحيم، ولنبق نحن البنائين الكبار للفساد والتهريب والمحسوبية.. وعاش قانون الطوارئ للأبد. قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.