قال تعالى : ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ...) آل عمران الآية 145 وقال تعالى ( .... وما تدري نفس ما ذا تكسب غداَ وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ) لقمان الآية 34 انفض المعزون ، وانتهت أيام العزاء في وفاة خاله ، وأسدل ظهره علىالأريكة متكئ على الوساد ، أخذ بطرف غترته يمسح بقية دمع في مآق عينيه ملتفت إلي قائلا : يا بني لما العجلة ، أبق معنا بقية الوقت ، لا أريد منك الذهاب هذه الأيام ألا بعد حين ، فقلت له يا عماه إنني في عجلة من أمري ، محكوم في وقتي ، وليس لدي متسع ، فقد قمنا بما يمليه علينا الواجب فقال : جزاك الله خيرا على ما قمت به في حقنا ، وبلغ سلامي على الأقارب هناك ، فقلت : سمعا وطاعة فقال لي : إبق معي قليلا أحدثك حديثا لا تمله الأسماع ، وتحتاجه العقول قبل القلوب في كافة الأصقاع وحدث به من تشاء لعل القلوب ترعوي وتهتدي ، فقلت على الرحب والسعة فالوقت لك وأنا معه ، فقال : بعد أن أخذ نفسا عميقا مطرقا بنظره إلى الأرض متأملا متفكرا معتعظا متمثلا بقول لبيد بن ربيعة فلا جزع إن فرق الدهر بيننا *** فكل امرىء يوما به الدهر فاجع وما المرء إلا كالهلال وضوئه *** يحور رمادا بعد إذ هو ساطع مضيف إليــه قوله أيضــا ذهب الذين يعاش في أكنافهم *** وبقيت في خلق كجلد الأجرب يابني إن هذا الميت الذي دفناه وصلينا عليه وتقبلنا العزاء فيه ، لهو رابع أربعة دفنتهم بيدي هذه ، مات عمي ، ثم لحق به أخوه ، ثم توفي أخي ، ثم خالي هذا لحق بهم جميعا ، وكل أولئك الأربعة كانوا قبل سنين مضت يتألمون ويحترقون ، ويهرعون ، ويستغيثون ، لنجدتي من مرض يصرعني وأشرف معه على الموت في كل حين ، وفي كل وقت يقولون قبض الله روحه ، كان هذا المرض يداهمني ، في المسجد ، في المنزل ، في السيارة ، في الشارع ، ولكل عرف بقصته معي ، لا زمني هذا المرض يابني طيلة خمسين سنة ، إلى أن تم شفاىء منه كما تعلم قبل أربع سنوات والله يابني سبحان الدائم ها أنا ذا بقيت بعدهم وحيدا فريدا حي أرزق ، وسبحان الله العظيم الذي كتب لي الحياة بعدهم وهم في قلق علي من الموت ، وهم الآن في عداد الأموات لم يستطيعوا دفع الموت عن انفسهم ، جمعني الله وأياهم في الفردوس الأعلى ، وأدعو الله أن يحسن خاتمتي ، ثم أنهمر باكيا وشاركته في بكائه ، وبعد أن هدأ قبلت رأسه وعينيه مودعا له داعيا الله له بطول العمر على طاعته في صحة وعافية كما سرور