أقعدها الشلل. ولم تفارقها سكينة الإيمان وابتسامة الرضا بالقضاء ولم يعرف الانفعال الذى جبلت عليه منفذا إليها حتّى بلغها قرار النظام السابق منع السفر، لتظهر عليها أعراض الفوبيا المرضية من تعرق وتوتر وقلق أفرزه الشعور بالتقييد والاختناق والاحتجاز حتى جاءوا بموافقة تتيح لها السفر متى شاءت.
لتختفى الأعراض وتعود الابتسامة على الرغم من عدم سفرها، لكنه الشعور بالحرية. تلك هى والدتى، رحمها الله، التى أتساءل عمّا كانت ستفعل الآن والبلاد محاطة بحواجز الاحتلال (الكونكريتية) التى تقف كأشباح عملاقة بين زقاق وزقاق؟ وماذا يفعل من بقى أسيراً فى عاصمة الرشيد تقضّ غفوته تفجيرات وتجاوزات حيث لا غطاء أمنى ولا حكومة؟ ماذا سيفعل وهو يجتر مرارة الكذب وفشل الانتخابات وسقوط الديمقراطية فى هاوية الاحتلال؟
ماذا سيفعل والسيوف تُسّن لتجتز عنق بغداد؟ والاحتلال قرر وحاشيته بناء سور (خرسانى) بثمانى بوابات وخنادق حول العاصمة لعزلها عن المحافظات والدخول إليها ببطاقات ممغنطة وربما بتأشيرة دخول بحجة حمايتها من التفجيرات الإرهابية والمفخخات التى يعرفون جيداً أنها تصنّع فى داخل بغداد تحت إشراف الأحزاب والميليشيات الطائفية؟
لكنهاخدعة جديدة لضخّ المليارات، كتلك التى خصصها النظام لحفظ الأمن وإعداد الجيش وشراء الأسلحة التى سيثبت بناء السور فشلها لا ضعفاً بل عمداً كى تستمر مؤامرة التقسيم وتوزّع الكعكة تحت الشعار الميكافيللى (الغاية تبرر الوسيلة)، ولو احترقت البلاد بأسرها الكلّ يتفرج وأصحاب الشعارات نيام والأحرار مهجّرين أو مقيّدين. وإلاّ!
ألم يكن الشعب والمؤسسات التعليمية والصحية وإعمار البنية التحتية، والمصالحة الوطنية ونبذ الطائفية وسيادة العدالة والقانون وتشديد العقاب على المفسدين، وإخلاء السجون من الأطفال والنساء والأبرياء، وتوفير اللقمة للطبقة الفقيرة ورفع الدخل، وإطفاء السعار المحموم على السلطة، باختيار الأفضل والأصدق ولاءً وانتماءً وغيرة، أحقّ بما أهدر ويهدر من مليارات تبيحها العمولات؟
بناء السور جريمة اغتصاب علنى لحرية الفرد بوضعه تحت إقامة جبرية فى الوقت الذى تحتفل فيه شعوب العالم بتحطيم الأسوار، فالحماية ليست بالأسوار وإلا كان سور بغداد القديم حماها من غزو هولاكو وجيشه! الأسوار وهم حماية للنظام وأزلامه المذعورين التى لم تستطع متاريس وحواجز المنطقة الخضراء حمايتهم.
القادم من الأيام صعب وخطير، والأرض تُعدّ لفتنة وحرب أهلية يراد بها القضاء على ما بقى من العراق إذا ما نفذوا مخططهم فى تغيير التركيبة السكانية والجغرافية والطائفية. كخطة تحويل (سامراء) إلى محافظة خاصة بهم وتحجيم أهلها وربما تهجيرهم بما يدّعونه من أحقيّتهم بمقام الإمام (على الهادى ومكان غيبة الحجة المنتظر «من الأئمة الاثنى عشر» رضى الله عنهما) والأيام المقبلة ستبدى الكثير لو استمر الصراع السلطوى المستميت كما هو عليه.
فـ(الحقونا) يا علماء النفس وأطباءها للبحث عن معجزة شفاء من فوبيا الأسوار المبنية من (كونكريت) الاستعباد والاستبداد حول نبض الحرية والفكر والكلمة والديمقراطية وحقوق الإنسان والآدمية، بل وحتى الحب والرومانسية لغلق كل منافذ الأمل وصلب الإرادة على أعمدة الترهيب والتنكيل. (الحقونا) يا دعاة الحرية، فالأمة ممزقة والاحتلال (الأمريكى الشرقى) يحكم قبضته ومنظمات العدل والحق نيام.
إليك:
أنا وأنت وأعوام من الصبر وصور محفورة على ذاكرة الغربة. عتب ولوم وبكاء بلا دموع. وسيرة فتحت على ألف سؤال بين أسوار حذر. أنا وأنت وحلم يسافر بنا الى عالم اللاخوف واللاهمهمات. لآتيك نورسا مفرود الجناح. روحاً شفافة تبحث عن فضاء أمان لا تتربصه أكفّ الحماقة والألسنة المفخخة بالعهر. والوجوه الملوّنة بالمكر ونوايا الغدر.
أأتيك أبحث عن بريق عينيك يضىء لى ليلى المسكون بالسهد. عن كروان يملأ سماءك تضرعا وتسبيحا. عن رشفة ودّ وهمزة وصل. أأتيك زهرة نرجس بيضاء تحمل ما بقى من العمر ممزوجاً بمسك الأرض وعنبر الوجد. تهمس إليك من لبّ الروح أن اشتقتك، يا.... سيد التفاصيل المختبئة فى تابوت الأسرار.