«الجنرال الهارب».. هكذا كان عنوان مقال مجلة «رولينج ستون»، الذى أدى إلى الإطاحة بالجنرال ستانلى مكريستال، قائد القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلنطى فى أفغانستان، من منصبه.
ويبدأ المقال بأنه فى منتصف شهر أبريل الماضى، ذهب مكريستال إلى العاصمة الفرنسية، باريس، تلبية لدعوة وزراء فرنسيين له لكى يقدم ما لديه من جديد فيما يتعلق باستراتيجية حرب أفغانستان، وللتأكيد على أهميتهم كحلفاء، أدت مشاركتهم فى أفغانستان إلى فقدان أكثر من ٤٠ جندياً من جنودهم فى الحرب.
لكن «رولينج ستون» تنقل عن مكريستال إعرابه عن مقته الشديد للعاصمة الفرنسية، التى لا يشعر فيها بالارتياح، كما أنه سخر من الوزراء الفرنسيين ووصف بعضهم بـ«الشواذ»، وأكد أنه «يفضل أن يركله جميع الحضور فى الغرفة على ظهره، بدلا من التوجه إلى باريس التى يكرهها بشدة».
ومنذ تولى مكريستال منصبه، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولة الرئيسية والأساسية عن الحرب الأفغانية، وذلك بعد أن بدأ الاعتراض على الحرب فى الظهور، خلال أوائل الشهر الجارى، حينما قدم الرئيس الألمانى هورست كولر استقالته بشكل مفاجئ، بعد الإدانة الواسعة التى تعرض لها بسبب تصريحات أطلقها حول الدور الاقتصادى والمالى لتدخل بلاده العسكرى فى أفغانستان. كما قرر كل من كندا وهولندا سحب ٤.٥٠٠ من جنودها من أفغانستان.
وتشير المجلة إلى أن مكريستال منذ البداية كان لديه الرغبة فى أن يضع بصمته الخاصة على أفغانستان، لاستخدامها كمختبر للاستراتيجية العسكرية المثيرة للجدل.
وعلى الرغم من مرور عام واحد فقط على تولى مكريستال قبضة الحرب فى أفغانستان، فإنه قرر وخلال وقت قصير أن يضع نفسه فى تحد لجميع المسؤولين من خلال تصريحاته الحادة فى الأكاديمية العسكرية الفرنسية، حيث إنه كان حريصاً على التفاخر بأنه يبدو أكثر مكراً وحدة من أى شخص آخر، لكن بحسب المقال، فإن «لكل تهور ثمناً غالياً».
وبدأ مكريستال الهجوم على نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن، وقلل من شأنه، ورفض استراتيجية «مكافحة الإرهاب» الخاصة به، واعتبرها «قصيرة النظر»، وأكد أن هذه الاستراتيجية لن تسفر سوى عن «فوضى- استان»، على حد تعبيره. وتساءل مكريستال باستهزاء: «من يكون بايدن هذا؟!».
وتعتبر المجلة تصريحات القائد الأمريكى أدت إلى أن يتلقى صفعة قوية من أوباما وإقالته من منصبه.
وأوضحت المجلة أنه على الرغم من أن مكريستال أدلى بصوته لصالح أوباما خلال الانتخابات الأمريكية، فإنه ومساعديه فشلوا فى التواصل مع الإدارة الأمريكية منذ البداية.
وقال مستشار للقائد الأمريكى، لم تفصح المجلة عن اسمه، إن أوباما اجتمع مع مكريستال، بعد أسبوع واحد من توليه مهامه، كواحد ضمن ١٢ مسؤولاً عسكرياً آخر فى إحدى الغرف داخل وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون». وتقول المجلة إن مصادر مقربة، حضرت الاجتماع، أكدت أن مكريستال شعر خلال الاجتماع بأن أوباما لم يشعر بارتياح تجاهه، وأنه نظر له بعدم ثقة وريبة شديدة.
وأضافت المجلة، نقلاً عن المصدر ذاته قوله: إن أول لقاء انفرادى بين أوباما ومكريستال كان فى البيت الأبيض، خلال العام الماضى، بعد نحو ٤ أشهر على اجتماعهما الأول، لكن مكريستال لم يشعر بأن أوباما قد غير من شعوره تجاهه. وأكد المتحدث أن القائد أصيب بـ«حالة من الإحباط»، بعد هذا اللقاء الذى «لم يتعد ١٠ دقائق»، وكان على حد زعمه لـ«التقاط الصور فقط».
وسخر مستشار لمكريستال من أوباما قائلاً: إنه من الواضح أن الرئيس الأمريكى كان لا يعرف عن القائد الأمريكى أكثر من أنه الرجل المكلف بإدارة حرب أفغانستان. وإكمالاً لمسيرة الهجوم التى شنها مكريستال ومساعدوه على الإدارة الأمريكية، سخر أحد مساعدى القائد الأمريكى من الرئيس الأمريكى ومن سياساته، كما انتقد كبار المسؤولين فى البيت الأبيض، فوصف مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومى جيم جونز، وهو جنرال متقاعد، بأنه «مهرج»، مازال متمسكاً بالعيش فى عام ١٩٨٥.
وتنقل «رولينج ستون» عن أحد أعضاء فريق عمل القائد الأمريكى وصفه للانتقاد اللاذع الذى شنه مكريستال على المبعوث الأمريكى الخاص إلى أفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك، وتقليله من شأنه وسخريته منه، كما أكد أنه وصفه بأنه «حيوان جريح» يخشى دائما من صدور حكم بفصله أو إقالته فى أى لحظة.
وتدعى المجلة أن مكريستال ومساعديه أكدوا «عدم اقتناعهم بالإدارة الأمريكية وبسياستها»، باستثناء وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون التى ساندت استراتيجية القائد الأمريكى فى إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان، وقالت هيلارى: إذا كان مكريستال يرغب فى ذلك، إذن فافعلوا ما يريد.
وتولى مكريستال قيادة كل القوات الأمريكية وقوات حلف الأطلنطى فى أفغانستان فى عام ٢٠٠٩ بعد عزل سلفه الجنرال ديفيد مكيرنان، بسبب ما فسره بعض الخبراء على أن واشنطن بدأ ينفد صبرها إزاء التكتيكات التقليدية لقمع العنف المتصاعد.
يذكر أن عدد قتلى الجيش الأمريكى وصل فى شهر يونيو الجارى إلى ١٠٠٠ جندى، فيما تضاعف عدد العبوات الناسفة التى تستهدفهم، وظهر أن إنفاق مئات المليارات من الدولارات على خامس أفقر دولة فى العالم لم يحقق أهدافه فى كسب عقول المدنيين الذين تتراوح مواقفهم من الجيش الأمريكى بين القلق والعداء المعلن.