حينما كانت الحياة بسيطة ونقية، كان الشعر ولردحٍ طويل من الزمن ديوان العرب يخلد أمجادهم ويصف أحوالهم، وكان الوسيلة الإعلامية الأكثر شيوعاً ينقل الأخبار ويصف أطلال الديار، ويشن من خلاله حروباً نفسية شعواء، وكانت تشتهر كل قبيلة بشاعر يخلد مآثرها ويدافع عن مواقفها ويرد على من يهاجمها. ولعل أصدق الشعراء من تبنى الحق قضية وراح يدافع عنها بكل ما أوتي من ملكات الشعر، فهذا حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم يطلق أعنة القوافي ويرد بلسان فصيح على كل من سولت له نفسه الأمارة بالسوء أن يتعرض للرسول الأمين أو للدين الحنيف بأذى. وحسان بن ثابت بن منذر الأنصاري وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام وكان شديد الهجاء فحل الشعر، حتى توفي في المدينة 674م. والقصيدة من البحر الوافر. عَفَتْ ذاتُ الأَصابِعِ فالجَواءُ، إلى عَذْراءَ مَنزِلُها خَلاءُ دِيارٌ مِن بني الحَسْحَاسِ قَفْرٌ، تُعَفِّيها الرَّوامِسُ والسماءُ وكانت لايَزَالُ بها أَنيسٌ خِلالَ مُروجِها نَعَمٌ وشاءُ فَدَعْ هذا، ولكِنْ مَن لِطَيْفٍ، يُؤَرِّقُني إذا ذَهَبَ العِشاءُ لِِشَعْثاءَ التي قد تَيَّمَتْهُ، فليسَ لِقَلبه منها شِفاءُ كأنَّ سَبيئَةً مِن بيتِ رأسٍ، يكونُ مِزاجُها عَسَلٌ وماءُ على أَنْيابِها، أو طَعْمَ غَضٍّ مِن التّفّاحِ هَصَّرَهُ الجَناءُ إذا ما الأَشْرِباتُ ذُكِرْنَ يوماً، فَهنّ لِطَيّبِ الرَّاحِ الفِداءُ نُوَلّيها المَلامَةَ، إن أَلِمْنا إذا ما كان مَغْثٌ أو لِحاءُ ونَشْرَبُها فَتَتْرُكُنا مُلوكاً وأُسْداً ما يُنَهْنِهُنا اللقاءُ عَدِمْنا خيلنا إنْ لم تَرَوْها تُثيرُ النَّقْعَ مَوعِدُها كَدَاءُ يُبارينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِداتٍ على أكْتافِها الأَسَلُ الظِّماءُ تَظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّراتٍ، تُلَطِّمُهُنَّ بالخُمُرِ النّساءُ فإمّا تُعْرِضوا عنّا اعْتَمَرْنا، وكانَ الفَتْحُ، وانْكَشَفَ الغِطاءُ وإلاّ فاصْبِروا لِجِلادِ يومٍ يُعِزُّ اللهُ فيهِ مَن يَشاءُ وجِبريلٌ أَمينُ اللهِ فينا، وروحُ القُدْسِ ليس لهُ كِفاءُ وقالَ اللهُ: قد أَرْسَلْتُ عَبْداً يقولُ الحَقَّ إنْ نَفَعَ البَلاءُ شَهِدْتُ بهِ، فقُومُوا صَدِّقوهُ! فَقُلْتُمْ: لا نَقومُ ولا نَشاءُ وقالَ اللهُ: قد يَسَرْتُ جُنْداً هُمُ الأَنْصارُ، عُرْضَتُها اللّقاءُ لنا في كلّ يومٍ مِن مَعَدٍّ سِبابٌ، أو قِتالٌ، أو هِجاءُ فَنَحْكُمُ بالقَوافي مَن هَجانا، ونَضْرِبُ حينَ تَخْتَلِطُ الدِّماءُ ألا أَبْلِغْ أبا سُفْيانَ عنّي فأنتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَواءُ بأنّ سيوفَنا تَرَكَتْكَ عَبْداً، وعبدُ الدّارِ سادَتُها الإماءُ هَجَوْتَ مُحَمَّداً، فأَجَبْتُ عنهُ وعندَ اللهِ في ذاكَ الجَزاءُ أَتَهْجوهُ، ولستَ لهُ بِكُفْءٍ، فَشَرُّكُما لِخَيْرِكُما الفِداءُ هَجَوْتَ مُبارَكاً، بَرّاً، حَنيفاً أمينَ اللهِ، شِيمَتُهُ الوَفاءُ فمَن يَهْجو رسولَ اللهِ منكُمْ، ويَمْدَحُهُ ويَنْصُرُهُ سَواءُ فإنّ أبي ووالِدَهُ وعِرْضي لِعِرْضِ مُحُمَّدٍ مِنْكُمْ وِقاءُ فإمّا تَثْقَفَنَّ بَنو لُؤَيٍّ جُذَيْمَةَ إنّ قَتْلَهُمُ شِفاءُ أُلئكَ مَعْشَرٌ نَصَروا علينا، فَفي أَظْفارِنا مِنهمْ دِماءُ وحِلْفُ الحارِثِ بنِ أبي ضِرارٍ وحِلْفُ قُرَيْظَةٍ مِنّا بَراءُ لِساني صارِمٌ لا عيبَ فيهِ وبَحْري لا تُكَدِّرُهُ الدّلاء