فكيف يحدث أن يشيخ بعض الأفراد قبل غيرهم ممن هم في مثل سنهم؟
يقول الأخصائيون: إن للإنسان ثلاثة أعمار:
ـ عمر يحدده التقويم (أي الزمن).
ـ عمر بيولوجي (حيوي) تحدده طريقة قيام الجسم بوظائفه الأساسية.
ـ وعمر سيكولوجي (نفسي) وهو الذي يبدو علينا في تصرفاتنا ومواقفنا من الحياة. ويقال بهذا الصدد إن الشيخوخة «حالة نفسية» ليس لها من الأهمية إلا ما نعطيه نحن لها».
إن بعض الإكتشافات الحديثة على صعيد علم الحياة (البيولوجيا) قد أثبتت أن النشاط الحيوي للجسم البشري يمكن المحافظة عليه، وإبقاؤه سليماً حتى سن متقدمة جداً.
والواقع أن القسم الأكبر من الإنحطاط الجسدي، الذي كان ينسب في الماضي إلى مرور السنين، راجع إلى عامل المرض، مثال ذلك: إن تصلّب الشرايين ظل، لزمن طويل، معتبراً ظاهرة عادية من ظواهر الهرم، ثم ثبت علمياً، أنه مرض من الأمراض، ينجم عن اختلال التوازن الحيوي الكيميائي (بيوشيمي).
ومن العوامل الفعّالة الأخرى، يحسن بنا ذكر ما يتعرض له جهازنا العصبي من هجمات عدوانية وهو ما اتفق الأخصائيون على تسميته «التوتر أو الشدة» "stress" أي أقصى درجات التحمل ـ ومن يتعرض لمثل هذه العوامل يهرم بسرعة أكبر، ومن يستطع تحاشيها يبق محافظاً على شبابه زمناً أطول.
وللوسط الطبيعي أهميته بدوره. فالجلد الذي يتعرض باستمرار لأشعة الشمس يأخذ بالجفاف شيئاً فشيئاً، إلى أن يغدو داكن اللون قاسياً، فيفقد مرونته ويتجعد، ويلاحظ الأطباء دائماً الفرق بين «سن» منطقة من الجلد تتعرض لأشعة الشمس باستمرار وبين رقعة أخرى تحميها الثياب. ويمكن للحرارة الخارجية أن تلعب دورها.
في المناطق ذات المناخ الجاف، تطول الحياة أكثر منها في المناطق الحارة الرطبة. إن أولى الشعرات البيضاء يمكن أن تظهر لدى الإنسان العادي في حوالي الخامسة والثلاثين والواقع، أن تبدل لون شعر الرأس راجع لعوامل كثيرة، كسوء التغذية في سنين الطفولة الأولى، وكالنقص أو الإفراط في إفراز الغدد الصماء، وكالصدمات النفسية أو الجسدية. ويبدو أن بعض النقص الذي يلحق برهافة السمع مرتبط بالهرم. وغالباً ما تؤثر أمراض أخرى مثل هذا التأثير.
إن طبيباً أمريكياً، مختصاً بأمراض الأذن والأنف والحنجرة، قد اكتشف في السودان مواطنين من قبيلة «مابادان» يتمتعون، وهم في السبعين من العمر، بسمع مرهف كسمع الأمريكيين في السابعة عشرة. وقد فسر هذا الطبيب هذه الظاهرة بأن هؤلاء الأفريقيين يعيشون بعيداً عن صخب المدينة وضجيجها، وأن لهم أصواتاً هادئة ولطيفة. فهم لا يصرخون أبداً. أما بالنسبة لما يتعلق بالحياة الجنسية، فالأطباء مجمعون، عموماً على أن المتاعب التي تظهر مع تقدم المرء في السن، ترجع عادة إلى عوامل نفسية أكثر منها جسدية. وثمة إحصاء حديث يثبت، بالبرهان الواقعي القاطع أن 70 بالمئة من الأزواج ذوي الصحة السليمة لا ينقطعون عن ممارسة نشاطاتهم الجنسية المعتادة (بمعدل أربع مرات في الشهر على الأقل) حتى سن السبعين، وربما إلى ما بعدها.
والسؤال الذي ماانفك الناس يلقونه منذ أن وعوا حقيقة وجودهم على سطح كوكبنا هذا هو: هل من الممكن وقاية الإنسان من الشيخوخة أو تأخير موعدها على الأقل.
والجواب: نعم يمكن تأخير موعد الشيخوخة بلا تردد.
نعم على صعيد واحد على الأقل هو صعيد التغذية.
فالظاهر أن الإعتدال مع شيء من الزهد في الطعام يعطي نتائج طيبة جداً. فقد أجريت تجارب في المختبر على فئتين من الفئران، أعطيت الفئة الأولى غذاءً قليلاً، والثانية مزيداً من الغذاء. وكانت النتيجة أن عاشت فئران الفئة الأولى فترة أطول من فئران الفئة الثانية. كما أن الفئران التي لم تتغذَّ كثيراً، قد استطاعت مقاومة الأورام السرطانية الخبيثة التي طعمت بها. بينما ماتت رفيقاتها بها بعد فترة قصيرة.
إن تراكم الدهن في الجسم لا يترجم بمزيد من الوزن يحمله الجسم فقط بل إن الأنسجة الدهنية بحاجة هي أيضاً إلى الدم. وهذا ما يفرض على القلب عملاً إضافياً ليوفر لها حاجتها.
والتمارين الرياضية تستطيع، إلى حدّ ما، إصلاح ما تفسده السن. ولكن الملاحظ أن الإنسان، منذ الثلاثين، يبدأ بالإنصراف عن بذل الجهد العضلي الشديد، كما أنه، في الوقت نفسه، لا يعود مؤهلاً لذلك بصورة كافية. ويدل إحصاء أجري على ثلاث فئات من الناس: رياضيين، ورياضيين سابقين، وأشخاص لم يمارسوا الرياضة، يدل هذا الإحصاء على أن الرياضة، بوجه عام، تخفف من تأثير السن، وتؤخر ظهور دلائله، شرط أن تمارس بانتظام واستمرار. أما النساء اللواتي لا يصبن عادة بتصلب الشرايين حتى سن اليأس، فما ذلك إلا بفضل ممارستهن اليومية للأعمال المنزلية التي تعتبر بمثابة رياضة جيدة. وفي رأي العلماء أن التغييرات التي تأتي مع التقدم في السن، إنما ترجع إلى التناقص المتتالي في عدد الخلايا النشيطة، وإلى نقص مردود الخلايا الباقية حية وهو نقص مردّه إلى الإرهاق الذي يفرض عليها نظراً لقلة عددها.
ولكن من أي شيء تموت الخلايا؟ وكيف تصبح عاجزة.
في اعتقاد بعض العلماء أنه ينبغي البحث عن الجواب في آلية المناعة لدى الجسم، ومن هناك يكون انتفاء الصمود أمام الهجمات الجرثومية، أو مفعول العناصر المختلفة هو الذي يجعل بعض الأفراد يشيخون بسرعة. وفي اعتقاد البعض الآخر من العلماء، أن الإنسان ينتج المزيد من مضادات الأجسام التي تقاوم بروتينياته نفسها مع تقدمه في العمر، وهذه هي في نظرهم علة وثمة نظرية أخرى تضع الوراثة في مقدمة الأسباب. تقول هذه النظرية، وهي حديثة جداً في علم البيولوجيا: إن كل إنسان منا يحمل، منذ ولادته ساعة بيولوجية داخلية، مهيأة للعمل عدداً محدداً من السنوات، وصاحب هذه النظرية عالم وطبيب كندي، حيث يقول في نظريته إن كل إنسان يولد مزوداً بكمية ما من طاقة التكييف تتيح له أن يواجه التوتر وغيرها من هجمات الأمراض والجراثيم، مما يتعرض له خلال حياته كالحوادث المختلفة، والهموم، وسوء التغذية، والإنتانات، وتقلبات الجو. وكل عامل من هذه العوامل يستهلك مقداراً من هذه الطاقة المخزونة، فإذا ما بدأ الإفتقار إليها أطلت الشيخوخة في الحال.
ويتابع هذا الطبيب قائلاً:
إن كل وطأة تترك وراءها اندمالاً لا يمحى. ولكي يستمر الجسم حياً يترتب عليه أن يدفع لقاء ذلك جزءاً من شبابه يتخلى عنه. ومع ذلك فقد لا يكون لأي شيء أي قيمة في مواجهة الشيخوخة غير الحالة النفسية والمعنوية. وفي هذا المعنى يقول أحد الفلاسفة: «كم تكون السنوات خفيفة الوطأة بالنسبة للهادئين والمتفائلين! أما من كان عكس ذلك فالشباب يثقل كاهله كوقر باهظ».