كان مواء القطط يرتفع بصورة لا تحتمل، وبدا الأمر وكأنه سجال بين تلك القطط، فكلما صمتت قطة ردت الأخرى عليها، فتارة تتناوب المواء وتارة أخرى تموء بصورة جماعية، بينما استلقى «فارس» على سريره وقد غطى وجهه بدثاره، ولكن المواء لم ينقطع، كوّم الدثار على وجهه وما زالت الحال على ما هي عليه، رفع الوسادة ثم وضعها على الدثار المكوّم على وجهه، لكن هذه الفكرة لم تنفع أيضاً، ألقى بالدثار والوسادة بعيداً، وقفز من سريره متجهاً إلى النافذة ففتحها ثم أطل منها صائحاً: -اصمتي.. أيتها القطط اللـ... لكن القطط أبت إلا أن ترفع أصواتها متحدية، فتناول زهرية كانت بجواره وقذفها إلى حيث القطط صائحاً: - قلت: اصمتي عليك اللـ... تحطمت الزهرية حيث كان مجمع القطط، فتفرقت القطط تجري هنا وهناك مذعورة، نظر إلى ساعته، كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، نظر حوله بعينين أثقلهمها النعاس وبخطوات متعثرة عاد إلى سريره، ثم ألقى ببدنه المنهك على السرير. لقد ظن أن كل شيء قد انتهى، لكن كل شيء كان قد بدأ منذ تلك اللحظة، فقد بدأ المكيف بإصدار أصوات غريبة، ثم انبعثت منه شرارة كهربائية مع صوت فرقعة تلاها دخان كثيف ثم انطفأ المكيف، قام (فارس) وهو يسب ويشتم القطط ،المكيفات ومن اخترع المكيفات، وكان سعاله يقطع سيل سبابه بين الحين والحين، توجه إلى بهو الدار وألقى بنفسه على أول أريكة ظهرت أمامه، وما أن أغمض عينيه حتى فتحهما على صوت صاخب وضحكات تتعالى وخطوات تهرول تارة وتركض تارة وتقفز تارة أخرى، رفع بصره مستشعراً مصدر الصوت واكتشف مصدره، إنه من عند جيرانه الذين يقطنون في الطابق العلوي، قام من مكانه وفتح الباب ثم اندفع على السلالم يثب وثباً حتى وصل إلى حيث باب مسكن جيرانه، واستجمع ما تبقى لديه من قوة فرفع يده وقرع الجرس، وما هي إلا لحظات حتى كان جاره قد فتح الباب، وما أن رأى «فارس» حتى صاح: - أهلاً بالجار.. تفضل معنا... نظر إليه «فارس» من بين أهدابه، وأجفانه تغالب الغمض، ثم قال بصوتٍ واهٍ: - أعتقد أنكم تسببون لي بعض الإزعاج.. رد جاره بمرح: - أوه.. نأسف لذلك.. لكننا قد بدأنا للتو هذا الحفل.. إنه بمناسبة نجاح ابني.. - حسناً.. مبارك... - بارك الله فيك... تفضل معنا... - شكراً.. تصبحون على خير.. أخفضوا من ضوضائكم... وهبط السلالم عائداً إلى مسكنه، ثم دخل مغلقاً الباب، حاول أن ينام لكن الضوضاء كانت مستمرة، وعلى الرغم من أنها خفت إلا أنه لم يستطع النوم، قام وقد فكر في تغيير مكان نومه، توجه نحو آخر غرفة في مسكنه وفتح بابها ثم ألقى بنفسه على الأرضية محاولاً النوم، وكانت تلك الغرفة تطل على مستنقع قريب، نَعِم «فارس» بلحظات من الهدوء لم تدم طويلاً، فقد بصورة جماعية، قام بعصبية وفتح النافذة صائحاً: - اهدئي أيتها الحيوانات الدنيئة.. اهدئي أيتها الحيوانات البغيضة.. وبدأ يكيل لها الشتائم وأخذ صوته يعلو ويعلو، ونقيق الضفادع يعلو مع علو صوته، وفجأة هدأت الضفادع بينما استمر هو في صراخه مدة ليست بالقصيرة حتى أدرك أن الضفادع هدأت فسكت وأغلق النافذة. ثم عاد إلى مكانه لينعم بقسط من الراحة، وما كانت إلا مدة يسيرة حتى استيقظ مرة أخرى على صوت قرع الباب، قام وفتح الباب فإذا به وجهاً لوجه أمام شرطي، تيقظ قليلاً وهو يسأل: - هل من خدمة؟ أجابه الشرطي: - أنت تسكن هنا؟ - نعم.. - لا أحد معك؟ - نعم.. - إذن، تفضل معي لو سمحت.. - إلى أين ؟!.. - إلى المخفر، هناك من أبلغ عنك بأنك سببت الإزعاج بصياحك بصوتٍ عالٍ.. - لكني .. كنت أسكت الضفادع.. - لا بأس.. تفضل معي.. - لكن الضفادع.... - لا تقلق، سنصطحبها معنا لتدلي بأقوالها.. - أنا لا أمزح.. - حسناً.. ستعرف ذلك في المخفر.. - لكن كنت أريد الهدوء.. -سوف تنعم بالهدوء في الحبس لدينا.. وأخذه الشرطي معه وأركبه السيارة، بينما أخذ «فارس» يشتم القطط والمكيفات والحفلات والضفادع.. وكل ما كان يُصدر صوتاً على وجه البسيطة. بدأت ضفادع المستنقع في النقيق