علاقة علم الاجتماع بالعلوم الاخرى علاقته بعلم الاقتصاد :يعتبر الانتاج والتوزيع في مقدمة اهتمامات علم الاقتصاد لذلك يصب اهتمامه على علاقات ومتغيرات اقتصادية خالصة كالعلاقة بين العرض والطلب وارتفاع الاسعار وهبوطها... الخ. ولكن بالرغم من تضييق مجال علم الاقتصاد إلاّ ان ذلك اعطاه قدرة على معالجة ظواهره بطريقة منظمة وحدد مصطلحاته ومقاييسه ومبادئه الاساسية بدقة متناهية، بل ان قدرة هذا العلم على تحويل النظرية الاقتصادية إلى التطبيق العملي جعله مساهماً اساسياً في رسم السياسات العامة. وبالرغم من ذلك فان التشابه بين علمي الاقتصاد والاجتماع نجده في طابع التفكير، فالاقتصادي كالاجتماعي يهتم بالعلاقات بين الاجزاء والسيطرة والتبادل والمتغيرات، ويستعين بالطرق الرياضية في تحليل بياناته .علاقته بعلم السياسة: التكيف السياسي مع المجتمع هو سيرورة ترسيخ المعتقدات والتمثلات المتعلقة بالسلطة وبمجموعات الانتماء. فليس هناك من مجتمع سياسي يكون قابلاً باستمرار للحياة من دون استبطان حد أدنى من المعتقدات المشتركة المتعلقة في آن واحد بشرعية الحكومة التي تحكم، وبصحة التماثل بين الافراد والمجموعات المتضامنة. يهمُّ قليلاً ان تكون هذه المعتقدات ثابتة أو لا في حجتها، اذ يكفي ان تنتزع الانتماء(16).فدراسة التكيف السياسي مع المجتمع يجب ان يُنظر لها من مظهر مزدوج كيف يمكن بمساعدة تصورات ملائمة عرض هذه المعتقدات والمواقف والاراء المشتركة بين كل اعضاء المجموعة او جزء منها؟ وكيف يمكن التعرف على سيرورات الترسيخ التي بفضلها يجري عمل التمثل والاستبطان؟ ومن هنا، نجد ان علم الاجتماع يهتم بدراسة كافة جوانب المجتمع بينما علم السياسة يكرس معظم إهتماماته لدراسة القوة المتجسدة في التنظيمات الرسمية. فالاول يولي اهتماماً كبيراً بالعلاقات المتبادلة بين مجموعة النظم (بما في ذلك الحكومة)، بينما الثاني يهتم بالعمليات الداخلية كالتي تحدث داخل الحكومة مثلاً، وقد عبَّر ليبست (lipset) عن ذلك بقوله: «يهتم علم السياسة بالادارة العامة، اي كيفية جعل التنظيمات الحكومية فعالة، اما علم الاجتماع السياسي فيعنى البيروقراطية، وعلى الاخص مشكلاتها الداخلية». ومع ذلك فان علم الاجتماع السياسي يشترك مع علم السياسة في كثير من الموضوعات بل إن بعض العلماء السياسيين بدأوا يولون اهتماماً خاصاً بالدراسات السلوكية ويمزجون بين التحليل السياسي والتحليل السوسيولوجي(18 ).علاقته بعلم التاريخ :إن تتبع التاريخ للاحداث التي وقعت، هو في حد ذاته ترتيب وتضيق للسلوط عبر الزمن. وبينما يولي المؤرخون اهتماماتهم نحو دراسة الماضي ويتجنبون البحث عن اكتشاف الاسباب (باستثناء فلاسفة التاريخ)، فان علماء الاجتماع يهتمون بالبحث عن العلاقات المتبادلة بين الاحداث التي وقعت واسبابها. ويذهب علم الاجتماع بعيداً في دراسة ما هو حقيقي بالنسبة لتاريخ عدد كبير من الشعوب ولا يهتم بما هو حقيقي بالنسبة لشعب معين.والمؤرخون لا يهتمون كثيراً بالاحداث العادية التي تتخذ شكلاً نظامياً كالملكية او العلاقات الاجتماعية داخل الاسرة كالعلاقة بين الرجل والمرأة مثلا، بينما هي محور إهتمامات علم الاجتماع. إلاّ ان هذه الاختلافات لم تمنع بعض المؤرخين امثال روستو فتزيف (Rostovtzev) وكولتن (coulton) وبوركهارت (burkhardt) من ان يكتبوا تاريخاً اجتماعياً يعالج الانماط الاجتماعية والسنن والاعراف والنظم الاجتماعية الهامة(19).ولقد كان ابن خلدون واضحاً في تعريفه لعلم التاريخ عندما ربط الحاضر والماضي بطبيعة «العمران والاحوال في الاجتماع الانساني» وجعل منه علماً «شريف الغاية، اذ هو يوقفنا على احوال الماضيين من الامم في اخلاقهم»(20) .علاقته بعلم النفس :يُعرَّف علم النفس بانه علم دراسة العقل أو العمليات العقلية وبالتالي فهو يتناول قدرات العقل على ادراك الاحاسيس ومنحها معاني معينة ثم الاستجابة لهذه الاحاسيس العقلية كالادراك والتعرف والتعلم.كما يهتم بدراسة المشاعر والعواطف والدوافع والحوافز ودورها في تحديد نمط الشخصية.وبينما يعد مفهوم «المجتمع» أو النسق الاجتماعي محور علماء الاجتماع فان مفهوم «الشخصية» محور علماء النفس الذين يعنون بالجوانب السيكولوجية اكثر من عنايتهم بالجوانب الفسيولوجية. وبهذا فان علم النفس يحاول تفسير السلوك كما يبتدي في شخصية الفرد من خلال وظائف اعضائه وجهازه النفسي وخبراته الشخصية. وعلى العكس يحاول علم الاجتماع فهم السلوك كما يبتديء في المجتمع وكما يتحدد من خلال بعض العوامل مثل عدد السكان والثقافة والتنظيم الاجتماعي.ويلتقي علمي النفس والاجتماع في علم النفس الاجتماعي الذي يهتم من الوجهة السيكولوجية الخالصة بتناول الوسائل التي من خلالها تخضع الشخصية أو السلوك للخصائص الاجتماعية او الوضع الاجتماعي الذي يشغله. ومن الوجهة السوسيولوجية في توضيح مدى تأثير الخصائص السيكولوجية لكل فرد أو مجموعة معينة من الافراد على طابع العملية الاجتماعية(21).ويؤكد هومانز (Homans) في كتابه عن السلوك الاجتماعي اهمية الدوافع النفسية المفروضة على الجماعات في تفسير بناء الجماعة، ويتضمن ذلك النشاط والتفاعل والمعايير والعواطف التي تنشأ عمّا هو اجتماعي. وهو بذلك يركز على اشكال السلوك الاجتماعي التي تختلف باختلاف المجتمعات والثقافات(22) .علاقته بعلم الديموغرافيا: الديموغرافيا (Demography)(23) او علم السكان، علم احصائي يهتم بتوزيع وتركيب السكان ونموهم والمواليد والوفيات والهجرات والمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الى غير ذلك(24). ومن المسلّم به إن فكرة تأثير حجم السكان على طبيعة الظواهر الاجتماعية فكرة قديمة في علم الاجتماع، فقد أشار إليها كل من مالتس (Maltas) وزميل دوركهايم (Z - Dorkhayim) فالديموغرافيا تُقدم تفسيرات ترتكز على الخصائص البيئية للمشاركين، باعتبار ان هذه البيئة تنطوي على اعداد معينة للسكان. والديموغرافيا تحدد ما هو اجتماعي في ضوء السلوك الموضوعي، فضلاً عن كونها تسعى إلى كشف العلاقات الموضوعية التي تظهر في عمليات: التحضير والانتاج الاقتصادي، والانساق السياسية والانساق التربوية، كما تهتم بالانماط الذاتية للسلوك مثل القيم الثقافية(25).النظرية الاجتماعية الفقهية: طموح متأخري الفقهاءإن التطور الذي حصل في البنية الشرعية والفلسفية لعلم الاصول خلال القرون الماضية من عمر التشيع لاهل البيت(ع) فتح آفاقاً واسعة لاستثمار ذلك المخزون العلمي الخام. فكان العمل من أجل بلورة النظرية الاجتماعية الفقهية أهم ثمار المرحلة التي أفرزها التكامل الموضوعي لاصول الفقه(26).لذا فإن أهم ثمرة يمكن جنيها من دراسة وتبويب وتنظير المفردات الفقهية هو عرضها على شكل نظرية إجتماعية للعالم المتعطش نحو فهم دوره الاجتماعي في الوجود. فالنظرية الفقهية الاجتماعية تمثل عصارة تفكير فقهائنا العظام في مدرسة أهل البيت(ع) وطموحهم نحو بناء المجتمع الاسلامي الممهد لظهور الامام القائم «عجل الله فرجه». فما أن استكملت النظرية الاصولية بناءها الشامخ في الدليل العقلي والملازمة بين الدليلين الشرعي والعقلي، حتى مهّدت الطريق نحو مرحلة جديدة من مراحل الرؤية الفقهية للفرد وللنظام الاجتماعي، فكان التطور الذي حصل في علم اصول الفقه وطبيعة الفهم الجديد حول وظيفة المكلف الشرعية قد أرسيا قواعد عقلية وشرعية لمناقشة أصول النظرية الاجتماعية على ضوء الفكرة الدينية(27).وهذا الفهم دفع نخبة من فقهاء الحوزة العلمية المتأخرين إلى التحسس بضرورة تطبيق القواعد الاصولية على المشاكل الاجتماعية التي يعيشها المسلم المعاصر. وبتعبير آخر استثمار عملية الاجتهاد الشرعي من أجل بناء الحياة الاجتماعية للمسلمين. ذلك ان الاستمرار في بناء وترميم الهيكل الاصولي المتكامل من غير محدودة من الزمن ودون الالتفات إلى طبيعة التغير الاجتماعي الذي تعيشه المجتمعات المعاصرة قد يضر بعملية استنباط الوظيفة الشرعية للمكلف التي اهتم بها علم الاصول من البداية. ولذلك فإن أصواتاً علمية بدأت تنطلق من الحوزات العلمية تدعو إلى بذل الجهود من أجل الاهتمام بالفقه الاجتماعي في ممارسة عملية الاجتهاد وإستثمار القواعد المشتركة في إستنباط الاحكام الشرعية التي تهم المكلف في موطن الابتلاء المتغير مع التغيرات الاجتماعية المستمرة دوماً. وهكذا كان فقد انبرى خيرة من فقهاء الطائفة في العصر الحديث نذكر منهم:الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (ت 1373هـ) والسيد الشهيد محمد باقر الصدر (ت 1400هـ) والسيد الامام الخميني (ت1409هـ).فقد اعتبر الشيخ كاشف الغطاء العمل السياسي والاجتماعي من واجباته الشرعية، وطالما كان يردد كلمة الامام علي)ع): (إن الله أخذ على العلماء ان لا يغاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم). وفي أحد رسائله المهمة حول دور الفقيه في إدارة المجتمع يقول الشيخ كاشف الغطاء: «أما التدخل بالسياسة فإن كان المعني بها هو الوعظ والارشاد والنهي عن الفساد، والنصيحة للحاكمين والمحكومين، والتحذير من الوقوع في حبائل الاستعمار والاستعباد، ان كانت السياسة هي هذه الامور، نعم انا غارق فيها إلى هامتي وهي من واجباتي واراني مسؤولاً عنها أمام الله والوجدان، النيابة العامة والزعامة الكبرى والخلافة الالهية العظمى(28) "يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق"(29).وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على مدى ادراكه لقضايا الحقوق والواجبات في المجتمع الاسلامي.أما السيد الشهيد(قده) فيقول في مناقشة لطبيعة التطور في عملية الاجتهاد: «اظن اننا متفقون على خط عريض للهدف الذي تتوخاه حركة الاجتهاد وتتأثر به وهو تمكين المسلمين من تطبيق النظرية الاسلامية للحياة، لان التطبيق لا يمكن أن يتحقق ما لم تحدد حركة الاجتهاد معالم النظرية وتفاصيلها. ولكي ندرك أيضاً الهدف بوضوح يجب أن نميز بين مجالين لتطبيق النظرية الاسلامية للحياة. أحدهما: تطبيق النظرية في المجال الفردي بالقدر الذي يتصل بسلوك الفرد وتصرفاته. والاخر: تطبيق النظرية في المجال الاجتماعي وإقامة حياة الجماعة البشرية على أساسها بما يتطلبه ذلك من علاقة إجتماعية واقتصادية وسياسية.وقد التفت السيد الامام الخميني(قده) إلى أهمية تأثير اختلاف الزمان والمكان على عملية الاجتهاد، وآمن بأن فكرة الاجتهاد عند الشيعة ينبغي ان تلحظ التغيرات الاجتماعية. فقال: (إن القضية التي كان لها حكم معين في السابق، يمكن أن يكون لها في الظاهر حكم جديد، فيما يتعلق بالروابط التي تحكم السياسة والاجتماع والاقتصاد في نظام ما، بمعنى نتيجة المعرفة الدقيقة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فحول الموضوع الاول ـ الذي لم يتغير في الظاهر ـ إلى موضوع جديد بالضرورة)، وفي مكان آخر أشار الامام الخميني إلى "ان الحكومة بنظر المجتهد الواقعي هي فلسفة أعمال تامة للفقه في جمع نواحي الحياة البشرية، والحكومة تظهر الجانب العملي للفقه عند مواجهته لجميع المعضلات الاجتماعية والسياسية والعسكرية والثقافية، في حين إن الفقه نظرية واقعية وكاملة لادارة شؤون الفرد والمجتمع من المهد إلى اللحد"(30).هذا، ومما لا شك فيه إن ادراك حقوق وواجبات الافراد في المجتمع، سيجعلنا أكثر قدرة على صياغة النظرية الاجتماعية الفقهية التي تسعى لتحقيق مصاديق العدالة الاجتماعية بين الافراد