والحقيقة أننا نتأسى دائما في مختلف مراحل حياتنا؛ فالطفل يقوم بالاقتداء بالكبار باعتبارهم مثله الأعلى، ويبدأ باكتساب العادات والتقاليد والملكات من خلال ما يسمعه ويلاحظه من أقوال وحركات وانفعالات. فيندفع برغبة خفية لا يشعر بها نحو محاكاة من يعجب به في لهجة الحديث أو أسلوب الحركة والمعاملة. والتلميذ يتدرب على الصنعة بالتأسي بالأستاذ والمعلم. وأنتم إذا كنتم لا تتقنون النطق بألفاظ، فعليكم التأسي بأشخاص يتقنونها، فقد تكونون مثلهم في غضون وقت قصير للغاية. فالذي يقلد خطيبا مفوها بصوته وإيقاعاته ونبراته يبدأ شيئا فشيئا بالإحساس بالثقة بالنفس. ومن أراد الاستفادة من الأحاسيس القوية والمشاعر الجياشة التي يتمتع بها، فعليه أن يبدأ بالأمر من محاكاة أحد الذين يعجب بهم. وإذا كنتم تعرفون أناسا يحسنون الاتصال والتعامل مع أولادهم فبإمكانكم متابعتهم والاستفادة من تجربتهم. فنحن نستطيع التشبه بمن نعجب به بالاحتذاء به؛ بأن نؤمن مثله ونفكر على طرازه ونتكلم بسليقته ونثابر على شاكلته ونتخلق بأخلاقه.. ولابد للإنسان من القدوة الصالحة في أمور معاشه وحياته الدنيوية لكي يعيش حياة مثالية؛ فالإنسان الذي ليس له قدوة صالحة لن يهتدي إلى الصواب في الحقيقة، ولن يكون على بصيرة من أمره وواثقاً من كونه على الحق والصواب، ولن يتفلت من الوساوس والشكوك حول الوصول إلى أهدافه؛ فمثله كمثل سفينة في خضم بحر محيط تمخر بدون بوصلة، فلا غرو أنها ستتيه بين ألف وجهة ووجهة. فهكذا الحياة؛ عروقها متشعبة وأساليبها متنوعة يحتاج سالكها إلى مرشد رشيد.. ولانغفل ابدا ان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة القدوات .. ودمتم بخير ..