يعتبر بناء المدن من مستلزمات التخطيط العمراني، والذي تطور في البلاد الإسلامية تطورا كبيرا. من حيث محور ومركزية انطلاق المدينة، وشوارعها، ومكوناتها المعمارية : وظهر ذلك كثيرا في المدن التي انشئت حديثا بعد الفتح الإسلامي، مثل : البصرة والكوفة والفسطاط والقيروان: فكان المسجد هو المحور وهو مرتكز المدينة ومنطلق شوارعها، فكان الجامع الكبير يقع في الوسط. فهناك دار الأمارة وحصون الجنود وهناك المدارس: التي لقيت عناية فائقة في حضارة المسلمين. فكانت ضمن المساجد. ثم تطورت المدرسة لتصبح من طابقين، فشملت مساكن للطلاب وللمدرسين. وهناك الثكنات العسكرية، وقد تسمى الأربطة : وهي ثكنات عسكرية اشتملت على الأبراج والأسوار وساحات التدريب ومساكن المجاهدين. وهناك الأسبلة: وهي الأماكن التي يشرب منها المارة، وقد تكون مستقلة أو ملحقة بالمساجد. وهناك الخانات: وهي بمثابة الفنادق في عصرنا الحاضر. والحمامات: وهي منتشرة في المدن، وبها مياه ساخنة للإستحمام. وهناك الآبار المنتشرة في المدن للسقيا. وهناك الأسواق، ومنها سوق الوراقين الخاص بالكتب والكتابة ولوازمها من الأحبار والأصبغة والجلود وغير ذلك. وكانت المدن محاطة بالأسوار ولها أبواب. وهناك عناية بالحدائق والبرك التي هي بمثابة المسابح اليوم. إنها حضارة ذات نظام بديع ورائع يدلل على القوة العلمية التي سادت المجتمع الإسلامي فجعلت منه مجتمعا حضاريا راقيا. ودليل على أن هناك تربية راقية اعتنت بمكونات الإنسان الدينية فاهتمت بالمسجد. واهتمت بمكوناته الإنسان العقلية فاعتنى بالتخطيط والتنظيم. واهتمت بمكونات الإنسان المهنية والاقتصادية فحصل البناء والتطوير. ولا شك أن فهم الدين وتأصله في نفوسهم جعل وكون منهم من بنى هذه الحضارة الراقية التي اهتمت بالإنسان وحاجاته. إنها ثمرة التربية النبوية التي امتدت بهم في تطور تدريجي حتى وصلوا لما وصلوا إليه.