الظهير القشاش

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : محمد الوشيحي | المصدر : dostor.org

أنا والرياضة ثالثنا الشيطان، لا أتعامل معها إلا في وجود محرمٍ ذي قربي. وكنت في لبنان، قبل بدء مباريات كأس العالم، عندما تقدمت مني مذيعة لبنانية شابة لم تمرّ شمس الخليج علي جلدها، يحيط بها عشرات المراهقين والشبان، يصرخون ويزعقون ويتقافزون، فتقدمَت مني وصرخَت وهي تمد لي الميكروفون: «مع مين؟»، فلم أفهم السؤال، وقيّض الله لي فتنّحت وظننتها تسألني «أنت تسكن مع من؟»، وظننت البرنامج عن «مساكن الشبّان» أو شيء مشابه، نظراً لوجود الشبان حولها، فأجبتها بصرخات تتسوّر صرخات المحيطين بها وبي: «بيت بالإيجار، ومعاي مرتي وأطفالي»، فتنّحت هي الأخري، وسادَ صمت حزين، وحدث «لبس تفاهم»، وتوقفت حركة السير، إنا لله، والتفت إليّ الشبان مستنكرين، فصرخَت هي مجدداً، هذه المرة بدون ابتسامة: «ألمانيا؟»، فأجبتها صارخاً: «شو بها؟»، أي ما الذي دهاها؟ فصرخت هي موضحة: «حضرتك مع ألمانيا؟»، فداهمتني رغبة في صفعها علي خدها الناعم الأملس ما لم تشرح لي موضوعها الذي أثار كل هذه الضجة والصراخ في الشارع؟

واكتشفتُ، بعد هنيهة، علي رأي النائب فيصل الدويسان، الذي كان مذيعاً يمتلك دماً في وزن نفط برنت، ويستخدم، للدلالة علي ثقافته، كلمات لا يعرفها الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمي بجلالة معلّقته! أقول اكتشفت أنها كانت تسألني عن المنتخب الذي أشجعه في كأس العالم، فأسقط في يدي، إذ لا أعرف ما هي المنتخبات المشاركة، وكدت أقول «الكويت» لولا أنني تذكرت أن الرياضة الكويتية موقوفة دولياً وعليها مشاكل وسمعتها بالبلا، ثم تذكرت «الجزائر» التي فازت علي «مصر» بعد خناقة وصل غبارها إلي السماء الثالثة، لكنني لم أكن متأكداً من اسم البطولة التي فازت فيها الجزائر، هل هي بطولة أفريقيا أم بطولة كأس العالم؟ وكدت أفقد كميات ضخمة من عرق الخجل لولا أن ربك تداركني برحمته التي جاءتني من خلال صرخات هؤلاء الصيّع المحيطين بالمذيعة: «البرازيل، إسبانيا، الأرجنتين»، فصرختُ صرخة من كاد يموت لشدة الظمأ ووجد بئر ماء: «إسبانيا، إسبانيا»، فصرخ محبّو إسبانيا: «هييييه» وغضب مشجعو الدول الأخري، وتركتني هي وجوقة المحيطين بها وراحت تسأل المارة الآخرين السؤال ذاته: «مع مين؟»، فحدفتُ خلفها سبع صخرات وأنا أتمتم بهمس وألهث: «امشي يلعن أبوج انتي والذبان اللي حواليج» .

وبعيداً عن كأس العالم، أشعر أنني «ميّال ميّال» علي رأي عمرو دياب الذي يجلب صوته الهمّ وقليلاً من الغم، أشعر أنني ميال للإسبان لأنهم «أبناء عمومة»، أري فيهم دماء أجدادي، الذين غزوهم واحتلّوا بلادهم وغيروا اسمها إلي «الأندلس» وأسموا احتلال إسبانيا «فتح الأندلس». وصاروا يمشون ويفتحون، ففتحوا المدائن والخزائن والكائنات الثدية، وكل ما اعترض ومن اعترض طريقهم فتحوه. فتح الله عليهم.

وتحمستُ فتابعتُ أجزاء من مباريات إسبانيا، فراقَ لي مدافع شرس اسمه «بايول» ذو الشعر الغجري الممدود، وتمنيت لو أنه ابن خالي لفرط شجاعته وبسالته واخلاصه لفريقه. وفازت إسبانيا، ورفعت رأسي، ولم تُضِع (ضمّ التاء بشويش، واكسر الضاد) دماء أجدادي الفاتحين التي امتلأت بها أوردة وعروق جدّات هؤلاء اللاعبين الأفذاذ.

وأعجبني اسمه، «بايول»، وأعجبني أكثر عندما قيل لي إنه «ظهير قشاش»، وتأكدت أكثر وأكثر أنه عربي من صلب عربي، وقد يكون جده وزيراً أو رئيس وزراء، لا يكتفي بالسيطرة علي الحكومة وهيئاتها وإداراتها، بل يمشي ويقش ما في طريقه. يقش جمعية حقوق الإنسان فتمتدح اعتقالاته، ويقش جمعية الصحفيين فلا تصدر بيانات تندد باعتقال أعضائها الصحفيين، ويقش جمعية حماية المال العام فتغمض عيناً وتغلق الأخري عن سرقات الباشا، ويقش جمعية المحامين فتمتدح إجراءاته القانونية عند اعتقال المعارضين، ويقش الشعب، ويقش القش.

علي رأسي من فوق يا «بايول» يا عربي من صلب عربي. أشهد أنك ابننا ودماؤك دماؤنا. يا قشاش يا سليل القشاشين.